نسخة قابلة للطباعة من الموضوع

إضغط هنا لمشاهدة الموضوع بهيئته الأصلية

منتدى الناقد الإعلامي _ مقالات وتحليلات _ العمل السياسي واجب شرعي

كاتب الموضوع: الخلافة خلاصنا Mar 2 2016, 07:27 PM

نص محاضرة ألقيت في فلسطين قبل عدة سنوات


بسم الله الرحمن الرحيم


العمل السياسي واجب شرعي


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق واشرف المرسلين، وبعد:
فكلمة السياسة عندما تطلق هذه الايام يتبادر الى الذهن الغش والخداع والكذب على الناس، وان الانسان السياسي هو الذي يسرق ويكذب ويخون الناس، لذلك يطرح ان لا سياسة في الدين لان الدين ارفع من ذلك، وان لا احزاب في الاسلام لأنها تفرق الامة وهذا كله من التضليل الذي يمارس على الامة.

ايها الحضور الكريم:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم))(البخاري ومسلم) فالسياسة من ساس يسوس الرعية، قال في القاموس المحيط: سست الرعية سياسة أي امرتها ونهيتها. فالسياسة اذن هي رعاية الشؤون حسب الإسلام، وذلك لأننا مسلمون فالرعاية يجب ان تكون حسب الإسلام، قال تعالى: {وان احكم بينهم بما انزل الله} (المائدة 49)
وسياسة الدولة هي رعاية شؤون الامة داخليا وخارجيا حسب الإسلام، فالدولة تباشر الرعاية عمليا حيث تنفذ المبدأ في الداخل وهذه هي السياسة الداخلية، وتحمل المبدأ الى الخارج وهذه هي السياسة الخارجية، وأما السياسة من قبل الامة فتكون بمحاسبة الدولة على سياستها الداخلية والخارجية ان قصرت فيها.

ايها الحضور الكريم:
فالسياسة الداخلية للدولة تكون بتطبيق المبدأ في الداخل، فنحن كمسلمين مبدؤنا الاسلام لذلك تكون رعاية شؤون الناس في الداخل بتطبيق الاسلام على الناس، والسياسة الخارجية تكون بحمل المبدأ الى العالم اجمع بالدعوة والجهاد، والدليل على السياسة الداخلية قوله تعالى:{وان احكم بينهم بما انزل الله} (المائدة49) أي جميع ما انزل الله، وهذا يعني تطبيق جميع انظمة الاسلام ومنها نظام الحكم (الخلافة) والنظام الاقتصادي في الاسلام وأن لا يكون للمسلمين اكثر من حاكم لقوله صلى لله علي وسلم : ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الاخر منهما))(مسلم)، وأما الدليل على السياسة الخارجية فهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((أمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدَاً رَسُوْلُ اللهِ)) (البخاري ومسلم)، وأي تقصير في سياسة الدولة الداخلية او الخارجية يوجب على الامة المحاسبة وهي السياسة من قبل الامة.

ايها الحضور الكريم:
لقد ناقش الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية واشتدوا عليه في ذلك وهو رسول الله، وحوسب الخلفاء الراشدون من بعده، فها هي المرأة تحاسب عمر عندما اراد تحديد المهور وحوسب ايضا لان ثوبه اطول مما اعطي لرعيته وهو من خيرة الخلفاء، لذلك فالمحاسبة وهي امر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر هي من الفروض التي حث عليها الاسلام بقوة، فان قصر الحكام في اداء واجباتهم او اهملوا شانا من شؤون امتهم فتجب محاسبتهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستكون امراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن انكر سلم ولكن من رضي وتابع)) (رواه مسلم)هذا عن الامراء اما الادلة على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فكثيرة وهي تشمل الحاكم وغير الحاكم، قال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(آل عمران104) وقوله { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (ال عمران 110) وقوله صلى الله عليه وسلم ((والذي نفسي بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهَون عن المنكر أو ليوشِكنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقاباً منه , ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم)) (احمد والترمذي) وقوله صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)) (الترمذي) وغيرها الكثير من الادلة الدالة على ان محاسبة الحكام ان قصروا في واجباتهم امر عظيم وفرض عظيم من الفروض لا يجوز التهاون فيه.

ايها الحضور الكريم:
وان اظهر الحاكم الكفر البواح بان طبق حكما من احكام الكفر المعلوم من الدين بالضرورة فيجب حينئذ الخروج عليه وقتاله للحديث الوارد في صحيح مسلم عن عبادة بن الصامت حيث قال: ((دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فكان فيما اخذ علينا ان بايعناه على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا وأثرة علينا وان لا ننازع الامر أهله، قال : إلا ان تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان))

ايها الاخوة الكرام
وأما حكام اليوم فلا يحكمون بالإسلام ولذلك ليسوا كخلفاء المسلمين ولا هم تحولوا من الاسلام الى الكفر فيقاتلوا، وإنما حكمهم كله كفر بكفر من اساسه وهؤلاء حكمهم حكم المجتمع الجاهلي بمكة عند البعثة، وهؤلاء تتبع معهم طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في العهد المكي وكيف اقام الدولة في المدينة المنورة، وهذه الطريقة هي طريقة الدعوة وطلب النصرة لتغيير هؤلاء الحكام.
فمجتمع مكة في ذلك الوقت ومجتمعاتنا هي دار كفر وهي الدار التي لا يطبق فيها حكم الاسلام ولا يكون امانها بأمان المسلمين، اما دار الاسلام كالمدينة المنورة بعد هجرة الرسول اليها في ذلك الوقت وهي غير موجودة هذه الايام فهي الدار التي يطبق فيها حكم الاسلام ويكون امانها بأمان المسلمين.

ايها الحضور الكريم:
وطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم تتمثل في حزب يدعو الى الاسلام ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ودليله قوله تعالى:{ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (ال عمران 104) هذا الحزب عليه ان يدرس الاسلام دراسة صحيحة نقية من مصادره الاصلية وهي الكتاب والسنة ويثقف افراده بهذه الثقافة ثم يعمل الحزب على تثقيف افراد الامة بهذه الافكار بشكل عام وذلك حتى تحمل الامة هذه الافكار الاسلامية وتتفاعل معها وتتخذ فكرة الحزب قضيتها وتعمل مع الحزب على ايجاد هذه الافكار في واقع الحياة عن طريق استئناف الحياة الاسلامية وإعادة تطبيق الاسلام وحمله رسالة الى العالم. وأثناء التفاعل مع الامة يقوم الحزب بالصراع الفكري والكفاح السياسي، فالصراع الفكري هو صراع افكار الكفر وعقائده وأنظمته وبيان زيفها ومناقضتها للإسلام، وأما الكفاح السياسي فهو مكافحة الدول المستعمرة التي لها سيطرة على بلاد المسلمين ومقارعة عملائهم في بلاد العالم الاسلام على تقصيرهم وعمالتهم.
فقد هاجم الرسول صلى الله عليه وسلم المشركين وديانتهم وعابها وهاجم عاداتهم مثل: واد البنات وهاجم قادتهم مثل ابي جهل وأبي لهب، وكشف مؤامراتهم مثل ائتمارهم بقتل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اراد الهجرة، ونحن اليوم نهاجم افكار الكفر وعقائده مثل الديمقراطية والرأسمالية والاشتراكية ونهاجم العادات غير الاسلامية مثل العادة محكمة، وان لا سياسة في الدين ونهاجم ايضا القائمين على الكفر ونكشف مؤامراتهم وخططهم ضد الاسلام وأفكاره مثل: كشف مؤامرات راس الكفر امريكا ومثل كشف حكام المسلمين اليوم امام الناس.
هذا هو واجبنا تجاه حكام اليوم امرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر والعمل على تغييرهم، لذلك تجدهم يطرحون أطروحات كثيرة تخالف الاسلام مثل اشتراط وجود الترخيص للأحزاب حتى تستطيع ان تمارس عملها ومثل اخذ الاذن او التصريح لقيام الاحزاب بأي نشاط. اما اشتراط الترخيص فهو مخالف للإسلام لان الاسلام امر واوجب على الامة وجود احزاب تدعو الى الاسلام وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، والفرض لا يحتاج الى اذن او ترخيص للآية الواضحة الصريحة:{ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (ال عمران 104)وان احتاج الى ترخيص فهذا يعني ان الصلاة والصيام مثلا تحتاج الى ترخيص من الدولة وهذا مخالف للإسلام.
ان حكام المسلمين اليوم وهم يحاربون الله ورسوله لا يرخصون إلا للأحزاب الوطنية والقومية والاشتراكية والعلمانية التي تخالف عقيدة الاسلام فيسمحون لها بالعمل لمخالفتها دين الإسلام، وأحيانا يرخصون او يتغاضون عن الاحزاب الاسلامية التي تغض النظر عن الحكام ومنكراتهم وجرائمهم وتهتم بالعبادات والأخلاق وغيره مما لا يتعرض الى الحكام، اما من يأخذون على ايدي الحكام ويحاسبونهم ويعملون على استبدال عروشهم بحكم الاسلام فهؤلاء يحاربون بشتى الوسائل والطرق من ملاحقة وتضييق وسجن وتهم ما انزل الله بها من سلطان، وهذا شيء طبيعي من قبل هؤلاء الحكام فلا احد يحب ان تكشف عورته وسوأته امام الناس.

ايها الحضور الكريم:
يجب الانتباه الى عدة امور منها:
1- ان الحكام يطلبون الاذن لوجود الاحزاب حتى يتحكموا في الامة ورقابها والرقابة الشديدة على كل قول ورأي يهدد وجودهم ونفوذ اسيادهم.
2- الفرض لا يحتاج الى اذن من السلطات الحاكمة ووجود احزاب اسلامية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو الى الاسلام وتمارس عملها بناء على ذلك لا يحتاج الى اذن من النظام.
3- عدم وجود احزاب بهذه المواصفات يوقع الامة بالإثم
4- سكوت الاحزاب وبالذات الاسلامية منها عن منكرات الحكام اثم يحاسبون عليه امام الله تعالى.
5- لا يجوز شرعا وجود احزاب غير إسلامية مثل أحزاب وطنية أو قومية أو غيرها.


ايها الحضور الكريم:
ان غياب المحاسبة وغياب وجود احزاب اسلامية سياسية يؤدي الى:
1- تمادي الحكام في ظلم الرعية وظهور الغبش في تطبيق احكام الكفر واعتبارها من الاسلام.
2- تنفيذ الحكام العملاء لمخططات الكفار عى المسلمين دون حسيب ولا رقيب.
3- تؤدي الى سيادة افكار الكفر واضمحلال افكار الاسلام
4- تؤدي الى اطالة عمر الفساد بين المسلمين وتأخر النصر وحلول النكبات على الامة لتركها هذا الفرض العظيم

ايها الحضور الكريم
لا تظنوا ان بطش هؤلاء واستحكامهم بمقدرات الامة ومصائر الشعوب قدر لا راد له، بل هم في خندقهم الاخير ومعركتهم الخاسرة، لأنهم اتخذوا من بيت العنكبوت بيتا وسندا وحاميا، وانطبق عليهم قوله جل وعلا :{ مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون }(العنكبوت 41) فسندهم شيطان امريكي او اوروبي سرعان ما سينكب على وجهه مذموما مدحورا تاركا عملاءه خلفه خائضين معركتهم الخاسرة امام الامة التي ستجعلهم اثرا بعد عين. والآن ونحن نصطف جنودا في هذه المعركة فما علينا إلا الاستجابة لنداء رب العالمين لنا:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ) (الانفال 24)

والخلاصة ايها الحضور الكريم
فقد وضح ان العمل السياسي واجب شرعي، وهو افعل واوجب من خلال حزب مبدئي، وعلاوة على ذلك فان سنن الكون في التغيير اقتضت وجود احزاب سياسية مبدئية، فما من نهضة إلا ووراءها حزب سياسي، وما من محاسبة فاعلة إلا وكانت بفعل حزب سياسي.
وأخيرا ونحن اذ نخاطبكم بواجب افترضه الله عليكم ندعوكم لتحملوا اعباء عمل الانبياء والمرسلين لتكونوا حملة دعوة وسياسيين، لا يوقفكم اذون الانظمة وتراخيصها، ولا يرهبنكم تهديدات الرويبضات وبطشهم، فساعة الحسم هذا اوانها وزمن السكوت قد انقضى، ليتحقق لنا وعد الله بالنصر والتمكين، قال تعالى:{ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور55)

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




Powered by Invision Power Board
© Invision Power Services