لا يكتمل قيامك بالفروض إلا بالعمل لإقامة الخلافة
الأحكام الشرعية خمسة:
• الفرض أو الواجب
• الحرام أو المحظور
• السنة أو النافلة أو المندوب
• المكروه
• المباحومعنى الفرض هو الأمر الذي يجب على المسلم فعله، وإن لم يفعله يأثم من ناحية شرعية، ولا يغني القيام بفرض عن ترك فرض آخر، فمثلا المسلم الذي يصلي لا تغنيه صلاته عن ترك الصيام، والعكس صحيح إذا صام ولم يصلي فإن صومه لا يغنيه عن تركه الصلاة، ولذلك فكل فرض هو في عنق كل مسلم واجب الفعل، وإن فعل كل الفروض وترك فرضا واحدا عن علم بتركه لهذا الفرض، فإنه آثم شرعا وسيحاسبه الله تعالى عن تركه لهذا الفرض.
والفروض قسمان:أولا: الفروض العينية وهي الفروض المطلوبة من كل شخص بعينه وبشخصه، ويجب عليه القيام بهذا الفروض، ولا يجوز لمسلم أن يقوم بفرض عن مسلم آخر، إلا في حالات القضاء عن الميت مثل أن يحج الإنسان عن أبيه، أما في الوضع الطبيعي فان كل مسلم مطلوب منه بعينه أن يقوم بهذه الفروض، وان قصر حوسب وحده عن التقصير إذا قام الآخرون بما يجب عليهم من نصحه وتوجيهه وتأديبه.
والفروض العينية مثل الصلاة والصيام والحج وبر الوالدين والصدق والتخلق بالأخلاق الإسلامية وغيرها، ومثلها ترك المحرمات، فترك المحرمات فرض مثل ترك الكذب والغش والسرقة والزنا وغيره، فالذي يصلي تسقط عنه الصلاة فقط، ولا تسقط عن أبيه الحي إذا كان لا يصلي لو صلى مثلا صلاتين؛ عنه واحدة وعن أبيه واحدة، فإن هذا لا يجوز من ناحية شرعية.
والفروض العينية بشكل عام يمكن للجميع القيام بها فلا صعوبات حولها إلا أن تصيب الإنسان الغفلة أو تعرض عليه الشهوات أو يهدد من الظالمين، وهي غير ملاحقة بالشكل العام من الظالمين لأن أثرها يقتصر على صاحبها، وإن كان الظالمون يعملون على إفسادها عند المسلمين.
ثانيا: الفروض الكفائية وهي الفروض المطلوب من جماعة المسلمين إنجازها وإتمامها، وإن لم يتم إنجاز الفرض بين المسلمين فيأثم جميع المسلمين، وهي في نفس درجة الفروض العينية غير أن الإثم يعم الجماعة التي لا تقوم بالعمل على إنجاز الفرض ويقع الإثم عليهم -أي على من لم يعمل لإيجاد الفرض- كل حسب علمه ومقدرته وقربه واستطاعته، وهذا يبقى في علم الله تعالى.
وتعريف فرض الكفاية هو: "الفرض الذي إذا أقامه البعض سقط الإثم عن الجميع"، وقلنا "أقامه" ولم نقل "قام به" كما ورد في بعض التعريفات، فكلمة "قام به" تعني انه لو قام به عشرة أشخاص ولم ينجزوا الفرض فان بقية المسلمين ينجون من الإثم لأن البعض باشر في انجاز الفرض ولو لم يستطيعوا إنجازه، وهذا تفسير خاطئ للفرض، لكن لو قلنا "أقامه" أي أنجزه وأوجده فان الإثم لا يرتفع إلا بإنجاز الفرض بغض النظر عن عدد القائمين به وبغض النظر عمن قام بالفرض، فالمهم هو إيجاد الفرض وهنا فقط بإيجاد الفرض يسقط الإثم عن بقية المسلمين.
مثال للتوضيح:لو أن العدو هاجم أرضا إسلامية فان الفرض الكفائي في حقهم هو الدفاع عن أرضهم ورد العدو، فلو قامت فرقة من الجيش عددها ألف جندي بالتصدي للعدو ورده فان الفرض قد تم وهنا لا يأثم أي مسلم لم يشارك في القتال.
لكن لو لم تكف تلك الفرقة لرد العدو وشاركتها فرق أخرى ولم تكف هي الأخرى لرد العدو، فان الإثم يلحق جميع المسلمين القادرين على القتل إن سكتوا ولم يقاتلوا وجلسوا ينظرون للمقاتلين وهم يقاتلون، فان الإثم يلحقهم لأن من قاموا بفريضة رد العدو لم يكفوا لإنجاز الفرض، وهنا يأثم كل المسلمين القريبين القادرين على القتال والذين لم يشاركوا في القتال، ويبقى الإثم في أعناقهم حتى يقوموا بواجبهم بالقتال ورد العدو، وتبقى دائرة الإثم تعم المسلمين الأقرب فالأقرب حتى يتم رد العدو عن أرض المسلمين.
وهنا لنا ملاحظات على فرض الكفاية يجب إدراكها:1- فرض الكفاية مطلوب من الجماعة وليس من الأفراد بفرديتهم.
2- المطلوب في فرض الكفاية إنجازه وإتمامه بغض النظر عمن فعل ذلك من المسلمين وبغض النظر عن عددهم.
3- إن سكت الجميع عن فرض معطل فان الجميع يأثمون، ويبقى الإثم في أعناقهم حتى يوجد الفرض.
4- عند القيام بانجاز فرض كفاية ولم تستطع تلك المجموعة العاملة للفرض من المسلمين انجاز الفرض لعدم الكفاية، فان من شارك في إيجاد الفرض وبذل جهده فان الإثم يسقط عنه، ولكن يأثم بقية المسلمين من القادرين على المشاركة لأنهم لم يشاركوا في إيجاد الفرض.
5- لو تم انجاز الفرض بعد فترة من الزمن، فان المسلمين غير المشاركين في الفرض يبقى الإثم في أعناقهم كل تلك الفترة الزمنية ولا يسقط بمجرد إيجاد الفرض، وعليهم كثرة الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى، فهم كمن ترك الصلاة عشر سنين ثم عاد للصلاة، فان المطلوب منه استغفار الله عن تلك الفترة التي لم يصلي فيها.
6- إذا كان المشاركون في القيام بالفرض يكفون فان مشاركة البقية تدخل في باب الندب والنافلة، فان خرجت فرقة مكونة من عشرة آلاف مقاتل لملاقاة العدو ورده، وكانت تستطيع رد العدو، فان أي مشاركة أخرى معهم تدخل في باب الندب ولصاحبها الأجر والثواب، ولكنه لا يأثم لعدم المشاركة إن بقي جالسا في بيته، لأن تلك المجموعة قادرة على انجاز الفرض.
7- العمل بالفروض الكفائية لأنه يستهدف الجماعة والمجتمع وأعرافه فإنه يرعب الكفار والمجرمين والظالمين، ولذلك يعملون بكل طاقتهم لصرف المسلمين عن العمل بالفروض الكفائية، حتى خلفاء المسلمين كانوا لا يخشون إلا ممن يعمل بالفروض الكفائية وبالذات فروض التصدي للظالمين ومحاسبتهم والتغيير عليهم!
وفروض الكفاية كثيرة جدا وليست محدودة كما يظن البعض، فان اغلب المسلمين إن سألتهم عن فرض الكفاية فان أول ما يتبادر إلى أذهانهم صلاة الجنازة ورد العدو عن بلاد المسلمين، وهذا قصور شديد في فهم فرض الكفاية، فان الأمثلة على فرض الكفاية كثيرة وقد تكون أكثر من الفروض العينية، وهاك بعض الأمثلة:1- صلاة الجنازة ودفن الميت.
2- رد العدو عن بلاد المسلمين.
3- إيجاد الصلاة بين كل المسلمين ومعاقبة تارك الصلاة.
4- إيجاد الصيام بين كل المسلمين ومعاقبة تارك الصيام.
5- إيجاد الزكاة بين كل المسلمين ومعاقبة مانع الزكاة.
6- إيجاد اللباس الشرعي بين كل المسلمين ومعاقبة من لم تلتزم به.
7- قطع يد السارقين.
8- جلد كل من يرتكب جريمة الزنا أو رجمه إن كان محصنا.
9- جلد شارب الخمر.
[ولتقليل الأمثلة نقول معاقبة تارك أي فرض ومعاقبة مرتكب أي محظور شرعي]
10- جهاد الطلب لنشر الإسلام في بلاد الكفر.
11- تطبيق الإسلام على الكفار كي يتم تمام إبلاغهم رسالة الإسلام.
12- تطبيق الإسلام في جميع مناحي الحياة في بلاد المسلمين.
13- العمل على إيجاد الدولة الإسلامية إن لم يوجد بلاد تطبق الإسلام بشكل حقيقي.
14- إيجاد المجتهدين القادرين على الاجتهاد وبيان الأحكام الشرعية.
15- إيجاد عدد كاف من الأخصائيين في جميع المجالات في بلاد المسلمين.
16- إيجاد حزب أو أكثر يقومون بواجب الدعوة إلى الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
17- منع أي منكر طارئ في بلاد المسلمين.
18- إيجاد أي فريضة يرى أن ستندثر في بلاد المسلمين.
والأمثلة كثيرة لا يمكن إحصاؤها.
أي بند مما ذكرنا وغيره كل واحدة منها فرض كفاية، وعدم إيجادها تعني أن الإثم سيلحق جميع المسلمين حتى يتم إنجاز تلك الفروض.
ولربما قائل يقول: إن القيام بكل تلك الفروض هو أمر مستحيل أو شبه مستحيل أو صعب جدا في أيامنا الحاضرة، فإن المنكرات تملأ البلاد، فكيف السبيل للنجاة وهي كلها فروض والتقصير فيها إثم؟؟؟
لو فكر الإنسان قليلا، لوجد أن السيئات التي ممكن أن تلحقه لا يمكن إحصاؤها لكثرة الفروض المعطلة في حياة المسلمين، ولا نقول ذلك لكي يقول الإنسان إذن لا مناص لنا إلا الاستغفار فكلنا آثمين ويجلس في بيته لا يعمل شيئا لدينه.
نعلق على هذا الأمر ونقول:
الحالة الأولى: أن يوجد للمسلمين دولة تطبق الإسلام وتحارب المنكرات وتوجد الفروض، فعندها فان وجد منكر بادر المسلمون أفرادا وجماعات وأحزابا لمنع المنكر بالنصح والإرشاد وقارص القول، فان لم ينفع ذلك فإن على الدولة وجوبا أن تمنع تلك المنكرات بقوة سلطانها، وهكذا ينجز الفرض ويسقط الإثم عن المسلمين.
الحالة الثانية: إذا لم يوجد دولة للمسلمين، وهي كحالتنا اليوم والمنكرات أكثر من أن تحصى، والعمل القوي جماعات وأفرادا وأحزابا لا يمنعها ولا يمكنه استئصالها، فان العمل لمنع تلك المنكرات يكون بالعمل الجذري وهو تغيير منظومة الحكم الفاسدة التي تحكم بالكفر ولا تكترث بالمنكرات، لا بل وتشجع المنكرات وتحارب الفروض الشرعية، فإن الحل والعمل يكون بالعمل الجذري على خلع أساس الفساد والمنكرات من البلاد وهو النظام الحاكم، وإيجاد نظام يحكم بالإسلام، وهذا يسمى العمل على إيجاد الدولة الإسلامية أو إيجاد الخلافة وهدم الأنظمة الحالية.
لذلك فان السلطان الإسلامي هو السبيل الأخير لمنع المنكرات بين المسلمين، فان منعها وتدخل في حالة عدم استطاعة الأفراد والجماعات والأحزاب ذلك كان له على المسلمين السمع والطاعة، وان ترك منكرا ولم يتدخل وكان هذا المنكر من المعلوم من الدين بالضرورة انه منكر فقد وجب على المسلمين قتال الحاكم حتى يمنع ذلك المنكر.
وأحيانا يتدخل السلطان أو الدولة فورا إذا بلغتها المنكرات دون انتظار الأفراد والجماعات والأحزاب أن تقوم بواجب النصح، مثل أن يبلغها حد من حدود الله فإنها تقيم الحد على صاحبه ولو لم ينصح مرتكبه أحد.
لذلك فان السبيل الوحيد للنجاة من هذا الكم الهائل من إثم الفروض المعطلة لا يكون في وقتنا الحاضر إلا بالعمل على إقامة الخلافة وإيجادها في واقع الحياة، مع العمل بشكل فردي أو جماعي قدر المستطاع -وهو جهد قليل- على إزالة أي منكر يمكن أن تتحقق المقدرة على إنجازه، ولكن يبقى تاج الفروض ورأس المعروف وأهم الفروض في أيامنا الحاضرة هو العمل بشكل جاد وحثيث على إقامة الدولة الإسلامية دولة الخلافة وهي الوحيدة القادرة على إزالة كل تلك المنكرات، ومن يعمل لإقامة الخلافة بشكل جدي وقوي يسقط الإثم عنه عن كل تلك الفروض المعطلة مع عدم التقصير طبعا في الفروض أو في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن هذا الكم الهائل من المنكرات لا تزيله إلا دولة الخلافة، فمن عمل لها نجا ومن قصر في العمل لها أثم، ولن تتوقف تلك الآثام حتى تقوم الدولة، وكل من قصر يوم أو يومين أو سنة أو سنتين أو ربما طول حياته في العمل للخلافة فعليه بالاستغفار لله تعالى أن يغفر له تقصيره.
لذلك فمن عمل جاهدا لمنع المنكرات مستخدما كل طاقاته فإنه يبقى مقصرا حتى يعمل لإيجاد الخلافة التي تزيل كل تلك المنكرات بقوة سلطانها.