منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> التوكل على الله هو سبيل الاطمئنان والأمان في عالم القلق والخذلان
أم المعتصم
المشاركة May 8 2020, 02:26 PM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238






تمر علينا أحداث ومواقف وظروف ورياح باردة وحارة، منها الجيد ومنها السيئ، منها المفرح الباعث على الأمل ومنها المُحزن المخيّب للآمال والظنون، منها ما يُرضينا ومنها ما يضايقنا ويزعجنا، منها ما يمكننا تغييره أو ردّه، ومنها ما لا يقع في دائرة إرادتنا وقدراتنا...

وهنا يأتي دور التوكل على الله الذي أمر اللهُ به الأنبياء والمؤمنين، والتوكل على الله سبحانه وتعالى يتعلق بالعقيدة الإسلامية، ففيه اعتراف العبد وخضوعه لله، وتسليمه كل أموره للخالق الواحد، المتصرف بجميع أموره، والمدبر لأحواله، صغيرها وكبيرها. ويعتمد عليه المسلم بجلب الخير ودفع الضر، وهو حال المؤمن في جميع الأحوال والأحيان؛ في العبادة والدعوة، في الرزق والصحة، وفي كل ما قدره الله له من خير حتى وإن بدت الأمور بعكس ما يريد العبد فعليه الإيمان بأنَ الله سبحانه قد اختار له الأفضل. فالتوكل على الله دليل صحة إيمان العبد وصلاح قلبه. والتوكل على الله ثابت بنص القرآن القطعي، وقد وردت آيات التوكل في القرآن الكريم مرات عديدة، وكذلك في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة. فهو من أسباب الشعور بالرضا والاطمئنان والسكينة، وكذلك الشعور بالقوة والقدرة على العمل وقت الأزمات والشدائد.

وهذه الأيام يعيش العالم تحت تأثير جائحة كورونا التي اجتاحت العالم كله، وأثرت على سير الحياة الطبيعية فيه. فما أحوجنا إلى تطبيق مفهوم التوكل على الله، والذي لا ينافي ولا يتعارض مع السعي والأخذ بالأسباب، حتى لو كانت بنظرنا ليست ذات تأثير، فهذه السيدة مريم عليها السلام عندما أراد الله سبحانه أن يُطعمها، أمرها سبحانه بهز جذع النخلة، فأخذت بالأسباب رغم ضعفها، مع اعتمادها على الله تعالى لأنه سبحانه يُقدّر الأمور بأسبابها. فعلينا أن نتوكل على الله حقّ التوكل، ونؤكد إيماننا بالقضاء والقدر، قال تعالى: ﴿قُل لّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾. فالقدر من الأمور الغيبية، والمسلم مأمور أن يأخذ بالأسباب والذي لا ينافي القدر، بل هو جزء من قدر الله عز وجل، فمن تمام التوكل على الله عزَّ وجلَّ في مواجهة فيروس كورونا مثلا الأخذ بأسباب الوقاية، وعزل المصابين ومناطق الوباء، وليس تعطيل الحياة والعباد، كما حصل في طاعون عمواس وغيره من أوقات الأوبئة التي حصلت خلال التاريخ الإسلامي.

فالسعي في الأسباب يكون بالجوارحِ طاعة له، والتوكل على الله يكون بالقلب إيماناً به سبحانه، والسعي مهما كان كثيرا ومتعباً لن يعطي نتيجة بدون التوكل على الله حق توكله، كما جاء في حديث رسول الله e «لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً». ونتذكر توكُل الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه على الله عندما مرّ ركب، وهم بحمراء الأسد، وأخبرهم بأن أبا سفيان جمع لهم، فلم يخافوا متوكلين على الله، ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾. ولكن غياب الوعي والفهم الصحيح للتوكل، جعل الناس إما يأخذون بالأسباب فقط، أو بالتواكل دون الأخذ بالأسباب، مما يؤدي إلى الفشل. وصار التوكل عبارة عن كلمات جوفاء لا واقع لها في حياتهم، ولا في أذهانهم، وقد ساعد على هذا ما انصبّ عليه تفكير أهل العلم من تفسير التوكل بأنه الأخذ بالأسباب، وصارت حين تُطلق كلمة التوكل يرادفها فوراً الحديث الشريف «اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ»، والذي يُفسَّر بشكل خاطئ وأصبح يُستعمل لإضعاف معنى التوكل في النفوس، لا للأخذ بالأسباب مع التوكل وجعله جزءاً منه وليس منفصلا عنه، فكان من نتيجة ذلك أن انحطت الهمم وضعفت العزائم، وضاق الأفق في النظرة إلى الحياة، فصاروا يحسون بالعجز، ويعتقدون أن قدرتهم محدودة، وأنهم لا يستطيعون تحقيق الأفضل.

فمن خلال التَّـوَكُّـل على الله نستطيع أن نتحمل الصعاب ونجتاز العقبات مهما كانت، وأن نواجه أعتى القوى في العالم من دون خوف بشرط أن نسير وفق المنهج الإلهي، مطبقين الأحكام الشرعية معتمدين على أنفسنا، ومتوكلين على ربنا، حينها تتضاءل الصعاب وتصغر العقبات، وما كنا نراه مستحيلاً يصبح ممكناً وواقعاً. ولنا في سيرة سيدنا إبراهيم وسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا محمد وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجمعين قدوة حسنة، حيث ساروا وفق أحكام وأوامر الله، متوكلين عليه آخذين بالأسباب الموصلة إلى النتائج.
ولن يرجع المسلمون إلى مجدهم وقوتهم بدون فهْم التوكل على الله حق الفهم وتوكلهم على الله حق التوكل، فإن عظائم الأمور لا يمكن أن تتحقق فقط بالقوة المادية، فهي محدودة مهما بلغت، ولكن الإيمان بأن هناك قوة أكبر؛ قوة غير محدودة وراءهم تساعدهم، وهي قوة الله تعالى، فيبذل قصارى جهده لتحقيق ما يريد ويسعى إليه متوكلا على الله. فنرى أن التوكل على الله من أعظم مقومات الأمّة الإسلامية ومن أهم أفكار الإسلام.

فإذا أوصدت جميع الأبواب أمام أحدنا فسوف يجد باباً لا يُوصد أمامه وهو باب الله تعالى القادر على إزالة الكرب وتفريج الهم وإزاحة الغم والمصائب والكوارث، وكفى بالله نصيراً وكفى به وكيلاً.

وليكن لنا في رمضان هذا العام عودة حقيقية إلى صحة التوكل على الله المنبثق من صحة العقيدة وإخلاص العمل في التوجه لله تبارك وتعالى، لنرى أثر ذلك في حياتنا كأفراد وفي نظرتنا للأمور والحياة، وفي سلوكياتنا... عاملين وداعين الله أن يخلصنا من النظام الرأسمالي النفعي الفاسد، والذي أثبت فشله الذريع في رعاية الناس أو الاهتمام بهم في جميع النواحي، والذي يجثم على صدورنا وحياتنا بحيث نستمد أنظمتنا وقوانيننا وقراراتنا وأسلوب تعاملنا كأفراد وولاة أمور من الشريعة الإسلامية التي ستنظم الشؤون وترعى الأمة في الضراء قبل السراء، وفي الصحة قبل المرض... فيتحقق الخير والإنصاف والاطمئنان مطيعين الله ورسوله، وما ذلك على الله بعزيز.


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مسلمة الشامي (أم صهيب)
Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 28th March 2024 - 10:20 AM