مفهوم خاطئ : ( وصف حكام المسلمين أولياء أمور)
يروج بعض العلماء لشرعية أنظمة الحكم القائمة في عالمنا الإسلامي ويضفي الشرعية عليهم بوصفه لهم بأنهم هم ( أولي الأمر) الذي أمرنا الله ورسوله بالسمع والطاعة لهم بقوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اسمع وأطع وان تأمر عليكم عبد حبشي))،ويتهم من يعمل على إزالتهم أو العمل على تغييرهم لإعادة الحكم الإسلامي والحكم بما أنزل الله ، وتوحيد المسلمين بإقامة الخلافة، بأنه من الخوارج الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ( يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية )، وهو يسعى إلى الفتنة، فمادام الحاكم ( مسلم ) يبقى النظام شرعي له حق السمع والطاعة على حد زعمهم.
فأصبح المسلمين نتيجة لهذا الفهم الذي أوجده علماء السلطان في أذهان المسلمين بشتى الوسائل والأساليب، لا يتطلعون إلي تغيير واقعهم الذي فرضه الكافر المستعمر عليهم، هذا الواقع الذي انقسمت فيه الأمة الواحدة إلي أمم قائمة على أساس قومي وطني، تحكم بأنظمة الكفر ، مما أبقى هذه الأمة تبعا للكافر المستعمر ، متأثرة بثقافته وحضارة، فأصبحت الأمة تتمسك بدين لا تصلح عليه أمه ولا تستقيم عليه مله.
فمن هو ولي الأمر :
جاء في القاموس المحيط، ولي الشيء عليه ولاية وولاية، أوهي المصدر بالكسر: الخطة والإمارة والسلطان.
والأمر في اللغة: هو طلب الفعل على سبيل الاستعلاء، وإذا قرن اللفظين، تدل على الأمير والسلطان الذي يلي القوم بالتدبير والأمر والنهى.
وفي الاصطلاح: استعملها الفقهاء، في (الخليفة)، والخطة (أي أجهزة الدولة من معاونون، وولاة، وهؤلاء يعينهم الخليفة لإعانته في تحمل أعباء الحكم فينوبوا عنه في الحكم على الأقاليم والأقطار)، وهؤلاء يجب السمع والطاعة لهم لقوله صلى الله عليه وسلم (من أطاع أميري، فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني)، ولقوله تعالى: ((أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم))
أما منصب الخلافة، وهو ولى أمر المسلمين ،لا يتولاه أحد إلا ببيعة، وهذه البيعة يجب أن لا يتخللها إكراه ولا إجبار، ولابد أن تكون بالرضا والاختيار، لان الخلافة، كما يقول أبو يعلى الحنبلي: ( عقد لا يتم إلا بعاقد )، وقد اتفق العلماء على أن الرضا أساس في العقود، لقوله صلى الله عليه وسلم: (( إنما البيع عن تراض))، وهذا العقد يكون بين الأمة أو ممثليها من أهل الحل والعقد، وبين من اختاروه، لمنصب (ولاية أمر المسلمين الخلافة) ، فالإسلام جعل السلطان للأمة وهي من تختار من يتولى أمرها، يقول أبو يعلى الحنبلي في الأحكام السلطانية (إنما تنعقد بعقد المسلمين)، وينقل القلقشندي رأي جمهور العلماء والفقهاء في ذلك فيقول (لا تنعقد الا بعقد أهل الحل ولا عقد) – أي في حال انابتهم الامة عنها في ذلك – لان الإمامة عقد فلا تصح الا بعاقد)، لذلك قال عمر رضا الله عنه (من دعا إلى إمارة نفسه من غير مشورة المسلمين فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه).
وهذه البيعة يجب ان تكون على أساس الحكم بما أنزل الله، فالإسلام أوجب على المسلمين مبايعة امام، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ((من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))، فالعبرة من وجوب بيعة في عنق المسلمين هو لاقامة الاسلام، يقول ابن حزم مبين سبب وجوب اقامة امام : ((ليقيم فيهم احكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم)).
اما اذا انعقدت البيعة على اساس الحكم بغير ما أنزل الله (كالنظام الديمقراطي الذي يقوم على أساس (إن الحكم الا للشعب ) ، ويقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة)، تكون هذه البيعة باطلة شرعا، وذلك لانعقاد العقد على مالا يعتبره الشرع ولا يترتب عليه مقصوده، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن اشترط مائة شرط))، وفي رواية ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل))، فاشتمال العقد على ركن باطل ، وهو الحكم بغير ما أنزل الله، يجعل السلطة غير شرعية في الإسلام، لأن مبرر وجوب إقامة السلطة انما هو لإقامة الدين والحكم بما أنزل الله، قال تعالى ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ))، وقال: ((وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك))، وقوله تعالى: ((إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بينالناس بما اريك الله)).
لذلك يقول الإمام على رضى الله عنه وأرضاه مبينا الآثار المترتب على العقد الصحيح للإمامة والعقد الفاسد فيقول (حق على الامام ان يحكم بما أنزل الله، وأن يعدل في الرعية، فإن فعل ذلك فحق عليهم أن يسمعوا ويطيعوا وان يجيبوا إذا دعوا) وهذه هى آثار البيعة الصحيحة، أما البيعة على غير أساس الإسلام فيقول (وأي حاكم حكم بغير ما أنزل الله فلا طاعة له).
فيكون وصف أنظمة الحكم القائمة في عالمنا الإسلامي (بأنهم أولياء أمور شرعيين ) إنما هو افتراء محض لا يجوز أن يصدر من جاهل فضلا أن يصدر عن عالم، والخطير بهذا المفهوم أنه يحافظ على الواقع الذي صنعه الاستعمار ويمنع الأمة من إقامة إسلامها ووحدتها.
أخوكم / هاني الشمري