موقع كلنا شركاء: د. محمد عادل شوك "تركيا، و الفصائلُ الإسلامية في سورية"د. محمد عادل شوك: تركيا، و الفصائلُ الإسلامية في سورية
د. محمد عادل شوك: كلنا شركاء
على الرغم من الاحتضان التركي معظمَ الفصائل الإسلامية في سورية، و السماح لها بالتحرّك على أراضيها، و تعيين ممثلين لها بشكل غير معلن لدى الجهات المعنية بالملف السوري؛ إلاّ أنها لم تكن ترضى منها كثيرًا من التوجهات و الرؤى، و لاسيّما الموسومة منها بالنزعة الفصائليّة.
و ذلك أن تركيا ( الرسمية ) يصعبُ عليها أن تقيم علاقات متماهية، مع جماعات لا تولي المشاريع المركزية كثير أهمية، و تميل إلى حالة التشظي، و تصرّ بشكل واضح على النمط اللامركزي في سلوكياتها، هذا إذا استثنينا الناحية التعليمية، و بعض الأمور الخدمية، و هي لا تعدّ ـ مع أهميتها ـ ذات أبعاد استراتيجية.
و إنّها ( تركيا ) و هي تخوض جولات من الصراع الداخلي العنيف، مع جماعات كردية ذات نوازع انفصالية، لتصرّ على ثوابت أربع لا ترى مجالاً للحيد عنها ( شعبٌ واحد، و عَلَمٌ واحد، و وطنٌ واحد، و جيشٌ واحد )، و هو الأمر الذي تبدو فيه هذه الفصائل الإسلامية في الملف السوري غير جدية.
ثمّ إنّ هذه الفصائل بشكل أو بآخر تصنّف بأنها جهادية، و بعضها موضوع على لوائح الإرهاب العالمية باتفاق، و بعضها الآخر مختلف في تصنيفه، و إنّ انخراط تركيا في جرابلس كان تحت شعار ( الحرب على الإرهاب )، و لذلك كانت محرجةً من وجود دوافع آيديولوجية لدى بعض عناصر الجيش الحر، عندما رفضت وجود القوات الأميركية الخاصة إلى جانبها، و عدَّت ذلك غير مبرر، و أنّه سيلقي بتبعاته السلبية على علاقة هذه المجموعة بأفراد الجيش التركي نفسه.
و إنّها تصرّ على علمانيتها على الرغم من وجود العدالة و التنمية في سدة الحكم؛ و لذلك كانت في وضع مريح لمّا حضر عددٌ من هذه الفصائل إلى مؤتمر الرياض، فقد أزاح ذلك كثيرًا من الثقل عن كاهلها، على الرغم من أن حضورها لم يكن بالمستوى المرجو، و لم يترجم على الأرض بسلوكيات توصف بأنها وطنية جامعة، تشي بأنها قد تجاوزت النمط الفصائلي الذي يستحكم فيها، و قد جاءت سلسلة الفتاوى حول مشروعية حضور أحرار الشام هذا المؤتمر مؤشرة على حجم التباين بين مرجعياتها الشرعية.
ناهيك عن أنّ إحدى هذه الفصائل ( حزب التحرير )، و جناحه العسكري ( جند الخلافة ) لا يخفون تباينهم مع حكومة العدالة، و قد أبدوا غبطتهم بانقلاب: 15/ تموز، و تمنّوا له النجاح و أن يأتي بخلافة على منهاج النبوة.
و غير خافٍ على المراقبين تباين فصائل أخرى منها ( فتح الشام، و جند الأقصى، و حتى حزب التحرير )، التي عارضت التدخل التركي الأخير في منطقة جرابلس، و صدرت عنهم فتاوى تحرم القتال تحت راية الجيش التركي ( العلماني، و الحليف للناتو الصليبيّ )، مهما سيقت من أجله المسوغات الشرعية و السياسية و العمليّاتيّة.
و جاء ذلك في ردّ منها على فصائل أخرى كـ ( أحرار الشام، و جيش الإسلام )، التي أبدت تفهمها للخطوة و ساقت لها من المبررات ما يكفي للاستعداد للقتال إلى جانبها، و نشبت على إثر ذلك حرب فتاوى بينهم، و غير بعيد أن يكون الصدام الناشب البارحة: 7/ 10، بين الجند و الأحرار، كإحدى تفاعلات هذه الفتاوى.
و مع ذلك لم تُبدِ الحكومة التركية استعدادًا لقبول انخراط عناصر الأحرار، إلى جانب الجيش الحر تحت مظلة قواتها؛ خوفًا من حالة عدم الانسجام بين مرجعيات الأحرار الشرعية، و هي التي ما تزال تتذكرّ ما كان منها من فتاوى تحرِّم حضورَ مسؤول مكتب علاقاتها الخارجية ( لبيب النحاس ) في مؤتمر الرياض لقوى الثورة و المعارضة السورية.
و غير بعيد عن ذلك مناوئة عدد من هذه الفصائل مؤسساتِ العمل الوطني التي ترعاها تركيا، كالائتلاف و الحكومة المؤقتة و المجلس العسكري لقيادة الجيش الحر و المجلس الوطني، و الدوائر المنبثقة عنها، و عدّ من يلتحق بها و يعمل تحت قيادتها ( ائتلافيّ )، تتساوى جريرته مع تهم أخرى يروّج لها في الداخل ( شبيح، إخواني، داعشي ).
و قد وضعت الأحرار نفسها في مرمى سهام ( فتح الشام، حزب التحرير، جند الأقصى )، عندما أظهرت ليونة واقعية تجاه حكومة ( جواد أبي حطب )، و أبدت استعدادها للتعاون معها؛ كونها ( حكومة خدمات )؛ فليس فيها وزارة دفاع أو خارجية، تقرران بالنيابة عن السوريين مستقبلهم، و شكل الحكم القادم ( علماني، أو إسلامي ).
و قد كان لافتًا للمراقبين في الآونة الأخيرة، حجم الهجمة التي طالت جماعة الإخوان من عناصر جلّ هذه الفصائل، و تفسير ذلك بحسب الملاحظ، كونها تنال الرضا من حكومة العدالة و التنمية، التي يجمعها معها المرجعية السياسة و الحركية، التي تتباين مع مرجعية تلك الفصائل.
صحيح أنّ تركيا تريد من الأحرار أن يكون قوة مركزية، في مناطق الشمال الغربي لسورية، و تفضلهم على جماعات أخرى مثل ( فتح الشام، و أنصار الإسلام )، و هذا ما يفسر صمتها على قيام القوة المركزية للأحرار بقيادة أبي معاذ الطيبة، بالهجوم على جماعة الأنصار بقيادة أبي عمر جمعة ( من الحفة )، و انتزاع معبر خربة الجوز الإنساني من أيديهم؛ و لكنها ليست راضية عن الأمور التي تتردد سواء من خصومهم أو من عموم الناس عن انتشار الفساد المالي في معبري ( باب الهوى، و خربة الجوز )، ليصل الأمر ( بحسب مناوئيها ) إلى الزج بالمكتب الأمني للحركة في معبر ( باب الهوى ) في عمليات الابتزاز المالي، إلى جانب المكتب الاقتصادي.
إنّ تركيا المقبلة على مرحلة قادمة ( حساسة ) في الملف السوري، تريد من تلك الفصائل أن تكون قريبة من رؤيتها في شكل الحلّ القادم في سورية، و تريد منها أن ترفع عنها الحرج في نظرتها إلى العلاقات الدولية مع الدول المنخرطة به، و أن تنحو نحو المركزية عوضًا عن الفصائلية السائدة لديها، و أن تقترب من أهداف الثورة الأولى؛ فتتبنّى رؤىً سياسية، و ترفع شعاراتٍ و راياتٍ جامعةً عمومَ السوريين.