منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> جريدة الراية: جواب سؤال أزمة النفط وتداعياتها
أم حنين
المشاركة May 5 2020, 11:03 PM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35




بســم الله الـرحمــن الرحيــم


جريدة الراية:جواب سؤالأزمة النفط وتداعياتها

السؤال: تناولت الأخبار الانخفاض المفاجئ في سعر النفط وخاصة نفط تكساس حتى وصل إلى نحو 30 تحت الصفر، حتى إن خام برنت المشهور بتداوله المنتظم انخفض نحو 9% ليصبح 25 دولاراً للبرميل... وتنوعت الأسباب، سواء أكان ذلك لأن الخزانات للبترول أصبحت مملوءة تماماً بل تكاد تفيض، أم كان ذلك بتأثير فيروس كورونا بحيث أدى إلى انخفاض الاقتصاد ومن ثم انخفاض الطلب على البترول... إلخ، فما هي أسباب أزمة النفط هذه؟ وهل هي مستمرة؟ وكيف تؤثر على الاقتصاد الأمريكي والعالمي؟

الجواب:

لإدراك حقيقة أزمة النفط بعامة والنفط الأمريكي (غرب تكساس) بخاصة وتأثيرها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، لا بد من معرفة ثلاثة ظروف اقتصادية وسياسية وتأثيرها الخاص بنفط تكساس، ثم امتداد تأثيرها إلى نفط برنت ثم على الاقتصاد الأمريكي والعالمي:

أولاً: تأثير فيروس كورونا على استهلاك النفط:

منذ بداية هذا العام حيث انتشار فيروس كورونا بدءاً من الصين ثم انتقاله إلى أوروبا وبعدها إلى أمريكا، ثم ما رافق ذلك من فرض إجراءات الحجر الصحي وتوقف الكثير من قطاعات الاقتصاد في كل بلد، وكذلك حالة الشلل التي أصابت حركة الطيران بسبب حظر السفر بين الكثير من البلدان الرئيسية خاصة أوروبا وأمريكا مخافة انتقال العدوى، يضاف إلى ذلك الارتباك الهائل في التجارة الدولية الناتج عن توقف الطلب بشكل حاد على السلع غير الغذائية والطبية، ومن ثم أثر على حركة النقل... علماً بأن النقل البري والنقل الجوي يستهلكان 68% من المعروض النفطي (إندبندنت عربي، 2020/4/24)، وكل هذا أدى إلى أن يصاب الطلب العالمي على النفط بنكسة كبيرة بسبب كورونا، وكانت هذه النكسة تتعمق أكثر فأكثر مع زيادة تفشي الوباء من بلد لآخر، حيث يرافق تفشي الوباء شلل قطاعات الاقتصاد في كل بلد ينتقل إليه الوباء، لكن علاقة ذلك بالنفط كانت متفاوتةً، فلما انتقل الوباء إلى دول أوروبا الغربية الرئيسية تسبب في انخفاض حاد في الطلب العالمي على النفط، كون هذه الدول مستهلكاً كبيراً للنفط، ولما انتقل الوباء إلى أمريكا وبشكل حاد، وهي التي تستهلك 20% من النفط العالمي، فقد صارت أزمة أسعار النفط وبشكل حاد تتراءى من قريب. ومن ناحية رقمية فإن الطلب على النفط قد انهار بنسبة 30% تقريباً في عالم يستهلك قرابة 100 مليون برميل يومياً، ونأخذ تصريحين فقط من جملة التصريحات التي تؤكد هذا الانهيار في الطلب:

1- التصريح الأول: (توقعت وكالة الطاقة الدولية اليوم الأربعاء 2020/4/15 أن ينخفض الطلب العالمي على النفط بمقدار 29 مليون برميل يوميا على أساس سنوي في نيسان/أبريل، ليسجل مستويات لم يشهدها منذ 25 عاما... موقع صحيفة الوفد في 2020/4/15).

2- التصريح الثاني: (أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، أن الطلب العالمي على النفط انخفض 20-30 مليون برميل يوميا، قائلا: "بلغنا قاع انخفاض الطلب العالمي على النفط الآن". العربية نت، 2020/4/22).

وهكذا انهار الطلب على النفط بنسبة لم تكن متصورة إلا في ظروف الحروب العالمية! وكل هذا حصل في فترة (3-4 شهور) أي خلال أزمة كورونا، حتى وصل نفط تكساس القاع السحيق أي نحو 37 تحت الصفر وذلك يوم 2020/4/20م الذي أُطلق عليه "الاثنين الأسود".

ثانياً: الظرف الثاني، وهو الظرف السياسي:

لما كان النفط سلعة استراتيجية فإن الدول تستخدمه لضرب دول أخرى، والحديث هنا عن السياسة الأمريكية التي دفعت بالسعودية باتجاه حرب أسعار النفط مع روسيا قبل شهر واحد فقط، وبيان ذلك على النحو التالي:

1- كانت أمريكا تجبر روسيا على خفض إنتاجها النفطي للحفاظ على أسعار عالية للنفط حتى تتمكن شركات النفط الصخري الأمريكية من المنافسة في الأسواق، لأن استخراج النفط الصخري الأمريكي مكلف للغاية، وخلال هذه السياسة نجحت السعودية عبر 3 سنوات من حمل روسيا على مشاركة أوبك خفض الإنتاج ضمن المجموعة الجديدة التي عرفت بـ"أوبك بلس" بمقدار 2.1 مليون برميل يومياً. وكان هذا الاتفاق السعودي المبرم مع روسيا ينتهي بنهاية آذار/مارس 2020. فكان اتفاقاً قبل انتشار كورونا، وتزامنت نهايته مع تفشي كورونا.

2- ومع انتشار فيروس كورونا في الصين وبداية انتقاله إلى إيطاليا وتفشيه فيها، أخذت أسعار النفط تنهار ووصلت 45 دولاراً للبرميل (برنت)، وهذا المستوى السعري والمستمر في الانخفاض خطر لمنتجي النفط الأمريكي ويهدد بإخراجهم من السوق، ولا بد من رفع السعر. وعندها دفعت أمريكا السعودية لممارسة ضغط على روسيا لمزيد من خفض الإنتاج لمواجهة التدني المستمر للطلب العالمي على النفط بسبب الفيروس، فكان اجتماع أوبك بلس 2020/3/6 حين رفضت روسيا أي خفض إضافي في الإنتاج خشية تعويض أمريكا للتخفيض بالنفط الصخري!

3- بفشل اجتماع "أوبك بلس" المذكور انهارت أسعار النفط فوراً بمقدار 10% بسبب انتشار خبر اختلاف مجموعة أوبك بلس.

4- وأشعلت السعودية بعد فشل الاجتماع بأيام قليلة حرب أسعار ضد روسيا لإجبارها على الخفض الجديد بخمس خطوات:

أ- الخطوة الأولى تخليها عن الاتفاق الأول (خفض 2.1 مليون برميل) رغم إعلان روسيا التزامها بهذا الاتفاق السابق،

ب- والخطوة الثانية زيادة هائلة في إنتاجها للنفط بدءاً من 1 نيسان/أبريل (موعد انتهاء اتفاق الخفض الأول مع روسيا) تصل إلى 12-13 مليون برميل يومياً رغم مشاكل الطلب العالمي على النفط بسبب كورونا،

ج- تخفيض لعملائها الآسيويين بمقدار 6 دولارات للبرميل، هو الأول في التاريخ بهذا المستوى من الخصم،

د- تقصد التخفيض والمزيد منه للعملاء المتعاملين مع النفط الروسي لأخذ حصة روسيا من السوق،

ه- استئجار ناقلات نفط عملاقة لاستخدامها كخزانات عائمة في البحر زيادةً في إغراق السوق بالتخمة النفطية،

5- وبهذه الخطوات من السعودية التي تم الإعلان عنها في الأيام القليلة التي تلت 2020/3/6 (اجتماع أوبك بلس الفاشل) فقد انهارت أسعار النفط بنسبة الثلث (فقدت أسعار النفط ما يصل إلى ثلث قيمتها يوم الاثنين في أكبر خسائرها اليومية منذ حرب الخليج عام 1991 بعد أن أشارت السعودية إلى أنها سترفع الإنتاج لزيادة الحصة السوقية فيما يتسبب تفشي فيروس كورونا بالفعل في فائض بالإمدادات في السوق! ومن ثم تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 22 بالمئة عند 37.05 دولاراً للبرميل بعد أن نزلت في وقت سابق 31 بالمئة إلى 31.02 دولاراً للبرميل وهو أدنى مستوى منذ 12 شباط/فبراير 2016... رويترز 2020/3/9) علماً بأن خام برنت (Brent Crude)‏ يتم استخراجه من حقول النفط في بحر الشمال، و"خام برنت" هو مزيج من زيوت خام -برنت، فورتيز، أوزبيرج، وإيكو فيسك، وهو يستخدم كمعيار لتسعير ثلثي إنتاج النفط العالمي، خاصة في الأسواق الأوروبية والأفريقية... ويصدر أحيانا إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأفريقية، إذا كان السعر مناسباً بعد الأخذ في الاعتبار تكاليف الشحن. ويتم تداول العقود الآجلة لخام برنت عبر بورصة إنتركونتيننتال (ICE) في لندن، أي أن السعودية بخطواتها تلك قد دفعت أسعار النفط للنزول، وبعد 1 نيسان/أبريل حيث أخذت الخطوات السعودية توضع قيد التنفيذ، بعد أن انتهى اتفاق "أوبك بلس" مع روسيا بنهاية آذار/مارس، فإن التخمة النفطية قد صارت تلحظ في السوق بما دفع أسعار النفط (قياساً ببرنت) إلى ما دون 30 دولاراً خلال شهر 4 (نيسان) وقبل 2020/4/20م.

6- لقد كانت هذه السياسة السعودية هي سياسة أمريكية للضغط على روسيا، ولكنها كانت سياسة تم رسمها في واشنطن قبل حوالي الشهرين تقريباً، أي قبل أن تتراءى الأبعاد الجديدة لانهيار الطلب على النفط بسبب استمرار تفشي كورونا وبحدة، خاصة داخل أمريكا، وبنتيجة هذين العاملين (السياسة السعودية المدفوعة أمريكياً، والزيادة الحادة في انهيار الطلب على النفط) فإن معول الهدم الذي صنعته إدارة ترامب ليضرب روسيا قد صار يضرب يميناً وشمالاً بما لا يستثني شركاتها للنفط الصخري! بمعنى أن ما خططت له أمريكا من خفض لأسعار النفط لم يكن يتوقع له أن يبلغ هذا القاع. وأن هذا القاع كان ناجماً عن العاملين معاً: السياسة الأمريكية (السعودية) ضد روسيا، وكذلك الانهيار المستمر في الطلب العالمي على النفط، ذلك الانهيار الذي لم يكن منظوراً بهذا القدر عند وضع السياسة الأمريكية تلك. وأخذ الضغط يشتد داخل أمريكا على شركات النفط الصخري، وأعلنت شركة "ويتينغ بتروليم" في 2 نيسان/أبريل إفلاسها، ووقفت مئة من شركات النفط الصخري على حافة الإفلاس، وذلك أن أسعار النفط في السوق أقل من أسعار تكلفة الإنتاج: (حيث تبلغ التكلفة الحدية للبرميل الصخري نحو 35 دولاراً للبرميل. موقع الأسواق العربية، 2020/3/11) وبحسب إندبندنت عربي، 2020/4/24 فإن العقود الآجلة لنفط غرب تكساس قد تراوحت يوم الخميس 4/23 بين 15 دولاراً تسليم حزيران/يونيو، وقرابة 27 دولاراً تسليم أيلول/سبتمبر، وكانت كافة العقود الآجلة حتى نهاية 2020 تحت سعر 30 دولاراً وهذا يشكل ضغطاً على النفط الصخري...

7- لهذه الظروف الخطيرة التي تمر بها صناعة النفط الأمريكية بسبب تفشي وباء كورونا فقد كثرت إعلانات الإدارة الأمريكية عن عزمها التدخل بين روسيا والسعودية للعودة إلى خفض الإنتاج، وقام الرئيس الأمريكي بالاتصال بالرئيس الروسي الذي سال لعابه لعودة الاتصالات مع أمريكا وطمع بالتنسيق معها (وليس مع السعودية) بخصوص أسعار النفط، كما اتصل ترامب بالسعودية. وقال ترامب (أجرينا حواراً ممتازاً مع الرئيس بوتين. أجرينا حواراً ممتازاً مع وليّ العهد. يورونيوز، 2020/4/1). وبالمجمل يمكن القول بأن إدارة ترامب قد رعت اتفاقاً روسياً سعودياً لخفضٍ في إنتاج النفط، هو الأكبر في التاريخ بنحو 10 ملايين برميل نفط يومياً: (توصل أعضاء منظمة الدول المنتجة للنفط (أوبك) وحلفاؤهم إلى اتفاق قياسي لخفض الإنتاج العالمي للنفط بنسبة 10 في المئة بعد انخفاض الطلب... وما تأكد حتى الآن هو أن أوبك وحلفاءها سيخفضون الإنتاج بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا. بي بي سي، 2020/4/12). وهذا الاتفاق يبدأ تنفيذه في 2020/5/1 ويستمر لمدة شهرين، تنظر بعدها الدول الموقعة عليه في واقع الطلب العالمي من جديد لتقرير الخطوة التالية. فهو اتفاق قصير الأجل، لمدة شهرين بانتظار ارتفاع الطلب العالمي على النفط مع نهاية حزيران/يونيو. لكن الملاحظ أن أزمة أسعار النفط قد بلغت من العمق درجة بحيث لم تستجب الأسواق لهذا الاتفاق الكبير للغاية، فلم ترتفع الأسعار إلا بشكل هامشي، بل وعادت أسعار برنت تنخفض إلى ما دون 30 دولاراً والذي يفسر ذلك أن الطلب العالمي قد انخفض بمقدار 30 مليون برميل يومياً فلا يسعفه خفض الإنتاج بمقدار 10 ملايين برميل يومياً!

ثالثاً: الظرف الثالث، مخزون النفط الأمريكي

هناك نوعان من مخزونات النفط في أمريكا، الأول المخزون الاستراتيجي للدولة، والثاني مخزون الشركات. وهذا الظرف ساهم مع الظرفين الآخرين في تعميق أزمة النفط: جزء منه يتعلق بحالة المخزون الاستراتيجي فيما الجزء الآخر خاص بنفط غرب تكساس ولتوضيح ذلك:

1- المخزون الاستراتيجي للنفط (الخاص بالدولة) بشكل عام هو عبارة عن خزانات تحت الأرض غالباً لتخزين النفط المستخرج لاستخدامه وقت الأزمات، وقد بنت الكثير من الدول هذه الخزانات بعد توصيات منظمة الطاقة الدولية بسبب أزمة النفط في حرب سنة 1973. ثم لكل دولة من الدول المستهلكة الرئيسية خزاناتها للنفط والتي تتسع لكفاية حاجتها منه لمدة 30-90 يوماً في حال انقطاعه...

2- في عام 1975 سن الكونغرس الأمريكي تشريعا يلزم الحكومة الفيدرالية بإنشاء مواقع لتخزين كميات من الخام كافية لتأمين الطلب عليه في حالة تعرض الإمدادات لأي نوع من المخاطر الحادة. وتقع مواقع التخزين الأمريكية على سواحل ولايتي تكساس ولويزيانا، وتتكلف الدولة تأمين حراسة مشددة لها، وقد بلغت أقصى كمية لهذا المخزون الاستراتيجي في أمريكا 727 مليون برميل سنة 2009. وبالإضافة للمخزونات الفيدرالية تقوم الشركات الأمريكية العاملة في مجال الطاقة بتخزين كميات خاصة بها توازي في مجملها كميات المخزون الفيدرالي، وتكثر مثل هذه الخزانات السطحية للشركات في ولاية تكساس كونها أكبر ولاية ينتج فيها النفط في أمريكا منذ أمد بعيد، والمسمى "خام غرب تكساس"، وكذلك في ولاية أوكلاهوما المجاورة لها والتي ينقل منها نفط تكساس إلى عمق البر الأمريكي...

3- ومع الانهيار السابق لأسعار النفط 2020/3/6 وما تبعها من حرب أسعار بين السعودية وروسيا فقد توجهت الكثير من الدول خاصة أمريكا والصين لملء مخزونها الاستراتيجي من النفط، وكان ترامب قد ابتهج بانخفاض الأسعار وقتها.. وعملت أمريكا على شراء النفط الرخيص من السعودية أو غيرها، وقبل حلول "الاثنين الأسود" كانت خزانات تكساس ممتلئة نوعاً ما، وإن لم يكن كلياً. وهكذا فإن مشكلة مخزون النفط تكون قد وصلت درجة التأزيم والتشبع بحيث إن توجيه المزيد من النفط المستخرج (في حال عدم البيع) إلى التخزين أصبح مسألة معقدة، وأحياناً غير متوفرة، بمعنى إقفال قناة التخزين كحل أمام منتجي النفط خاصة في تكساس...

4- وهكذا فإن مخزون النفط الاستراتيجي الأمريكي قد مُلئ بنسبة كبيرة، وناقلات النفط تعمل في البحر كمرافق تخزين فتفاقمت بذلك مشكلة التخزين حيث امتدت إلى مرافق التخزين الخاصة بنفط غرب تكساس في نقطة تسليمها عند بلدة كاشينغ بولاية أوكلاهوما شمالي ولاية تكساس، (وتتزايد كميات الخام المخزونة في الولايات المتحدة، لا سيما في كاشينغ، حيث نقطة التسليم لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي في أوكلاهوما، مع تقليص المصافي أنشطتها في مواجهة الطلب الضعيف. الجزيرة نت، 2020/4/20)، والطاقة التخزينية القصوى لنقطة كاشينغ تبلغ 76 مليون برميل، وفي العادة يمكن لأصحاب عقود النفط استلام عين النفط في كاشينغ عندما يحين أجل تلك العقود ويمكنهم تخزينه فيها بأسعار عادية غير مرتفعة لحين نقله داخل البر الأمريكي إلى الولايات الداخلية، لكن ما حصل: (وفي كاشينغ بولاية أوكلاهوما خصوصا حيث يتم تخزين خام تكساس الوسيط المرجعي، ازداد حجم المخزون خمسة ملايين برميل وبات قريبا من الحد الأقصى. وارتفعت أيضا المخزونات الأمريكية من الوقود والمنتجات المكررة بينما تراجع الاستهلاك الأسبوعي أكثر من 25 بالمئة على مدى عام بسبب إجراءات العزل. رأي اليوم، 2020/4/25)، وهكذا يمكن القول بأن الانخفاض غير المسبوق للطلب العالمي على النفط والمقدر بـ30 % (أي حوالي 30 مليون برميل نفط يومياً) هو السبب الأول والرئيسي لما نشاهده من انهيارات متتالية في أسعار النفط، ولما كانت السياسة الأمريكية - السعودية بالضغط على روسيا صالحة للتطبيق فقط في الأوقات الطبيعية، وليس وقت أزمات الطلب، فقد نتج عنها تفاقم لمشكلة أسعار النفط بشكل صارخ!

رابعاً: كل هذا أثر على نفط غرب تكساس فقد تشبعت مرافق التخزين في أوكلاهوما ولم يعد هناك مجال للتخزين إلا بأسعار باهظة للغاية، وصار لا بد من التخلص من تلك العقود بأي ثمن، فكانت أزمة نفط غرب تكساس أو "الاثنين الأسود" 2020/4/20 عندما تم بيع النفط بسالب 37 دولاراً للبرميل، وتكبد المتعاملون بالبورصة في أمريكا خسائر فادحة... والذي أوصل الأمور إلى هذا الحد وزاده تأزماً هو ما ذكرناه آنفاً، أي امتلاء خزانات كاشينغ، فعندما تقترب المخزونات من الحد الأقصى، وهو إجراء نادر للغاية فإن أسعار التخزين تقفز، ولأن آفاق استهلاك النفط بسبب استمرار إغلاق الاقتصاد كانت لا تزال غامضة ومريبة فإن أسعار التخزين في منشآت كاشينغ قد قفزت بقوة وصارت عاملاً آخر يضغط على حاملي عقود نفط أيار/مايو، وصاروا يحاولون التخلص منها بأي ثمن، فنزلت أسعار تلك العقود إلى 10 دولارات، ثم بعدها إلى خمسة، ثم واصلت النزول إلى الصفر في مشهد دراماتيكي، ثم ما لبثت أن نزلت إلى ما دون الصفر لتباع آخر تلك العقود أيار/مايو بسالب 37.6 دولار وسط ذهول كبير لحامليها الذين تكبدوا خسائر فادحة وكذلك ذهول المتعاملين بالبورصة. هكذا حصلت أزمة "الاثنين الأسود" 2020/4/20 لنفط غرب تكساس، وتلك كانت ظروفها التي تجمعت في صعيد واحد لتصنع هذه الأزمة الحادة. ومن ثم حصلت أزمة نفط غرب تكساس، ولم تنفع ابتهاجات ترامب باتفاق أوبك بلس بين السعودية وروسيا حين قال في 2020/4/12 ("سيوفر ذلك مئات الآلاف من وظائف الطاقة في الولايات المتحدة. أود أن أشكر وأهنئ الرئيس الروسي بوتين والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز" CNN عربي، 2020/4/21)، فابتهاجات ترامب كانت بعيدة عن الواقع لأن تهاوي الأسعار بهذه الطريقة الفظيعة التي حصلت أوجد مخاوف كبيرة في العالم وليس في أمريكا وحدها، ومن ثم اشتدت الأزمة الاقتصادية ناهيك عن قطاع الطاقة فقد باتت فقاعاتها قابلة للانفجار!

وللعلم فإن خام غرب تكساس المتوسط West Texas Intermediate)) يتم استخراجه من حقول النفط في الولايات المتحدة، ويتم استخراجه بشكل أساسي من تكساس ولويزيانا وداكوتا الشمالية، ثم نقله عبر خط أنابيب إلى كوشينج، بولاية أوكلاهوما للتسليم، ويتم تداول العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط عبر بورصة نيويورك التجارية (NYMEX)، المملوكة لبورصة شيكاغو التجارية (CME)...

خامساً: ومن ناحية أخرى، فإن أمريكا منذ بداية أزمة كورونا قد اعتمدت خططاً للدعم أو للإنقاذ أو التحفيز، وكانت تلك الخطط متدرجة، أولها خطة صغيرة بقيمة 8.3 مليار دولار من الإنفاق الطارئ لدعم برامج الصحة وتمكينه من مواجهة تفشي وباء كورونا في أمريكا، وبعد أن أخذ وباء كورونا يضرب الاقتصاد خارج قطاع الصحة، (خفضت الولايات المتحدة أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر، وأطلقت برنامجا تحفيزيا بقيمة 700 مليار دولار، في محاولة لحماية الاقتصاد من تأثير فيروس كورونا. بي بي سي، 2020/3/16) فقامت بإغراق الأسواق بالسيولة الدولارية لمواجهة نقص السيولة، ثم بعد ذلك تبني خطة تحفيز بقيمة خيالية 2.2 تريليون دولار في 2020/3/27، وهي أكبر خطة في التاريخ الأمريكي، ومعظمها مخصص لشراء ديون الشركات التي تقف على حافة الإفلاس لمنع انهيارها، وأثناء ذلك (وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي قد أعلن في وقت سابق أنه سيشتري ما لا يقل عن 500 مليار دولار من سندات الخزانة وما لا يقل عن 200 مليار دولار من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري. كما أعلن البنك المركزي الأمريكى عن إنشاء برنامج جديد سيوفر ما يصل إلى 300 مليار دولار في التمويل الجديد في محاولة لدعم تدفق الائتمان لأصحاب العمل والمستهلكين والشركات. تريدرس أب، 2020/3/24)، ثم إن حجم المصروفات الصحية على مصابي فيروس كورونا يتوقع أن يكون كارثياً في أمريكا وقد يدفع معه شركات التأمين للانهيار، وهي شركات ضخمة للغاية، ثم إن أمريكا تعاني من أزمة شديدة في البطالة، إذ فقد نحو 30 مليون أمريكي وظائفهم تحت وقع تأثير فيروس كورونا، ولأن الشركات التي كانت توظفهم في وضع مالي بائس فإن عودتهم لوظائفهم لن تكون سريعة هذا العام، وهذا الرقم الكبير ينعكس على الموازنة العامة بالحجم الكبير من طالبي الإعانة الحكومية التي سجل لها ما يزيد عن 22 مليون أمريكي عاطل عن العمل، والحبل على الجرار، وإذا ما استمرت الدولة بتبني حزم إنقاذ كبيرة فإن العملة الأمريكية قد تشهد انهياراً فظيعاً تصطلي بناره أمريكا وكافة الدول والشعوب التي تتعامل بالدولار.

سادساً: لقد أصابت هذه الأزمة ليس فقط أمريكا وإن كانت هي الأشد لكنها أصابت كذلك دولاً أخرى في العالم:

1- بالنسبة لأوروبا فإن حالها ليس بأحسن من قرينتها أمريكا، فإن تداعيات وباء كورونا قد هددت بنيتها السياسية بجانب التداعيات الاقتصادية، وما نشهده من أزمات هذا الوباء في إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا له دلالة واضحة، وقد حذر الرئيس الفرنسي ماكرون في مؤتمر صحفي عبر الهاتف يوم 2020/3/26 "من أن تفشي فيروس كورونا يهدد الدعائم الأساسية للتكتل..." وأضاف "المشروع الأوروبي معرض للخطر... التهديد الذي نواجهه هو القضاء على منطقة الشنغن". (روسيا اليوم 2020/4/26) وقالت المستشارة الألمانية ميركل ("من وجهة نظري يواجه الاتحاد الأوروبي أكبر اختبار منذ تأسيسه... المهم أن يخرج التكتل قويا من الأزمة الاقتصادية التي سببها الفيروس"... رويترز 2020/4/7) وقال رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز يوم 2020/4/5 ("الظروف الحالية استثنائية وتدعو إلى مواقف ثابتة، إما أن نرتقي إلى مستوى هذا التحدي أو سنفشل كاتحاد..." ... فرانكفورتر ألغماينة الألمانية 2020/4/5) وكان قادة الاتحاد الأوروبي في اجتماعهم عبر الفيديو يوم 2020/4/23 اتفقوا على حزمة إنقاذ فورية بحوالي 500 مليار يورو، ولكنهم تركوا التفاصيل المختلف عليها لتمويل أكبر حتى فصل الصيف... فقد تناقشوا حول تأسيس صندوق للمساعدات، وإصدار سندات كورونا مشتركة. ولكن ألمانيا وهولندا والنمسا وفنلندا أعلنت رفضها لهذه السندات ولم توافق على فكرة الصندوق. بينما فرنسا وإيطاليا وإسبانيا تدعم


المشروع وهي الدول الأكثر تضررا. ورفض ألمانيا يرجع إلى أنها تطمح لأن تعطي قروضا باسمها لتكون هذه الدول مدينة لها، لتسيطر على دول أوروبا الأخرى...!

2- وبالنسبة للصين، فقد حذر البنك الدولي من أن تداعيات الاقتصاد العالمي يمكن أن تتسبب في تراجع نمو الاقتصاد الصيني وصولا إلى 2,3% هذا العام مقارنة بنسبة 6,1% في العام 2019" (صفحة الحرة الأمريكية 2020/4/10) ونقلت الصفحة عن مسؤول البنك المركزي الصيني قوله: "إنه يوصي بألا تحدد بكين هدفا للنمو هذا العام، نظرا للشكوك الهائلة التي تواجهها" ونقلت صحيفة "إيكونوميك ديلي" الرسمية عن "ما جون" عضو في لجنة السياسة النقدية في بنك الشعب الصيني قوله "إنه سيكون من الصعب الوصول إلى نمو بنسبة 6%"، مضيفا أن "تحديد هدف يمكن أن يحد من التدابير الرسمية للتعامل مع تداعيات الفيروس".

3- وأما بالنسبة لروسيا، فهي تعتمد على صادرات النفط والغاز بنسبة 60%. فالنفط يعتبر شريان الحياة للاقتصاد الروسي، فأصبح يقاسي من الخسائر التي يتكبدها، وباتت العملة الروسية الروبل على أسوأ حال فانخفض حتى أصبح الدولار يساوي نحو 79 روبلاً عقب حرب أسعار النفط. ففي تقارير من وكالة رويترز عن الوضع في روسيا تنقل عن أحد البنوك الروسية قوله "إن الناتج المحلي الإجمالي قد ينكمش بنسبة 15% إذا ما هبطت أسعار النفط دون عشرة دولارات للبرميل".

سابعاً: إن الرأسمالية قد ظهر عوارها بشكل أوضح، وظهر عجزها وارتباكها في التعامل مع أزمة كورونا، وظهرت الأنانية بين دولها، التي تعرضت لضربات شديدة ألقتها أرضا، فما بقي إلا المبدأ الإسلامي العريق والصحيح. فهناك فرصة لانطلاق الأمة الإسلامية من جديد... إلا أن الأنظمة في بلاد المسلمين والقائمين عليها تقف عائقا أمام حركة الأمة، فهؤلاء الحكام يصرون على عداوتها وعلى الارتباط بالدول الاستعمارية الكبرى. والأمة تحتاج إلى قيادة مخلصة صادقة تقودهم وفق الإسلام الحنيف، وهي لا شك تدرك أن حزب التحرير هو الرائد الذي لا يكذب أهله، فلتعمل معه بصدق ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

أيها الإخوة، إن الأحداث تشير إلى أن الموقف الدولي بعد كورونا ليس كما كان قبله، فالدول التي كانت تعد أنفسها آلهة في الأرض تخط لها شرعا وقوانين على خلاف ما أنزل الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فتجعل الباطل حقاً والحق باطلاً، هذه الدول قد ثبت عجزها أمام مخلوق صغير صغير لا يكاد يرى فألقاها أرضاً وهي تتخبط في كيفية معالجته، والوقوف أمامه... وهي ما زالت تتخبط في دياجير ظلمها إلى أن يصفعها قول الله القوي العزيز: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾، وسيبزغ فجر الخلافة من جديد، فيضيء الدنيا وينشر الخير في ربوع العالم ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً﴾.

السادس من رمضان المبارك 1441هـ
الموافق 2020/04/29م
المصدر: جريدة الراية
Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 28th March 2024 - 11:40 AM