منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> التضحية بالنفس والمال والوقت، واحدة من أهم صفات حامل الدعوة
أم المعتصم
المشاركة Jan 3 2019, 06:49 AM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238





إن حمل الدعوة عمل عظيم وطريق صعب وشاق، سلكه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من قبل وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، وأورثوه لمن آمن بهذه الدعوة من بعدهم؛ ليخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عباد رب العباد. ولا يحمل صعوبة هذا الطريق ومشاقه إلا من وطَّن نفسه وصقلها ورباها على صفات الخير التي يجب أن يتحلَّى بها حامل الدعوة، ومن أهم هذه الصفات هي التضحية.


والمراد بالتضحية: التبرع بالشـيء دون مقابل، كالتضحية بالنفس، أو المال، أو العمـل، أو الـوقت، أو الجاه، أو الـعلم، أو المنصب... أو غير ذلك، حتى يظنَّ الإنسان أن لا حقَّ له فيما زاد عن حاجاته الـضـروريـــة، فيبذل جهده في تقديم ذلك دون مقابل ماديٍّ يناله مكافأةً على تبرعه، وإنما يرجو بذلك كله وجه الله، ونصرة دينه.

فلا تُنال المعالي بالأماني، ولا تقوم الدعوات إلا على ألوان البذل والتضحية بشتى صنوفها. وإذا عُرف أن ابتلاء الدعاة سنة ماضية، تبيَّن أن الدعوة الحقة لا تقوم بلا تضحية.

فالتضحية بالنفس صفة يجب أن يتحلى بها حامل الدعوة، ويوطِّن نفسه على ما سيصيبه من أذى في هذا الطريق من تعذيب وتكذيب وملاحقة وقطع للأرزاق وسجن وتضييق عليه في كل مناحي الحياة، حتى يصل الأذى إلى القتل. وله في هذا كله أسوة حسنة في الأنبياء والمرسلين وصحبهم الكرام ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته.

فرسولنا الأكرم صلوات الله وسلامه عليه لم يسلم في طريق تبليغ دعوته من أذى المشركين، فمنذ أن صعد الصفا، وأنــذر عشيرته الأقربين، بدأت أصناف الأذى تلحق به، فوصفوه بالساحر والمجنون بعد أن كان الصادق الأمين، وأوذي وأصحابـــه أشد الأذى، وابتُلوا أعظم البلاء، فصار يعرض نفسه على القبائل في الحج يطلب حمايته ليبلِّغ دين الله، وقصد الطائف لعله يجد بغيته، فرجع مُدمى القدمين طريدًا، وحوصر وأصـحــابــه وأنصاره في الشعب ثلاث سنين حتى أكلوا أوراق الشجر من الجوع. وقد كان لكثير مــــن أصحابه صلى الله عليه وسلم صفحات طويلة من البذل والتضحيات، فقد أوذي بلال وسمية وياسر وعمار حتى بلغ منهم التعذيب مبلغه، وفاضت روح سمية وياسر في سبيل ما يحملون من عقيدة ومبدأ راغبين بما عند الله من أجر ومثوبة وجنة عرضها السماء والأرض. وضربت قريش عبد الله بن مسعود ضربًا مبرحًا حتى سالت الدماء من وجهه؛ لأنه قام فيهم يسمعهم ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحي وهو فرح مسرور بما لاقاه؛ لأنه يدرك أن ما يلاقيه سيكون له ذخرًا عند الله حتى إنه قال: "والله ما كان أعداء الله أهون فى عيني منهم الآن، وإن شئتم لأغادينَّهم بمثله غدًا، قالوا: لا، حسبك، لقد أسمعتهم ما يكرهون". ويـهـجر مصعب رضي الله عنه النعيم والدعـة، ويهاجر داعية إلى الإســــلام في المدينـــــة. ويـعـرِّض علــيٌّ رضي الله عنه نفسه للهلاك بنومه في فراش النبي صلى الله عليه وسلم عشية الهجرة، ويرمي البراء نفسه بين الأعداء في حديقة الموت فيفتح الله للمسلمين بسببه، ويُـعــرِض أبو الدرداء عن التجارة تفرغًا لمجالسة النبي صلى الله عليه وسلم، ويتقبل خالد بن الــوليد التنازل عن منصبه طاعة لأمير المؤمنين، ويتنازل أبو عبيدة عن إمارة الجيش لعمرو بن العاص جمعًا لكلمة المسلمين.

فكل دعوة لا تنتشر إلا بجهود أتباعها، ودين الإسلام لم ينتشر براحة الأبدان وسلامة النفوس. فلم يكن دين الإسلام ليصل إلينا لولا الهمة العالية لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع المسلمين من بعدهم الذين تركوا أوطانهم، وغادروا الأهل والولدان والتجارة، وبذلوا في سبيل ذلك الأنفس والأموال. فقد أيقنوا انهم يحملون مسؤولية جسيمة وواجبًا عظيمًا، وأنهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ دعوة الله وتطبيق شرع الله في دولة الخلافة؛ ليرى الناس عدل الإسلام ورحمته، فيدخلوا في دين الله أفواجًا، فهان في أعينهم كل شيء دون هذا الواجب العظيم، ودون هذه الدعوة.

أما التضحية بالمال، فحامل الدعوة يتأسى بالصحابة الكرام في البذل والعطاء والسخاء فيما يملك من مال، فالدعوة تحتاج إلى أموال ونفقات لتقوم بأعمالها، ومَنْ أحرى وأحق من حامل الدعوة في النفقة على دعوته وأعمالها، فيتعاهدها بالإنفاق كما يتعاهد أولاده ومن يعول بالنفقة، ويسارع في أعمال الخير استجابة لقول الله سبحانه وتعالى :﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩ لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ ٣٠﴾ وقوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ٢٧٤﴾. وقوله تعالى: ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٦١﴾. والآيات في هذا المقام كثيرة تحث على الإنفاق في سبيل الله. ومما جاء من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحض على الإنفاق قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، يقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا». وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله: أَنْفِق يا ابن آدم أُنْفِق عليك» رواه البخاري ومسلم.

وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم هذه المعاني فهمًا صحيحًا وعملوا بها، فكانت مواقفهم منارة يهتدي بها كل من سار على دربهم، فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يأتي بكل ماله ويضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأله الرسول صلى الله عليه وسلم ما تركت لعيالك فيقول تركت لهم الله ورسوله. وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يجهز جيش العسرة حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه «ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم» ويشتري البئر في المدينة من اليهودي ويقفه للمسلمين، وذاك أبو طلحة يقف أحب ماله إليه بيرحاء يضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضعه حيث يشاء عندما سمع قول الله سبحانه وتعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ٩٢﴾وصهيب يتخلى عن كل ماله ليلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسابقون في البذل والعطاء والإنفاق ولو بالقليل، وكانوا حريصين كل الحرص على هذا الخير لعلمهم ويقينهم أن ما ينفقون يبقى لهم عند الله. ومن شدة حرصهم على باب الخير هذا، اشتكى فقراء الصحابة رضوان الله عليهم للرسول صلى الله عليه وسلم أنهم لا يجدون ما ينفقون، وأن أهل الغنى قد سبقوهم بالأجر. فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: وما ذاك؟ قالوا يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم؟ ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين مرة".

فإنْ تعود حامل الدعوة على تقديم المال، ولو القليل، حال الفقر والحاجة، وبشكل أخص في أوقات الشدائد والأزمات، التي تكثر فيها حاجات الدعوة، وتستدعي مزيدًا من التضحيات يصقل نفسه وينقيها من التعلق بالدنيا. فباب الإنفاق على دعوة تعيد للمسلمين مجدهم وتجعلهم سادة الدنيا من جديد لهو من أفضل أبواب الخير، وهو جامع لكل خير بإذن الله.

وأما عن التضحية بالوقت، فكما أن على حامل الدعوة أن يخصص جزءًا من وقته في الليل والنهار، وأن يخصص أفضل وقته ليؤدي الأمانة التي حملها على عاتقه، وآمن أنها طريق خلاص هذه الأمة مما هي فيه من ضنك العيش وبعد عن الله وتسلط أعداء الله عليها. فالتضحية بأفضل الأوقات لدى حامل الدعوة لدعوته، وجعلها في رأس أولوياته ومدار حياته، يبتغي من وراء ذلك رضى الله سبحانه وتعالى، مضحيًا براحته ونومه، وربما مضحيًا ببعض من وقت عمله ليحمل دعوة ربه، ولإيمانه أن الله يدَّخر له هذه التضحية في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ويبارك له في أوقاته وجميع أعماله، ويبارك له في رزقه، فيقينه بأن رزقه سيصله لا ينقص منه مثقال ذرة، إن عمل عشرين ساعة أو عمل ثماني ساعات، أو أكثر أو أقل، فالرزق مقسوم، ولن يموت قبل أن يستوفيه. هذا الايمان هو الذي يدفع حامل الدعوة دفعًا ليحمل دعوته في كل ساعات يومه، وأينما حلَّ أو ارتحل: في مكان عمله، وفي بيته بين أهله وأولاده ومع جيرانه، وفي حيِّه ومنطقته، يقول الحقَّ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يقسم وقته بين عمله، ودراسته الثقافة المركَّزة والعامة، وقيامه بالزيارات المقصودة، وكل ما يتطلبه حمل الدعوة منه. فهو دائم الاستعداد للقيام بما يكلف به دون تردد ولا تلكؤ. عالي الهمة والحماس، يحمل بين جوانحه قلب رحيم بالناس، يحب لهم الخير، حريص على نفعهم ومصالحهم، وعلى نقلهم من الحال التي لا ترضي الله سبحانه لحال ترضيه سبحانه وتعالى. يحب لهم ما يحب لنفسه وما أنعم الله عليه من فهم ووضوح رؤية.

فهذه الساعات والدقائق التي نعيشها في هذه الدنيا هي أعمارنا، فعلينا أن نملأها بطاعة الله وبما يرضي الله، لا أن نسعى في تضييعها باللهو ولو كان مباحًا، ولا بالغفلة عما أوجبه الله علينا. فكل إنسان عليه أن يضع برنامجًا يوميًا لأعماله (وبالأخص حامل الدعوة) ليحاسب نفسه إن قصر قبل أن يحاسب. فتدارك التقصير في الدنيا ممكن ومقدور، أما في الآخرة فلا عمل، بل ندم على التقصير وحسرة، ولات ساعة مندم. فعن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عمره فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه» رواه الترمذي. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغَناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» رواه الحاكم بالمستدرك.

ومما هو مدرك ومحسوس أن الله بارك في أوقات العلماء الصادقـيـن، فعملوا ما يصعب تصوره في الحسابات المادية، وبارك في أقوالهم وأفعالهم وكتبهم؛ فبلغت مبلغًا من النفع والأثر ما لم يخطر لهم على بال مما يكاد ألاَّ يتصوره غيرهم، وقد كانوا عظيمي التضحية بأوقاتهم.

وما يترتب على التضحية بكل أشكالها والجهود المبذولة من ثمرات ومنافع وهداية لا تخطر ببال صاحبها، ولا يعلم مداها إلا الله تعالى، مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا».

وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه يوم فتح خيبر في حديث طويل: «فوالله، لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم». وهو ليس خاصًا بعلي رضي الله عنه، بل هو عام لكل أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وأخيرًا، فما دامت الدعوة لا تقوم إلا على التضحيات، فقد أدرك كل واحد من الدعاة ما يجب عليه.

اللهم إنا نسألك الرشاد والسداد وحسن القول والعمل، وأن تجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واجعلنا مفاتيح للخير ومغاليق للشر، ومُنَّ علينا بخلافة راشدة على منهاج النبوة بفضلك وجودك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المصدر: مجلة الوعي، العدد 387، ربيع الآخر 1440هـ - كانون الأول 2018م


Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 28th March 2024 - 03:39 PM