منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> توفير الأدوية من واجبات الدولة
أم حنين
المشاركة Sep 11 2018, 08:52 PM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35




بسم الله الرحمن الرحيم


توفير الأدوية من واجبات الدولة



في شباط/فبراير 2018 سجلت أسعار الأدوية في السودان ارتفاعا لافتا، بالرغم من نفي المجلس القومي للأدوية والسموم "هيئة حكومية". ونقلت وكالة السودان للأنباء تعميما من المجلس القومي للأدوية والسموم، أكد أن "إجراءات تسعيرة الأدوية في المجلس تتم بحسب السعر التأشيري لبنك السودان المركزي"، لكن السعر التأشيري زاد أكثر من مرة خلال أقل من شهر. واحتسب بنك السودان، في 18 كانون الثاني/يناير سعرا تأشيريا جديدا للدولار برفعه من 8.5 جنيه إلى 18 جنيها، ثم عاد ورفع السعر التأشيري مجددا إلى 30 جنيهاً.



ورصدت "سودان تربيون" وصول قوائم أسعار جديدة للصيدليات من شركات الأدوية في ذاك الوقت واحتوت على زيادات في الأسعار وصلت إلى نسبة 100% لبعض الأصناف. وبحسب مالك صيدلية فإن أقراص مانع الحمل كان سعرها القديم 20 جنيهاً ووصلت بسعر جديد 41 جنيها، وأقراص "البنادول" من 4 جنيهات إلى 18 جنيها، وفقا للقائمة الأولية التي وصلتهم من شركات الأدوية... وسيكون على الصيدليات إضافة هامش ربح 1.2%، على هذه القائمة لجني مكاسبها. وأكد مالك الصيدلية، الذي فضل حجب اسمه، أن السلطات ممثلة في المجلس القومي للأدوية والسموم، سمحت أخيرا لموردي الأدوية وفقاً لسعر صرف الدولار الجديد.



وأشار إلى أن هناك تسعيرة جديدة للدواء، لكنها "غير معلنة"، وأبدى أمله في أن تكون التسعيرة الجديدة وفقا للسعر التأشيري للدولار الأخير "30 جنيها" وليس السعر السابق "18 جنيها". وكان رئيس لجنة الصحة الفرعية بلجنة الصحة والسكان بالبرلمان صلاح هاشم سوار الدهب قد أبلغ "سودان تربيون" في كانون الثاني/يناير الماضي أن هناك محاولات من مجلس الأدوية والسموم لمراجعة أسعار الدواء بناءً على سعر السوق الموازي للدولار.



وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2016 حرك بنك السودان سعر صرف الدولار المخصص لاستيراد الدواء من 6.5 جنيها إلى 15.9 جنيها ما أدى لارتفاع جنوني في الأسعار، قاد لاحتجاجات في الشارع وإضراب صيدليات عن العمل، وعلى إثر ذلك أعفى رئيس الجمهورية الأمين العام للمجلس القومي للأدوية والسموم بحجة مسؤوليته عن تسعيرة حوت أخطاءً لبعض الأصناف.



وأكد المجلس القومي للأدوية والسموم آنذاك في تعميم صحفي، أن إجراءات تسعيرة الأدوية في المجلس تتم بحسب السعر التأشيري لبنك السودان المركزي. وأوضح التعميم أن المجلس خفض أسعار أدوية الأمراض المزمنة بنسب تصل إلى 66%، وقال إن ما ورد عن صدور قرار بزيادة أسعار الدواء بنسبة تصل إلى 60% حديث غير صحيح.



وفي جولة لصحيفة "الصيحة" قبل شهر تقريبا. جاء فيه: شكل سوق الدواء نهاية العام الماضي مشكلة كبيرة عانى منها المريض، وعلى الرغم من التحركات والقرارات التي اتخذتها الدولة لتوفير الأدوية غير المتوفرة ودعم أدوية الأمراض المزمنة، إلا أن الأزمة تتجدد، والسبب في ذلك كما يقول البعض عجز وزارة الصحة والمجلس القومي للأدوية والسموم عن إيجاد استراتيجية لتوفير ودعم هذه الأدوية، هذا إضافة إلى عجز شركات الأدوية عن استيراد الأدوية نسبة لعدم توفر النقد الأجنبي بالسعر الرسمي (29.5 جنيهاً) الذي يقوم المجلس القومي للأدوية والسموم بإلزام الشركات بتسعير الأدوية بناءً عليه مما يعني تكبد شركات الأدوية خسائر فادحة في حالة استيراد الأدوية من السوق الموازي الذي وصل فيه سعر الدولار إلى أكثر من 45 جنيهاً، وبيع هذه الأدوية المستوردة بالسعر الرسمي الذي يفرضه المجلس. هذا الأمر تسبب في خلو أرفف الصيدليات من أهم أصناف الدواء. وكشفت الجولة على بعض صيدليات ولاية الخرطوم للوقوف على الوضع العام للدواء، عن نقص الكثير من الأدوية، من بينها الأدوية المنقذة للحياة عموماً وعقاقير الشلل الرعاش والبنسلين، مشيرين أن الفترة الماضية شهدت زيادة مضطردة في الأدوية غير المتوفرة، وبحسب تقديرات الصيادلة فإن الوضع بحاجة إلى الكثير من الجهود. وأفاد د. صيدلي علي حسن فضل عجيب، صاحب صيدلية بمدينة أبو سعد بأم درمان أن الصيادلة لا يسعرون من "هواهم" كما يتهمهم البعض، وأنهم ملتزمون بتسعيرة المجلس القومي للأدوية والسموم، وهو الجهة التي تحدد سعر البيع للصيدليات.



كما أكدت مصادرنا انقطاعا كبيراً وبشكل متسارع في الأدوية من داخل الشركات والصيدليات. وأصبحت الشركات عاجزة تماماً عن توفير السلعة لعدم توفر النقد الأجنبي بالسعر الرسمي اللازم لتوفير الأدوية، مع العلم أن الدواء من السلع القليلة المسعرة من الدولة، كما علمنا أنه لا توجد مساعٍ جادة من وزارة الصحة والمجلس القومي لتدارك هذا الوضع، نسبة لأن الدواء ما زال يعامل كبقية السلع غير الأساسية، وغير المسعرة، كما لا توجد مساعٍ لتنفيذ توصيات رئاسة الجمهورية بدعم أدوية الأمراض المزمنة، وهي التي تشكل عبئاً على الناس، كما أفاد مصدر صيدلاني أن هنالك الكثير من الأصناف منعدمة بالشركات والصيدليات بسبب القرارات التي أصدرها المجلس القومي للأدوية والسموم بمنع استيراد بعض الأدوية، وحصرها على المصانع المحلية، إلا أن المصانع لم تتمكن من توفيرها لأسباب متعددة. كما أفاد المصدر أن هنالك عشرات الأدوية الأخرى غير متوفرة بالصيدليات والشركات نسبة للقرارات غير المدروسة، التي قام بها المجلس بتخفيض أسعار استيرادها من الشركات المنتجة، وقد علمت الصحيفة من مصادرها أن غالب الشركات المنتجة لم توافق على هذه القرارات بسبب قرارات التخفيض المستمرة السابقة، مما زاد الأزمة الموجودة أصلاً، بانعدام وانقطاع العديد من الأدوية. فيما أعلن عدد من أصحاب الشركات والصيدليات الذين التقيتهم أنهم بصدد ترك المجال الذي كبدهم الكثير من الخسائر.



ويقوم السودان سنوياً باستيراد أدوية تتجاوز قيمتها 200 مليون دولار، وفق إحصائيات صادرة من المجلس القومي للأدوية والسموم، وهي تمثل أدوية (الضغط والسكري، والأزمات القلبية، وأمراض الشرايين، والتهابات الكلى، والمسالك البولية، والرطوبة) وغيرها من العلاجات، بينما تغطي الصناعة المحلية 40% فقط من حاجة السوق المحلية، ويبلغ عدد المصانع العاملة في صناعة الأدوية محلياً حوالي 27 مصنعاً تقوم بإنتاج حوالي 250 صنفاً من الأدوية البشرية منها (المضادات الحيوية، والفلاجيل، والبنادول، وقطرات العيون والجيوب الأنفية، ومحلول البنسلين) وغيرها، إلى جانب إنتاج 24 صنفاً من الأدوية البيطرية، وكل هذه الأدوية تباع في الصيدليات بأسعار منخفضة جداً، وأغلب الأدوية المصنعة محلياً يتم استيراد مثلها من الخارج عبر الشركات، وتوزع للصيدليات وتباع للمرضى بأسعار مرتفعة.. مما دفع الحكومة السودانية لتعمل على تجميد استيراد هذه الأدوية من الأصناف ذات البديل المحلي بشكل تدريجي تشجيعاً للصناعة الوطنية المتأرجحة.



في السياق، أكد العديد من الصيادلة أن أصحاب الشركات حتى يتمكنوا من استيراد الأدوية يجب أن تقوم الدولة بواجبها، ممثلة في بنك السودان ووزارة الصحة، بتوفير النقد الأجنبي بالسعر الرسمي الذي يسعر به الدواء، بالتنسيق مع البنوك التجارية وشركات الأدوية، وفي حالة عدم القيام بذلك يجب أن تكون هنالك معالجات أخرى عاجلة لتدارك الأزمة وحلها قبل تفاقمها. هذا بالإضافة إلى توفير النقد الأجنبي اللازم لتوفير المواد الخام للمصانع المحلية حتى تعمل بكامل طاقتها الإنتاجية.



لقدْ سيطرتِ الرأسماليةُ على العالمِ رَدْحًا مِنَ الزمانِ، سادتْ خلالَهُ أنظمةٌ قامتْ على فصلِ الدينِ عنِ الحياةِ، وَحَكَمَتْ على امتدادِهِ دولٌ لمْ تقمْ لترعَى شؤونَ الناسِ، فَتَأْخُذَ على يدِ الظالمِ وتزجُرَهُ، وتَجْزِيَ المُحْسِنَ أوْ تُعينَهُ وتشكرَه. دولٌ لمْ ترحمِ الضعفاءَ، ولمْ تأخُذْ بأيدي الفقراءِ، بلْ كانتْ وظيفتُها الوحيدةُ حمايةَ حرياتِ اللصوصِ من أربابِ المالِ في نهبِ الشعوبِ واستغلالِ الثرواتِ.



هذا ولمْ تَسْلَمِ الرعايةُ الصحيةُ مِنْ جَوْرِ الرأسماليةِ، ولمْ تَنْجُ منْ أنظمتِها وطريقةِ عيشِها، فأضْحَتْ أداةً لرؤوسِ المالِ، يستغلونَها كما استغلُّوا كلَّ شيءٍ، لمصِّ دماءِ المرضى الضعفاءِ وأموالهِم، ولإشباعِ جَشَعِهِمْ وَنَزَوَاتِهِمُ التي لا تشبعُ. ومنْ فُحشِ الرأسماليةِ، أنْ ظهرَ الفسادُ في كلِّ نَواحي الرعايةِ الصحيةِ تقريبًا: في نظامِ التأمينِ الصحيِّ وشركاتِهِ، وشركاتِ الأدويةِ وأبحاثِها، واستغلالِ هذهِ الشركاتِ للأطباءِ واستغلالِ الأطباءِ للمرضى. وظهرَ الفسادُ كذلكَ في بِدْعَةِ الملكيةِ الفكريةِ وبراءاتِ الاختراعِ، حتى غَلا سعرُ الدواءِ وثمنُ الرعايةِ الصحيةِ وَأَضْحَتِ القضيةُ هيَ تحقيقَ الربحِ على حسابِ حاجةِ المرضى للعلاجِ والرعايةِ. وَكما في كُلِّ مكانٍ دخلتهُ الرأسماليةُ، لا بقاءَ ولا حياةَ للضعيفِ، ولا قيمةَ إلا للمالِ.



لقدْ ضَجَّ الغربُ نفسُهُ بهذا الفسادِ الصحيِّ، مما اضْطُرَّ دولَهُ إلى الترقيعِ على عادتِها، وتوفيرِ بعضِ الرعايةِ الصحيةِ القاصرةِ لرعاياها تخديرًا لهمْ وصرفًا عنْ إزالةِ أصلِ الفسادِ. ولكنَّ هذا الترقيعَ كانَ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً.. وما يحدث في السودان لهو شيء ليس بمستغرب لأنه بلد يطبق النظام الرأسمالي بأبشع صوره، وهذا الواقع الأليم ولا سيما في مجال التطبيب والرعايا الصحية، لهو شيء طبيعي في ظل الرأسمالية البشعة.

الصيدلة والصناعة الطبية



الصَّيْدَلَةُ لَفْظٌ فارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ يَدُلُّ في الأصلِ على بيعِ العِطْرِ، واصطلاحًا يَدُلُّ على العلمِ الذي يختصُّ بتركيبِ وصرفِ الأدويةِ العلاجيةِ، والصَّيْدَلَةُ تربطُ علومَ الصحةِ بعلومِ الكيمياءِ، وهيَ تُعْنَى بسلامةِ ونجاعةِ الأدويةِ.



الصيدلةُ كالتطبيبِ خدمةٌ صحيةٌ يجوزُ للفردِ أنْ يَعْرِضَها للناسِ بشكلٍ خاصٍّ، كأنْ يقومَ بفتحِ صيدليةٍ ويصرفَ الدواءَ، أوْ يُنْشِئَ مصنعًا للدواءِ بقصدِ الربحِ. إلا أَنَّ كَوْنَ الصيدلةِ قدْ تُؤَدِّي إلى ضررٍ إنْ لمْ يَكُنِ المتعاطي لها منْ أهلِ العلمِ بفنونِها يجعلُها كالتطبيبِ بحاجةٍ إلى ترخيصٍ مِنَ الدولةِ لممارسَتِها، وذلكَ مَنْعًا للضررِ المترتبِ على مباشرةِ الجاهلِ لصُنْعِ الدواءِ وَصَرْفِهِ، وَفْقَ القاعدةِ «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ»، وَمَنْ باشَرَ أعمالَ الصيدلةِ أوْ صَرَفَ دواءً دونَ إذنٍ وترخيصٍ فَأَضَرَّ بمريضٍ ضَمِنَ مقدارَ ضررِهِ وجنايتِهِ، وعوقِبَ تَعْزِيرًا مِنْ قِبَلِ الدولةِ سواء أَوَقَعَ الضررُ بالمريضِ أمْ لمْ يَقَعْ.



وفوقَ ذلكَ فإنَّ على الدولةِ أنْ تُشْرِفَ على صُنْعِ الدواءِ وإنتاجِهِ مباشرَةً، لِما أخرجَهُ الحاكمُ في المستدركِ وقالَ: «صحيحُ الإسنادِ ولمْ يُخَرِّجَاهُ»، عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ عثمانَ التيميِّ، قالَ: «ذَكَرَ طَبِيبٌ الدَّوَاءَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ e فَذَكَرَ الضِّفْدَعَ يَكُونُ في الدَّوَاءِ، فَنَهَى النَّبِيُّ e عَنْ قَتْلِهِ»، وَأَخرجَ البيهقيُّ وأَبو داودَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: «سَأَلَ طَبِيبٌ النَّبِيَّ e عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِى دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ e عَنْ قَتْلِهَا»، صحَّحَهُ الألبانيُّ. ووجهُ الاستدلالِ بهذا الحديثِ أنهُ يَدُّلُّ بدلالةِ الإشارةِ على أنَّ الدولةَ تُشْرِفُ على إنتاجِ الأدويةِ، إذِ الحديثُ سيقَ لبيانِ النَّهْيِ عنْ قتلِ الضفدعِ، لكنهُ يفيدُ أيضًا بدلالةِ الإشارةِ أنَّ الدولةَ لها أنْ تمنَعَ صناعةَ نوعٍ ما مِنَ الأدويةِ.



وعملاً بالأدلَّةِ القاضيَةِ بأنَّ التطبيبَ واجبٌ على الدولةِ مجانًا لرعيتِها، وكَوْنَ الإمام راعٍ وهوَ مسؤولٌ عنْ رعيتِهِ، فإنَّ الدولةَ تُوَفِّرُ الدواءَ للمرضى، إما بشرائِهِ مِنْ مصانِعِ الدواءِ وشركاتِهِ في الدولةِ أوْ في الخارِجِ، وإمَّا بإنشاءِ مصانعَ للدواءِ تملِكُها الدولةُ وتنتجُ الأدويةَ المطلوبةَ. وتُشَكَّلُ لجنةٌ مِنَ الأطباءِ والصيادلةِ تُحَدِّدُ الأدويةَ التي على الدولةِ أنْ تُوَفِّرَهَا مجانًا، وهيَ الأدويةُ التي يُسَبِّبُ عدمُ توفيرِها للمريضِ ضررًا بصحتِهِ، دونَ الأدويةِ والمستحضراتِ الكماليةِ. كمَا تُحدِّدُ هذهِ اللجنةُ الأدويةَ التي لا تُصْرَفُ إلا بِوصفَةٍ منَ الطبيبِ، والأدويةَ التي يستطيعُ الصيدليُّ صَرْفَها دونَ وصفةٍ منَ الطبيبِ، وكلُّ هذا منْ رعايَةِ الإمامِ لرعيتِهِ وهيَ واجبةٌ عليهِ.



ولأنَّ الدواءَ حاجةٌ حيويةٌ قدْ يُؤَدِّي نقصُها أوْ فقدانُها إلى ضررٍ على الفردِ والجماعةِ، فإنَّ الدولةَ تبذلُ قُصارَى جهدِها في تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِّ في صُنْعِ الدواءِ، حتى لا تحتاج إلى استيرادِ الدواءِ وبالتالي تتعرضُ لابتزازِ الدولِ الكافرةِ أوْ ضغوطِها السياسيةِ، قالَ سبحانه وتعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: 141]. وإذا استوردَ الأفرادُ أوِ الدولةُ الدواءَ منْ دولٍ أخرى فلا بُدَّ أنْ يُخْضَعَ الدواءُ المستوردُ للفحوصِ والتحليلِ على يَدِ الصيادلةِ والكيميائيينَ في الدولةِ الإسلاميةِ قَبْلَ أنْ يُصْدَرَ ترخيصٌ منْ مصلحةِ الصحةِ بجوازِ استيرادِهِ، خصوصًا وأنَّ شركاتِ الأدويةِ العالميةِ لمْ تتورعْ في السابقِ عنْ بيعِ شحناتٍ منَ الدواءِ الفاسدِ للمسلمينَ، كشحناتِ الدمِ المُلَوَّثِ بالإيدز، الذي أرسلتهُ شركاتُ الأدويةِ الفرنسيةِ مطلعَ ثمانيناتِ القرنِ الماضي إلى العراقِ وليبيا وتونسَ والجزائرِ. وصحيحٌ أنَّ دليلَ البيعِ والتجارةِ عامٌّ لقولِهِ سبحانه وتعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، إلا أنَّ القاعدةَ الشرعيةَ تقضِي بأنَّ الشيءَ المباحَ إذا كانَ فردٌ منْ أفرادِهِ يُؤَدِّي إلى ضررٍ، يُمْنَعُ ذلكَ الفردُ ويبقى ذلكَ الشيءُ مباحًا، وهذهِ القاعدةُ اسْتُنْبِطَتْ منْ منعِ الرسولِ e الجيشَ أنْ يشربَ منْ بئرِ ثمودَ وهوَ في طريقهِ إلى تبوكَ، ذَكَرَهُ ابنُ هشامٍ في سيرتِهِ وَقالَ عنهُ الهيثميُّ في مجمعِ الزوائدِ إِنَّهُ مُرْسَلٌ صحيحُ الإسنادِ.



ونشيرُ هنا إلى أَنَّ المصانعَ في الدولةِ الإسلاميةِ ومنْها مصانعُ الدواءِ تقومُ على أساسِ الصناعةِ الحربيةِ، ولذلكَ تكونُ مصانعُ الدواءِ (سواءً التابعةُ للأفرادِ أمْ الدولةِ) مُعَدَّةً وقابلةً دائمًا لمتطلبات الصناعة الحربية والمُضَادَاتِ الحيويةِ والتطعيماتِ ضِدَّ الأسلحةِ البيولوجيةِ على أوسعِ نطاقٍ مُمْكِنٍ وفي أسرعِ وقتٍ. والدولة الاسلامية طوال وجودها اهتمت اهتماما شديدا بهذا الجانب المهم وأنشأت البيمارستانات في الحضارة الإسلامية، وكانت هذه البيمارستانات تنقسم إلى قسمين؛ متنقلة، وأخري ثابتة:



البيمارستانات المتنقلة: وهي كانت عبارة عن خيام لعلاج المرضى وما أشبهها، حيث كانت تحمل وتنتقل من مكان إلى مكان حسب الظروف والأحوال، والأماكن المنتشرة فيها الأوبئة، وكانت هذه البيمارستانات المتنقلة، تجهز بما يلزم من الفرق الطبية، من أطباء ومعاونين وصيادلة، وبما يلزم العلاج من أدوات وأدوية وأطعمة وأشربة وملابس تنتقل من مقر إلى آخر وخصوصاً في الأطراف النائية لخلوها من الأطباء، وحاجة الأهالي إليها، على نحو ما نرى الآن من أنواع القوافل الطبية في هذا العصر التي تجوب المناطق النائية والبعيدة وهي تقدم يد العون والمساعدة لمن يحتاج ذلك، ومن أنواع البيمارستانات المتنقلة أيضاً البيمارستانات العسكرية، التي ترجع بداية ظهورها إلى عصر الرسول e حيث ذكر ابن إسحاق في السيرة النبوية لابن هشام «كان رسول الله e قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لأمراة من أسلم، يقال لها «رفيدة» في مسجده؛ حيث أصيب يوم الخندق، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على ضعة من كانت به ضيعة من المسلمين»، ثم انتشرت بعد ذلك هذه البيمارستانات العسكرية المتنقلة حتى أصبحت سمة تميز الجيوش الإسلامية في شتى أصقاع الأرض، بما تحويه من أدوية وأدوات طبية وأطباء ومشرفين وخدم، وأفضل وصف لتلك البيمارستانات العسكرية المتنقلة، هو ما كتبته الكاتبة الألمانية الشهيرة «سيجريد هونكه»، وهي تصف رحلة الطبيب والجراح البولوني المصاحب





لإحدى الحملات الصليبية على مدينة «دمياط»، وما لاحظه من تفضيل بعض القادة الصليبيين وجنودهم العلاج لدي أعدائهم العرب في مستشفياتهم العسكرية المتنقلة، على الرغم من تحذير رجال الكنيسة لهم، حيث كتبت «إن هذه الكلمات لم تكن لتغير من موقفهم شيئاً، وظلوا يفضلون التداوي على أيدي أطباء الأعداء، ولم يكن هذا بأمر مشرف لرجل وطبيب قد بلغ من العمر ما بلغه «هوجو»، وفي خلال هذه السنوات الثلاث توافرت له أكثر من مناسبة للتعرف على هؤلاء الجراحين المسلمين، الذين كثر فيهم المدح والذم في آن واحد، ورؤية عظمتهم وزيارة مستشفاهم العسكري، الذي كان يحمله إلى ساحة المعركة ثلاثون أو أربعون جملاً)



والبيمارستانات الثابتة: عبارة عن أبنية ثابتة في جهة من الجهات، لا تنقل منها، وكان هذا النوع من البيمارستانات كثير الوجود في البلدان الإسلامية، حيث كان يشيدها الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء وأهل الخير عامة صدقة وخدمة للإنسانية وتخليداً لذكرهم، ويذكر «المقريزي»، أن أول من بنى البيمارستانات الثابتة في الإسلام الخليفة الأموي «الوليد بن عبد الملك»، وذلك في سنة 88 هجرية – 707 ميلادية، حيث جعل الوليد فيه الأطباء وأجرى لهم الأرزاق، وأن يعزل المجذومين والعميان وأجرى لهم وعلى العميان الأرزاق، إلا أن هناك رأيًا آخر يعتبر بيمارستان الرشيد، والبيمارستان الكبير في بغداد أول مستشفى ثابت شيد في الإسلام، بناه الخليفة «هارون الرشيد»، في أواخر القرن الثاني الهجري، وأوائل القرن الثامن الميلادي، حيث جمع هذا البيمارستان جميع التخصصات المعروفة في ذلك الوقت، وأوكل الرشيد الإشراف على بنائه وتنظيمه لطبيبه الخاص جبرائيل بن بختيشوع، وبرئاسته إلى الطبيب مأسويه الجوزي، ومنذ ذلك التاريخ انتشرت البيمارستانات الثابتة في جميع مدن الدولة الإسلامية، من حدود الصين، إلى حدود بلاد الغال، وجرى تنظيمها وتحسينها وتطويرها لتصل إلى أعلى درجات الرقي ولتضاهي في الوقت نفسه، ما وصلت إليه المستشفيات الحديثة في هذا العصر، حيث إنها لم تكن فقط أماكن لعلاج المرضى فقط، بل كانت في الوقت نفسه معاهد ومدارس لتعليم الطب بكل فروعه.



وكانت البيمارستانات الكبيرة تنقسم إلى قسمين منفصلين، أحدهما للذكور وثانيهما للإناث، ويحتوي كل واحد منهما على قاعات عدة تخصص كل واحدة منها لأحد الأمراض، فقاعة للأمراض الباطنة، وقاعة للجرحى، وثالثة للرمد ورابعة للتجبير، كما عرفوا نظام العزل لأصحاب الأمراض المعدية، وخاصة الجذام، كما كان البيمارستان يحتوي على صيدلية، كانت تعرف بقاعة الشراب، وكانت هذه البيمارستانات تضم فئات من العاملين، أولهم رئيس الأطباء، ثم تضم الفراشين من الرجال والنساء والمشرفين...



نسأل الله العلي القدير أن يمن علينا بدولة رعاية ويزيل عنا هؤلاء الرويبضات إنه ولي ذلك والقادر عليه.



كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الخالق عابدون – الخرطوم


Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 28th March 2024 - 05:27 PM