منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:50 AM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238



بسم الله الرحمن الرحيم




كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة



الجزء الأول



النسوية: ذِئْبٌ في ثَوْبِ حَمَل


(مترجم)



منذ خمسين عامًا، زعمت النائبة النسوية الأمريكية بيتي فريدان، والتي يُنسب إليها الفضل كإحدى مؤسسات الحركة النسوية المعاصرة، في كتابها المعروف "The Feminine Mystique" أن ربات البيوت الأمريكيات إن بدأن حياتهن المهنية، فسيكنَّ أكثر سعادة وصحة، سيتمتعن بزيجات أفضل وأطفالهن سيحققون النجاح. أفادت الرسالة الضمنية، التي رددتها أصوات العديد من النسويات على مر السنين، بأن الوظيفة لا الأمومة هي ما يمكن أن تقدم للمرأة إنجازات ذاتية وقيمة ونجاحا في الحياة. وعلى كل حال، ليس بالإمكان أن يكون وصف أبعد من هذا الوصف لحقيقة الواقع.



على مدى العقود القليلة الماضية، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن مفاهيم "النسوية"، ولا سيما "المساواة بين الجنسين" الذي يسعى إلى تحقيق المساواة في الحقوق والأدوار والمسؤوليات بين الرجال والنساء في الحياة الأسرية والمجتمع، قد شكل واحدا من أكثر القوى تدميرا للزواج والأمومة ووحدة الأسرة. وكان انتشارها مغلفا برداء زائف من الدعوة إلى الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية للمرأة في الدول التي حُرمت فيها المرأة من ذلك. وبالتالي، فإن أولئك الذين عارضوا هذا التعريف الجديد لأدوار الجنسين في الحياة الأسرية قد وُسِموا بالرجعية، وبأنهم أصحاب فكر عفا عليه الزمن، فضلا عن أنهم يقفون إلى جانب ظلم وقمع المرأة. انتشرت فكرة المساواة بين الجنسين والأفكار النسوية الأخرى تحت ستار المصطلحات المغلفة بالسكر مثل "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"المساواة بين الجنسين" لإغراء النساء والعامة من الناس ليؤيدوا دعوتهم. ومع ذلك، كان هذا كله خدعة، ذلك أن هذه التجربة الخطيرة في الهندسة الاجتماعية أسفرت عن نتائج كارثية وبؤس لا يوصف للنساء وأطفالهن، وبنية الأسرة بشكل عام وكذلك المجتمع بأسره.



ويرجع ذلك إلى أن هذه الفلسفة المتآكلة مجتمعيا للنسوية، دفعت النساء إلى تحديد استحقاقاتهن وواجباتهن بأنفسهن وفقاً لرغباتهن الفردية لا بناء على ما هو الأفضل للنساء والرجال والأطفال والمجتمع على حد سواء. إن نهجها المتمركز حول المرأة في تنظيم الحياة الأسرية وتوقعاتها المرتكزة على النوع الاجتماعي لحل المشاكل في المجتمع، كل ذلك تسبب في إحداث الارتباك وإشاعة الخلاف في الحياة الزوجية والمسؤوليات الأبوية، كما أدى إلى إهمال حقوق الأطفال ورفاههم، وساهم في التقليل من قيمة الأمومة واضطر المرأة للتخلي عن دورها كأم وربة بيت. كما أنه أدى إلى تآكل مسؤولية الرجال عن أسرهم، وأثقل كاهل المرأة بمهام الرجل في الحياة الأسرية بما في ذلك كونها عاملة أجيرة تُمارس عليها ضغوطا لا توصف. كل هذا خلق وضعاً بعيداً عن ساحة ذهبية لحياة أكثر سعادة، وزواج أفضل وتحرير من الاضطهاد، ذلك الذي وعدت به بيتي فريدان والعديد من النسويات الأخريات بتوفير المساواة بين الجنسين في وحدة الأسرة. كتبت دايل أوليري، وهي صحفية ومحاضرة أمريكية، وإحدى معارضات الفلسفة النسوية، في كتابها "الأجندة الجنسانية: إعادة تعريف المساواة": "ادعت النسويات تعزيز تقدم المرأة، لكن بدا لي أن لدى النسويات فكرة مشوهة للغاية عن معنى أن تكون امرأة، وفكرة أكثر غرابة عما يشكل تقدمًا."



عرضت العديد من النسويات الأمومة ووحدة الأسرة التقليدية المكونة من الرجل بصفته رب الأسرة ومورد رزقها، والمرأة بصفتها ربة البيت والراعية الأساسية للأطفال باعتبار ذلك كله انتهاكًا للمساواة بين الجنسين ومصدرًا رئيسيًا لقمع المرأة. ومن ثم، فقد سعوا إلى تفكيك هذا الهيكل العائلي التقليدي، بحيث يتم تقاسم رعاية الأطفال والمهام المنزلية والأجور على قدم المساواة بين الزوج والزوجة. بل وصل الأمر إلى حد دعوة بعض النسويات إلى عائلة خالية من النوع الاجتماعي (الجندر). على سبيل المثال، علقت الكاتبة والمؤلفة النسوية الليبرالية سوزان مولر أوكين، من القرن العشرين: "إن المستقبل العادل سيكون دون جندر". في الواقع، في بعض الدول الغربية اليوم، الأفكار أو الصور التي تقدم الأدوار التقليدية للرجال والنساء في الحياة الأسرية ممنوعة في الإعلانات أو المواد التعليمية.



لم تنتشر الأفكار والفلسفة النسوية الضارة والخطيرة في جميع أنحاء الدول الغربية فحسب، لتزرع الفوضى في الحياة الأسرية والنسيج الاجتماعي لتلك المجتمعات فحسب، ولكنها أثرت أيضًا على بقية العالم، بما في ذلك البلاد الإسلامية نتيجة للسياسات الاستعمارية، بالإضافة إلى حكم الأنظمة والحكومات العلمانية التي حكمت العالم الإسلامي بعد هدم الخلافة في عام 1924م. فرضت هذه الأنظمة والقيادات العلمانية على شعوبها وجهة النظر والمثل العليا الغربية، بما في ذلك وجهة نظر النسوية، وذلك عبر الدساتير، والقوانين والإعلام والنظم والمبادرات التعليمية، فعلى سبيل المثال نص قانون الأحوال الشخصية التونسي بالإضافة إلى دستورها الجديد على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في المجتمع. كما أنهم سمحوا للحركات النسوية القائمة على حقوق المرأة بالعمل بحرية لتزدهر داخل المجتمع، وتنشر أفكارها الفاسدة في الأمة الإسلامية، بما في ذلك تغيير وجه "الأسرة المسلمة".



إلى جانب ذلك، تبنت هذه الأنظمة العلمانية المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تروج بقوة للمساواة بين الجنسين في قوانين وسياسات الدول. على سبيل المثال، قبلت حكومات كثيرة في العالم الإسلامي إعلان ومنهاج عمل بيجين، وهو جزء من إعلان ذي تأثير لالتزام عالمي بالمساواة بين الجنسين، تم تبنيه في المؤتمر العالمي الرابع للأمم المتحدة حول المرأة عام 1995. وكان لهذا المنهاج، الذي شكل الأساس للعديد من الاتفاقيات الدولية اللاحقة والعديد من القوانين الوطنية المتعلقة بحقوق المرأة، هدف واضح يتمثل في إصلاح هيكل وحدة الأسرة على أساس خطوط المساواة بين الجنسين. وعلى سبيل المثال، جاء نص منهاج عمل بيجين 245 (أ): "تشجيع التقاسم المنصف للمسؤوليات الأسرية عن طريق حملات لوسائط اﻹعلام تركز على المساواة بين الجنسين وأدوار الجنسين التي ﻻ تقوم على القوالب النمطية داخل الأسرة وتنشر معلومات تستهدف القضاء على إيذاء الزوجة والأطفال وجميع أشكال العنف ضد المرأة بما فيها العنف الأسري"؛ كما تدعو المادة 179‏ (د) الحكومات على وجه التحديد إلى "وضع سياسات في مجال التعليم تتناول، في جملة أمور، تغيير الاتجاهات التي تعزز تقسيم العمل على أساس نوع الجنس، بغية تعزيز مفهوم تقاسم المسؤوليات الأسرية في العمل وفي المنزل، ﻻ سيما فيما يتعلق برعاية الأطفال وكبار السن؛" كما نصت المادة 276 (د) على ما يلي: "اتخاذ الخطوات الكفيلة بألا تتخذ التقاليد والأديان ومظاهر ممارستها أساساً للتمييز ضد البنات." مع الملاحظة بأنه وفقاً للمساواة بين الجنسين، فإن "التمييز" هو أي معتقد أو ممارسة تتعارض مع مساواة الأدوار والمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، بما في ذلك في الحياة الأسرية.



وكنتيجة لذلك كله، تبنّى الكثيرون في الأمة الإسلامية فكرة المساواة بين الجنسين والأفكار الأخرى للنسوية، معتقدين بأنها ستؤدي إلى احترام وتقدم المرأة وكذلك نهضة البلاد الإسلامية - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ومع ذلك، فقد فشلوا في إدراك أن مفاهيم الحركة النسوية، بما في ذلك فكرة المساواة بين الجنسين، التي تدعو إلى فكرة أن تكون المرأة هي من تحدد حقوقها وأدوارها في الحياة، تتناقض بشكل أساسي مع العقيدة الإسلامية؛ لأنه في الإسلام، لا يحدد الرجال والنساء حقوقهم وأدوارهم وواجباتهم على أساس المساواة أو رغباتهم الشخصية وإنما على أساس أوامر الله سبحانه وتعالى وحده. علاوة على ذلك، فإن المرأة المسلمة لا تُقيم نجاحها من خلال مقارنة نفسها بالرجل وحقوقه ومسؤولياته، وإنما بناء على قدرها عند خالقها ووفقًا لأدائها للواجبات التي أمرها بها الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا﴾ (الأحزاب: 36)



لقد فشل هؤلاء المسلمون الذين اعتنقوا أفكار الحركة النسوية في إدراك أن هذه المفاهيم قد ولدت من التجارب التاريخية للظلم والقهر وغياب الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية الأساسية التي عانت منها النساء في الدول الغربية بسبب العيش في ظل نظام علماني وضعه البشر - وهذا تاريخ وتلك ممارسات لا يشترك فيها الإسلام. كما أنهم فشلوا في إدراك أن ازدراء الحركة النسوية للزواج والأمومة والأدوار التقليدية للرجال والنساء في الحياة الأسرية نشأ بسبب النظرة الخاطئة للنسويات فيما يتعلق بما تمثله هذه الأدوار للمرأة وما الذي سيحررها من الاضطهاد ويرفع من مكانتها في المجتمع. وأخيرًا، فشلوا في أن يفهموا حقاً حجم الدمار الذي تسببه المساواة بين الجنسين والمثل النسوية الأخرى لهيكل الأسرة، وللنساء والأطفال والمجتمع بأسره.



يشرح الجزء الثاني والثالث من هذه المقالة كيف نشأ الهجوم النسوي على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة التقليدية.



كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. نسرين نواز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:52 AM
مشاركة #2


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238




ناقش الجزء الأول من هذه المقالة كيف كانت الأفكار المدمرة والهدامة للحركة النسوية، ولا سيما مفهوم المساواة بين الجنسين، عبارة عن حبة سامة مغلفة بالسكر تم ترويجها للنساء والمجتمعات تحت مسميات "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"المساواة بين الجنسين". ومع ذلك، في الحقيقة خدمت كواحدة من أكثر القوى المدمرة على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة. كما ناقش عدد من الذين احتضنتهم الأمة المسلمة المثل العليا للنسوية، وفشلوا في إدراك أن النسوية قد ولدت من التجارب التاريخية للظلم والقمع وغياب الحقوق الأساسية التي عانت منها النساء في الدول الغربية بسبب العيش في ظل النظام العلماني الفاسد الذي صنعه الإنسان والذي لا يشابه الإسلام لا في التاريخ ولا الخبرة.

وسيتناول الجزءان الثاني والثالث من هذه المقالة شرح كيفية نشوء اعتداء الحركات النسوية على الزواج ووحدة الأسرة التقليدية، وتناقض ذلك مع الآراء والقيم ووجهات النظر والأحكام المتميزة للإسلام المتعلقة بالمرأة والزواج والحياة الأسرية.

1- غياب حقوق المرأة في الزواج:

في العصر الفيكتوري، عندما تتزوج المرأة - في نظر القانون - تختفي أساسا من الوجود، وتصبح ملكا لزوجها عند الزواج، وتمنح حقوقها قانونيا لزوجها، الذي كان يمكن أن يعاملها أساسا بناءً على رغبته في ذلك. وبالتالي فبمجرد الزواج، تعامل العديد منهن معاملة العبيد. وتسلم المرأة ملكية ثروتها وأية أجور كانت تستلمها إلى زوجها الذي سيتحكم في ممتلكاتها وأموالها. وعلاوة على ذلك، فإنه من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، أن تطلّق المرأة نفسها من زوجها، حتى وإن كان مسيئا أو غير مخلص لها؛ وفي الواقع، يمكن أن يكون الزوج عنيفا تجاه زوجته دون خوفه من الملاحقة القضائية. كما أنها ليس لها حقوق في حضانة أطفالها.

ونتيجة لحرمان المرأة من حقوقها في الحياة الزوجية، ينظر أنصار ومؤيدو الحركة النسائية الأوائل إلى الزواج ووحدة الأسرة بوصفهما شكلا من أشكال استرقاق المرأة واستعباد الرجل لها. وعلى سبيل المثال كتب فريدريك إنجلز - الفيلسوف الألماني الشهير والعالم الاجتماعي - في القرن التاسع عشر، في كتابه "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" أن "الأسرة الحديثة الفردية تقوم على عبودية الزوجة المكشوفة أو المخفية"، وأنه عند الزواج، "يتولى الرجل الأمر في المنزل أيضا"؛ وقد تدهورت حالة المرأة وانخفضت إلى درجة العبودية؛ وأصبحت عبدا لشهوته ومجرد أداة لإنجاب الأطفال.

وعارضت الحركات النسوية أيضا مفهوم تقييد العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في حدود الزواج. ووصفوا ذلك بأنه يخنق ويحد من حرية المرأة وسعادتها وسرورها، ودعوا إلى "التحرر الجنسي" للمرأة، كما أيدوا أيضا حق المرأة في الإجهاض، محتجين بأن الرقابة الكاملة على الإنجاب للمرأة شرط أساسي لأي شيء كالمساواة.

ولم يفهم المسلمون الذين تبنوا التحفظ النسوي تجاه الزواج، واعتبروه شكلا من أشكال استعباد المرأة واستعباد الرجل لها الذي يحتاج إلى التصحيح من خلال الدعوة إلى المساواة بين الجنسين في الحياة الزوجية. إن الإسلام لم ينظر للزوجة على أنها ملك يمين أو أمَة للزوج، ولكنها حافظت على أنها كانت صاحبة زوجها وكيانا قانونيا ولها حقها الشخصي. وبالتالي، فإن المرأة في الإسلام لا تزال تملك الملكية والسيطرة الكاملتين على أموالها وأرباحها وممتلكاتها، بينما لا يحق لزوجها الاستيلاء على أي جزء من دخلها أو أصولها أو أموالها. وعلى سبيل المثال، تؤكد السجلات القضائية العثمانية في ظل حكمها الإسلامي أنه وبموجب أحكامها لا يمكن لأحد، بما في ذلك الزوج، أن يبيع أو يستأجر أو يستخدم ممتلكات المرأة، أو ينفق ثروتها بدون موافقتها، وإذا حصل ذلك، فإنها تستطيع أن تقاضيه في المحكمة. وتمكنت المرأة أيضا من تنفيذ وإبرام عقودها الخاصة والتماس الإنصاف القضائي في المحاكم، بمعزل عن زوجها. وبالإضافة إلى ذلك، أعطى الإسلام المرأة الحق في طلب الخلع وأخذ زوجها إلى المحكمة لارتكاب أي فعل من أفعال الإساءة أو حتى الإهمال أو التقصير في تحمل مسؤوليته عن توفير المهر الذي تقرر لها بالزواج، وتقدم السجلات القضائية لدولة الخلافة العديد من الحالات والقضايا التي توفر أدلة واضحة على كل ذلك. وأيضا تمنح المرأة في الإسلام حضانة أطفالها عند الطلاق إذا كانوا دون سن التمييز، وإذا كانوا فوق هذه السن، عندئذ يعطى للطفل الحق في اختيار أي الوالدين يرغب في العيش معه.

وعلاوة على ذلك، فإن المسلمين الذين أيدوا حق المرأة في الإجهاض على قدم المساواة مع الغرب، لم يفشلوا فقط في إدراك مدى بشاعة وفظاعة جريمة إجهاض حياة ذات روح في نظر الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضا أن "الإجهاض" يعد أحد العواقب الليبرالية الفظة للحريات الجنسية ووجهة النظر الخاطئة من السعي للحصول على المتعة في كل شيء، وهي وجهة نظر مزقت بنيان الأسرة، ودمرت حياة الأطفال، وزرعت الخراب والفوضى داخل المجتمعات. ومن ثم، فإن إضفاء الشرعية على الإجهاض ليس حلا للمشكلة، ولا يعد رمزا للتقدم بالنسبة للمرأة أو حتى الدول، بل هو بالأحرى عمل مليء بالاضطرابات العاطفية والشعور بالذنب، ونتيجة لطريقة ونمط حياة فاشل.

2- النظر إلى الأدوار الزوجية التقليدية من منظور هرمي:

نظرت الحركات النسوية الغربية إلى الهيكل والبنية الأسرية التقليدية للرجل بصفته رب الأسرة الذي يتوجب على المرأة أن تطيعه، كرمز للسلطة البطريركية (الأبوية) والسلطة الذكورية والهيمنة على المرأة، فضلا عن أنها تحط من قدر ومكانة المرأة.. وكان الأمر يتعلق إلى حد كبير بسببين: أولهما، كما سبق مناقشته أعلاه، كان ذلك يرجع لكون المرأة في الدول العلمانية الغربية عاجزة ومحرومة من العديد من الحقوق الأساسية عند الزواج، فضلا عن خضوعها لأي من نزوات زوجها مع القليل جدا من حق الانتصاف إذا ما واجهت الظلم الواقع عليها، ونتيجة لذلك استخدم العديد من الأزواج مركزهم كرئيس للأسرة لاستغلال زوجاتهم وإساءة معاملتهن، مع العلم بأنه لن تكون هناك أية تداعيات قانونية. ثانيهما، لأن تلك الحركات النسوية تنظر إلى التنظيم التقليدي للأدوار داخل الوحدة الأسرية من منظور التسلسل الهرمي، حيث ينظر إلى الرجل على أنه متفوق على المرأة بسبب كونه رباً للوحدة الأسرية. ونتيجة لذلك، اعتُبر الدور التقليدي للمرأة كربة بيت وراعية للأطفال مهينا وأقل من دور الرجل المعيشي التقليدي للأسرة. وكان هذا الرأي هو النتيجة الطبيعية لكون الرجال يعتبرون متفوقين على النساء في المجتمعات العلمانية تاريخيا. إضافة إلى ذلك، يصنف الرجال والنساء في أدوار مختلفة استنادا إلى وجهة نظر خاطئة نحو طبيعة الجنسين. فالرجال على سبيل المثال ينظر إليهم على أنهم يتمتعون بالقدرة على الاستدلال والعمل والقوه الفكرية والاستقلال في فكرهم، ومن ثم فإنهم مجهزون للعمل في الحياة العامة وليكونوا رب الأسرة. وفي الوقت نفسه، ينظر إلى المرأة على أنها عاطفية وغير عقلانية وسلبية، ولها صفات الخضوع والتبعية، وبالتالي فهي مقتصرة على المجال الخاص. حتى إن ما يسمى بـ"المفكرين المستنيرين" من العلمانية الغربية مثل فولتير، روسو، ديدروت، ومونتيسكيو وجدوا أنه من المستحيل أن نفهم أن المرأة كان لها نفس القيمة والفكر مثل الرجل. ووصفوا المرأة بأنها غير قادرة بحكم طبيعتها على تطوير كلية والتفكير والاستدلال الكاملة، وصورتها على أنها مخلوقات عاطفية وبالتالي غير ملائمة للمجال العام. ومن ثم، فإن الحركة النسوية هاجمت الهيكل الأسري التقليدي، بحجة أنه يروج للفكرة القائلة بأن المرأة ضعيفة وأقل وأدنى شأناً، وأنه لا ينبغي لها أن تقبل علاقة يكون فيها التسلسل الهرمي للسلطة غير متكافئ.

وضمن الأمة الإسلامية، بدأ الأشخاص المتأثرون بأفكار الحركة النسوية يعتقدون أن تنظيم الإسلام وتفريقه بين أدوار الجنسين وحقوقهم في إطار الزواج والحياة الأسرية كان غير عادل وأمراً مهيناً للمرأة. فقد هاجموا مفهوم القوامة الذكورية في الإسلام وواجب الزوجة في طاعة الزوج. ودعوا أيضاً إلى صياغة الواجبات والحقوق في الزيجات الإسلامية على أساس المساواة بين الجنسين - وعلى سبيل المثال أن يتقاسم الرجال والنساء مسؤوليات كسب المال من أجل الأسرة وتربية الأطفال، وأن أحكام الميراث والطلاق يجب أن تكون هي نفسها للجنسين.

لكنهم فشلوا في تقدير أن الإسلام، بخلاف الدول الغربية العلمانية، ينظر إلى الرجال والنساء على الدوام حسب قيمهم ومكانتهم وفكرهم، وأنهم يستحقون نفس الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النحل: 72]. وقال رسول ﷺ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ مَا أَكْرَمَهُنَّ إِلَّا كَرِيمٌ وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ».

وبالتالي، فإن وصف الإسلام للرجل بأنه رب الأسرة لا يستند إلى مفهوم تفوق الذكور وهيمنتهم، بل إلى مفهوم القوامة والمسؤولية الثقيلة في العناية بزوجته وأسرته وحمايتهم وإعالتهم. وعلاوة على ذلك، فإن تفريق الإسلام في الأدوار والواجبات والحقوق المختلفة للرجل والمرأة في الزواج والحياة الأسرية لا يستند إلى أي نوع من التسلسل الهرمي للجنسين بل إلى ما هو مطلوب للتنظيم الفعال للوحدة الأسرية بحيث تحقق وتلبي احتياجات جميع أفراد الأسرة على نحو فعال وتحقيق الانسجام في الحياة الأسرية. كما أن الإسلام لا يحدد دورا فوق الآخر بل ينظر إلى جميع الواجبات المحددة على أنها مكملة لبعضها البعض وضرورية للنجاح في عمل وحدة الأسرة. إضافة إلى ذلك، فإن المسؤوليات المحددة التي تقع على عاتق الرجل لا ترتبط بالنجاح والمكانة الأكبر من تلك التي تحدد للمرأة؛ بل إن النجاح والمكانة في هذه الدنيا وفي الآخرة يقاس وفقا للجهد المبذول في أداء الواجبات التي يأمر بها الله سبحانه وتعالى. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.

سيواصل الجزء الثالث من هذه المقالة مناقشة كيفية تطوير الحركة النسوية لازدرائها للزواج والأمومة ووحدة الأسرة التقليدية. وستتناول كيف ترى الحركة النسوية أن الاعتماد الاقتصادي على الزوج لا يتلاءم مع تحرير المرأة، فضلا عن اعتقادها بأن الأدوار المنزلية والأمومة هي مضيعة لمواهب المرأة، مما دفعها إلى محاولة تفكيك هيكل الأسرة التقليدية.

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتورة نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:55 AM
مشاركة #3


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238






سيستمر الجزء الثالث من هذا المقال في مناقشة كيفية تصاعد هجوم الحركة النسوية على الزواج ووحدة الأسرة التقليدية، وتناقض ذلك مع وجهات نظر وقيم وأحكام الإسلام المتميزة المتعلقة بالمرأة والزواج والحياة الأسرية.

1. 1. تناقض الاعتماد الاقتصادي على الزوج مع تحرير المرأة:

تشجع الحركة النسوية الغربية الرأي القائل بأن الاعتماد الاقتصادي على الزوج لا يتوافق مع احترام النساء أو تحرير المرأة. واعتقدوا أنه لكي ترفع المرأة من مكانتها وتحقق المساواة الحقيقية مع الرجل داخل المجتمع وتنفصل عن دائرة "العبودية" أمام الرجال في إطار الزواج، فإنّهن يحتجن إلى كسب أرزاقهن بأنفسهن. ولذلك، أصبح نجاح المرأة وتمكينها مرتبطاً بالدخول ضمن القوى العاملة، والسعي وراء الوظيفة، والاستقلال المالي.

وقد نتجت هذه المعتقدات مرة أخرى عن الظلم الذي تواجهه المرأة في إطار زواجها ومجتمعها داخل الدول الغربية العلمانية. على سبيل المثال، أُجبرت النساء على البقاء في زيجات غير سعيدة وتتعرض فيها للإساءة لأنه في كثير من الأحيان لم يكن بإمكانهن العناية بأنفسهن عند وقوع الطلاق. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهن غالباً ما يُتركن في ضائقة مالية إذا أصبحن أرامل. إن كل هذا بسبب عدم التزام الدولة أو المجتمع أو الأقارب بتوفير الرعاية لهن بعد انتهاء زواجهن. وبالتالي يقول أعضاء الحركات النسوية إنه بسبب الاعتماد المالي على الزوج، فإن النساء معرضات للخطر من الناحية الاقتصادية و"محكوم عليهن بحياة لا مفر منها تعتمد فيها على دخل الرجل"، كما وصف ذلك أحد الكتاب. ولذلك حاولوا إقناع النساء بأن السبيل الوحيد أمامهن "للهروب" من "مؤسسة الزواج الذي يمثل السجن والظلم" هو ضمان حصولهن على دخلهن الخاص.

وأخذ كثير من المسلمين، للأسف، يؤيدون بشكل أعمى فكرة أن تمكين المرأة واحترامها وأمنها المالي يرجع إلى استقلالها المالي. لم يكن ذلك بسبب الأفكار النسوية الغربية وحدها التي تتسلل إلى البلاد الإسلامية نتيجة للاستعمار السياسي والثقافي وجراء الأنظمة العلمانية في البلاد الإسلامية التي تروج لها بشكل مكثف داخل مجتمعاتها، ولكنها أيضًا بسبب فشل الأنظمة العلمانية التي تحكم العالم الإسلامي في رعاية النساء المطلقات أو الأرامل بشكل حقيقي فعال؛ فقد تخلت عنهن ليُعِلْنَ أنفسهن وأطفالهن، حتى لو كان ذلك يعني التسول في الشوارع أو البحث عن الطعام في صناديق القمامة.

غير أن الإسلام، وعلى النقيض من النظام الغربي العلماني، لم يعتبر أبداً دور الرجل كمعيل لأسرته امتيازًا أو وسيلة للرجال للسيطرة على النساء. بل إنه يعتبرها مسؤولية مهمة تقع على عاتق الرجال، وفي الوقت نفسه يعتبر كذلك أن اعتماد المرأة الاقتصادي على الرجل امتيازًا لها؛ يرجع ذلك إلى أن النفقة المالية التي تجب على الرجال ترفع عن النساء عبء الاضطرار إلى إعالة أنفسهن، وتمكنهن من القيام بأدواهن كأمهات - يرعين ويربين ويعلمن أطفالهن دون قيود الوقت والضغوط المرتبة على اضطرارها إلى الاشتغال بوظيفة في الوقت نفسه.

وعلاوة على ذلك، فإنه في الإسلام يجب على الرجال أن ينفقوا على المحارم بأحسن ما في استطاعتهم. وإذا لم يكن عند المرأة من ينفق عليها، فيجب حينئذ على الدولة أن ترعاها، وتحميها من أي ضائقة مالية وتضمن لها مستوى معيشة مناسبا. قال رسول الله ﷺ: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأِهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ».

ولذلك، فإن النساء المطلقات أو الأرامل أو غير المتزوجات في ظل دولة الخلافة سيتمتعن دائمًا بالأمن المالي، ولن يكون لديهن أي خوف من ترك زواج غير قابل للإصلاح أو مسيء بسبب المخاوف المالية. بالإضافة إلى ذلك، لا يجوز للرجل استخدام واجبه في رعاية زوجته وعائلته مالياً كأداة للتحكم في زوجته أو التلاعب بها - يؤديها أو يمتنع عن أدائها وفقاً لرغباته - لأن لزوجته حقاً في ماله ولها الأخذ منه ما يكفي حاجتها، كما يوضح ذلك حديث النبي ﷺ: عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ هِنْدَ (بنت عتبة)، قَالَتْ لِلنَّبِيِّ ﷺ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَأَحْتَاجُ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ‏.‏ قَالَ: «‏خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ».

والسجلات القضائية في دولة الخلافة العثمانية تشير أيضاً إلى حالات كثيرة استخدمت فيها النساء نظام المحاكم لتأمين حقوقهن المالية الزوجية.

1. 2. اعتبار الأعمال المنزلية ودور الأمومة إهداراً لقدرات المرأة:
روجت العديد من الحركات النسوية الغربية للفكرة القائلة بأن واجبات المرأة المنزلية وتربيتها للأبناء هي إهدار لقدراتها وأن هذه الأدوار تعيق النساء عن تحقيق إمكانياتهن الحقيقية في المجتمع والحياة العامة، وكذلك تحد من قدراتهن العقلية. ويعتقدون أن دور الزوجة والأم يخنق المرأة ويعيقها عن تحقيق طموحاتها الحقيقية وتطلعاتها في الحياة. وزعموا أن النساء لا يمكن أن يقمن بأدوارهن الكاملة في المجتمع ويضمن تحقيق حقوقٍ متساوية مثل الرجال بينما "يُحتجزن مثل السجناء في البيوت". على سبيل المثال، جاء في كتاب ماري وولستون كروف، رائدة الحركة النسوية الغربية في القرن الثامن عشر، "إثبات حقوق المرأة" ما يلي: "الإناث... حرمن من جميع الامتيازات السياسية، ولم يُسمح للمرأة المتزوجة، باستثناء القضايا الجنائية، بالوجود المدني، لفت انتباههم بشكل طبيعي من المجتمع ككل إلى الأجزاء الدقيقة". وجادلت المدافعات عن حقوق المرأة بأن الاحترام الكامل وتحقيق الذات لا يتوافقان مع المسؤوليات المنزلية على أساس التفرغ وتربية الأطفال، والتي وصفوها بأنها تقلل من شأنهن وتجعلهن "آلات لإنتاج الطفل". على سبيل المثال، قال كريستابيل بانكهورست، وهو ناشط معروف في أوائل القرن العشرين، وهو عضو في حركة التصويت النسوية، عن مسؤوليات الحياة المنزلية بأنها عبء لا يحتمل على النساء المتزوجات، ومضيعة للوقت والطاقات الاقتصادية، وبلا أجر ولا أحد يجعل له شأنًا.

وبالتالي، مع مرور الوقت، بدأت العديد من الناشطات النسويات في تجنب الأمومة والبقاء في المنزل كزوجات وأمهات، مما شجع المرأة على أن تكون أي شيء تريده... وهذا ما عدا ربات البيوت والأمهات بشكل كامل. على سبيل المثال، صرحت الناشطة النسوية الأمريكية بيتي فريدان في القرن العشرين، إحدى مؤسسي الحركة النسوية المعاصرة، إن "النساء اللواتي (يتكيّفن) ربات بيوت، اللواتي يكبرن حتى يصبحن (مجرد ربة منزل)، يواجهن القدر نفسه من الخطر مثل الملايين الذين ساروا إلى موتهم في معسكرات الاعتقال... إنهن يعانين من موت بطيء في العقل والروح". حتى إعلان بيجين لعام 1995 الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، أدان المناهج الدراسية التي تظهر الرجال والنساء في "أدوار تقليدية للذكور والإناث". وذكر أن "الأدوار التقليدية للذكور والإناث... تحرم النساء من فرص المشاركة الكاملة والمتساوية في المجتمع".

وقد نشأ هذا الازدراء النسوي تجاه دور المرأة كربة منزل وأم نتيجة لأسباب مختلفة. أولًا، في إطار النظام الغربي العلماني، لم يتم تقدير العمل المنزلي مقارنة بالعمل المدفوع الأجر والدور الذي يجري من خلاله توفير معاش الأسرة، والذي كان يُنظر إليه كواجب مشرف. ومن هنا فقد جرى تقدير المعيل وجُعلت مكانته أعلى من مكانة الأم وربة البيت. ثانيًا، ضمن الدول الغربية، كان دور النساء محصوراً في الماضي في الأعمال المنزلية دون أي دور يقمن به خارج المنزل. وقد استخدم هذا العذر من قبل البعض كمبرر لحرمان المرأة من حقوقها التعليمية والاقتصادية والسياسية، لأنهم ادعوا أن النساء لسن في حاجة إلى مثل هذه الامتيازات إذا كان واجبهن الوحيد هو رعاية المنازل وتربية الأطفال.

وبالتالي، فقد أصبحت المرأة الناجحة تعرف بأنها المرأة التي تعمل في مهنة ناجحة أو على الأقل هي من تكسب الرزق، بدلًا من كونها امرأة تقوم بواجباتها الأساسية كزوجة وأم بشكل جيد. وأصبح ينظر إلى العمل على أنه يعطي المرأة قيمة بدلاً من أن يكون إنجاب وتربية طفل بنجاح هو أحد أهم الواجبات في المجتمع. وبناء على ذلك، دعت الحركة النسوية إلى القضاء على التمييز بين الجنسين في الأدوار، وعلى المشاركة المتساوية في العمل والواجبات المنزلية وتربية الأطفال بين الرجال والنساء في الحياة الأسرية.

فعلى سبيل المثال، قالت سوزان أوكين، وهي ناشطة نسوية مشهورة في القرن العشرين، في كتابها "العدل والنوع الاجتماعي والأسرة" إن تربية الأطفال "تستهلك الكثير من الوقت وتمنع من يفعل ذلك بمفرده من السعي وراء العديد من الحاجات الاجتماعية الأخرى، مثل التعليم وتحقيق المكاسب المادية والوصول إلى المناصب السياسية"، وقالت أيضًا إن "أي حل عادل ومنصف للمشكلة الملحة المتمثلة في ضعف المرأة والطفل يجب أن يشجع ويسهل المساواة بين الرجال والنساء في الأعمال ذات الأجر والتي بلا أجر من الأعمال الإنتاجية والإنجابية. يجب أن نعمل من أجل مستقبل يختار فيه الجميع نمط الحياة هذا". والمفارقة هي أن معظم النساء تم دفعهن إلى وظائف استغلالية متدنية وبأجور زهيدة. وبالتالي، ونتيجة لهذه النظرة النسوية الخاطئة في تصوير النجاح، لم تكن النساء مثقلات بمسؤوليات الرجال في العمل والكسب والتي فشلت في رفع مكانتهن في المجتمع، بل ضحين أيضًا بواجباتهن المهمة كزوجات وأمهات، وكل ذلك باسم نهضة الاقتصاد.

غير أن الإسلام لم يتفق مع وجهة النظر الغربية العلمانية تجاه الأمومة، كما أنه لا يرى أن واجبات المرأة يجب أن تقتصر على الواجبات المنزلية فقط، بل يجب أن يكون لها دور فعال في الحياة العامة كما أن لها دوراً فعالاً في حياتها الخاصة. فأولًا، أعطى الإسلام قيمة وأهمية كبيرة لدور الزوجة والأم، ورفع مكانتها في المجتمع وجعل لها أجرًا عظيمًا في الآخرة إن هي قامت بهذه الواجبات على النحو الذي أقره الإسلام. فقد قال رسول الله ﷺ: »مِهنَةُ إِحداكُنَّ فِي بَيتِها تُدرِكُ به عَمَلَ المُجاهِدِينَ فِي سَبِيلِ الله عَزَّ وجَلَّ». وجَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».

وقد قال الصحابي ابن عباس رضي الله عنه: "إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة". وكتبت جوليا باردو، وهي شاعرة بريطانية من القرن التاسع عشر ومؤرخة ورحالة، عن وضع الأم في ظل النظام الإسلامي في الخلافة العثمانية في كتابها "مدينة السلطان وأخلاق الأتراك المحلية في عام 1836": "ميزة جميلة بنفس القدر في شخصية الأتراك هي تقديسهم واحترامهم لمؤلف وجودهم... الأم حكيمة؛ تتم استشارتها، وهي موضع الثقة، ويستمع إليها باحترام وتقدير، وتُكرم حتى آخر ساعة ويجري تذكرها بمودة ولوعة حتى بعد موتها".

وثانيًا، على الرغم من أن الإسلام حدد دور المرأة الأساسي كزوجة وأم، فإنه لم يمنع المرأة من ممارسة الأعمال في الحياة العامة. كما أنه لم يفرق بين الرجال والنساء في الحقوق التعليمية والاقتصادية والقضائية والسياسية. في الواقع، فرض الإسلام على النساء المشاركة في سياسات المجتمع من خلال الوقوف ضد الظلم والفساد ومحاسبة الحكام. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ [التوبة: 71]. وقال رسول الله ﷺ: «كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا».

وبالتالي، هناك العديد من الأمثلة على النساء المسلمات اللواتي كن ناشطات بشكل كبير في سياسات المجتمع الإسلامي في عهد النبي ﷺ وفي دولة الخلافة التي أعقبت حكمه. ومن الأمثلة على ذلك، الشفاء بنت عبد الله، وهي امرأة كان الخليفة الثاني في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله يستشيرها في مسائل سياسية مختلفة بسبب ذكائها ورؤيتها، وغالبًا ما كان يعطي الأفضلية لآرائها على آراء الآخرين. وعلاوة على ذلك، فقد فرض الإسلام على النساء تعلم الدين وقد شجعهن على التفوق في التماس العلم بما يتعلق بالشؤون الدنيوية. وهذا هو السبب في أن تاريخ الحضارة الإسلامية في ظل الحكم الإسلامي مليء بآلاف الأمثلة للباحثات والخبيرات في الدين الإسلامي والعديد من مجالات الدراسة الأخرى. وإلى جانب ذلك، تمتعت المرأة بحياة اقتصادية مزدهرة للغاية في ظل الإسلام، واشتركت في عقود اقتصادية وعملت إذا رغبت في ذلك ولكن دون ضغوط اجتماعية أو اقتصادية للمشاركة في الأعمال أخذًا بعين الاعتبار أن زوجها ومحارمها والدولة ملزمون بضمان أمانها المالي. قال رسول الله ﷺ: «قَدْ أَذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَوَائِجِكُنَّ».

فالسجلات القضائية الصادرة عن الخلافة العثمانية تظهر أن المرأة كانت لها حياة اقتصادية نشطة للغاية. وهي تُظهر أن النساء كن يمتلكن الأراضي والبساتين والمنازل وأشكال الملكية الأخرى وأن جميع عائداتها كانت تعود حصرياً لإدارتهن. فعلى سبيل المثال، تكشف سجلات من المحاكم الشرعية في قيصري في القرن السابع عشر، وهي مدينة في الأناضول في تركيا، أن نساءها امتلكن كمية كبيرة من الأراضي والممتلكات الأخرى في المدينة. فقد بلغت مشاركة النساء نحو اشتراك امرأة واحدة على الأقل في 40٪ من شراء أو بيع الممتلكات في قيصري بين 1605 - 1625. وفي دراسة أخرى حول سجلات محكمة حلب في القرن الثامن عشر، بينت أن 63٪ من مبيعات العقارات تشمل النساء. كما تكشف السجلات القضائية في دولة الخلافة العثمانية أن النساء اشتركن في التجارة، واشتركن في تحديد العقود، واستثمرن ثرواتهن في مشاريع مختلفة، وأدرن أعمالهن الخاصة، وشغلن مناصب إدارية في الأعمال التجارية المملوكة للآخرين. وبالتالي، لم يكن الزواج والواجبات المنزلية والأمومة عائقاً أمام المرأة من المشاركة بنشاط في الحياة العامة والإبداع في العديد من مجالات الحياة في التاريخ الإسلامي.

مفهوم النسوية مفهوم مغلوط وغير عقلي:

وبناء على ما سبق، فقد طورت الحركة النسوية وجهة نظرها الخاطئة نحو الزواج والأمومة والأسرة باعتبارها هياكل


سلطوية ظالمة بسبب الظلم الذي تعرضت له المرأة في ظل النظام العلماني الغربي الذي صنعه الإنسان. وبدلاً من تركيز الانتباه على السبب الجذري لقمع المرأة - النظام العلماني وقيمه ومعتقداته - جعلت الرجال والبنية الأسرية التقليدية هدفاً لغضبهن وكراهيتهن. ونتيجة لذلك، تطور عند العديد من النساء، بغض تجاه الزواج، ليس فقط لأنهن رأين ذلك كمؤسسة قمعية تكره النساء، ولكن أيضًا بسبب الشك في الرجال وتصويرهم كأعداء ينتظرون اللحظة المناسبة لسلبهن حقوقهن. وللأسف، فقد أثرت طريقة التفكير هذه على العديد من النساء المسلمات أيضًا، مما جعلهن يؤخرن أو يتجنبن الزواج والأمومة كلياً. وقد نظر الكثيرون إلى أحكام الأسرة في الإسلام بنظرة المشكك أو حتى بنظرة ازدراء، بينما عامل آخرون زوجاتهم معاملة الأعداء وليس على أساس الأخوة الإسلامية والصاحب في الحياة، مما أدى إلى نشوب النزاع والشقاق داخل الزواج بدلاً من السكينة التي ينبغي أن ترافق الحياة الزوجية.

وعلاوة على ذلك، تستند الحركة النسوية إلى فرضية خاطئة وغير عقلية تنكر حقيقة الاختلافات بين الجنسين. وتجاهلت الطبيعة البيولوجية للنساء بوصفهن حاملات للجنس البشري، في محاولة لدفع هذا البعد جانبًا باعتباره غير ذي صلة، بينما يجب أن يكون عاملا أساسيًا في تحديد الأدوار والحقوق داخل الزواج والحياة الأسرية بالنسبة للجنسين. كما أن الحركة النسوية رفضت الموقف المركزي الذي تلعبه الأم في حياة الطفل. ربما هذا هو السبب في أن الكاتبة الفرنسية المعروفة سيمون دي بوفوار قالت ذات مرة: "لا ينبغي أن يُسمح لأي امرأة بالبقاء في المنزل لتربية أطفالها... لا ينبغي أن يكون لدى النساء هذا الخيار، بالتحديد لأنه إذا كان هناك مثل هذا الاختيار فإن الكثير من النساء سيقمن بذلك".

وإلى جانب ذلك، أدى فشل الحركة النسوية والمساواة بين الجنسين في تقدير الاختلافات الحقيقية بين الرجال والنساء إلى الحكم على أحكام الأسرة في الإسلام بأنها أحكام قمعية وتمييزية ضد المرأة بسبب الاختلافات بين الجنسين في الحقوق والمسؤوليات. ومع ذلك، فقد أخفقوا في فهم أن تلك الاختلافات طبيعية وتناسب في التفريق بين الجنسين، وأنهم يكملون بعضهم بعضًا لإنشاء وحدة أسرية فعالة ومنسجمة ومُنظَّمة تنظيمًا جيدًا. هذا إلى جانب ضمان الأمن المالي والحماية والدعم للمرأة وأطفالها. وبالتالي، عندما قامت الدول والأسر بالتخلي عن أحكام الأسرة في الإسلام بسبب "تكافؤ الجنسين"، كانت النساء والأطفال هم الأكثر عرضة للمعاناة.

وسيتناول الجزء الرابع من هذه المقالة التأثير المدمر الذي تركته الحركة النسوية والمساواة بين الجنسين على الزواج والأمومة والحياة الأسرية، وكذلك على حياة النساء والرجال والأطفال والمجتمع بشكل عام.

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:57 AM
مشاركة #4


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238



كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة

الجزء الرابع والأخير

الأثر المدمر للحركات النسوية والمساواة بين الجنسين على الزواج والأمومة والحياة الأسرية
(مترجم)


سوف يعالج الجزء الأخير من هذه السلسلة من المقالات "كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة" التأثير الضار بشكل كبير الذي تسببه الحركات النسوية، ولا سيما المساواة بين الجنسين، على الزواج، والأمومة، والحياة الأسرية، وكذلك على حياة النساء والرجال والأطفال والمجتمع بشكل عام.

الحد من معدلات الزواج وزيادة العلاقات خارج رباط الزوجية:

لقد خلقت الحركات النسوية نفورا من الزواج بين كثير من النساء بسبب اعتبارها هيكلا قمعيا وأبويا كان أكثر فائدة للرجل من المرأة من حيث كونها زوجة، ستكون في عبودية وتُستعبد من قبل زوجها. كما أدت إلى أن كثيرا من النساء ينظرن إلى وضع الزوجة والأم كدور من الدرجة الثانية، أقل شأنا من السعي في الحصول على وظيفة والعمل. وإلى جانب ذلك، أوجدت الفلسفة النسوية شكوكا تجاه الرجال والخوف من أن يعاملوهن معاملة غير عادلة فيما يتعلق بحقوقهن عند الزواج. وأدى ذلك كله إلى تأخير عدد كبير من النساء أو رفضهن الزواج أو الأمومة، ومن ثم انخفاض معدلات الزواج والولادة في صفوف السكان، مما تسبب في مشاكل اجتماعية وديموغرافية لمختلف الدول، بما في ذلك خلق "فجوة بين الأطفال" وانخفاض عدد الأفراد لرعاية السكان المسنين. في مصر، على سبيل المثال، انخفض معدل الزواج بنسبه 70% بين 2004 عامي و2016 (الوكالة المركزية للتعبئة العامة والإحصاءات في مصر)؛ وفي فلسطين، انخفض معدل الزواج إلى ما نسبته 8% فقط بين عامي 2015 و2016 (بيانات رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي)؛ وبين 1965 و2013، انخفض معدل الزواج الأولي في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ 28 بنسبة قريبة من 50% من حيث القيمة النسبية (يوروستات).

كما أن النفور من الزواج، إلى جانب تعزيز الحركة النسائية للحرية الشخصية والجنسية للمرأة، قد أدى إلى الرفض الكبير للزيادة في العلاقات خارج نطاق الزواج وارتفاع عدد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، فضلا عن زيادة حالات الإجهاض داخل الدول. كما فضلت العديد من النساء البقاء "حرة ووحيدة" والسعي إلى إقامة علاقات مختلفة بدلا من الالتزام بالزواج. كما أدت الدعوة إلى التحرر الجنسي للمرأة لمضاهاة الحريات الجنسية للذكور إلى ارتفاع في الزنا، الذي كان عاملا سببيا رئيسيا في انتشار الزيجات المحطمة والمنازل المدمرة التي ابتليت بها دول عديدة، وترعرع عدد لا يحصى من الأطفال في عائلات وحيدة الوالد (أب عازب أو أم عزباء). وكل هذا، بعيدا عن التحرر للنساء، تركن وأطفالهن يعانون من اضطرابات عاطفية هائلة، هذا إلى جانب التسبب في عدد كبير من المشاكل الأسرية والمجتمعية.

الشقاق والتنازع في الزواج:

كما أدت أفكار الحركة النسوية، ولا سيما المساواة بين الجنسين، إلى الارتباك والشقاق فيما يتعلق بالمسؤوليات الزوجية والأبوية. وأدى تآكل الأدوار والواجبات المحددة بوضوح في إطار الزواج بالنسبة للرجل والمرأة فيما يتعلق بتوفير الأسرة والأعمال المنزلية ورعاية الأطفال إلى نزاعات متكررة داخل العديد من وحدة الأسر. وعلاوة على ذلك، فإن الرجل الذي أقيل من منصبه كرئيس للأسرة بسبب "مساواة الجنسين" في إطار الهيكل الأسري، ولم يكن هناك طريقة منظمة لحل هذه الخلافات.

ولذلك أصبح الزواج مؤسسة تهيمن عليها المنافسة بين الجنسين على الأدوار والواجبات بدلا من الاتحاد المنسجم الذي يشكل على الزوج والزوجة وفاء بالتزاماتهما الزوجية والعائلية المحددة والتكميلية. كما أنها أصبحت ساحة معركة على الخيارات الشخصية والحقوق بدلا من رباط الرفقة الذي يحدده الحب والرحمة ومسؤوليات الزوجين تجاه بعضهما بعضاً. كما أن الحركات النسوية جعلت المرأة تعتقد أن بإمكانها الاضطلاع بأدوار الزوج والأب، وبالتالي فإنها "لا تحتاج إلى رجل" في البيت. وقد أخذ ذلك بالكثير من النساء اللاتي واجهن مشاكل زوجية لحل الصعوبات والتحديات في زواجهن، مفضلات بدلا من ذلك التحول بسرعة أكبر إلى خيار الطلاق. وعلاوة على ذلك، فإن الكثير من الرجال والنساء الذين يعملون في كثير من الأحيان لفترات طويلة وشاقة، كان هناك قدر أقل من الوقت والطاقة المنفقة على إنجاح الزواج، مما أدى إلى إضعاف رباط الزوجية. فعلى سبيل المثال، في دراسة استقصائية لمركز بيو للأبحاث بشأن أمريكا نشرت في 2013، قال نصف البالغين الذين شملهم الاستقصاء أن الأعداد المتزايدة من النساء العاملات جعلت من الصعب إنجاح الزواج.

وهذا الشقاق الزوجي يزيد أيضا من العنف في إطار الزواج، ويقوض الانسجام في الحياة الأسرية، ويؤدي إلى ارتفاع في الطلاق. وعلى سبيل المثال، ارتفع معدل الطلاق في مصر من 7% إلى 40% خلال السنوات الخمسين الماضية (الأمم المتحدة والوكالة المركزية للتعبئة العامة)؛ وفي لبنان، زادت بنسبه 55% بين عامي 2000 و2013 (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة)؛ وفي تركيا زادت الصدمة بنسبة 82% بين عامي 2006 و2016 (المديرية العامة للسجلات والإحصاءات الجنائية).

الضغط على المرأة في العمل:

وقد أدت رواية الحركات النسوية للمساواة بين الجنسين إلى أن تكون أدوار الرجل والمرأة في الحياة متماثلة، وأن تكون قيمة المرأة في العمل والاستقلال المالي عن الرجل، قد خلقت مجتمعات لم يعد أمام المرأة فيها خيار إلا العمل، ولكن من المتوقع أن تعود للضغوط الاجتماعية أو الاقتصادية. وهذا هو الحال حتى وإن كانت الأمهات العازبات يتحملن وحدهن المسؤولية عن رعاية أطفالهن وتنشئتهم. وقد تفاقمت هذه الحالة بفعل النظم الرأسمالية والاشتراكية داخل الدول التي تعتبر المرأة أداة لتوليد المزيد من الثروة للأمة. ولذلك، كثيرا ما تجبر النساء على تبني دور الرجل كمعيل لأسرهن، ويصبحن عبيدا للسوق، حتى ولو كن يرغبن في البقاء في المنزل والاعتناء بأطفالهن. ويبلغ معدل توظيف الأمهات المتزوجات في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، نحو 65%، وتشكل النساء ما يقرب من نصف (47%) القوة العاملة الأمريكية (إحصاءات مركز بيو للأبحاث عام 2011).

وفي 2013، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا بعنوان "ارتفاع نسبة الأمهات المعيلات هو أقل مكسب للمساواة مما يبدو عليه". واستشهدت اللجنة بإحصاءات مستمدة من تقرير لمركز بيو للأبحاث يفيد بأنه في 40% من جميع الأسر المعيشية الأمريكية التي لديها أطفال، فإن الأمهات هن المعيلات الوحيدات أو الرئيسيات. وكانت حصة 11% فقط في 1960. ووصفت هذه المادة كيف أن الغالبية 40% - أي ثلثيهم - أمهات عازبات، والعديد منهم كانوا يكافحون مهمة الأعباء المنزلية ومسؤوليات رعاية الطفل، مثل إعداد الوجبات العائلية أو الحصول على وقت للعب مع الأطفال، مع العمل الطويل ساعات. وذكر أنه "بالنسبة للأمهات العازبات، على وجه الخصوص، فإن واقع وضع المعيل الرئيسي لا يشعر بأنه انتصار نسوي أقل من مجرد كونه مثقلا بالأعباء ومدعوما بالدعم وموصوما بصورة واسعة". الكاتبة الإنجليزية والنسوية فاي ويلدون اعترفت أيضا بأن الحركة النسائية قد أضرت النساء لأن البعض يعانون بسبب الاضطرار إلى العمل الآن عندما لا يريدون، وكونها الأم الآن من الصعب بسبب هذا الضغط الهائل. وذكرت "أن الحركة النسائية جعلتنا جميعا نخرج إلى العمل وجعلتنا نكسب رزقنا لنحصل على لقمة العيش، ولم يعد أجر الرجل، بسبب الحركات النسوية قادراً على إعالة الأسرة، ولذلك يتعين على المرأة أن تعمل وهو أمر متعب للغاية".

كما أن الدفاع عن المساواة بين الجنسين والمحافظة عليها داخل المجتمعات، وتكافؤ نجاح المرأة في العمل أديا أيضا إلى تأخير الكثير من النساء أو تجنبهن إنجاب أطفال من أجل السعي إلى الحصول على مهنة ناجحة، أو حتى الاحتفاظ بوظيفة. وهناك الآن عدد كبير من النساء أكثر من أي وقت مضى، وخاصة في الغرب، حيث يواجهن ويعانين من حالات الحمل عالية الخطر بإنجاب طفلهن الأول في سن الأربعين أو بعد ذلك خوفا من مواجهة "عقوبة الخصوبة" - أي انخفاض في دخلهن أو فقدان حياتهن المهنية لأخذ وقت لديهم لتربية الأطفال. وبالنسبة لكثير من النساء، فإن تأخير إنجاب الأطفال إلى مثل هذا العمر المتأخر يعني في كثير من الأحيان خسارة في الأطفال بسبب انخفاض معدلات الخصوبة، وزيادة حالات الإجهاض أو المضاعفات المتصلة بالحمل. وقد تسبب كل هذا في الكثير من الحزن للنساء فضلا عن المساهمة في الأزمة السكانية "فجوة الأطفال" في العديد من البلدان الأوروبية بسبب انخفاض معدل المواليد.

ولذلك قامت الحركات النسوية والمساواة بين الجنسين بخيانة العديد من النساء بحرمانهن من الأمومة، والأمم من جيل المستقبل القوي والمكتظ بالسكان! وتجاهل تعريفها لتمكين المرأة باعتباره استقلالا اقتصاديا ودعوتها إلى "التمثيل المتساوي للمرأة في قوى العمل" بتجاهل حقيقة حياة المرأة التي تشمل الحمل والولادة والتمريض وغير ذلك من المسؤوليات العامة للأمومة التي تؤثر على مشاركة المرأة في مكان العمل.

وعلاوة على ذلك، فإن الفكرة القائلة إن العمالة ستجلب للمرأة مكانة أعلى في المجتمع والأمن الاقتصادي كانت وهماً، لأن العديد من النساء دخلن إلى وظائف منخفضة الأجر وذات نوعية رديئة، وغالبا ما تكون وظائف استغلالية - وهو وضع لا يزال مستمراً حتى اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، كثيرا ما تتآكل نسبة كبيرة من راتب الأم العاملة بسبب ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال. ومن هنا كانت الوعود التي أعلنتها سياسات المساواة بين الجنسين التي ضحت النساء بها بالأمومة والوقت الثمين مع أطفالهن، إيمانا منهن أن هذا من شأنه أن يرفع من مكانتهن، حتى إنه لم يحقق أي تقدم في المجال الاقتصادي لحياتهن. لم تكن أعداد كبيرة من النساء أكثر رخاء أو أفضل حالا، بل كانوا يعملون ببساطة على أن يدفعوا للآخرين لرعاية أطفالهم وتربيتهم من أجل تغذية الاقتصاد ودعمه.

وفيما يتعلق بذلك، من المهم أن نفهم أن حملة الدول لدفع النساء إلى الخروج من بيوتهن وإلى مكان العمل لم تكن لها أصلها في "تحرير المرأة" أو في تحسين نوعية حياتهن أو حتى مستوى معيشتهن. بل كان هدف الحكومات الرأسمالية الغربية، التي ولدت من تأمين المكاسب الاقتصادية للبلاد. وهذا البرنامج الرأسمالي المتمثل في السعي إلى زيادة عمالة النساء، من أجل المصالح المالية بدلا من تحسين أوضاع النساء، يتجسد في كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون التي ذكرت في كلمة ألقتها في مؤتمر في بيرو في عام 2012 بعنوان "السلطة: المرأة بوصفها محركا للنمو والدمج الاجتماعي" أن "القيود المفروضة على المشاركة الاقتصادية للمرأة تكلفنا كميات هائلة من النمو الاقتصادي والدخل في كل منطقة من مناطق العالم. ففي منطقة آسيا والمحيط الهادئ على سبيل المثال، فإنها تزيد عن 40 مليار دولار سنويا في الناتج المحلي الإجمالي كل عام". ولذلك، فإن "النظام الرأسمالي" يستغل لغة الحركة النسوية والمساواة، ويروج لروايات مثل "تمكين المرأة من خلال العمل"، لتحقيق منفعة مالية محضة. ولم يكن هذا السرد سوى أكاذيب من الرأسمالية والنسوية التي خدعت المرأة بالأمومة، وسلبت الأطفال حقوقهم، وتحملت ثمنا باهظا على رفاهية المرأة والمجتمع بصفة عامة. إنها علامة أيديولوجية تضع بانتظام وباستمرار خلق الثروة فوق الاحتياجات والقيم الإنسانية المهمة الأخرى.

إهمال حقوق الأطفال:

أدت الحملة النسوية لدفع الأمهات إلى أماكن العمل باسم المساواة بين الجنسين وإلى إقصاء النساء عن أداء دورهن الحيوي كأمهات وتجاهل احتياجات أطفالهن، مما أدى إلى إهمال حقوقهم. فمع كون كلا الوالدان يذهبان للعمل، فقد أثر ذلك على قدرة العديد منهم لتربية الأطفال بشكل فعال مع عواقب العمل التي لا مفر منها. في الواقع، وفي الاستطلاع نفسه الذي ذكر سابقاً استطلاع 2013 لمركز بيو للأبحاث في أمريكا، فقد قال ما يقرب من ثلاثة أرباع البالغين إن الأعداد المتزايدة من النساء العاملات جعلت من الصعب على الأهل تربية الأطفال، بينما ذكر أكثر من نصف المنتسبين للاستطلاع أن الأطفال أفضل - مع الأمهات اللواتي لا يشغلن وظائف ويكونون في المنزل طوال الوقت.

حتى إن مارثا ألبيرتسون فينمان - الفيلسوفة السياسية الأمريكية، وأستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة إيموري في أمريكا وواحدة من أكثر الشخصيات المؤثرة في النظرية القانونية النسوية - تصف الليبرالية النسوية التي عملت على مساواة الأم مع الأب، وفضلت استخدام مصطلح "الوالدين" كأمومة "معدلة"، وكانت النتيجة إنشاء الأسرة ذات الوالدين، وهي "مؤسسة مع احتمالية عدم وجود راعٍ لها". تقول بريندا ألموند، أستاذة الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية في جامعة هال في بريطانيا، ومؤلفة كتاب "الأسرة المفتتة"، إنه بالنسبة لغالبية الأمهات العاملات، يتعين عليهن قبول "حتمية غياب كلا الوالدين من المنزل طوال يوم العمل، وعدم القدرة المالية على توفير بديل في المنزل. إن الحركة النسوية في كل من أمريكا وأوروبا قد أساءت إلى الغالبية العظمى من نساء الطبقة العاملة في عدم تقدير هذه الحقيقة أو تسجيل تداعياتها".

في بريطانيا، حوالي ثلاثة أرباع الأمهات اللواتي لديهن أطفال يحتاجون للإعالة (4.9 مليون أم) يذهبن إلى العمل. يعكس هذا الرقم ارتفاعًا بمقدار مليون مرة على مدار العقدين الماضيين (مكتب الإحصائيات القومية لعام 2017 "ONS") ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحكومات البريطانية المتعاقبة - العمال والمحافظون على حد سواء - والتي تشجع بشدة النساء اللواتي لديهن أطفال صغار إلى العودة إلى سوق الوظائف، بمساعدة إعطائهن ٣٠ ﺳﺎﻋﺔ حرة في اﻷﺳﺒﻮع لرﻋﺎﻳـﺔ اﻷﻃﻔـﺎل. حتى إن ثلثي النساء اللواتي لديهن أطفال في سن الثالثة أو الرابعة يذهبن للعمل (ONS). ووفقاً لمكتب الإحصاءات الوطني، فإن ما يقرب من 70٪ من الأمهات العازبات يعملن أيضاً، وما يقرب من نصف الأمهات العازبات اللاتي لديهن طفل دون الثالثة من العمر يعملن أيضاً. في أمريكا، ما يقرب من 70٪ من الأمهات اللاتي لديهن أطفال دون سن السادسة هن في مجال العمل (المكتب المرجعي للسكان).

وعلاوة على ذلك، في العديد من البلدان، تُجبر النساء بسبب المال للسفر إلى الخارج للعمل، تاركين أطفالهن وراءهن. على سبيل المثال، في عام 2016، أصدرت اللجنة الإندونيسية لحماية الطفل (2016) بيانات كشفت عن أن ملايين الأطفال الدارجين تركوا في إندونيسيا من قبل الأمهات العاملات في الخارج. هناك 11.2 مليون طفل إندونيسي اليوم محرومون من رعاية أمهاتهم بسبب عملهن في الخارج، في حين أظهرت بيانات اليونيسف لعام 2008 أن حوالي 6 ملايين طفل في الفلبين قد تم التخلي عنهم بسبب كون أمهاتهم قد هاجرن للعمل. وقد أدى كل ذلك إلى شعور العديد من النساء بذنب كبير وبالقلق بسبب عدم وجود وقت يقضينهن مع أطفالهن - وهو ثمن باهظ يجب عليهن دفعه مقابل "التجربة الرأسمالية للمساواة بين الجنسين". ومرة أخرى، فهذا أبعد ما يكون عن تجربة تحرر أو علامة تقدم للنساء!

كما أن هذا الوقت القصير الذي تقضيه الأمهات العاملات في رعاية أبنائهن يصفه الكثيرون بأنه أحد الأسباب التي تؤدي لهذه المستويات المرتفعة من السلوك الإجرامي والمعادي للمجتمع من قبل طبقة الشباب، حيث تعاني العديد من المجتمعات اليوم من هذه المشكلة، وكذلك يؤثر على الصحة العقلية والأداء التعليمي للأطفال. في عام 2011، نشرت اليونيسف تقريراً حذرت فيه من أن الآباء البريطانيين كانوا يحتجزون أطفالهم في دائرةٍ من "الاستهلاك الإجباري" حيث يمطرون أطفالهم بالألعاب والملابس المصممة بدلاً من قضاء وقت ممتع معهم، وألقى التقرير باللوم على ذلك بسبب مساهمته في زيادة أعمال الشغب والنهب واسعة النطاق والتي سيطرت على بريطانيا في العام نفسه. وفي السويد أكثر من 90٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 شهراً إلى 5 سنوات يذهبون لمراكز الرعاية كالحضانات وغيرها. وقد تم التكريه بفكرة "البقاء في المنزل للأمهات"، بما في ذلك من خلال نظام ضريبي يعاقب النساء مالياً إذا رغبن في أن يكن مقدمات الرعاية الأولية والأساسية لأطفالهن. وقد تم اعتبار ذلك من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع المشاكل النفسية والسلوكية والتعليمية بين الأطفال والشباب في السويد. إن المدارس السويدية من بين أعلى المدارس بالنسبة لمستويات التغيب عن المدرسة، والاضطرابات الدراسية، وأسوأ مشاكل الانضباط في أوروبا. ومرةً أخرى، فهذا بالكاد علامة على التقدم!

وبالتالي، فإن هذه السنوات من سياسات المساواة بين الجنسين من قبل هذه الحكومات من أجل "تحقيق المساواة" بين الرجال والنساء في القوى العاملة قد قوضت الأمومة وأجبرت الأمهات فعليًا على تسليم أطفالهن إلى مراكز الرعاية من أجل العمل، مما أدى إلى تربية الغرباء لأطفالهن، بدلاً من والديهم. وعلاوةً على ذلك، تدفع العديد من الأمهات تكاليف باهظةً وجزءًا كبيراً من رواتبهن لرعاية أطفالهن. وبالتالي فإنهن سيعملن بشكل مكثف من أجل تحمل تكاليف الدفع للآخرين لتربية أطفالهن، في كثير من الأحيان مقابل فائدة اقتصادية ضئيلة للغاية لأسرهم، ومع العلم أن أفضل مراكز الرعاية ستكون في المرتبة الثانية مقارنةً بالرعاية التي يحصل عليها الطفل من أمه في المنزل. من المفترض أن رؤية بريطانيا، "كوكب 50-50 بحلول عام 2030: تصعيد المساواة بين الجنسين"، والتي تطلب من الحكومات التمسك بالتزامات وطنية لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، ستحقق أكثر من ذلك فيما يتعلق بإهمال الأطفال لحقوقهم، والحزن والألم بالنسبة للمرأة، والآثار الضارة على المجتمع.

حياة النساء أصبحت مجهدة:

إن المفهوم اللامنطقي للمساواة بين الجنسين في المساواة بين كائنين، بطبيعتهما مختلفين جسدياً، كما ويجبر النساء على تبني أدوار الرجال، قد أصبح هو بذاته نوعاً من الاضطهاد عليهن. ويرجع ذلك إلى أنه قد عمل على تجاهلها وتقويضها وتقليل قيمتها كونها الشخص الذي يتحمل مسؤولية الأطفال، وهي مقدمة الرعاية الأولية للأطفال، وكذلك المتحملة للمسؤولية الرئيسية عن الأعمال المنزلية. كما جعلها تضطر للنضال بين ضغوطات العمل ومسؤوليات الحياة المنزلية والأسرية مما أدى لارتفاع كبير في حالات الإجهاد والاضطرابات الاكتئابية لدى النساء. في دراسة أجريت في 30 دولة أوروبية، وتم نشرها عام 2011 من قبل الكلية الأوروبية لطب الأعصاب، وجد الباحثون أن الاكتئاب بين النساء في أوروبا قد تضاعف خلال الأربعين سنة الماضية بسبب "العبء الهائل" المتمثل في الاضطرار إلى التوفيق بين واجبات الأسرة ومطالب العمل. في عام 2009، ذكر المركز الوطني لمعلومات الخدمات الصحية في بريطانيا أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في عدد النساء اللواتي يتم معالجتهن من الإجهاد الشديد بسبب ضغوط الحفاظ على الوظيفة وتربية الأطفال ورعاية الوالدين المسنين. وفي عام 2015، أظهرت الأرقام الصادرة عن مسؤول الصحة والسلامة في بريطانيا أن النساء في منتصف العمر في بريطانيا أكثر عرضة بنسبة 70٪ تقريبًا للمعاناة من الإجهاد والقلق المتعلق بالعمل مقارنة بالرجال في العمر نفسه. وكشفت الدراسة أيضًا أن حالات الإجهاد والقلق المتعلقة بالعمل بين النساء في أواخر الثلاثينات وحتى الأربعينات قد ازدادت بنسبة الثلث تقريبًا في 4 سنوات. كما أن هذه المستويات المرتفعة من الإجهاد والقلق بين النساء العاملات تُعزى أيضاً إلى ضغوط ممارسة المهنة، والأطفال، وكثيراً ما يرعين والديهن المسنين. صرحت الدكتورة جوديث موهرينج، وهي طبيبة نفسية قيادية مقرها في العيادة البريطانية المعروفة لرعاية الدير في وسط لندن، أن الارتفاع الكبير في حالات الإجهاد في مكان العمل بين النساء في الثلاثينات والأربعينات يؤكد الضغط على ما يسمى بـ "افعلي كل ذلك".

لذلك فإن الدعوة إلى المساواة بين الجنسين قد مثلت شكلاً من أشكال الظلم، حيث تحول حلم "احصلي على كل شيء أيتها المرأة" إلى كابوس "افعلي كل شيء أيتها المرأة"، حيث عانت من ضغوطات كونها ربة المنزل وكونها المعيلة للمنزل مع العواقب التي لا مفر منها. فهذا أبعد ما يكون عن كونه جنة العدل والإنصاف للمرأة. كتب أحد الصحفيين، كارون كيمب، ذات مرة في مقال نشر في صحيفة الإندبندنت عن كيف أنه لا يمكن للأمهات العاملات الحصول على كل شيء، "للأسف هناك خيط شائع غير مريح يربط بين الأمهات جميعهن. يشعرن أنهن ممزقات، يعتقدن أنهن يخطئن بأمومتهن بطريقة أو بأخرى، ويشعرن وكأنهن يضررن بحياتهن المهنية أو أطفالهن أو شركائهن أو جميع ذلك".

تآكل مسؤولية الرجل عن الأسرة:

إن مساواة النسوية بين أدوار الجنسين وواجباتهم، ومحاولة إزاحة الرجال عن دورهم كرأس للأسرة وحامٍ لها، ودفعها النساء إلى تبني المسؤولية التقليدية للرجل كمعيل للأسرة، كل ذلك أدى إلى تآكل فهم الرجال لدورهم في العائلة. كما أصبحت رؤية المجتمع للأب وموقع الزوج وواجباته في وحدة الأسرة غير محددة، ومشوشة وغامضة. وعلاوة على ذلك، فإن فكرة النسوية المسمومة المتمثلة في أن المرأة ليست بحاجة فعلية إلى الرجال وبأنها تستطيع تلبية جميع احتياجات أطفالها وأسرتها دون الحاجة إلى زوج في حال لزم الأمر، عززت عقلية اللامبالاة عند كثير من الرجال فيما يتعلق بمسؤوليتهم تجاه أسرهم. ورأى كثيرون أن مساهمتهم في رعاية أطفالهم وأسرهم وحمايتهم وصيانتهم ماديا ليست بالأمر المهم، أو أنها ليست أمرا ضروريا، ذلك أن المرأة يمكنها فعل كل شيء. وهذا بالتالي قوّض إحساس الرجال بالمسؤولية بوصفهم الحامي للأسرة والمسؤول عن رعاية شؤونها، مما جعل الكثيرين يتخلون عن أطفالهم ويعفون أنفسهم من إعالة أسرهم. ونتيجة لذلك، تُركت العديد من النساء والأطفال دون أمن أو رعاية مادية؛ وتم التخلي عن الأمهات وتركهن ليدافعن عن أنفسهن، وكثيرا ما ناضلن من أجل الحفاظ على اكتفاء ذاتي مادي، في مجتمعات لم تقدم لهن فيها الدولة أي دعم اقتصادي يذكر. ولذلك تحولت أعداد كبيرة من النساء إلى وظائف استغلالية أو حتى التسول لتوفير قوتهن وقوت أطفالهن.

ولذلك فإنه لمن الغريب أن يُعتبر وصف الإسلام لأدوار الجندر في الحياة الأسرية ظلماً للمرأة، وأن يكون الرجل هو المعيل للعائلة كما أمر الإسلام تخلفا ونقيضا لتحرير المرأة، فيما يُسمى التخلي عنها تحت ستار "المساواة بين الجنسين" أمرا نزيها مثيرا للإعجاب. إنها وجهة نظر غير عقلانية تتجاهل الظلم الحقيقي الواقع على النساء والأطفال من خلال هذا النموذج النسوي.

الانتقاص من شأن الأمومة:

عملت النسوية والرأسمالية يدا بيد لتفكيك الأمومة بشكل منهجي. على سبيل المثال، كتبت نانسي شودورو، وهي عالمة اجتماع أمريكية نسوية، في كتابها المؤثر "إنجاب الأمومة"، "إذا كان هدفنا هو التغلب على التقسيم الجنسي للعمل في المرأة الأم، فنحن بحاجة إلى فهم الآليات التي تنتج ذلك في المقام الأول. يشير حسابي بدقة إلى المكان الذي يجب أن يحدث فيه التدخل. يجب أن تراعي أية استراتيجية للتغيير هدفها التحرر من قيود التنظيم الاجتماعي غير المتكافئ للجنس الحاجة إلى إعادة تنظيم جوهري فيما يتعلق برعاية الأطفال، بحيث يتم تقاسم هذه الرعاية بين الرجال والنساء".

إن الترويج النسوي لفكرة أن واجبات النساء المنزلية وتربيتهن لأطفالهن إهدار لمواهبهن وأن ذلك كله يصرف النساء عن تحقيق ذواتهن الحقيقية داخل المجتمع وتطلعاتهن الحقيقية في الحياة، وادعاء النسوية كذلك بأن الأمومة وحدها لا يمكنها أن تشعر المرأة بتحقيق الذات وأن تحقيق الاحترام الكامل لا يتوافق والتفرغ للمسؤوليات المنزلية وتربية الأطفال، كل ذلك أدى إلى انتقاص من قيمة الأمومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن النظرة النسوية التي تفيد بأن التوظيف والعمل الوظيفي هو ما أعطى المرأة القيمة والنجاح والتمكين، وأعطاها دور المعيل فوق دور الأم وربة المنزل، قلل من نظرة المجتمع وتقديره للأهمية الحيوية لدور الأمومة. كما استخدمت لغة مهينة مثل - تسمية النساء بـ "آلات صنع الطفل" - لوصف أولئك الذين أيدوا فكرة الدور الأساسي للمرأة باعتبارها زوجة وأماً. هذا على الرغم من حقيقة أن الرعاية الناجحة للطفل وتربيته هي واحدة من أكثر الأصول قيمة في المجتمع.

ونتيجة لذلك، أصبحت الأمهات اللاتي يقدمن كل وقتهن لأسرهن رعايا من الدرجة الثانية فاقدات للاحترام، بل وأصبحن يشعرن بالخجل كما لو كن يخُنَّ "تحرير المرأة" كونهن لا يساهمن بشكل كامل في المجتمع. وأصبحت مكانة "الأم التي تبقى في المنزل" مرتبطة بحياة لا معنى لها تفتقر إلى الهدف. وقد عُرضت هؤلاء النساء بوصفهن الفئة غير المتعلمة الأدنى شأنا و"النكرات" اللاتي كُنَّ أقل مهارة وأقل نجاحاً وأقل قيمة في المجتمع. إن هذه الآراء تضرب بجذورها في وعي النساء - المسلمات وغير المسلمات - إلى درجة أن العديد من النساء يشعرن اليوم بالحرج بدلاً من الثقة والفخر بأن يطلقن على أنفسهن اسم أمهات بدوام كامل. ومن ثم فإن غريزة المرأة الطبيعية لتكون أما فتعطي وقتا واهتماما نوعيا لرعاية أطفالها وتربيتهم على نحو فعال تحولت إلى أمر مثير للاستياء مشعر بالاضطهاد، ذلك أنها تشعر بالذنب كونها خانت القضية النسائية.

وعلاوة على ذلك، فإن جعل النسوية أدوار الرجل وواجباته وحقوقه معيارا ذهبيا الأصل أن تطمح إليه المرأة، أضعف المرأة حقيقة، بل وكان في بعض الأحيان مزعجًا طبيعتها البيولوجية الفريدة ونوعيتها الحصرية كمنجبة ومحافظة على العرق البشري، ما حطم مكانتها كامرأة. وكانت النتيجة أن هذا النوع من النساء لم يحظين بالتقدير والاحترام الذي حظيت به غيرهن ممن كان لهن دور ومكان حيويان ومميزان جنبا إلى جنب مع الرجال وساهمن في مجتمعاتهن، ما اضطرهن إلى العمل بجدية أكبر من أجل اللحاق بدور ومسؤوليات الرجال، التي كانت "الأرحام" تعيقهن عنها وفقا للمعايير النسوية المشوهة للنجاح. وفي مثل هكذا بيئة، لم يكن من المستغرب أن يخفق العديد من أرباب وأماكن العمل في تقدير أهمية دور المرأة كأم، وبالتالي فشلوا لا محالة في استيعاب مسؤولياتهم الأسرية، وتوقعوا منهن بدلا من ذلك التضحية بواجباتهن تجاه أطفالهن من أجل الحفاظ على وظائفهن. وبذلك، أخفقت النسوية في إدراك أن محاولاتها لمحو تقدير الفروق بين الجنسين ودفع الطبيعة البيولوجية للمرأة جانبا وجعلها غير ذات أهمية، ستؤدي حتما إلى عدم احترام الصفات المميزة للنساء وعدم الاعتراف بطبيعتهن وبالتالي غياب الدعم المقدم لهن لتحقيق أهدافهن الفريدة في ملئهن مكانتهن المميزة في الحفاظ على الجنس البشري. وكان للانتقاص من قيمة الأمومة أثر كبير


ضار على تنشئة الأطفال ما تسبب حتما في مجموعة من المشاكل للمجتمعات.

الخلاصة:

لذلك، فإن النسوية ومُثُلها التي تقول بالمساواة بين الجنسين غير منطقية ومَفسدة اجتماعية تلحق ضرراً كبيراً بالوئام ووحدة الحياة الأسرية فضلاً عن رفاهية الأطفال؛ هذا لأن المنظور النسوي الفردي قصير النظر دائماً ما ينظر إلى ما هو أفضل لرغبات المرأة ومصالحها، وغالباً ما يتجاهل ما هو الأفضل للزواج، والأطفال، والحياة الأسرية الهادئة والمجتمع عموماً. علاوة على ذلك، فإنه لم يقدم حتى حياة عادلة وسعيدة للنساء. وبدلاً من ذلك حملهن على تحمل مسؤوليات إضافية وحرمهن من حق توفير الأموال وتسبب في نزاع في زيجاتهن وخدعهن فيما يتعلق بالأمومة. إن فكرة تعريف المرأة بحقوقها وأدوارها لم تحررها من الظلم بل على العكس عرضتها لأشكال مختلفة من الظلم.

ومن المفارقات أنه في المجتمعات الغربية، أعادت العديد من النسويات تعريف معتقداتهن، سعياً إلى استعادة أهمية الأمومة بعد أن أدركت الضرر الشديد الذي ألحقته الأفكار النسوية ببنية الأسرة والنساء والأطفال، في حين إن الحكومات والمنظمات في البلاد الإسلامية لا تزال مستمرة في اندفاع نحو هذه التجربة الاجتماعية النسوية الكارثية المستوحاة من الغرب. فتراهم يسنون المزيد من القوانين والسياسات على أساس الأفكار النسوية السقيمة ويروجون لها بكثافة بين شعوبهم، مدعين بسخف أنها علامة على التقدم وبأنها ستوفر حياة أفضل للنساء، بدلاً من رفض هذه القائمة المسمومة من المعتقدات صراحة.

إن الواجب الأكيد علينا كمسلمين، بدلاً من تكرار التجارب الاجتماعية الغربية الفاشلة، أن نلتف ونتشبث بالمعتقدات والقيم والقوانين والأحكام الإسلامية التي لها دور سليم مجرب في تنظيم أدوار وواجبات وحقوق الرجال والنساء على أرقى وجه وأعدله، وكذلك في خلق هياكل أسرية متناغمة وقوية. وإنه من أجل ديننا فإننا بحاجة إلى أن ننظر في حل للمشاكل العديدة التي تواجهها النساء والأطفال والعائلات في يومنا هذا.

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 109]

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 24th April 2024 - 04:33 AM