منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

59 الصفحات V   1 2 3 > » 

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Feb 6 2023, 07:54 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



bism.gif


التغيير المقصود
منذ أن بزغ فجر الإسلام والصراع بين الإيمان والكفر على أشده، بل إن الصراع بين الحق والباطل قد بدأ واشتد منذ خلق الله آدم وعلمه وأمره ونهاه فكان أمر الله ونهيه هو الحق، وكل ما خالف أو صرف عنه هو الباطل.



والأساس الذي يستند إليه أهل الإيمان والحق في الصراع بين الحق والباطل هو حقائق الكون والإنسان والحياة، وحقائق دين الإسلام. فمن جعل الحقائق أساسا لتفكيره، وبنى على ذلك بناء سليما فإن الله يوفقه للوصول إلى الحق. فالدعوة إلى الحق يهمها بيان الأشياء والوقائع على حقيقتها، أما الدعوة إلى الباطل فيهمها التعمية عن الحقائق وإدخال المغالطات عليها كي يتوهم الباطل حقا والحق باطلا، كما يهمها تزيين الباطل وتجميله والإغراء به كي يقبل، قال تعالى: ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾.



ومن موجبات هذا الصراع بين الحق والباطل ومع ما يقتضيه من تزييف أهل الباطل للحقائق وتشويه للوقائع تظهر العديد من طرق التغيير الخاطئة في المجتمعات التي صدّقت الأوهام والترهات والتحاليل فوصلت إلى ما هي فيه من ضعف وذل. ومن تضليلات أهل الباطل ما يوحون به ويصورونه من أن التغيير يكمن:



* باللحاق بالغرب وأخذ مناهجهم في الفكر والثقافة والاستعانة بهم ليضعوا الخطط ويقدموا النصائح وبذلك يصبح الغرب المستعمر مثلاً أعلى للمستعمرين خاصة مع تنامي دعوة الاستعانة بالأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة وتصويرها وكأنها هي الحل الوحيد والأوحد لكل مشاكل البشرية. إلا أن الحقائق الماثلة والواضحة لتاريخ هذه المنظمة منذ تأسيسها وحتى الآن، تظهر أنها كانت وما زالت أداة ظلم وقهر بحق كل الشعوب المستضعفة وخاصة بلاد المسلمين لصالح الدول الكبرى ومشاريعها على مستوى العالم، ويكفي أنها أعطت معظم فلسطين ليهود الغاصبين عام 1947م وبقرار دولي، واعترفت بكيانهم المسخ عام 1948م.



* بإنشاء التكتلات التي تقوم بالأعمال الخيرية كبناء المدارس ومساعدة الفقراء والأيتام والمحتاجين، فإنه وإن كانت الأعمال الخيرية مما حض الإسلام على القيام بها، إلا أن هذه الأعمال لا علاقة لها بتحقيق التغيير المقصود في المجتمع، فالحقائق الماثلة والواضحة من ارتفاع نسب الفقر والبطالة والجهل وانشغال الشعوب بسنوات عجاف تكشف لنا زيف هذا النهج في التغيير لا سيما مع تزايد أعداد هذه الجمعيات الخيرية التي تحولت مع الوقت إلى جمعيات ربحية أو جمعيات ارتبطت بأجندات إفسادية لإبقاء الشعوب المحتاجة والفقيرة في دوامة الضلال والتردي.



* بالدعوة إلى الأخلاق وإصلاح الفرد، فإنه وإن كانت الدعوة إلى خيرٍ أمر الله المسلمين بالدعوة إليه، غير أن مثل هذه الدعوات لا يمكن أن تؤدي إلى تغيير المجتمع ولا حتى إلى إصلاحه، لأن إصلاح المجتمع إنما يحصل بإصلاح الأفكار والمشاعر التي تسيطر عليه وبإصلاح النظام الذي يطبق فيه. كما أن الحقائق الماثلة والواضحة من ارتفاع نسب الجرائم والفساد الأخلاقي وانتشار الرذيلة يكشف حال المجتمعات التي تكاد تخلو من القيم الأخلاقية ولا سيما بعد المحاولات الحثيثة في السنوات الأخيرة لتقنين وشرعنة الشذوذ الجنسي من تلك المنظمات الدولية التي تدعي حمايتها للحقوق الإنسانية.



* بالمشاركة السياسية إما عن طريق الترشح أو التصويت في الانتخابات النيابية مع فتاوى التكيف مع الواقع الفاسد بدعاوى المصلحة الوطنية والضرورة والعيش المشترك والسلم الأهلي وغيرها الكثير من الدعاوى التي تساعد على ترقيع هذا الواقع الفاسد بالمشاركة والانخراط فيه، والنتيجة وفق الحقائق الماثلة والواضحة تدهور الواقع من سيئ إلى أسوأ ودون إحداث ولو نسبة ضئيلة في التغيير الذي لن يتأتى بوصول نائب إلى البرلمان أو بتعديل قانون هنا وتغيير وجه سياسي هناك.



إن كل هذه الدعوات للتغيير وغيرها مما يدعو له أهل الباطل تخرج من مشكاة واحدة، ولا علاقة لها بالتغيير المقصود، فهي دعوات لتغييرات شكلية ضمن منظومة هذه الأنظمة الوضعية السائدة منذ الاستعمار حتى الآن، ولا جديد فيها، لا في الأساس الذي تقوم عليها، ولا في معالجاتها، فهي تقوم على العقيدة الرأسمالية نفسها أي عقيدة فصل الدين عن الحياة، وعلى المعالجات الفاشلة نفسها التي طبقت في بلادنا عقودا من الزمان حتى أوصلتنا إلى شفير الهاوية.



- إن التغيير المقصود هو تغيير الأوضاع الحالية السائدة في البلاد الإسلامية من أنظمة علمانية، وأفكار وأذواق غربية فاسدة، وحكام عملاء لدول الغرب الاستعمارية الكافرة.



- إن التغيير المقصود هو إنقاذ الأمة الإسلامية من حال التفرقة والإذلال المفروض عليها من الدول الاستعمارية الكافرة، ومن حال الضياع والتيه والتبعية لتلك الدول المتكالبة على المسلمين.



- التغيير المقصود هو إعادة ثروات المسلمين لهم بدل أن تنهبها الدول الاستعمارية التي تتمتع بهذه الخيرات وتتركهم في الفقر المدقع يرزحون تحت مليارات الديون لهذه الدول الجشعة.



- التغيير المقصود يكون بنهضة الأمة الإسلامية على أساس الإسلام، ونبذ كل فكر غير إسلامي، ويكون بإزالة أنظمة الكفر وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي تحكم بما أنزل الله، وتوحد الأمة الإسلامية وبلادها بقيادة خليفة واحد تحت راية واحدة وتحمل رسالة الإسلام للعالم.



هذا هو التغيير المقصود الذي يقتلع نفوذ الكافر المستعمر ويوجد الحياة الكريمة ويقضي على هذه الفوضى التي تضرب بأطنابها أرجاء البلاد وتقضي على العباد.



كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رنا مصطفى
  المنتدى: مقالات وتحليلات · مشاهدة الموضوع: #31085 · الردود: 0 · المشاهدات: 5,243

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 30 2023, 07:31 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27


من هو الحاكم؟ لمن الحق في التشريع؟ لله تعالى أم للإنسان؟ (3)

مجلة الوعي

ثائر سلامة

لقد أسسنا تأسيسًا فكريًّا لهذا السؤال في الملخص التنفيذي لهذا الكتاب، وفي متنه، إذ يكاد يكون السؤال المحوري الذي يدور عليه الكتاب، وأصَّلنا فيه بيانًا للمشاكل الفكرية العوِّيصة التي تنتج عن وضع التشريع في يد البشر، وها نحن هنا نقدم الحلول التي تعيد المسألة لنصابها الصحيح، ما هي نتائج إعادة وضع التشريع بيد الخالق بدلًا من البشر؟ ولماذا يجب أن نقوم بذلك، ولماذا يتحتَّم أخذ الشريعة الإسلامية بذاتها، وبما فيها من خصائصَ معجزةٍ منهجًا لصلاح البشرية، وإحقاق الحق، وإقامة العدل، وللتنظيم الصحيح للحياة؟
مقاصد وغايات للتشريع وسن القوانين لا بد من بيانها قبل الإجابة على السؤال: لمن الحق بالتشريع؟
من العلوم القانونية الموازية لعلم مقاصد الشريعة الإسلامية علم فلسفة القانون (أو الفقه) الذي صار يحتلُّ مكانة رائدة في الدراسات القانونية الغربية تحت مسمى: (Philosophyof law)، نظرًا لطبيعة موضوعاته التي تركز على الاهتمام بدراسة قواعد منح السلطة1 وطاعتها، والغايات والحِكَم التي تكمن وراء النظم القانونية، والكشف عن العلاقة بين القانون والمجتمع، وهي عمومًا تدور حول: حماية «حقوق الإنسان»، وتحقيق العدالة والصالح العام؛ والاستقرار القانوني والأمن القانوني وكل هدف له أسس يقوم عليها ووسائل تؤدي إلى تحقيقه، ويبحث في طبيعة القانون لا سيما في علاقته بالقيم الإنسانية والممارسات والمجتمعات، والأخلاق –ارتباطه ببعض

1  حدد الفقيه النمساوي المولد «هانز كيلسن» (1881-1973) -وهو معارض شرس لنظريات القانون الطبيعي- المشكلة المركزية لفلسفة القانون على أنها كيفية تفسير القوة المعيارية للقانون -الحق في إخبار الناس بما يجب عليهم (أو لا يجب) فعله، وليس فقط ما يجب عليهم (أو لا يجب عليهم) فعله تحت طائلة العقوبة، يعني: من له الحق أن يحرم عليك تصرفًا ما أو يلزمك بتصرف آخر؟ سواء أجبرك بما يملك من عقوبة يحق له استعمالها، أم أجبرك مطلقًا على الأخذ بتصوراته لتلتزمها فصرت تقيد نفسك بقوانينه وتشريعاته دائمًا! وكيف حصل على ذلك الحق؟ وبصورة إلزامية يعاقب على مخالفتها! فعندما يستمع القاضي إلى قضية ويقرر المدعي، ويأمر المدعى عليه بدفع تعويضات مالية، فإن سلطة القاضي للقيام بذلك تنبع من قواعد النظام القانوني التي تخول للقاضي إصدار مثل هذه القرارات، مع مراعاة القيود الإجرائية والموضوعية المختلفة التي تم سنُّها من قبل الهيئة التشريعية؛ لكن ما الذي يعطي هذه القواعد سلطتها؟ ربما يكون الدستور؛ الوثيقة التأسيسية للنظام القانوني هو الذي ينشئ هيئة تشريعية مخوَّلة بسنِّ القواعد الإجرائية والموضوعية التي تحكم قرارات المحاكم وتحدد من يمكنه ممارسة سلطة القاضي وتحت أي ظروف؛ ولكن ما الذي يعطي الدستور الحق في القيام بذلك؟ يلوح في الأفق الآن ارتداد لانهائي (تسلسل لانهائي في العلل) إذا افترض المرء مصدرًا إضافيًّا لمنح السلطة للدستور نفسه. وحيث إن القانون يطالب بالسلطة، فإن الطريقة الوحيدة لتجنب الانحدار اللامتناهي هي افتراض أن سلطة الوثيقة التأسيسية أو الدستور مشتقة من «قاعدة أساسية»، جوهرها شيء مثل «يجب إطاعة الدستور». إذن، في المحصلة يبقى السؤال: لماذا على المجتمع أن يطيع ما وثقته الهيئة التشريعية المكونة من بضعة أفراد (فقهاء دستوريين ومحامين وبعض السياسيين) من دستور ارتأته للدولة، ومن ثم فرضت القوانين التي رأتها مناسبة لتلك الدولة، وعلى الأفراد كلهم أن يطيعوها! إذن فهم أعطوا لأنفسهم صلاحية فرض طاعة الوثيقة التي على أساسها ستكون طاعتها وطاعة ما انبثق عنها أو عن تلك اللجنة التشريعية ملزمة ويعاقب على مخالفتها!

العناصر الأخلاقية؛ بحسب مذهب القانون الطبيعي2، أو بالعكس: ضرورة انفصاله عنها كما أسَّس المذهب الوضعي للفصل هذا3؛ فلا يتضمن القانون في محتواه أي عناصر أخلاقية، وتحاول تلك الفلسفة التأسيس لتشريعات بحيث تصلح لكل القوانين (لا لقانون بلد معين) في كل الأوقات (لا في زمن معين).
بدراسة المراجع الشرعية الإسلامية، والقانونية الوضعية، نجد أن المشرع يضع للقوانين أهدافًا مرادة من ورائها، وحِكَمًا باعثة عليها،وأسبابًا 4 ومقاصد دافعة اليها 5، أي سيضع مقاييس للقوانين والتشريعات، وتشكل الإطار الذي تتحرك في نطاقه كافة القوانين في مختلف مجالات الحياة، والأصل أن تتكامل القوانين فيشد بعضها أزر بعض، فنظام العقوبات مثلًا ينبني على حسن أداء النظام الاقتصادي والتكافل الاجتماعي ومسؤوليات الدولة الرعوية6، وهكذا، فالقوانين – شرعية كانت أم وضعية- إنما وضعت لتكون خادمة للقيم التي يراد لها أن تسود في حياة الناس7، (أي المفاهيم والقناعات التي يقوم عليها السلطان أي الدولة)، كقيمة العدالة، (قيل: العدل أساس الملك)، وهذه القيم نفسها قد تختلف باختلاف العقائد التي تقوم عليها المجتمعات، وهنا مربط فرسٍ، فقد تكون القيم هذه مُضَلِّلَة، لا تعدو أن تكون شعارات لا واقع لها، إذا ما وزنت بميزان الآيديولوجيات التي تحكم المجتمع، فقد تجد تلك القيم سرابًا مضلِّلًا لا أثر له في الواقع! وذلك كقيمة «التعددية» التي نادت الديمقراطية بها؛ ولكنها في الواقع قصرتها على تفرد الأحزاب السياسية بالعلمانية دون غيرها، وقصر تعددية الثقافة على الناحية الفردية في المجتمع، فكان الأصل أن تقوم الدول على عقائد صحيحة قبل النظر في صحة تشريعاتها وقوانينها؛ لذلك فإن قيام الدولة على عقائد منقوضة فكريًّا كالعلمانية8،

2 لمزيد من التفصيل حول مذهب القانون الطبيعي: أنظر: مبادئ فلسفة القانون، ترجمة د. زهير الخويلدي، شبكة النبأ المعلوماتية، المصدر: الموسوعة البريطانية.
3 أنظر: فلسفة القانون، مفهوم القانون وسريانه، البروفيسور روبرت ألكسي، تعريب الدكتور كامل فريد السالك، منشورات الحلبي الحقوقية، ص 9.
4 بالنسبة للشريعة الإسلامية نعني بالمقاصد والأسباب هنا: النتيجة التي تترتب على الشريعة، أي الحكمة الناتجة عن تطبيقها، وليس الباعث على تشريعها، أي غاية الشارع التي يهدف إليها من تشريع الشريعة، لا العلة بمفهومها الأصولي في أصول الفقه، ولا تلتمس العلة الباعثة على التشريع، ولا الحكمة إلا إذا ذكرهما الشارع، وقد جاءت آيات تبين غايات كلية وحكمًا تنتج عن تطبيق الشريعة مثل كونها رحمة، ومثل قيام الناس بالقسط، وما شابه، وقد استنبط الفقهاء مقاصد للشريعة كما هو مقرر في كتب أصول الفقه، وليس البحث هنا في كل حكم شرعي، إنما في مقاصد الشريعة ككل، وأثر تلك المقاصد على القوانين الضابطة للعلاقات في المجتمع.
5 من العلوم القانونية الموازية لعلم مقاصد الشريعة الإسلامية علم فلسفة القانون الذي صار يحتلُّ مكانة رائدة في الدراسات القانونية الغربية تحت مسمى: Legal philosophyنظرًا لطبيعة موضوعاته التي تركز على الاهتمام بدراسة الغايات والحكم التي تكمن وراء النظم القانونية والكشف عن العلاقة بين القانون والمجتمع، وهي عمومًا تدور حول: حماية «حقوق الإنسان»، وتحقيق العدالة والصالح العام؛ والاستقرار القانوني والأمن القانوني وكل هدف له أسس يقوم عليها ووسائل تؤدي إلى تحقيقه. أنظر: مقاصد القانون الوضعي في ضــوء مقاصد الشريعة الإسلامية، بقلم د. عليان بوزيان منشور في العدد 150 من مجلة المسلم المعاصر.
6 مثال ذلك أن النظام الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي، ومسؤوليات الدولة الرعوية في الإسلام تكفي الفرد حاجاته، فإذا ما سرق بعد ذلك يكون قد اعتدى واستحق العقوبة، وحين يسرق الجائع في يوم مسغبة فإنه لا يقطع لأن الحدود تُدرأ بالشبهات، وهكذا فالأنظمة تتكامل ويأخذ بعضها برقاب بعض لأداء وظائف كلية في المجتمع!
7  من أهم وأجل القيم الإسلامية قيمة تحقيق العبودية لله وحده دون غيره، بمفهوم العبودية الواسع، وبمفهومها الخاص بموضوع التشريع، واعتبار التشريع حقًّا له وحده، وأن اتباع الناس بعضهم بعضًا في التشريع هو بمثابة اتخاذهم أربابًا من دون الله!
8 وقد قمنا بإلقاء إضاءات كبيرة على مفهوم العلمانية في هذا الكتاب نقضته فكريًّا.

أو مستحيلة الوجود عمليًّا، كالديمقراطية9، يضع المشرّعين في تلك الدول أمام عقبة كأداء، وهي استحالة قيام القيم التي تَدَّعِي الدولةُ تحقيقها، ومن ثم فالقانون الذي لا يخدم القيم ولا يساعد على حمايتها في المجتمع، يصبح بلا فاعلية ولا فعالية.
فإن كانت القيم نفسها خطأ أو مستحيلة التحقيق (مثل بناء الانتخاب على رأي الأغلبية)، كانت القوانين خطأ لبنائها على الخطأ؛ فكان لا بد من وجود معايير قابلة للتحقيق، وقيم يرجع إليها المجتمع لتنظيم السلوك الاجتماعي، والحفاظ على الحقوق المشروعة لكل فرد، وفك التصادمات بين المقاصد حين تصادمها (كأن يفضي التشريع إلى تحقيق مقصد على حساب مقصد آخر، مثل الخصوصية والأمن حين يتعارضان، فتتجسس الدولة في الغرب على الأفراد وتنتهك خصوصيتهم وحريتهم بحجة الحفاظ على الأمن. أو أن تحقق بعض القوانين قيمًا معينة وتناقضها قوانين أخرى تهدم هذه القيم، مثل تحقيق حرية التعبير وحماية حقوق المرء بالمحاكمة العادلة تتصادمان مع قانون الأدلة السرية في أمريكا، والذي يحرم المتهم من معرفة جريمته ومن الدفاع عن نفسه بحجة أن عرض أدلة جريمته يهدد الأمن القومي، فلا هو يعرفها ولا القاضي ولا يحق له الدفاع عن نفسه، فالقوانين تناقض المقاصد وتناقض بعضها بعضًا، وهذا التناقض جذري10 ينسف أوله آخره11، وليس بالتناقض العرضي الذي يحل إشكاله).
يمكننا أن نلخص بعض المقاصد والغايات التي يقوم التشريع بمراعاة تحقيقها بغية تنظيم علاقات الإنسان بنفسه وبغيره وبالمجتمع وبالدولة، وفق قواعد معيارية ملزمة تحقق التوازن والتناسق بين المصالح المختلفة لأفراد المجتمع؛ إذ إن غاية التشريع أو التقنين العامة في جميع القوانين وفي كل زمان ومكان: إيجاد تنظيم لمختلف العلاقات التشريعية أو القانونية بصفة دائمة ومستمرة، بغية حصول العدالة بين أفراد المجتمع الذين ما جاء ذلك القانون إِلّا لتنظيم حياتهم وضبط سلوكهم بسلطة الدولة لضمان استقرار اجتماعهم.
ولا شك أن تقلُّب القوانين من النقيض إلى النقيض لن يحقق الاستقرار ولا العدالة، فمثلًا
9 من ضمن القيم التي تقوم عليها الديمقراطية وتتوقف الديمقراطية عليها وجودًا وعدمًا: أولها: تحكيم رأي الأغلبية في المجتمع، ومنع تركز السلطات بيد الأقلية، أو استغلالها، وتمثيل السلطات لرأي الشعب، وهذه القيم الثلاث يستحيل تحقيقها في الواقع، والنظام الغربي كله قائم على تمازج وتداخل السلطات وتركيزها بيد الأحزاب الحاكمة، والتشريعات يقوم بها قلة من فقهاء القانون والقضاة، ولا يرجع إلى الشعب إلا في أقل القليل منها، وقد فصلنا في ذلك تفصيلًا كثيرًا في الكتاب مما أثبت أن الديمقراطية فلسفة خيالية يستحيل أن توجد في أرض الواقع!
10 حين أراد حزب المحافظين في كندا تمرير قانون الأدلة السرية، كان يواجه مقاومة شديدة في البرلمان لفظاعة شكل القانون، فقام الحزب بزراعة عميل وسط شباب مسلمين، حاول إقناعهم بالقيام بأعمال إرهابية، ولفق لهم تهمًا إرهابية بأنهم كانوا يريدون تفجير البرلمان ومقرات الدولة، وثارت ضجة إعلامية كبيرة الأصداء، فلما جاء يوم التصويت لم يجرؤ على معارضة القانون أحد، ومرَّ القانون، ثم دارت الأيام ولم تثبت التهم والقضايا على أي من المتهمين، ولم يراجع أحدٌ أحدًا بتسلسل الأحداث، وأضحى القانون قانونًا!
11 فحين تتجسس الدولة على قلة يهددون الأمن -بزعمهم- ثم تستمرئ الأمر فتسحب التجسس ليعم الناس كلهم بالتجسس الإلكتروني الذي يحصي على الجميع أنفاسهم وخطواتهم وتفكيرهم ورغائبهم وطبائعهم، لاستعمال هذا كله لتباع المعلومات للأحزاب السياسية، وللمسوِّقين للسلع، وأصحاب رأس المال، وللأجهزة الأمنية، فإن الخصوصية قد ذهبت بغير رجعة، فالقانون الثاني نسف الأول بلا رحمة!

حين يجرِّمُ القانون الاتجار بالقنب الهندي ويحكم على التاجر بالعقوبة، ثم يتغير ليقنن هذه التجارة فتصبح على ناصية كل شارع، فإن عقوبته الأولى اعتداء إذا ما نظر إليها مع التقنين الجديد، ثم إذا ما انقلب إلى النقيض ثانية فإنه يكون قد أوقع المجتمع في أذى صحي واقتصادي وأخلاقي بالغ الضرر، لا مجال لإصلاحه؛ لذلك لا يصح أن يكون المجتمع «حقل تجارب للمتشرعين»، ولا يمكن أن يحقق القانون المتقلب أي عدالة في المجتمع أو أي استقرار لعلاقاته.
ويقوم الفقيه أو المجتهد أو القاضي أو القانوني بدراسة الواقع المراد الحكم عليه، ومن ثم يدرس النصوص الشرعية أو القانونية (الدستورية) المتعلقة بذلك الواقع، وينزل الحكم على الواقع، وخلال ذلك يقوم باستحضار تلك المقاصد، وتذكر عللها ومناطاتها وحِكَمها حين استنباط الحكم!
فالغاية من هذا التشريع هو تحقيق مقاصد معينة12 من جملتها: وضع معالجات صحيحة للمشاكل، وإحقاق الحق، والعدل والإنصاف، ومنع الظلم، والقيام بالفعل الأصلح الذي يشبع الغريزة والحاجة العضوية إشباعًا صحيحًا، والذي يَصلحُ للناسِ ويُصلِحُهُمْ، ويطيقونه، ويرفع عنهم الحرج، ويقيم المجتمع على أسس معينة تتكامل فيها أنظمة الحياة والدولة، ويراعي المقاصد الثمانية13 الضرورية للإنسان وهي: حفظ النفس والمال والدين والعقل والنسل، وحفظ الدولة، وحفظ الأمن، وحفظ الكرامة الإنسانية، وقد يضاف إليها (على خلاف14) جلب المصالح، ودرء المفاسد15، وقد يضيف أصحاب القوانين الوضعية16 إلى هذه تحقيق ما يسمى بحقوق الإنسان، والحق في المساواة وغيرها من المقاصد.
12 يراجع فصل مقاصد الشريعة في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث أصول الفقه للعلامة تقي الدين النبهاني رحمه الله، ففيه تفصيلات لفهم ما نعنيه بمقاصد الشريعة وضوابط يصعب حصرها هنا حتى يفهم سياق كلامنا في ضوء تلك الضوابط.
13 استنبط الإمام الجويني وتلميذه الإمام الغزالي من الشافعية مقاصد الشريعة، وتابعهما الإمام الشاطبي فتحددت خمسة مقاصد ضرورية: هي حفظ النفس والمال والدين والعقل والنسل، وأضاف لها الإمام تقي الدين النبهاني مقصد حفظ الأمن، ومقصد حفظ الدولة، ومقصد حفظ الكرامة الإنسانية، باستنباطها من خلال تشديد العقوبة على مقترف جريمة تمس بها شرعًا، فالخارج على الدولة بالسلاح يقاتل، ومن يشق عصا الطاعة ويبايع خليفة ثانيًا يقتل، وغيرها من الأحكام والتفصيلات يراجع فيها كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث، فأضحت المقاصد الضرورية ثمانية.
14 يراجع في كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث أصول الفقه للعلامة تقي الدين النبهاني رحمه الله، فصل: جلب المصالح ودرء المفاسد ليسا علة للشريعة بوصفها كلًا، ولا علة لأي حكم بعينه، ففيه تفصيل ممتع مهم.

15 وذلك لأنّ جلب المصالح ودرء المفاسد ليسا علة للأحكام الشرعية مطلقًا، فإنه لم يرد أي نص يدل على أن جلب المصالح ودرء المفاسد علة للأحكام الشرعية، ولا ورد أي نص يدل على أنّها علة لحكم معين، فلا تكون علة شرعية. خصوصًا وأن المصالح والمفاسد على الحقيقة مجهولان للإنسان، فيظن في أمر مصلحة وفيه ضرر والعكس، وبالتالي فالحكم على تقدير المصالح عقلًا يتفاوت، مما يجعل المصلحة بحد ذاتها تابعة للحكم الشرعي ولا يُجعل الحكم الشرعي تابعًا لها. وقولنا هذا لا يعني أن الشرع جاء ليضر بالخلق؛ ولكن المصلحة الحقيقية والصلاح الذي هو مدار الشرع لا يكون بما تقدره العقول مصلحة؛ ولكن بترك تقدير المصلحة إلى الله وحيثما شرعه فثم الصلاح والمصلحة.
16 ومن المعلوم أن الشارع لم يضع القانون عبثًا واعتباطًا، وإنما ابتغى هدفًا مرادًا من ورائه، وحِكَمًا باعثة عليه، وأسبابًا ومقاصد دافعة إليه، غير أن عناية فقهاء القانون الوضعي بمقاصد نصوصهم التشريعية أقل بكثير مما هو عند أهل الشريعة الإسلامية؛ وذلك لأن الداعي الذي قام عند فقهاء الشريعة لم يقم عند أهل القانون، وبيان ذلك أن التشريع الوضعي قابلٌ للتعديل والتغيير باستمرار، فليس بحاجة ماسَّة إلى نظرة مقاصدية، تستخرج منه الحِكَم والغايات المصلحية المقصودة منه، بل هذه الحكم والغايات نفسها عندهم تتغير من آن لآن، فما بالك بالتفصيلات القانونية؟ أنظر: مقاصد القانون الوضعي في ضــوء مقاصد الشريعة الإسلامية، بقلم د. عليان بوزيان منشور في العدد 150 من مجلة المسلم المعاصر. نقلًا عن: د. محمد سليم العوا، فكرة المقاصد في التشريع الوضعي – مقاصد الشريعة وقضايا العصر-، منشورات مؤسسة الفرقان للتراث الثقافي، ط1، 2011، ص 271.

وحين ننظر إلى التشريعات الجنائية، فإننا سنجد أن الأصل فيها تحقيق عقوبات وفاقًا للجرائم، رادعة عن ارتكابها، وجابرة للذنب (ديات، تعويضات، أرش،… إلخ)، لتزجر المجتمع عن ارتكاب الجريمة، ولتجبر ذنب المذنب، وتعوض المجني عليه بما يكافئ خسارته، وتحفظ الحق العام!.
وحين ننظر إلى مجموعة القوانين الناظمة لعلاقات المجتمع، لا بد من أن نجد التكامل فيها، وأن يظهر فيها البُعد المجتمعي، فمثلًا في الإسلام تجد قوانين وتشريعات تفضي إلى تحقيق التكافل الاجتماعي، فقد أحاطت القوانين والأحكام الأمر من جميع جوانبه للتأسيس لنظام مجتمعي قائم على التكافل الاجتماعي! على صعيد الفرد والأسرة والحي والمجتمع والدولة، وأسست ذلك على أساس من المسؤولية في الدنيا والمحاسبة في الآخرة، من ذلك مسؤوليات الفرد عن رعاية الوالدين والمسنين، ومسؤولية الحي عن إطعام الجائع، وكفالة الأيتام، ورعاية حق الجار، والضيف وعابر السبيل، ومسؤولية الدولة الرعوية لضمان الحاجات الأساسية للرعية حين عدم قدرتهم على تحقيقها، وما إلى ذلك، ورفدته بالقوانين اللازمة لتحقيقه كنظام الزكاة، والكفارات، والصدقات، وإسعاف المحتاج، وإغاثة الملهوف، والوقف، والوصية، والعارية، وغيره، فأين تجد هذا في التشريعات الغربية؟ نعم أبدعوا في التشريعات المتعلقة بالمال، والأنظمة الضريبية، وما شابه؛ إلا أنهم حين أتى الأمر على التشريعات المجتمعية التي تؤسس لبناء مجتمعات متكافلة متضامنة متعاونة لم تنبس قوانينهم ببنت شفة! وما ذلك إلا لأن طبيعة نظامهم رأسمالي بحت! فردي17 محض18!
والاهتمام بمقاصد القانون وفهمها، وتجانسها مع عقيدة الأمة، والإحساس بقدرتها على بسط العدالة في المجتمع، وإحقاق الحقوق تساهم في احترامها طواعية انطلاقًا من قوة الوازع وليس خوفًا من الرادع!
لقد قامت الولايات المتحدة في مطلع ثلاثينات القرن المنصرم بإصدار قانون صارم يحرم الخمر، وفرضت العقوبات الصارمة عليها، ولم يزدد المجتمع الأمريكي في الخمر إلا ولوعًا، مع كل الدراسات التي قدمت والتي تبيَّن مضارها، وكذا حصل في الاتحاد السوفياتي أيام غورباتشوف، فكانت تجربته أشد فشلًا، ولم تتغير قناعات الناس حول الخمر، بينما ترى أن 1.6 مليار مسلم يمتنعون عن الخمر طواعية

17 إذ إن الديمقراطية تستمد نظرتها للمجتمع من أفكار المدرسة الليبرالية لتحقيق الحريات، تلك المدرسة التي يعد جون لوك، وجون ستيورات مل، وآدم سميث وديفيد هوم من أبرز مفكريها، رغم اختلاف وجهات النظر بينهم، فإن عددًا من الأمور المشتركة بينهم مثل النظرة الفردية للإنسان، والتي تجعل الفرد وحدة مستقلة قائمة بذاتها، تتصل بغيرها لتحقيق مصالحها الذاتية، ومن ثم فالفرد يمثل غاية البناء الاجتماعي…. كما أن الإنسان وفقًا لهذه النظرية يمتلك حقوقًا طبيعية منحت له لطبيعته الإنسانية، بمعزل عن الدولة أو المجتمع، أضف إلى ذلك أن النظرة الليبرالية للإنسان تبنى على ما يسمى بانعدام القيم المشتركة، فلا توجد وحدة اجتماعية تحدد القيم الاجتماعية أو السلوك المقبول اجتماعيًّا من قبل الأفراد، فالنظرة إلى المجتمع غائبة في الفكر الليبرالي (ديفيد أنجرسول الشيوعية، الفاشية والديمقراطية ص 128-129).
18 لا يعرف الجار اسم جاره ولا يُعنى عابر الطريق بخلافٍ شبَّ بين اثنين فتصارعا!
جراء وجود مفاهيم العقيدة لديهم والتي تحرِّمُها مع بعض الشوَّاذ القليلين عن القاعدة، مما ينبيك أن أكبر مؤثر على السلوك هو الوازع والدافع المنبثق عن المفاهيم عن الحياة.
فكما ترى، سنجد أول عقبة تواجه البشر حين التشريع أن الغايات التي يراد تحقيقها من سن القوانين مختلف فيها، وفي طبيعتها، وفي تفسيرها وفي كيفية تحقيقها، وفي التعامل مع الترجيح بين تلك القيم حين اصطدام القوانين بها فتخدم بعضها وتتعارض مع بعض19!، (مثلا: الخصوصية- الأمن) وإمكانية مراعاتها حين سن قوانين كثيرة ينقض أعلاها أسفلها، وأولها آخرها، فهذه أول عقبة كَأْدَاء تكرس عدم قدرة الإنسان على التشريع الصحيح!.
وكما ترى، فإن المشرِّع الغربي اصطدم بواقع دوام تطور المجتمع وتغيُّر نظرته، وتغيُّر ما يسمى بالمصالح العامة وفقًا لذلك، ودور الإعلام في تكريس قيم معينة كانت ممنوعة زمنًا ثم شاء من شاء من المتنفذين تغيير نظرة المجتمع لها (كمثال: نظرة المجتمع لحقوق الشوَّاذ، وكمثال: نظرة المجتمع للمخدرات واستعمال القنب الهندي كانت محرمة قانونًا، والآن أضحت قانونية)، وهذا جعلهم لا يلقون بالًا كثيرًا إلى تكريس النظرة المقاصدية، وإلى وضع التعريفات الدقيقة لكل مقصد بعينه، وكيفية مراعاته، فالمقاصد نفسها عندهم قابلة للتغيير، (وأغلب مقاصدهم أخذوها من الشريعة الإسلامية20) فكيف بالقوانين التي تخدم تلك المقاصد!.
إن عدم وضوح الغاية الأساسية لوضع القوانين عند الغربيين، سيؤدي حتمًا إلى استغلال القانون استغلالًا سيئًا يفقده مصداقيته

19 تهدف التشريعات والقوانين الناظمة لعلاقات المجتمع لتحقيق قيم معينة يضعها المفكرون أو المشرعون، وقد تصطدم هذه القيم برغائب السياسيين وأصحاب رأس المال، فتظهر فورًا لديهم مشاكل تظهر قصور نظرتهم الْقِيَمِيَّةِ، ونظرتهم التشريعية فتضرب التشريعاتُ القيمَ، وتضرب وقائع حياة الناس تلك القيم المثالية الهلامية، فتستحدث الدولة من الثنائيات حول إشكاليات تناقض = القيم مع التشريعات مع واقع الحياة في تلك المجتمعات! لتضرب بها تلك القيم أو لتجعل الدولة لنفسها ذريعة في الحد من تلك القيم وتحجيمها ومحاكمة من يؤمن بها! من ذلك مثلًا: اصطدمت الدول الغربية الحديثة بهذه الثنائيات التي أجهزت على البقية الباقية من مقاصد التشريع لديهم ومع قيم حضارتهم: ثنائية: الحرية – الأمن، ثنائية: الخصوصية – الأمن، فتتدخل الدولة وأجهزتها الأمنية في خصوصيات الناس وتتجسس عليهم بكل السبل الإلكترونية بحجة الحفاظ على الأمن! فأخذت الأنظمة الغربية تشرع قوانين تزيد من سلطة الدولة في مراقبة الأفراد والحد من حرياتهم وخصوصياتهم، مظنة إفسادهم في المجتمعات وتعديهم على الأمن العام والصالح العام، واحتجَّ الناس على الدولة بأنها تتجسس عليهم، ثنائية: تدخل الدولة في السوق – منع تدخلها، ثنائية: حرية التعبير – القذف! فإن لم يرُقْ لهم التعبير قالوا عنه أنه تجاوز حرية التعبير إلى القذف، ثنائية: حرية التعبير- خطاب الكراهية، فما أسهل أن يحاكم الرأي الذي ظن صاحبه أنه من باب حرية الرأي المكفولة إلى خانة الحض على الكراهية، فيكون سببًا في سجنه، ومعلوم أن تعريفات الكراهية والقذف وما أشبه تعريفات هلامية يسهل تغييرها ووضع أي رأي تحتها ليسهل محاكمة قائله وهكذا، حرية التعبير- نشر الأباطيل والمعلومات المضللة(misinformation) وفي حين أن بعض المعلومات يسهل معرفة أنها أباطيل؛ إلا أن ذلك يصعب في كثير من الأحيان، ولكنهم يسهل عليهم أن يمنعوا رأيًا أو مقالة أو حتى يعاقبوا قائلها بحجة أنها معلومات مضللة، بل زادوا على ذلك، وتغوَّلت شركات التواصل الاجتماعي فأضحت هي «الرقيب» الذي يحدد أن هذا الرأي يصلح للنشر أو الشطب والمعاقبة، وتوسَّعت صلاحياتها بشكل مخيف! فأصبحت «دولة داخل الدولة»، لا تكتفي بدور الرقيب، بل تتجسس على رغائب الناس لأغراضها التجارية والسياسية، فتبيع معلوماتهم، أو تقبض الأموال الهائلة مقابل ترويج السلع التي تجسَّست عليهم لتعرف أنهم يرغبون فيها!. كذلك، بعد عقد اتفاقيات حرية التبادل التجاري، أرادت أمريكا التضييق على صناعات الصلب والألومنيوم ففرضت عليها رسومًا باهظة حين تستوردها من الغير، بحجة تعارضها مع الأمن القومي، ثنائية: حرية التبادل التجاري – الأمن القومي! وهكذا تتعارض القيم التي يراد لها أن تكون مرجعية للقانون مع القوانين ومع أنظمة المجتمع! وتستعمل القيم وتأويلاتها من قبل الدولة بشكل يسمح لها أن تحاكم الأفراد والهيئات على ما لا يروق لها من تصرفاتهم!!

20 أنظر: مقاصد القانون الوضعي في ضــوء مقاصد الشريعة الإسلامية، بقلم د. عليان بوزيان العدد 150 من مجلة المسلم المعاصر.


وحياده في كثير من الأحيان؛ ولذلك فإن وضوح الغاية من القانون ومعرفة أبعادها يسلب الفرصة من الذين يمتلكون النفوذ والقوة في ترجمة القانون حسب منافعهم الذاتية21، فإذا كانت الغايات نفسها ملساء متقلبة متغيرة، والتعريفات هلامية غير منضبطة، فإن الخرق في استغلال القوانين سيتسع على الراتق حتمًا!
وإذا لم يقم المجتمع على أساس من التكافل والتراحم والتوادِّ والمسؤولية عن الغير، فإن هذا كله لن يتحقق بتشريع قوانين، بل بتأسيس فكرٍ وقيامه على مبدأ، ولكن المبدأ العلماني لا يعنيه شيء من هذا! فأين ستجد الالتفات لتشريع مثل هذه القوانين من قبل المشرعين إذا كان المبدأ نفسه يغفلها؟ قطعًا لن يلتفتوا لشيء منها! فأي خسارة للإنسان أعظم وأفدح! وأية فجوة عظيمة وفرق شاسع بين الإسلام وصلاحيته وحسن معالجاته، وبين العلمانية وقصورها وفرديتها وفشلها التشريعي والفكري!.
مقاييس لا بد منها قبل الإجابة على السؤال: لمن الحق بالتشريع؟

فما هي المقاييس التي ينبغي توفرها للحُكم على نتيجة التشريع بالصحة أو الخطأ؟ بالصلاح أو الفساد؟ لعل أكثر قيمة يمكن الاتفاق عليها أساسًا للملك (أي الحكم) هي العدل، فلا بد للقوانين من أن تضمن تحقيق العدل وأن يكون الناس سواسية أمام القانون؛ لذلك سنناقش أمثلة تبحث في قدرة القوانين على تحقيق قيمة العدل أو عدم قدرتها كمقياس أساس (وسنختار من القوانين ما يتعلق بقيمة العدل ونرى انطباق القيمة على القانون، وسننظر أيضًا حيث نحتاج إلى قيم أخرى متعلقة بالقانون وننظر في مراعاتها وتحقيقها):
أولًا: قدرة المشرع على ضمان تحقيق الغايات من التشريع صالحة لكل إنسان في كل زمان ومكان (الثبات في القوانين والمعالجات وقدرتها على حل المشاكل حلًّا صحيحًا دقيقًا منطبقًا على الواقع محققًا المناط).
وحين نقول: صالحة لكل زمان ومكان، فلو أخذنا مثلًا أننا أمام تشريعٍ ينظم العلاقة بين الذكر والأنثى، وحيث إن إشباع هذا المظهر من غريزة حفظ النوع قد يكون بإحدى أربع طرق: إما بالإشباع الطبيعي (الزواج)، أو الإشباع الخطأ (الزنى) أو الإشباع الشاذ (الشذوذ الجنسي) أو عدم الإشباع بالمرة. وقد كانت الدول الغربية تحرم العلاقة المثلية وتنبذها حتى سنوات قليلة جدًّا مضت، وجلُّ الشرائع والقوانين البشرية حاربت هذه العلاقة حربًا لا هوادة فيها، والآن تراجعت كثير من تلك القوانين عن تجريم هذه العلاقة ومنع «الزواج» بناء عليها، فلنضع الفَرَض التالي: لو كان هذا الإشباع صحيحًا، يحقق القيم والمقاصد القانونية المذكورة أعلاه، فيكون فقهاء القانون قد حرموا شطرًا
21  أنظر: مقاصد القانون الوضعي في ضــوء مقاصد الشريعة الإسلامية، بقلم د. عليان بوزيان العدد 150 من مجلة المسلم المعاصر.
من الناس من ممارسة حقوقهم زمنًا طويلًا، ثم تبين لهم خطؤهم، ولا سبيل لتدارك خطئهم في حق من مات أو قاسى أو عاش ردحًا من حياته منبوذًا بسبب نظرة القوانين إليه كمجرم والمجتمع إليه كمنبوذ!
ثم لو تبين بعد حين من قوننته أنه سبب الأمراض الجنسية الخطيرة، وأن دوافعهم لتحليله كانت قائمة على أسس خاطئة22 علميًّا ومزيفة، وآثاره على المجتمع مدمرة، وأنها علاقة مذمومة قبيحة بهيمية، فإنهم لن يستطيعوا إصلاح نتائج خطأ قوانينهم في الفترة التي أباحوا هذه العلاقة فيها، وهكذا، فإن القوانين يجب أن تكون صحيحة في كل زمان ومكان، وأن لا يكون الإنسان والمجتمع ساحة للتجارب! فهذا أبعد ما يكون عن تحقيق قيم العدل وفعل الأصلح! أين المساواة أمام القانون بين من مُنِعَهَا ومن قُنِّنَتْ له؟
فالسؤال هو: ما هي الضوابط التي على أساسها ندرك أن هذا الفعل صالح أو غير صالح؟ والجواب على هذه الأسئلة يتضمن دراسة المحددات والسمات الضامنة لصلاح التشريع المتعلقة بالمتشرع والمتعلقة بالحكم والمتعلقة بنتائجه المجتمعية والفردية!
أما الثبات في القوانين المسنونة، فآتٍ من الزاوية التي تنظر فيها للمشاكل، ففي حين إن الزاوية التي ينظر فيها المتشرع الغربي للمشاكل هي زاوية تحقيق الحرية، أو زاوية المصلحة والمنفعة، وهي زوايا بالغة التقلُّب وعرضة للتفسيرات، نجد أن الإسلام جاء بمعالجات للأفعال، على اعتبار أن الإنسان يقوم بسلوكٍ يشبع فيه غريزة أو حاجة عضوية، فيضع له الضوابط لذلك الإشباع، ويضع له الحكم لذلك الفعل، فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، سيشبع غريزة النوع بإحدى الطرق الأربع المذكورة، فيضع الإسلام له التصوُّر الصحيح للإشباع صالحًا لكل زمان ومكان، ثابتًا لا يتغير، صحيحًا منطبقًا على المشكلة، أما المشرع الغربي، فإن الزوايا التي ينظر من خلالها للمشكلة متعددة، ومتغيرة، فمثلًا: قد ينظر من زاوية تحقيق الحريات، فمن أراد أن يزني فله ذلك، ومن أراد أن يشذَّ له ذلك طالما يفعله باجتماع إرادة الطرفين، وهذه الزاوية شديدة الخطورة، اُنظر الإحصائيات التي سنوردها في فصل: (هدم العلاقات الأسرية من أجل تفكيك المجتمعات لتسيطر الرأسمالية النيوليبرالية عليها)، كذلك لو أنك طبقت الزاوية نفسها (أي تحقيق الحرية) على مشكلة المخدرات، ستقع في إشكال ضخم!، ولو طبقتها على القتل لوقعت في نتائج كارثية، وحين تطبقها على مراعاة الحرية الشخصية في اقتناء الأسلحة نتج عنها سبعة آلاف وسبعمائة وستة جرحى وألفين

22 اُنظر على اليوتيوب: الدكتور إياد قنيبي، رحلة اليقين، الحلقة 11 تزييف العلم – الشذوذ الجنسي مثالًا.

وخمسمائة وأربعة وتسعين قتيلًا بإطلاق النار في الولايات المتحدة ما بين يناير 2013م ومارس 2018م،32فأين الضوابط؟ ومتى تستعمل تلك الزاوية (الحرية) ومتى لا تستعمل؟ لا شيء غير الأهواء!
لهذه الأسباب، ولغيرها الكثير، يتبين بكل وضوح أن التشريع لا بد أن يكون لله، لا للهوى، ولا للإنسان. [انتهى]

23 https://www.massshootingtracker.org/data/all والإحصائيات تفيد بأن الشرطة الأمريكية قتلت وجرحت أكثر من خمسة وخمسين ألف شخص في عام واحد في العام 2012م، وهذا نتاج الثقافة العنصرية الموجهة ضد السود، ونتاج التمزق في المجتمع الأمريكي. قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن عدد الهجمات المسلحة التي أدت إلى قتل جماعي في الولايات المتحدة كان مرتفعًا جدًا هذا العام. وعرفت حوادث القتل الجماعي هذه بكونها الهجمات المسلحة التي سقط فيها على الأقل أربعة جرحى أو قتلى، واستثنت من هذه الإحصاءات الهجمات التي سقط فيها ضحايا أقل من هذا العدد. وقالت لوموند إن مجموع القتلى في هجمات القتل الجماعي هذه بلغ حتى الآن 454، ومجموع الجرحى 1401. وأشارت إلى أنه خلال الأيام الـ 238 الأولى من هذا العام كانت أطول فترة مرت على الولايات المتحدة دون هجوم مسلح هي أربعة أيام، وكانت في مارس/آذار. وأضافت الصحيفة أن الهجوم -الذي وقع في ساعة متأخرة أول أمس الأربعاء في لوس أنجلوس وقتل فيه 12 شخصًا إضافة لمنفذ الهجوم- كان هو الهجوم رقم 374 منذ يناير/كانون الثاني الماضي.

كان معدل الهجمات عام 2018م هو 1.20 هجوم مسلح في اليوم. عام 2016م، كان المعدل 1.30 هجوم يوميًا. في 21 أغسطس/آب 2017م، وقعت ثماني هجمات مسلحة في يوم واحد. الجزيرة: في 9/11/2018م: أميركا عام 2018… عملية قتل جماعي كل أربعة أيام، سي بي سي الكندية: حين تبحث في محرك البحث عن عدد جرائم القتل في أمريكا تجد أن أمريكيًّا يقتل بالسلاح كل 17 دقيقة، ومن كل ألف أمريكي يوجد تسعة في السجون، وفي كل سنة حوالى 100 ألف أمريكي يتعرضون للضرب بالرصاص، وفي كل يوم يتعرض 289 شخصًا في المعدل لإطلاق النار، يموت منهم يوميا 89 شخصًا، وينتحر 53 شخصًا يوميًّا، لكنك لو بحثت عن عدد المقتولين على يد الشرطة الأمريكية يوميًّا لوجدت أنه لا يوجد إحصائيات رسمية البتة، وقد قام بعض الصحفيين بالبحث على مدار سنوات لتجد الحصيلة التالية: في العام 2014م، قُتل على يد الشرطة الأمريكية 1143 شخصًا، وفي العام 2013م، قضى 1029 أمريكيًّا على يد الشرطة الأمريكية، وحين البحث في تلك الحالات تجد الغالبية الساحقة منهم فقراء أو ذوي بشرة سوداء، أو مختلين عقليًّا (30% تقريبًا من المختلين) وبعض تلك الحالات هي من النوع المستحيل، مثل أن يكون الشخص في سيارة شرطة موثق اليدين، ومن ثم تدعي الشرطة بأنه أطلق الرصاص على رأس نفسه، وبالأمس القريب رصدت كاميرات المواطنين في الشارع شرطيًّا يطلق 8 رصاصات على مواطن أعزل يفر هاربًا منه وليس لديه أي سلاح، من السهل فهم كيف يقتل رجال الشرطة الأمريكان يوميًّا 3 أمريكان، وكيف يقتل الأمريكيون بعضهم بعضًا يوميًّا بأرقام فلكية، وكيف تغصُّ السجون بالمجرمين القتلة، إنها العلمانية، تفرغ الإنسان من كل قيمة إلا قيمة العبودية للسيد الرأسمالي، فإذا ما خلا من كل قيمة ركز كل جهده في الإنتاج وربط ذلك الإنتاج بدفع الفواتير، ومع ارتفاع نسبة الضغط النفسي والأمراض العصبية، وسهولة الحصول على السلاح (لأنه أيضًا تجارة تدرُّ الربح الفلكي على سيد رأسمالي لديه تجارة سلاح، ويجند الكونغرس الأمريكي نفسه لمنع تقنين تلك التجارة أو منعها) فإنه من السهل أن نفهم كل تلك الجرائم، ومن السهل أيضًا الحكم على هذه الحضارة بالفشل والتردي والانحطاط والإيذان بالأفول.
إنه لا ملجأ للبشرية ولا منجى إلا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لتنقل البشرية من ظلمات العلمانية إلى نور الإسلام، ومن دركات الديمقراطية إلى عُلى الشورى، ومن انحدار البشرية لأدنى من البهائم مكانةً إلى درجة يرقى فيها البشر على سائر المخلوقات. الخلافة هي أمل الإنسانية في الخروج من أتون ونفق الظلم والانفلات والانحلال والقيم الرخيصة التي نتجت عن الحضارة الغربية الرأسمالية العلمانية الليبرالية الديمقراطية، ونمط المعيشة الإسلامي هو وحده القادر على حفظ الأسر وحفظ النفوس وردع المجرمين، وإقامة العدل وإحقاق الحق.
  المنتدى: كتب و شخصيات · مشاهدة الموضوع: #31084 · الردود: 0 · المشاهدات: 5,233

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 30 2023, 07:01 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



(وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ… )

مجلة الوعي

(وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ قُلۡ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلۡهُدَىٰۗ وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ ١٢٠ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٢١ يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٢٢ وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ١٢٣) [البقرة: 120-123].

جاء في خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي (رحمه الله):
كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدخل لؤم وكيد فيقولون هادنا، أي قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا. يريد الله تبارك وتعالى أن يقطع على اليهود سبيل الكيد والمكر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك، وإنما هم يريدون أن تتبع أنت ملتهم، أنت تريد أن يكونوا معك وهم يطمعون أن تكون معهم.. فقال الله سبحانه: (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ… )
نلاحظ هنا تكرار النفي؛ وذلك حتى نفهم أن رضا اليهود غير رضا النصارى. ولو قال الحق تبارك وتعالى: ولن ترضى عنك اليهود والنصارى بدون (لا) لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضا واحد أو متفقون؛ ولكنهم مختلفون بدليل أن الله تعالى قال: (وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ لَيۡسَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَىٰ لَيۡسَتِ ٱلۡيَهُودُ عَلَىٰ شَيۡءٖ) [البقرة: 113]؛ إذًا، فلا يصح أن يقال فلن ترضى عنك اليهود والنصارى. والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن ترضى عنك اليهود ولن ترضى عنك النصارى، وإنك لو صادفت رضا اليهود فلن ترضى عنك النصارى، وإن صادفت رضا النصارى فلن ترضى عنك اليهود.

ثم يقول الحق سبحانه: (حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ). والملة هي الدين، وسُمِّيت بالملة لأنك تميل إليها حتى ولو كانت باطلًا. والله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ٣ وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٞ مَّا عَبَدتُّمۡ٤ وَلَآ أَنتُمۡ عَٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ ٥ لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِيَ دِينِ ٦) [الكافرون: 3-6] فجعل لهم دينًا وهم كافرون ومشركون؛ ولكن ما الذي يعصمنا من أن نتبع ملة اليهود أو ملة النصارى. الحق جل جلاله يقول: (قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ) [آل عمران: 73]. فاليهود حرَّفوا في ملتهم، والنصارى حرَّفوا فيها. ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معه هدى الله، والهدى هو ما يوصلك إلى الغاية من أقصر طريق، أو هو الطريق المستقيم باعتباره أقصر الطرق إلى الغاية. وهدى الله طريق واحد، أما هدى البشر فكل واحد له هدى ينبع من هواه؛ ومن هنا فإنها طرق متشعبة ومتعددة توصلك إلى الضلال؛ ولكن الهدى الذي يوصل للحق هو هدى واحد، هدى الله عز وجل.
وقوله تعالى: (وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم) إشارة من الله سبحانه وتعالى إلى أن ملة اليهود وملة النصارى أهواء بشرية. والأهواء جمع هوى.، والهوى هو ما تريده النفس باطلًا بعيدًا عن الحق؛ لذلك يقول الله جل جلاله: (وَلَئِنِ ٱتَّبَعۡتَ أَهۡوَآءَهُم بَعۡدَ ٱلَّذِي جَآءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيّٖ وَلَا نَصِيرٍ). والله تبارك وتعالى يقول لرسوله لو اتبعت الطريق المعوج المليء بالشهوات بغير حق، سواء أكان طريق اليهود أم طريق النصارى، بعدما جاءك من الله من الهدى فليس لك من الله من ولي يتولى أمرك ويحفظك ولا نصير ينصرك.
وهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجب أن نقف معه وقفة لنتأمل كيف يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي اصطفاه. فالله حين يوجه هذا الخطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام، فالمراد به أمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتباع رسول الله الذين سيأتون من بعده.. وهم الذين يمكن أن تميل قلوبهم إلى اليهود والنصارى.. أما الرسول فقد عصمه الله من أن يتبعهم.

والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم يقينًا أن ما لم يقبله من رسوله عليه الصلاة والسلام، لا يمكن أن يقبله من أحد من أمته مهما علا شأنه؛ وذلك حتى لا يأتي بعد رسول الله من يدعي العلم ويقول نتبع ملة اليهود أو النصارى لنجذبهم إلينا، نقول له: لا ما لم يقبله الله من حبيبه ورسوله لا يقبله من أحد. إن ضرب المثل هنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقصود به أن اتِّباع ملة اليهود أو النصارى مرفوض تمامًا تحت أي ظرف من الظروف، لقد ضرب الله سبحانه المثل برسوله حتى يقطع على المغرضين أي طريق للعبث بهذا الدين بحجة التقارب مع اليهود والنصارى.

وقوله تعالىsad.gifٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ)بعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن اليهود والنصارى قد حرَّفوا كتبهم، أراد أن يبيِّن أن هناك من اليهود والنصارى من لم يحرِّفوا في كتبهم، وأن هؤلاء يؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام وبرسالته؛ لأنهم يعرفونه من التوراة والإنجيل. ولو أن الله سبحانه لم يذكر هذه الآية لقال الذين يقرؤون التوراة والإنجيل على حقيقتيهما… ويفكرون في الإيمان برسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لقالوا كيف تكون هذه الحملة على كل اليهود وكل النصارى ونحن نعتزم الإيمان بالإسلام..، وهذا ما يقال عنه قانون الاحتمال: أي أن هناك عددًا مهمًّا قل من اليهود أو النصارى يفكرون في اعتناق الإسلام باعتباره دين الحق، وقد كان هناك جماعة من اليهود عددهم أربعون قادمون من سيناء مع جعفر بن أبي طالب ليشهدوا أمام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم قرأوا التوراة غير المحرفة وآمنوا برسالته، وأراد الله أن يكرمهم ويكرم كل من سيؤمن من أهل الكتاب، فقال جل جلاله: (ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ) [البقرة: 121] أي يتلونه كما أنزل بغير تحريف ولا تبديل؛ فيعرفون الحقائق صافية غير مخلوطة بهوى البشر، ولا بالتحريف الذي هو نقل شيء من حق إلى باطل.
يقول الله تبارك وتعالى: (أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ).. ونلاحظ أن القرآن الكريم يأتي دائمًا بالمقارنة؛ ليكرم المؤمنين ويلقي الحسرة في نفوس المكذبين؛ لأن المقارنة دائمًا تظهر الفارق بين الشيئين. إن الله سبحانه يريد أن يعلم الذين آتاهم الله الكتاب فلم يحرفوه وآمنوا به؛ ليصلوا إلى النعمة التي ستقودهم إلى النعيم الأبدي، وهي نعمة الإسلام والإيمان مقابل الذين يحرفون التوراة والإنجيل، فمصيرهم الخسران المبين والخلود في النار.

وقوله تعالى: (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ١٢٢) [البقرة: 122]. لو رجعنا إلى ما قلناه عندما تعرضنا للآية (40) من سورة البقرة وقوله تعالى: (يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّٰيَ فَٱرۡهَبُونِ ٤٠) فالحق سبحانه وتعالى لم ينهِ الجولة مع بني إسرائيل قبل أن يذكرهم بما بدأهم به، إنه سبحانه لا ينهي الكلام معهم في هذه الجولة إلا بعد أن يذكرهم تذكيرًا نهائيًّا بنعمه عليهم وتفضيله لهم على كثير من خلقه، ومن أكبر مظاهر هذا التفضيل.. الآية الموجودة في التوراة تبشر بمحمد عليه الصلاة والسلام وذلك تفضيل كبير. التذكير بالنعمة هنا وبالفضل هو تقريع لبني إسرائيل أنهم لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أنه مذكور عندهم في التوراة.. وكان يجب أن يأخذوا هذا الذكر بقوة ويسارعوا للإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه تفضيل كبير من الله سبحانه وتعالى لهم.. والله جل جلاله قال حين أخذت اليهود الرجفة، وطلب موسى عليه السلام من ربه الرحمة، قال كما يروي لنا القرآن الكريم: (وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٗ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَآ إِلَيۡكَۚ قَالَ عَذَابِيٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنۡ أَشَآءُۖ وَرَحۡمَتِي وَسِعَتۡ كُلَّ شَيۡءٖۚ فَسَأَكۡتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِ‍َٔايَٰتِنَا يُؤۡمِنُونَ ١٥٦ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلۡأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكۡتُوبًا عِندَهُمۡ فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ يَأۡمُرُهُم بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَىٰهُمۡ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡخَبَٰٓئِثَ وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ١٥٧) [الأعراف: 156-157].
وقوله تعالى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ١٢٣) [البقرة: 123]. هذه الآية الكريمة تشابهت مع الآية 48 من سورة البقرة التي يقول فيها الله تبارك وتعالى: (وَٱتَّقُواْ يَوۡمٗا لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ ١٢٣)نقول إن هذا التشابه ظاهري.. ولكن كل آية تؤدي معنى مستقلًّا. ففي الآية 48 قال الحق سبحانه: (وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَةٞ وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡلٞ). وفي الآية التي نحن بصددها قال: (وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا عَدۡلٞ وَلَا تَنفَعُهَا شَفَٰعَةٞ) لماذا؟ لأن قوله تعالى: (لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡسٖ شَيۡ‍ٔٗا)… لو أردنا النفس الأولى فالسياق يناسبها في الآية الأولى، ولو أردنا النفس الثانية فالسياق يناسبها في الآية الثانية التي نحن بصددها، فكأن معنا نفسين إحداهما جازية والثانية مجزي عنها. والجازية هي التي تشفع، فأول شيء يقبل منها هو الشفاعة، فإن لم تقبل شفاعتها تقول أنا أتحمل العدل، أي أخذ الفدية أو ما يقابل الذنب؛ ولكن النفس المجزي عنها أول ما تقدم هو العدل أو الفداء، فإذا لم يقبل منها تبحث عن شفيع، ولقد تحدثنا عن ذلك بالتفصيل عند تعرضنا للآية 48 من سورة البقرة.
  المنتدى: كتب و شخصيات · مشاهدة الموضوع: #31083 · الردود: 0 · المشاهدات: 966

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 30 2023, 06:45 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



حنظلة بن أبي عامر… الصحابي الذي غسلته الملائكة يوم أحد
مجلة الوعي

من هو الصحابي حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه؟
وُلِد حنظلة لأبي عامر، الذي كان يسمى عمرو، أو ابن عمرو، وقد كان يُطلَق عليه اسم الراهب في زمن الجاهلية، وأمه هي الربابُ بنت مالك بن عَمرو بن عزيز بن مالك بن عَوف بن عَمرو بن عَوف… وكان أبوه دائم الحديث عن البعث ودين الحنيفية، وينتظر ظهور رسول مبعوث من رب العالمين، ويأخذ صفاته من الأحبار والرهبان، وعندما بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده أبو عامر وحقد عليه وبغى ورفض أن يعترف بمحمد رسولًا من عند الله… وفي مجلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو عامر، اتهمه الراهب بالكذب، والإنسان بالبهتان، وخلط دين الحنيفية بغيره، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتى بالدين نقيًّا، وأن الأمانة من صفاته التي أخبره الأحبار بها، فكذّب أبو عامر رسولنا الكريم، فقال له الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الكاذب يموت وحيدًا، وطريدًا، وأطلق عليه الرسول اسم «أبو عامر الفاسق». والتقى أبو عامر زعماء قريش أثناء هجرة الرسول الكريم، وحرَّضَهم هم وأهلهم على قتال الرسول الكريم ووعدهم بالوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم. مكث أبو عامر في مكة، وعندما فتحها المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام بالهرب إلى بلاد الروم، وتقبَّل الله دعواه على نفسه، فمات غريبًا، وحيدًا، طريدًا… ولكن ابنه حنظلة رضي الله عنه دخل في الإسلام مع قومه من الأنصار، أثناء هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يكن حنظلة رضي الله عنه راضيًا بما يفعله والده، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله؛ ولكن رسولنا الكريم أبى ومنعه من قتل أبيه… وقد نال حنظلة من الشرف ما لم ينله غيره… ويحكى عنه رضي الله عنه أنه كان في الطبقة الثانية للصحابة، وتقرَّب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخاه هو ، وشماس بن عثمان بن الرشيد المخزومي، وكانا رضي الله عنهما يقتربان يومًا بعد يوم من الرسول صلى الله عليه وسلم… تزوَّج حنظلة من جميلة بنت عبدالله بن أُبي بن سلول، ورُزِقا بولد، وهو عبدُالله بن حنظلة بن أبي عامر ، واستشهد يوم الحَرَّة.
استشهاد حنظلة رضي الله عنه في معركة أحد:
وَقَعَتْ غَزْوةُ أُحُدٍ في السَّنةِ الثَّالِثةِ مِنَ الهِجرةِ، وأُحُدٌ جَبَلٌ يَقَعُ بالمَدينةِ، في شَمالِيِّها الغَربيِّ، بيْنَه وبيْنَ المَدينةِ ثَلاثةُ أميالٍ، وقد أجمَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على الحَرْبِ خارِجَ المَدينةِ بَعدَ مَشورةِ أصحابِه، فعَسكَرَ عِندَ جَبَلِ أُحُدٍ، وجَعَلَ خَمسينَ راميًا فَوقَ الجَبَلِ، فلَمَّا الْتَقى الجَيشانِ انهَزَمَ المـُشرِكونَ في أوَّلِ الأمْرِ، فعِندَ ذلك طَمِعَ الرُّماةُ في الغَنيمةِ، وأسْرَعوا ليأخُذوها، فلَمَّا وَقَعَ ذلك منهم نَظَرَ خالِدُ بنُ الوَليدِ، وكان وقتَها في جيشِ المشركين قبْلَ أنْ يُسلِمَ، إلى مُؤخِّرةِ الجَيشِ، فرَأى الجَبَلَ خاليًا، ولم يَبْقَ عليه سِوى القَليلِ، فكَرَّ بخَيلِه عليهم، وهاجَمَ مُؤخِّرةَ الجَيشِ الإسلاميِّ، فارتَبَكَ الـمُسلِمونَ، وصارَ يَضرِبُ بَعضُهم بَعضًا، ووَقَعتِ الهَزيمةُ فيهم، فأُصيبَ منهم سَبعونَ شهيدًا.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُاللهِ بنُ الزُّبَيرِ عن بعضِ ما كانَ في تلك الغَزوةِ فيقولُ: «وقد كانَ الناسُ انهَزَموا عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، أي: فَرُّوا وابتَعَدوا عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «حتى انْتَهى بَعضُهم إلى دُونِ الأعراضِ، إلى جَبَلٍ بناحِيةِ المَدينةِ، ثمَّ رَجَعوا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد كانَ حَنظَلةُ بنُ أبي عامِرٍ الْتَقى هو وأبو سُفيانَ بنُ حَربٍ»، أي: تَقاتَلَا، «فلَمَّا استَعْلاه حَنظَلةُ» وأصبَحَ فَوقَ أبي سُفيانَ، «رآهُ شَدَّادُ بنُ الأسوَدِ» مِنَ الـمُشرِكينَ، «فعَلَاه شَدَّادٌ بالسَّيفِ حتى قَتَلَه»، أي: قَتَلَ شَدَّادٌ حَنظَلةَ؛ فنَجا أبو سُفيانَ «وقد كادَ» حَنظَلةُ «يَقتُلُ أبا سُفيانَ؛ فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ صاحِبَكم حَنظَلةَ تُغَسِّلُه المَلائِكةُ»، أي: تَقومُ على تَنظيفِه وتَغسيلِه، مع أنَّ الشَّهيدَ لا يُغَسَّلُ، «فسَلُوا صاحِبَتَه»، وهي زَوجَتُه جَميلةُ بِنتُ أُبَيٍّ بنِ سَلولَ، فسَأَلُوها؛ لِمَعرِفةِ حالِ حَنظَلةَ عِندَ خُروجِه لِلجِهادِ، وسَبَبِ تَغْسيلِ المَلائِكةِ له، «فقالت: خَرَجَ وهو جُنُبٌ»، أي: كانَ على صِفةِ الجَنابةِ، إشارةً إلى أنَّه خرَج للغَزْوِ والجهادِ سريعًا بعدَ جِماعِ زَوجتِه ولم يَتأخَّرْ حتى للغُسلِ مِن الجَنابةِ، وهي تُطلَقُ على كُلِّ مَن جامَعَ زَوجَتَه أو احتَلَمَ أو أنزَلَ المَنيَّ بشهوةٍ، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لاجتِنابِ صاحِبِها الصَّلاةَ والعِباداتِ حتَّى يَطهُرَ منها، «لَمَّا سَمِعَ الهائِعةَ»، وهي صَوتُ النِّداءِ لِلجِهادِ، «فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فذاكَ قد غَسَّلَتْه المَلائِكةُ»؛ فكَونُه كانَ جُنُبًا هو سَبَبُ تَغسيلِ المَلائِكةِ له، فكانَ يُقالُ له: الغَسيلُ. ولُقِّبَ في كتب السيرة النبوية بـ «غَسيلُ المَلائِكةِ». وكَفَى بهذا شَرَفًا.
بعد انتهاء غزوة أحد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم يتفقّد أحوال الجرحى والشهداء، فرأى كثيرًا من خيرة أصحابه قد فاضت أرواحهم في سبيل الله، منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وسعد بن الربيع، وأنس بن النضر، وحنظلة بن أبي عامر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. فلما رآهم صلى الله عليه وسلم قال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يُصَلِّ عليهم، ولم يُغَسَّلوا» رواه البخاري.قال الواقدي: «وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبدالله بن أبي ابن سلول، فأُدْخِلَت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحُد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلَّى بالصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها ثم أراد الخروج، وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد: لِمَ أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة، فأشهدت عليه أنه قد دخل بها»… وذكر السهيلي نقلًا عن الواقدي وغيره أن حنظلة رضي الله عنه بُحِثَ عنه في القتلى فوجدوه يقطر رأسه ماء، وليس بقربه ماء، تصديق لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبكُم تُغَسّله الملائكة، وتغسيل الملائكة لحنظلة رضي الله عنه هو من باب الفضل والكرامة له، قال المناوي: «وكفى (غسل الملائكة لحنظلة) بهذا شرف، وهذا لا تنافيه الأخبار الناهية عن غُسل الشهيد؛ لأن النهي وقع للمكلفين من بني آدم».
حنظلة رضي الله عنه مفخرة للأوْس:عن أنس رضي الله عنه قال: «افتخر الحيّان من الأنصار: الأوس والخزرج، فقالت الأوس: مِنَّا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب (حنظلة بن أبي عامر)، ومنّا من اهتز له عرش الرحمن: سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدّبر (النحل) عاصم بن ثابت بن أبي الأفلج، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، وقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل».
  المنتدى: كتب و شخصيات · مشاهدة الموضوع: #31082 · الردود: 0 · المشاهدات: 767

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 30 2023, 06:39 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



الهند تستحضر تجربة الاستعمار الاستيطاني (الإسرائيلي) في كشمير
مجلة الوعي

نشر موقع «ميدل إيست آي» البريطاني تقريرًا، سلط فيه الضوء على التعاون المتنامي بين الهند و(إسرائيل) في منطقة كشمير؛ بغرض تعميق وجود الهند في المنطقة المتنازع عليها، وتسريع مشروعها الاستعماري الاستيطاني، وستساعد (إسرائيل) من خلالها الهند على تحويل كشمير إلى فلسطين حقيقية. وفي الوقت الحالي، تقوم (إسرائيل) بمسح الأراضي تحت ستار الزراعة مباشرة على الحدود مع باكستان.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته عربي21، إن قرار الهند بدعوة المسؤولين (الإسرائيليين) إلى منطقة كشمير المتنازع عليها أثار القلق بين السكان المحليين والخبراء؛ حيث اتُّهمت نيودلهي بمحاولة استبدال الثقافة والجغرافيا الأصلية للمنطقة، فيما أعلنت الحكومة (الإسرائيلية) أنه سيتم بناء «مراكز التميُّز» التي تعمل على تسهيل نقل التكنولوجيا (الإسرائيلية) إلى المزارعين في كشميرالهندية، وستكون بمثابة نقطة التقاء للحكومة والأكاديميين والمزارعين للتعاون والتعلم من بعضهم البعض.
وأفاد الموقع بأن دبلوماسيًّا هنديًّا كبيرًا في نيويورك أخبر مجموعة من الهنود والهنود الكشميريين، منذ أشهر، أن الهند يجب أن تتبع نموذج الاستيطان (الإسرائيلي) في كشمير… وفي المقابل، أضاف الموقع أن التضامن مع الفلسطينيين يتعمق بين أهل كشمير؛ حيث يحمل السكان شعارات «غزة حرة» و«تحيا فلسطين» ويذكر أن العلاقات بين الهند و(إسرائيل) قد تعزَّزت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، خاصة منذ أن تولَّى رئيس الوزراء ناريندرا مودي منصبه؛ حيث تبلغ قيمة تجارة الأسلحة بين الدولتين أكثر من مليار دولار سنويًّا، وتُعدّ نيودلهي أكبر مشترٍ للأسلحة (الإسرائيلية) ومنتجًا مشاركًا لها.
وقال الموقع إن إلغاء المادة 370 والمادة 35 أ، اللتين نصتا على الوضع الخاص لكشمير في الدستور الهندي، يعني أيضًا أن الهنود يمكنهم الآن شراء الأراضي في كشمير، وأن يصبحوا مقيمين دائمين في الولاية. لعقود من الزمان، كان الكشميريون يطالبون بالحق في تقرير المصير على النحو الذي وعد به قرار مجلس الأمن رقم 47 لعام 1948م.
ومنذ بدء الانتفاضة في عام 1988م، قُتل أكثر من 70.000 شخص، بالإضافة إلى الآلاف من المفقودين، حيث تشير التقديرات إلى أن هناك حوالى 700.000 جندي هندي في الوادي، ما يجعل كشمير واحدة من أكثر المناطق عسكرة على وجه الأرض. وذكر ميدل إيست آي أن هناك 29 مركزًا للتميز تابعًا لـ (إسرائيل) في 12 ولاية في جميع أنحاء الهند، بينما صرح السفير (الإسرائيلي) في الهند، في عام 2020م، بأن 150.000 مزارع هندي تلقوا تدريبًا من هذه المراكز في عام واحد فقط، وفقًا للحكومة (الإسرائيلية)

الوعي: أينما تجد هناك عداء للمسلمين في العالم تجد أن لـ (إسرائيل) يدًا فيه، غلت أيديهم ولعنوا بما يقومون به… وسيكفينَهم الله بدولة الخلافة الإسلامية، قريبًا إن شاء الله تعالى.
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31081 · الردود: 0 · المشاهدات: 6,439

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 22 2023, 08:40 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



الأمم المتحدة تدعو إلى دين عالمي جديد، وتتبنى قضايا الحرية الجنسية والدعوة إلى الإباحية الجنسية

مجلة الوعي

لقد أسرفت الأمم المتحدة في عقد مؤتمرات تتناول قضايا الحرية الجنسية والدعوة إلى الإباحية الجنسية، وتفنَّنت في تسميتها بغير اسمها، فظهرت مصطلحات مثل: (الجندر، المتعايشين، حقوق المثليين، الثقافة الجنسية، الصحة الإنجابية) ونحو ذلك، من المصطلحات التي تدعو بسفور إلى قبول الشذوذ الجنسي كممارسة مشروعة، تدخل ضمن حقوق الإنسان، وتُوفَّر لممارسيها العناية الطبية والحماية القانونية… وقد عملت الأمم المتحدة عبر اتفاقاتها الدولية كاتفاقية سيداو، ودأبت على مطالبة الحكومات بدعم وسائل منع الحمل للشباب والشابات من المراهقين دون تقيد بشرعية العلاقة (الزواج) أو مخالفتها للفطرة (الشذوذ الجنسي)… ودأبت كذلك على مطالبة الحكومات بإدخال الصحة الإنجابية في المقررات الدراسية وتدريسها في الفصول اليومية لتكون المرجع الأساسي لدول العالم، وتتناول هذه الثقافة الجنسية ضمن المقررات الدراسية: (المعاشرة بين الجنسين، الإجهاض، كيفية ممارسة الجنس دون خطر الحمل، مساعدة المراهق على تحديد اتجاهه الجنسي (أي تحديد أي الجنسين يفضل أن يعاشر)، العادة السرية كوسيلة للإشباع الجنسي بعد البلوغ، العلاقات الشاذة كبديل مُرضٍ للعلاقات العادية، أما من سن 15 – 18 فيضاف لهم المواضيع التالية: من حق النساء أن يقررن إجراء الإجهاض، احترام تعاليم الدين والتقاليد لا علاقة له بحقوق المرء الشخصية، عدم وجود دليل على أن الصور الفاضحة تسبب أي إثارة جنسية، تعليم المراهقين كيفية الحوار حول هذه العلاقات والحدود التي يجب التوقف عندها).
بعد هذا العرض الموجز للدعوة المفتوحة للعلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة من غير نظام يحدد العلاقة الصحيحة بينهما، أو الدعوة إلى الفوضى الجنسية من قبل الأمم المتحدة… يتساءل، ليس المسلم فقط، بل البشر كلهم: ما هذه السياسة اللامسؤولة والمشبوهة التي تتبعها الأمم المتحدة؟ وما الهدف الذي تريد أن تصل إليه؟ ومن وراء هذه الدعوة الغريبة حتى عن عالم الحيوانات.
إن الأمم المتحدة تدعو إلى عقيدة عالمية جديدة من ضمنالنظام العالمي الجديد الذي تسعى الولايات المتحدة لفرضه على العالم. ولو عدنا إلى الوراء قليلًا، فإننا سنرى أنه قد صدر في عام 1999م كتاب «عقيدة العالم الجديد» لمؤلفه قاري هكا (أمريكي ينحدر من أصول ألمانية وكرواتية. كان له منصب مرموق في الحكومة الأمريكية، وكان عضوًا في اتحاد البرلمانات والدساتير العالمي) وقد ألَّف هذا الكتاب للتنبيه على الخطر المتزايد للأمم المتحدة، هذا الخطر الذي يتمثل في أن الأمم المتحدة ليست أداة لتمكين النظام العالمي الجديد فحسب، بل أداة لتوطين العقيدة العالمية الجديدة، تلك العقيدة التي ترى أنها توافق روح العصر وتواكب مستجدات الفكر. والكاتب، يكشف في ثنايا كلامه إن أمريكا هي من تقف وراء هذه الدعوة فيقول: «عبر السنوات لم تتخلَّ الأمم المتحدة عن محاولات فرض نظام أخلاقي عقدي عالمي منذ إنشائها وإلى اليوم، غير أن عقبات كثيرة كانت تحول دون المضي قدمًا في شأنه أهمها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي؛ لكن بعد انهيار هذا الأخير لم يبقَ أمام الولايات المتحدة عائق يحول دون تمرير أجندتها العالمية، فتسارعت خطواتها وتواصلت برامجها وتواترت تصريحاتها كاشفة نواياهم في إقرار هذا النظام العالمي».
وينقل الكاتب عن روبرت مولر (عمل في الأمم المتحدة لمدة 38 عامًا، تدرج خلالها في مناصب عديدة، وكان مساعدًا للأمين العام للأمم المتحدة، وعاصر ثلاثة من أهم أمناء الأمم المتحدة هم: يو ثانت، كورت فالدهايم، جافير بيريز ديكويلار، ولٌقِّب «بالفيلسوف» و«رسول الأمل») يقول: «لقد بدأت أعتقد جازمًا أن مستقبل سلامنا وعدالتنا وتجانسنا في هذا الكوكب لن يكون رهنًا بحكومة عالمية، بل بوحي كوني وحكومة كونية، بمعنى أننا نحتاج إلى تطبيق قوانين طبيعية تطورية استلهامية كونية، إن معظم هذه القوانين موجودة في الديانات الكبيرة والنبوءات العظيمة، وسيعاد اكتشافها رويدًا رويدًا عبر المنظمات العالمية» وينقل عنه كذلك: «لن تستطيع قوة بشرية أن تقضي على الأمم المتحدة؛ لأن الأمم المتحدة ليست مجرد مبانٍ أو أفكار، ليست مخلوقًا من صنع البشر، إن الأمم المتحدة هي نور الهداية القادم من العالي المطلق… إن العالي المطلق سيقرع أجراس انتصاره في الأرض عبر القلب المحب المعوان للأمم المتحدة».
وفي برلمان الأديان العالمية الذي عقد في مدينة شيكاغو الأمريكية في الفترة من 28/8 إلى 5/9 1993م، قدم هانز كنج ورقة بعنوان (نحو عقيدة عالمية: إعلان مبدئي)، ومن ثم تحوَّلت هذه الورقة إلى كتاب صدر عام 1991م بعنوان (المسؤوليات الكونية: البحث عن عقيدة عالمية) ذكر فيه أن التحوُّل نحو هذه العقيدة لن يكون اختياريًا، قال: «دعونا نقولها بصراحة: لا بقاء لأي عقيدة رجعية كبتية – سواء أكانت المسيحية أم الإسلام أم اليهودية أو نحوها – في المستقبل، وإذا كان المقصود من العقائد هو ازدهار الجميع فيجب أن لا تُقسَّم، إن رجل ما بعد الحداثة وامرأة ما بعد الحداثة يحتاجان إلى قيم وأهداف وقدوات وتصورات مشتركة. والسؤال مثار الخلاف هو: ألا تفرض هذه الأشياء عقيدة جديدة، إن ما نحتاجه نحن هو نظام عقدي عالمي».
إن الأمم المتحدة تسعى جاهدة لإقرار هذا النظام العقدي الجديد، الذي ترى أنه ضرورة حتمية لإكمال مسيرة التطور البشري، ورسالة سيباركها الأنبياء لو عادوا إلى الحياة. يقول روبرت مولر: «إذا عاد المسيح مرة أخرى إلى الأرض، ستكون زيارته الأولى للأمم المتحدة، ليرى أن حلمه بوحدة الإنسانية وأخوتها قد تحقَّق، سيكون سعيدًا بمشاهدة ممثلين لكل الأمم: الشمال والجنوب، الشرق والغرب، الغني والفقير، المؤمن والكافر، الصغير والكبير، المحتاج والمسعِف، جميعهم يحاولون أن يجدوا أجوبة على الأسئلة المستديمة عن وجهة الإنسانية واحتياجاتها». ويقول: «هناك رسم مشهور يبين المسيح يقرع باب مبنى الأمم المتحدة الضخم العالي يريد أن يدخله، كثيرًا ما أتصور في ذهني رسمًا أخر، رسمًا أدق، وهو أن مبنى الأمم المتحدة هو جسم المسيح نفسه»، ويقول: «إن الأمر الذي لا مناصَّ منه هو أن الأمم المتحدة عاجلًا أم آجلًا ستأخذ بعدًا روحيًا».
يلاحظ أن هذه الدعوة هي دعوة أمريكية متسترة بالأمم المتحدة، وهي دعوة قديمة لم تجد الطريق مفتوحًا أمامها إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانتهاء الحرب الباردة، وبمعنى آخر هي دعوة تترافق مع سعي أمريكا لفرض نظامها الدولي الجديد الذي يقوم على سياسة (القطب الأوحد) في حكمها للعالم، وهنا نرى أن سعيها لإيجاد دين عالمي واحد للبشرية، ومفاهيم متهتكة واحدة للعلاقة بين الرجل والمرأة قد أخذت زخمًا قويًّا مع إدارة الرئيس بايدن، والذي تركز إدارته، منذ أول مجيئها، على القيام بأعماال دولية تؤدي إلى فرض تصورها للعالم الجديد (الأحادي القطبية)، فهي انسحبت من أفغانستان، ومن العراق ومن سوريا، وفتحت باب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وتعمل على محاصرة الصين وفتح باب الحروب بينها وبين محيطها… وأخذت قرارًا بعدم التدخل المباشر في هذه المنازعات والحروب، وإنما تمدها وتؤجج نارها من غير تورط مباشر فيها وذلك بهدف استنزاف الدول المنافسة لها على الموقع الدولي وبالتالي إضعافها وجعلها تضعف عن القدرة على المنافسة… نعم لقد اشتد زخم الدعوة إلى الانحلال الخلقي منذ مجيء هذه الإدارة، وسمعنا تصريحات من سياسيين أمريكيين يشددون الضغوط السياسية على الدول الأخرى لتبني وجهة النظر الأمريكية، فقد قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو إنه يثير قضية حقوق مجتمع الميم في اجتماعاته مع المسؤولين السعوديين «دائمًا في كل محادثة».
هذا معلم من معالم النظام الدولي الجديد، الذي يبشر أصحابه بعذاب من الله قريب وغير مردود، قال تعالى في سورة هود عن قوم لوط ، أصحاب المثلية الأولى في التاريخ، والذين دمرهم الله تدميرًا: (وَلَمَّا جَآءَتۡ رُسُلُنَا لُوطٗا سِيٓءَ بِهِمۡ وَضَاقَ بِهِمۡ ذَرۡعٗا وَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ٧٧ وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْيَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ٧٨ قَالُواْ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنۡ حَقّٖ وَإِنَّكَ لَتَعۡلَمُ مَا نُرِيدُ ٧٩ قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ٨٠ قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ٨١ فَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا جَعَلۡنَا عَٰلِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهَا حِجَارَةٗ مِّن سِجِّيلٖ مَّنضُودٖ٨٢ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَۖ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ بِبَعِيدٖ٨٣).
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31080 · الردود: 0 · المشاهدات: 717

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 22 2023, 08:37 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



الإضراب عن العمل وفكرة الصراع الطبقي أصلها وتاريخها
جريدة الراية

تنامت ظاهرة الإضرابات عن العمل في قطاعات خدمية وإنتاجية عديدة في السودان، وشملت كذلك الأسواق احتجاجاً على زيادة الضرائب، وضعف الأجور، وتدهور الأوضاع المعيشية، مطالبة بزيادة الأجور وتطبيق الهيكل الراتبي الجديد، وأعلنت قطاعات التعليم العام انطلاق رحلة البحث عن زيادة الأجور والأمان الوظيفي تحت قيادة لجنة المعلمين.

خلال معظم تاريخها سيطرت على حركة النقابات العمالية في السودان قيادات جعلت سلوكها البيروقراطي وآراءها السياسية (الشيوعية) غير قادرة على قيادة الطبقة العاملة بنجاح، في المواجهات مع سياسات الدولة، ومعظم الأحيان النقابات مسيرة لسياسة الدولة بدلا من الوقوف مع العمال! لذلك فمعظم العمال لا يثقون أبداً في النقابات، لكن بعد التحول الذي حدث عام ٢٠١٨م، استعادت النقابات المهنية ثقة العمال في إحداث تغيير في أحوالهم نتيجة لمشاركة تجمع المهنيين في حراك الشارع ضد النظام البائد.

إن فكرة الإضراب العام هي فكرة شيوعية لإيصال الحركة العمالية للإضرابات المفضية إلى تمكينهم من السيطرة على مقاليد الحكم فيما اصطلحوا عليه بالصراع الطبقي، وتبلورت فكرة الإضرابات عن العمل للمرة الأولى في بريطانيا في ثلاثينات القرن التاسع عشر على يد ويليام بينبو، الذي ينتمي إلى جناح (القوة المادية) في الحركة التشارتية، والذي قام بترويج الدعوة إلى (إجازة قومية) أو توقف الطبقة العاملة بكاملها عن العمل، ورأى أنها ستحقق نصراً سريعا للطبقة العاملة، ثم انتشرت الفكرة في العالم. هذا هو واقع فكرة الإضرابات من الناحية السياسية كأسلوب من الأساليب الذي تستخدمها المعارضة الشيوعية لتطبيق مبادئها، مع أساليب أخرى مثل العصيان المدني، وتتريس الشوارع كورقة ضغط على الدولة لتنفيذ مطالبهم أو لزعزعة استقرار الأوضاع السياسية في البلاد، مظنة إنصاف العمال وتحقيق مطالبهم.

إن الإسلام العظيم قد حفظ للعمال حقوقهم، فلا فرق بينهم وبين بقية أفراد المجتمع، فمنحهم من رعايته وعنايته ما يكفل لهم الحياة الطيبة الكريمة، بعد أنْ كان العمل في بعض الشرائع القديمة والحديثة معناه الرّق والتَّبعية، والمذَّلة والهوان، ويُعد أجر العامل هو أهم التزام يُلزم به صاحب العمل، ولذلك عني به الإسلام عناية بالغة؛ وحث النبي ﷺ على تعجيل إعطائه الأجرة بعد انتهاء عمله، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» ويحض النبي ﷺ أمته على رعاية حقّ الأجير، وتأدية أجرته إليه دون تأخير ولا مماطلة. وقوله ﷺ: «قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» هو تأكيد لأمره بإعطائه حقه بأقصى سرعة، فالإسلام يأمر بوجوب المبادرة بسداد الأجر عقب الفراغ من العمل دون تباطؤ، بل الإسراع بإيفاء الأجرة، وترك المماطلة.

ولا يجوز له أن يظلمه، ولا أن ينقص أجرته، أو مماطلته فيها، فإن فعل شيئا من ذلك فقد ارتكب ظلماً فادحاً يستحق عقوبة تعزيراً، والله تعالى ذمَّ الظلم والظالمين في كتابه؛ فقال عز وجل: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾، وما هلكت الأمم السابقة إلا بظلمها، وبغيها، وتعديها على الضعفاء، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾. ذكر الحافظ ابن حزم في المحلى في باب الزكاة: "أنّ على الدولة أنْ توفّر للعامل الغذاء الكافي، والكساء الكافي، والمسكن الذي يليق بمثله، وأنْ تستوفي فيه كل المرافق الشرعية، ويجب أنْ تكون الأجرة محققة لكل هذا، وإلا كان ظلماً".

كما كفل الإسلام حق العامل في الحصول على حقوقه التي اشترطها على صاحب العمل: فيجب على صاحب العمل أنْ يُوفي العاملَ حقوقه التي اشترطها عليه عند تعاقده معه، وألاّ يحاول انتقاص شيءٍ منها فذلك ظلمٌ عاقبته وخيمة، وألا ينتهز فرصة حاجة العامل الشديدة إلى العمل فيبخسه حقه، ويغبنه في تقدير أجره الذي يستحقه نظير عمله. فالإسلام يحرم الغبن، قال تعالى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾، فيحذر سبحانه وتعالى أن لا تنقصوا الناس حقوقهم التي يجب عليكم أنْ توفوهم إياها، كيلاً كان، أو وزناً أو غير ذلك.

كما أوجب الإسلام على صاحب العمل أنْ يحفظ حق العامل كاملاً إذا غاب أو نسيه، كما يجب عليه ألاّ يؤخر إعطاءه حقه بعد انتهاء عمله، أو بعد حلول أجله المضروب. كل هذا العدل والإنصاف في شرع الله الذي تطبقه دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القائمة قريباً بإذن الله.
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31079 · الردود: 0 · المشاهدات: 638

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 22 2023, 08:29 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



مؤسسات NGOs أوكار للتجسس وصناعة العملاء وأنياب للسموم الثقافية المدمرة للمجتمعات! مميزجريدة الراية

"إن 80% من مؤسسات المجتمع المدني أوكار للموساد وللمخابرات العالمية هدفها تدمير المجتمع الفلسطيني وتفكيكه وأن مسؤولين (إسرائيليين) على تواصل مع هذه المؤسسات وتقودها بشكل مباشر من خلال بعض المسؤولين فيها أو بشكل غير مباشر من خلال أجهزة مخابرات عالمية...

وأن دور هذه المؤسسات الأهلية ينحصر في البحث عن أي قضية داخلية وإثارتها بحيث لا تساهم في تقوية المجتمع وإنما تفتيته، وعملها ينحصر ببرامج الممولين، وتحتج على وقف مسلسل إباحي ولا تحتج على وقف الاحتلال آلاف الأسرى إدارياً، ويتم تدريبهم بمهارة لجمع المعلومات عن كل مناحي الحياة للمواطن الفلسطيني وتسليمها لهذه الأجهزة المعادية دون أي معاناة أو مقاومة لكي تتعرف هذه الأجهزة على نقاط القوة والضعف للشعب الفلسطيني ومساعدة الاحتلال لوضع الخطط للسيطرة على حركتهم".

بهذه العبارات وصف بسام زكارنة رئيس نقابة العاملين في الوظيفة العمومية 80% من مؤسسات المجتمع المدني في بيان نشر على وكالة معا بتاريخ 1/7/2012.

وهو وصف جيد رأيت أن أبدأ به هذه المقالة عن تلك الأدوات التجسسية والثقافية المسماة بمنظمات NGOs والتي ينحصر عملها في صعيدين؛ سياسي يهدف لإبقاء القبضة السياسية على النظام في أيدي الدول الكبرى، وثقافي يهدف لنشر الثقافة الغربية القائمة على فصل الدين عن الحياة والحريات بمختلف مسمياتها وأيضاً شكل وآلية نظام الحكم في الغرب بمرجعية ثقافية لا تعترف بأي دين أو مبدأ أو نظام أو أمة وإنما بدساتير الغرب ومنظريه، وسوف نركز في هذه المقالة على الجانب الثقافي المظلم لتلك المؤسسات والذي يستهدف الحضارة الإسلامية في بلاد المسلمين، يقول صامويل هنتجنتون في كتاب "صدام الحضارات... إعادة صنع النظام العالمي" نقلاً عن فرنانر برودل "على قدر اهتمام أي إنسان في العالم المعاصر وعلى قدر رغبة أي إنسان أن يعمل فيه فإن الأمر يستحق أن نحدد الحضارات القائمة اليوم على خريطة العالم حتى يمكننا أن نعين حدودها ومراكزها ومحيطاتها والهواء الذي يمكن أن نتنفسه هناك والصيغ العامة والخاصة الموجودة والمرتبطة بها وإلا فإن النتيجة لن تكون سوى التخبط الفادح". فالمفكرون والسياسيون يعلمون معنى وجود حضارة تتصادم مع حضارة الغرب العلمانية ومبدئهم الرأسمالي، فكيف الحال والحديث عن حضارة مرتبطة بالوحي وحكمت العالم ما يقارب ثلاثة عشر قرناً وعقيدتها تحملها أمة تشكل أكثر من ربع سكان العالم وتسكن بلاداً تمتلك ثروات هائلة ومواقع استراتيجية مهمة وهنالك حركة سياسية حيوية ومنظمة فيها لإعادة الدولة لتطبق المبدأ الإسلامي ولتحمل الحضارة إلى العالم من جديد؟!

ومن هذا الفهم السياسي والفكري لخطر ومعنى وجود حضارة تتصادم مع حضارة الغرب وتشكل بديلاً لها وتتضمن في أبجدياتها أن تنقذ البشرية من الحضارة الغربية التي أورثتها الفراغ الروحي والانحطاط الأخلاقي والتفكك الأسري والتراجع السكاني والفقر والجوع وتكديس الثروة ونهب الثروات والشعوب، كان من الطبيعي أن يعمل الغرب على إيجاد أدوات ثقافية تعمل على نشر حضارته تحت عناوين ومسميات مختلفة - المنظمات غير الحكومية - خاصة أن هذه الأدوات، أي المنظمات والجمعيات، نجحت إلى حد كبير في إيجاد أوساط ثقافية غربية في الاتحاد السوفيتي ساعدت على نخره وهدمه من الداخل مستغلة مشاكله الكثيرة التي لا تقل عن المبدأ الرأسمالي ولكنه يفتقد للترقيع والمراوغة التي يتقنها الرأسماليون، وتلك التجربة الناجحة كانت عنوان الهجمة الثقافية للجمعيات الغربية في بلاد المسلمين خاصة في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين. فبعد اندثار الاشتراكية أصبحت الحضارة الإسلامية هي العدو الوحيد للغرب.

وقد تكاثرت تلك الجمعيات في بلاد المسلمين بشكل سريع ووصلت في فلسطين مثلاً إلى أكثر من 2500 منظمة، وفي لبنان كما صرح وزير داخلية لبنان محمد فهمي في مقابلة على قناة الجديد "هنالك 11500 جمعية نصفهم يعمل تحت أجنحة المخابرات الدولية" وكذلك في معظم بلاد المسلمين.

وبعيداً عن الجانب السياسي لتلك الجمعيات ودورها في صناعة العملاء المخلصين للغرب والأوساط السياسية الفاسدة تَرَكّز العمل الفكري والثقافي على مهاجمة الإسلام بشكل عام وبشكل خاص على ما تبقى من أفكار ومفاهيم وأحكام شرعية لم تتعطل رغم غياب الدولة والمبدأ عن واقع الحياة والتطبيق منذ أكثر من 100 عام ورغم تبني الأنظمة الحاكمة للنظام الرأسمالي وتطبيقه بالقوة على الناس، وجانب رئيسي من تلك الأفكار والأحكام الشرعية والمفاهيم هي تلك المتعلقة بالأسرة والأسس التي تقوم عليها من زواج وميثاق غليظ بين رجل وامرأة وحقوق وإنجاب وتربية وتعاون وقوامة ونفقة ورعاية، إلى فاحشة وعلاقة عابرة بين رجل وامرأة أو شاذة بين رجل ورجل أو امرأة وامرأة وعقيمة الإنجاب وفاقدة التربية للأبناء إن حصل إنجاب - بالصدفة - فالطفل مصيره بيوت اللقطاء، وإلى تنافس بين الرجل والمرأة وشراكة تقوم على الأنانية والصراع والمادة، وكذلك النفاذ للمؤسسات التعليمية لنشر ثقافة الشذوذ الجنسي والحريات وخاصة الشخصية، والإلحاد والتمرد على الفطرة والدين والأهل والقيم الرفيعة، ونشر ثقافة الجنس والزنا والإباحية والتبرج والسفور والفجور وكل ما هو فاسد ومدمر للمجتمعات كما هو حاصل في بلادهم التي تحولت إلى ما يشبه بيت زنا كبيراً ولكن بحدود سياسية بدل أن تكون إسمنتية، وإلى مجتمعات مفككة بلا إنجاب ولا أبناء، ومدارس وجامعات ومؤسسات سياسية مليئة بالشواذ والمتحولين جنسياً، وأحياء وأزقة للسكارى والمدمنين على المخدرات من شباب وبنات سكروا بالحرية الشخصية قبل الخمر والمخدر!!

إن هذه الجمعيات هي أدوات خبيثة في بلاد المسلمين، والحل يكون بالقضاء عليها وتفكيكها وقطع شرايينها التي تغذيها بالمال القذر من الغرب، ومحاكمة المتورطين فيها والقائمين عليها، ولكن هذا بحاجة إلى دولة سياسية تحترم ذاتها وسيادتها وحضارتها وتقوم على مبدأ تعتبر المساس به والهجوم عليه خيانة عظمى، وهذا غير متوفر في بلاد المسلمين في ظل هذه الأنظمة العميلة للغرب والفاقدة للسيادة، ولكن ذلك لا يعني السكوت على تلك المؤسسات بل يعني العمل على فضح تلك الجمعيات سياسياً وفكرياً وتحريك الناس والرأي العام للتصدي لها والوقوف في وجهها ووجه نشاطاتها، والعمل الجاد على إسقاط الأنظمة العميلة التي فتحت البلاد لها، وإقامة الدولة التي تقطع أنياب الغرب في بلادنا وتبطل سمومه وتطبق مبدأ الإسلام وتحمله للعالم رسالة رحمة وحق وعدل، دولة تنقذ المسلمين والبشرية؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31078 · الردود: 0 · المشاهدات: 759

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 22 2023, 08:25 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



مصر وصندوق النقد الدولي ارتهان وتبعية وثروات منهوبة / مميز

جريدة الراية

أعلن صندوق النقد الدولي موافقته على برنامج تعاون لمصر، مدته 46 شهراً، بمبلغ 3 مليارات دولار أمريكي، بحسب بيان من الصندوق السبت 17/12/2022م، وتتضمن حزمة السياسات التي يشملها البرنامج إجراءات منها التحول الدائم إلى نظام سعر الصرف المرن وتنفيذ سياسة نقدية تهدف إلى تخفيض معدلات التضخم.

قروض فقروض وقروض لسداد عوائد قروض، دوامة أزمات لا تنتهي تعيشها مصر، تعصف بأهلها ومقدراتهم فتجعلها رهينة التبعية للغرب الذي يستعبد أهلها بعد الاستحواذ على مواردهم ونهب ثرواتهم، هذا واقع القروض وما تجره على أهل مصر من ويلات، فمن الذي يقرض ولماذا؟ وهل مصر بحاجة لتلك القروض؟ وهل تملك مصر ما يكفيها من موارد؟ وكيف تملك وكيف تنتج وتستثمر في خدمة الناس؟

جون بركنز مؤلف كتاب "الاغتيال الاقتصادي للأمم"، وقد كان قرصانا يعمل في صندوق النقد يقول عن مهمته في الإسكندرية: "توجهنا لدراسة شبكة المجاري والصرف التي شيدتها في حينه الشركات الأمريكية نفسها، في واقع الأمر لم تصب الأموال المخصصة لهذا المشروع في الاقتصاد المصري أبدا، وقع السادات عقدا كبيرا للحصول على قروض أما نحن فقمنا بتصميم الشبكة كلها والمؤلفة من مجموعة كبيرة من القنوات الجارية تحت الأرض، جميع الأموال التي أنفقناها خصمت من ديون مصر وذهبت إلى جيوب الشركات الأمريكية، تشييد الشبكة مكن السادات من أن يقول لشعبه إنه يصنع إنجازا ويحسن الأحوال الصحية لسكان المدينة وكان ذلك حقيقة إلى حد ما لكن إذا تحدثنا بصراحة لقلنا إن الأحياء الفقيرة لم تستفد من هذا المشروع لأن الشبكة خصصت أساسا لخدمة الأحياء الثرية والتجارية في الإسكندرية"، ويتابع "كان السادات يستهدف أن تلعب مصر دور الوسيط بين أمريكا والعالم العربي والإسلامي لكي يغير العرب موقفهم من (إسرائيل)، وكما نعرف فقد أصبحت مصر بمثابة جسر لعملية السلام بل ومفتاحا لهذه العملية الأمر الذي أفضى إلى تخفيف حدة التوتر في المنطقة، كان هنري كيسينجر يقف وراء هذه العملية، وبالتالي أصبحت مصر أكبر زبون للمساعدات الأمريكية التي اقترنت بمجموعة كاملة من الشروط من بينها ما جعل أمريكا المصدر الرئيسي للأسلحة لمصر، كما فازت بحصة الأسد في مشروعات البنية التحتية، وهكذا اعتقد المصريون أنهم يتقاضون منا مبالغ كبيرة، لكن القسم الأعظم من هذه الأموال كان يخصم من الديون المصرية لحساب الشركات الأمريكية، وهذا ما أدى بدوره إلى زيادة الديون المصرية بصورة مطردة".

وعلى دول العالم الثالث، ومنها مصر، أن تدرك أن القروض الضخمة التي قد تعجز عن دفعها سوف تؤدي إلى احتلال حديث لها بدون جيوش بعد أن يتم تحويل حكام هذه الدول إلى موظفين ينفذون أوامر الدول المقرضة، وفي الوقت نفسه هم مفترون على شعوبهم. وقد سبق احتلال مصر بالإنجليز بالطريقة نفسها بسبب قروض إسماعيل باشا، هذا هو واقع الصندوق الدولي مؤسسة استعمارية تستعمل القروض كوسيلة لاغتيال الأمم واستعبادها وتقييدها بقيود الارتهان والتبعية ناهيك عن تمكينها من الهيمنة على موارد البلاد ونهب ثرواتها بما تفرضه من شروط وسياسات تفتح البلاد على مصراعيها أمام شركات الغرب الرأسمالية، فهل تحتاج مصر لتلك القروض أو للصندوق الدولي؟!

لم ولن تكون القروض حلا لأزمات مصر بل أحد أهم أسبابها لما فيها من ربا حرام ولكونها وسيلة استعمارية يستغلها الغرب لاحتلال الشعوب بلا جيوش ولا سلاح، هذا ولا ينال أهل مصر من تلك القروض شيئا اللهم إلا ما يترتب عليها من أعباء سداد الدين وخدمته، وما يصاحبها من شروط وسياسات تزيد الأزمات وتعمقها وتلتهم ما تبقى من جهود الناس. إن مصر ليست بحاجة للتعامل مع تلك المؤسسات الاستعمارية ولا تحتاج قروضها أو مساعداتها حتى لو لم تكن مشروطة أو ربوية، فمصر تملك من الموارد والخيرات ما يؤهلها لكي تكون دولة عظمى إن لم تكن الدولة الأولى في العالم، ففيها تنوع هائل من الموارد بين نفط وغاز وذهب وغيرها من المعادن والثروات الدفينة، حتى رمال صحرائها ذات قيمة عالية، فضلا عن المسطحات الممتدة للصيد والمساحات الواسعة الصالحة للزراعة والتي تكفي لكي تصدر مصر القمح للعالم بدلا من أن تكون الأولى عالميا في استيراده! فهل في قوانين الرأسمالية ما يمكنها من تلك الموارد؟! وكيف تتمكن مصر منها، وكيف تنتج الثروة منها وكيف تتعامل مع هذه الثروات الهائلة حقا؟ ومن يملك النظرة الصحيحة التي تحقق هذا كله وبشكل صحيح؟!

قطعا لا تملك الرأسمالية حلولا للمعضلة التي تحيق بمصر الآن ولن تمكنها من مواردها وثرواتها التي يهيمن الغرب عليها وعلى منابعها، ومصر ليست بحاجة للرأسمالية ولا لقروضها وحلولها ومعالجاتها الفاسدة بل تحتاج نظاما جديدا قادرا على إدارة الثروة وتوزيعها على الوجه الصحيح الذي يصلح حال الناس حقا، فمصر بحاجة إلى الإسلام برؤيته المبنية على الوحي لحاجات الإنسان وكيفية إشباعها وما يصلح حاله وحال المجتمع على الوجه الصحيح، وما فيه من تقسيم رائع للملكيات. ونظرة دقيقة للموارد وكيفية التعامل معها فإن الإسلام بنظامه العادل قد جعل منابع الموارد ملكية عامة لا يجوز للدولة التصرف فيها بالبيع أو الهبة أو منح حق الامتياز بل يجب أن تكون في يد الدولة وتقوم هي بنفسها بإنتاج الثروة منها وإعادة توزيعها على الناس جميعا على حد سواء مسلمين وغير مسلمين، كما أعطى للناس الحق في إعمار الأرض بالسكن والزرع وبناء المصانع وأوجب على الدولة أن تحثهم على هذا وتدعمهم وتهيئ لهم الأجواء التي تجعل عملهم سهلا يسيرا منتجا، فكيف بربكم لو طبق هذا هل نرى في مصر فقيرا أو عاطلا؟ وهل تحتاج مصر قروضا ومساعدات من أحد؟!

هذا ما أوجبه الإسلام وهو ما ستطبقه دولة الخلافة القائمة قريبا بإذن الله، وهو ما يحمله ويعمل له حزب التحرير وما يجب أن يعمل لتطبيقه ليصير واقعا عمليا كل من يريد لمصر خيرا أو يسعى حقا لنهضتها.

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾



عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31077 · الردود: 0 · المشاهدات: 699

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 22 2023, 08:22 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



بسم الله الرحمن الرحيم




ولاية السودان: للمرة الثالثة مخاطبات جماهيرية مناهضة للاتفاق الإطاري بالمسجد الكبير في الخرطوم

في إطار الحملة التي يقوم بها حزب التحرير/ ولاية السودان مناهضة للاتفاق الإطاري، أقام الحزب اليوم الخميس 2023/1/5 للمرة الثالثة مخاطبات جماهيرية عقب صلاة الظهر بالمسجد الكبير في الخرطوم بيّن المتحدثون من خلالها خطورة فكرة الفدرالية التي ذكرت في الاتفاق الإطاري في المادة 3 من المبادئ العامة والتي عبرها تم فصل جنوب السودان، والآن يراد تمزيق ما تبقى من السودان بهذه الفكرة الخبيثة موضحين أن الاتفاق الإطاري هو في الأصل إملاءات أمريكية بريطانية وكذلك الدستور الذي بني عليه هذا الاتفاق المشؤوم كما أشار المتحدثون إلى فساد فكرة الحواكير؛ أي توزيع الأرض على الأساس القبلي وهي إرث المستعمر والذي يصر على أن تظل هذه المخالفة الشرعية سارية ولذلك أكدوا عليها في دستورهم في المادة 8/38.


وفي الختام أبان المتحدثون أن نظام الحكم في الإسلام نظام وحدة وليس نظاماً اتحادياً فيدرالياً معززين أقوالهم بالأدلة الشرعية مطالبين المصلين بالعمل مع حزب التحرير من أجل إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي أعد لها الحزب العدة بدستور من 191 مادة مستنبط باجتهاد صحيح من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.


لقد تفاعل جموع المصلين بالتكبير والتهليل والدعاء بالتوفيق. والحمد لله على توفيقه.



مندوب المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

في ولاية السودان

- لمشاهدة التقرير مصور حول فعالية المخاطبات الجماهيرية - اضغط هنا

  المنتدى: قضايا الإعلام · مشاهدة الموضوع: #31076 · الردود: 0 · المشاهدات: 4,700

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 16 2023, 10:05 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



بيان صحفي



يا مجمع الفقه الإسلامي إن الطلاق حكم شرعي غير قابل للتحريف



أكد مجمع الفقه الإسلامي في الخرطوم بأنه بصدد الاستعانة بالأطباء النفسيين لمعرفة وقوع الطلاق وما يترتب على ذلك. وجاء ذلك في اجتماع أمين عام المجمع بالطبيب النفسي الشهير الدكتور أنس بن عوف، الذي شدد على أن من يطلق زوجته فهو مجنون بالضرورة، من حيث أن الضيق والاكتئاب، والقلق الذي يصاحب الأزواج عند رمي يمين الطلاق، يجعلهم كمن رفع عنهم القلم. كما أهدى الدكتور أنس بن عوف مؤلفه بهذا الصدد لمجمع الفقه للعمل بموجبه. (المحور نيوز 2023/01/15م).



إننا في حزب التحرير/ ولاية السودان - القسم النسائي، نبين الحقائق الآتية:



أولاً: الطلاق مشروع في الإسلام بالكتاب والسنة والإجماع، أما القرآن فقال سبحانه: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. كما ثبت عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ طَلَّقَ حَفْصَةَ، ثُمَّ رَاجَعَهَا». ومن البديهيات أن العقود مثل الزواج وغيره في عقدها أو في فسخها، لا يفعل ذلك إلا العاقل حصراً، فكيف يصف هذا الطبيب من يطلق بأنه مجنون؟!



ثانياً: يقع الطلاق بشروط، نعم لكن جمهور العلماء يجمعون على وقوع الطلاق حتى من السكران تأديباً، كما يؤخذ بأفعاله ولا تكون معصيته عذراً له في إسقاط الطلاق، كما أنها لا تكون عذراً له من مؤاخذته بأفعاله من قتل أو سرقة أو زناً، أو غير ذلك، لأن عقله زال بسبب معصية، فيقع طلاقه عقوبة عليه وزجرا له عن ارتكاب المعصية.



ثالثاً: إن مجمع الفقه الإسلامي، والمفترض أنهم علماء، يعلمون أن الطلاق حكم شرعي ثابت في الإسلام، ولا خلاف فيه، أما النظريات العلمية فكلها ظنية وتثبت صحتها من عدمها بمطابقتها للواقع، أو عدم المطابقة، فكيف يقبل المجمع تنظيراً في حكم الطلاق يقود إلى عدم وقوعه رغم حدوثه، وبالتالي تعطيل حكم الطلاق الذي هو حكم شرعي؟!



رابعاً: على الإخوة في مجمع الفقه الإسلامي أن ينتبهوا إلى أن هناك حرباً فكرية تشريعية تستهدف أحكام الإسلام المتعلقة بالنظام الاجتماعي؛ أي علاقة المرأة بالرجل، لا يعصم فيها إلا من تمسك بالوحي.



أيها المسلمون: إن العلوم والمعارف إنما تكون تبعاً للنصوص، ويمكن الاستفادة منها في كل مجالات الحياة لكن لا يقبل أن تؤخذ كحكم بديل لأحكام الشرع فنترك فقه الطلاق المعروف، ونأخذ بمؤلفات لشخص ينظر في الطلاق بناء على الطب النفسي وليس بناء على أحكام الإسلام.



إن حكمة شرائع الإسلام قد تخفى على الكثير من الناس، وحال المؤمن دائماً السمع والطاعة لله لا للبشر، ولا تستبدل آراء الناس والتشريعات البشرية بأحكام الإسلام، فتمسكوا بشرع ربكم تفلحوا.



إن هذه الانحرافات سببها غياب الإسلام عن تنظيم شؤون الناس في الدولة والمجتمع، وسيطرة الأخذ بتشريع البشر، ولا ينهي ذلك إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تجعل الحياة قائمة على أساس لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ. ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ﴾.



الناطقة الرسمية لحزب التحرير في ولاية السودان – القسم النسائي
  المنتدى: المرأة في الإعلام · مشاهدة الموضوع: #31075 · الردود: 0 · المشاهدات: 5,367

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 16 2023, 09:59 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



بيان صحفي


التطبيع مع الأسد خيانة واضحة عند الله ورسوله وفي نظر الأمة
(مترجم)



قال الرئيس أردوغان إنه أجرى اتصالا هاتفيا مع بوتين أمس وتحدثا عن القضية السورية. كما أشار أردوغان إلى أن وزراء دفاع روسيا وتركيا وسوريا بدأوا عملية جديدة بالاجتماع الذي عقدوه في موسكو الأسبوع الماضي، حيث قال "سنجمع وزراء خارجيتنا معاً كثلاثة، وبعد ذلك سنجتمع معاً كقادة". وبما أن أردوغان يعلم أن اللقاء مع الأسد هو خيانة واضحة عند الله ورسوله وفي نظر الأمة، فقد سعى إلى تخفيف ضغط المسلمين من خلال إطالة وقت هذه العملية، حيث إنه صرح في سوتشي في شهر آب/أغسطس أن بوتين يريد أن يجعله يجتمع مع الأسد، ثم أعلن وزير الخارجية جاويش أوغلو أن هناك محادثات بين تركيا وسوريا على مستوى الاستخبارات وأن القادة يمكن أن يجتمعوا خلال العملية.



خطوة التطبيع التركية مع نظام الأسد هي استمرار للخطوات السابقة المتخذة في سوريا وجزء من الحل السياسي الذي تحدده أمريكا. لأنه منذ اللحظة التي رأت فيها أمريكا أن الأحداث في سوريا خارجة عن سيطرة السفاح الأسد، سعت لبقائه من خلال إعطاء دور خاص لإيران وتركيا، من بين دول المنطقة. على الرغم من أن تركيا قدمت المساعدات الإنسانية اللازمة للاجئين السوريين، إلا أنها حاولت حماية نظام السفاح منذ البداية كما يقتضي الدور الذي قدمته لها أمريكا. كذلك فقد كان الجانب الذي تواليه تركيا واضحا منذ بداية الثورة، عندما أرسلت وزير الخارجية آنذاك أحمد داود أوغلو إلى دمشق، وعندما نظمت مؤتمرات في إسطنبول وأنقرة وأنطاليا وعندما عملت على تنظيم المعارضة السورية. ألم تكن حكومة أردوغان هي التي عملت على الإطاحة بقادة الجماعات في سوريا في إطار آلية التعاون العملياتي، وقوضت الثورة بضمان مشاركة هؤلاء الأشخاص في اجتماعات جنيف، ومع عملية درع الفرات ضمنت سقوط حلب التي كانت في موقف حرج؟ ألم تكن حكومة أردوغان هي التي خدعت الثوار قصيري النظر بتطويق إدلب بأبراج المراقبة بالقول: "سنحميكم من حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب"؟ ألم يكن أردوغان هو الذي جلس أولا في أستانة ثم في محادثات سوتشي على الطاولة نفسها وتعاون مع إيران وروسيا، الذين سفكوا دماء المسلمين؟



لذلك، لا نستغرب أن هذين البلدين، اللذين يتعاونان بطريقة سرية وقذرة منذ بداية الثورة، قد بدءا محادثات علنية. ولسنا مندهشين من أن الأراضي التي تم تحريرها ستعود بالكامل تحت سيطرة النظام، وسيتم القضاء على مجموعات المعارضة، وحتى المصالحة ستتم مع حزب الاتحاد الديمقراطي، المتعاون مع النظام. كما أنه ليس من المستغرب ألا تتردد تركيا في دفع اللاجئين مرة أخرى إلى أحضان الأسد لأسباب انتخابية. ما يثير الدهشة حقا بل والمحزن هو عدم القدرة على إدراك كل هذه المكائد والمؤامرات، وعدم القدرة على رؤية الشباك التي نسجتها الأنظمة الموالية للغرب فوق رؤوس المسلمين، وأنه على الرغم من كل ما حدث، ما زالوا يتوقعون النوايا الحسنة منهم!



ما يجب على تركيا فعله لتجنب كل هذه الأخطاء هو وضع حد للسياسات الخاطئة التي تنتهجها منذ سنوات تماشياً مع خطط أمريكا. إن التطبيع مع نظام الأسد، الذي قتل مليون مسلم، وبسط سيطرته في جميع أنحاء البلاد بذريعة وحدة الأراضي، وترك أكثر من مليوني شخص يعيشون حياة الأسْر في إدلب تحت رحمة النظام، وإجبار اللاجئين في تركيا على العودة إلى سوريا، لن يجلب سوى الوقوع في غضب الله تعالى. هذه الخطوات التي يقال إنها لمصلحة الشعب السوري لن تكون لها مكاسب حقيقية من الناحية السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وسيكشف الزمن ذلك بكل وضوح. ينبغي على المسلمين في تركيا، الذين دعموا الثورة السورية حتى الآن واحتضنوا اللاجئين، أن يعارضوا هذه الخيانة بكل قوتهم، ويجب ألا يوافقوا على التحاور مع الأسد تحت أي ظرف وشرط، وينبغي عليهم تذكير الحكام بتحذير ربنا بقوله تعالى: ﴿وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾.





المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا
  المنتدى: قضايا الإعلام · مشاهدة الموضوع: #31074 · الردود: 0 · المشاهدات: 610

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 14 2023, 09:14 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27


الخلافة قادمة؛ هذا وعدٌ وحزب التحرير على العهد

ردا على مقال الكاتب أحمد المسلماني مستشار الرئيس المصري السابق عدلي منصور، كتبه يوم الأربعاء 2023/1/11 في موقع أساس ميديا بعنوان "الخلافة بالهاشتاغ... حزب التحرير واللادولة في السودان"، وبعد محاولة التواصل مع المشرفين على الموقع لطلب حق الرد، ولم يردوا على طلبنا، قررنا الرد والنشر بطريقتنا.



من الغريب أن يصدر هكذا كلام من رجل مسلم! ولكن يبدو أنه متمشكل مع الإسلام السياسي ومتصالح مع العلمانية الغربية ومفرزاتها من وطنيات وسلطات مهترئة! ما دفعه إلى ذكر معلومات مغلوطة تشوه وتشوش حقيقة حزب التحرير الذي سيقود الأمة قريبا ضد الأعداء، ونسي أو تناسى أن تاريخ المسلمين هو منذ دعوة الرسول وإلى هدم الخلافة التي حكمنا بها الأرض ما يزيد عن ألف وثلاثمائة سنة، ملأناها عدلا وعلما، وهدى وعفة.



ولم يكن لنا شأن قبل ذلك، وعدنا كذلك بعد هدم الخلافة، إذ قسّم الغرب المستعمر بلادنا إلى حصص بينهم، فنهبوا خيراتنا وانتهكوا مقدساتنا واحتلوا ديارنا وحكمونا بأنظمة وضعية فاسدة ومفسدة، وبسلطات وأحزاب عميلة رخيصة، وفرضوا علينا مفاهيمهم من حريات ووطنيات وقوميات، وأوهمونا أن فيها الخلاص من الانحدار الأممي والنهضة والرقي والتقدم، وإذ بنا نزداد انحدارا وتشرذما وضعفا. وصنعوا رجالات للحكم وأبواقاً إعلامية لترديد تلك الأفكار الرجعية التي رجعت بالإنسان إلى عبودية الغرب والمادة.



ومن صدى تلك الأبواق مهاجمة الخلافة وتشويهها وتصوير عودتها بالوهم والحلم أو اللادولة كما ذكر مسلماني!



نعم، في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويجهد حزب التحرير للوصول لها، في ظلها لا دولة للفاسدين ولا المفسدين ولا العملاء ولا القوميين ولا الوطنيين على أسس وضعها الاستعمار، ولا دولة للانهيار الأخلاقي والإفلاس المادي والفساد الإداري والتربوي، بل دولة واحدة توحد البلاد الإسلامية، عربها وعجمها، وتحكم بما أنزل الله عز وجل، تملك القوة الكافية لتحرير بيت المقدس وكل بلاد المسلمين المحتلة، وحمل الإسلام دعوة عالمية باللسان والسنان لنشر العدل وإحقاق الحق، كما كان دأب دولة الإسلام على مر تاريخها، حتى في أحلك ظروفها.



وليعلم الكاتب أن حزب التحرير ينظر إلى الجيوش في البلاد الإسلامية على أنها جزءٌ من أمة الإسلام، بل هم أهل القوة والمنعة في الأمة اليوم، يُذكّرهم الحزب بالله عز وجل ووجوب طاعته، ويبين لهم فساد السلطات القائمة وعمالتها، ويحثهم على البراءة منهم ونصرة الحق وتمكين أهله من القيادة واستئناف الحياة الإسلامية.



ثم إن ادعاء مسلماني أن راية حزب التحرير هي راية تنظيم القاعدة! فإن هذه فريةٌ أخرى، ليس هدفها البحث الموضوعي، بل هي محاولةٌ ساقطةٌ بأن ينسب للحزب ما ليس له! ومحاولة تجاهل من مسلماني أن حزب التحرير موجود برايته ولوائه منذ عام 1953م، أي قبل وجود القاعدة بعقود.



إن هذه الراية، المسطر عليها لا إله إلا الله محمد رسول الله، هي راية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهي راية كل مسلم، وهي راية الخلافة في كل عهودها، وهي الراية في قادم الأيام وإلى قيام الساعة، وهي مستمدة من نصوص ديننا.



أما رايات الجاهلية والعمية، المنتشرة اليوم ورموزها، فليست هي من إرثنا ولا ثقافتنا، بل هي مما فرضه المستعمر على أيدي من ساروا في خيانة دينهم ودولتهم، وساهموا في إسقاط الخلافة سنة 1924م.



أما انتقاده للحزب وأنه ضد الوطنية، فأين كان مفهوم الوطنية في البلاد الإسلامية قبل هدم الخلافة؟! ومن رسم حدود الدول في بلاد المسلمين؟! وهل تريد منا الرضا بما فرضه علينا الغرب؟! لقد علّمنا الإسلام أن الباطل لا يصير حقا بمرور الزمن، وأن الحق لا يصير باطلا بمرور الزمن، وأن الحق يُزهق الباطل ولو بعد حين.



وأخيرا، وتصحيحا لمعلومات الكاتب فإن حزب التحرير يعمل في معظم البلاد الإسلامية، بل وفي الغرب، ويسعى لتحقيق وعد الله سبحانه وبشرى رسوله ﷺ بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وسيكون ذلك قريبا بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز، ﴿إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.



كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ د. محمد إبراهيم

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان

  المنتدى: قضايا الإعلام · مشاهدة الموضوع: #31073 · الردود: 0 · المشاهدات: 651

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 14 2023, 09:03 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



بيان صحفي


على الرغم من احتياطيات القمح الوفيرة، يُحرم الناس من الحصول عليه!والخلافة على منهاج النبوة هي التي ستقضي على النظام الفيدرالي الذي يحرم الناس من الحاجات الأساسية

قطّعت العديد من مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل قلوبنا، حيث سلطت الضوء على معاناة الفقراء الكبيرة وهم يقفون في طوابير طويلة للحصول على أكياس الدقيق، وقد سُحق رجل يبلغ من العمر 35 عاماً وأب لستة أطفال في التدافع في أحد تلك الطوابير، للحصول على كيس طحين وزنه عشرة كيلوغرامات، وظهر الناس وهم يتدافعون للحصول على أكياس الدقيق من نوعية رديئة ضمن المقاييس الحكومية، وكان الناس يسبون الحكام وهم يشترون القمح بضعف سعره. فقد باتت الطبقة العاملة الفقيرة غير قادرة الآن على تناول وجبتين في اليوم، ويحصل كل هذا على الرغم من حقيقة أن مقاطعة البنجاب لديها حالياً مخزون من القمح لمدة 106 يوماً، في حين إن مقاطعة السند لديها ما يكفيها لـ98 يوماً، ومقاطعة خيبر بختونخوا 152 يوماً، بإجمالي 370 ألف طن متري من مخزون القمح، كما ترسو العديد من السفن في الميناء وهي محملة بالقمح.



إن النظام الفيدرالي الإقليمي فاسد، وعلى الرغم من كون الناس تعيش في دولة واحدة، إلا أن مقاطعتي السند والبنجاب ترفضان توفير القمح لبلوشستان بسعر منخفض، فكل حكومة إقليمية مسؤولة عن مقاطعتها وحدها، وليس عن بقية البلاد. وفساد النظام الفيدرالي من جانب تحديد كل مقاطعة أسعار دعم مختلفة للقمح، وهذا يضيف إلى الأزمة أزمة أكبر. كما أن النظام الفيدرالي هو الذي تدفع فيه حكومات الأحزاب المختلفة، في المحافظات المختلفة، بعضها بعضا عمداً إلى الوقوع في أزمات، للفوز في الانتخابات المقبلة، وتأمين مصالحها السياسية الأنانية، وهذا هو سبب انشغال الحكومة الفيدرالية وحكومات المقاطعات بإلقاء اللوم بعضها على بعض. ومع ذلك، فإن أهل باكستان يعانون من العواقب، على الرغم من أنه كان هناك إنتاج قياسي من القمح في باكستان العام الماضي، وهي قادرة على تلبية احتياجات أهل باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى من حيث إمكاناتها الزراعية. ومع ذلك، فإنه بسبب النظام الفيدرالي الديمقراطي الرأسمالي، فإن الحكام غير قادرين على تأمين حاجة الناس من القمح.



إن النظام الموحّد في الخلافة، وسياسة الإصلاحات الزراعية في الإسلام، هي التي ستجعل باكستان سلة غذاء البلاد الإسلامية، ولن توفر الخلافة القمح لرعاياها فقط، بل وللدول غير الإسلامية أيضاً، حيث تلغي الخلافة، وفق أحكام الشريعة الإسلامية، سياسة تأجير الأراضي الزراعية من أجل الزراعة أو للإيجار أو لأي إنتاج آخر، وسوف تسترد الأرض من أصحابها الذين عجزوا عن زراعتها لمدة ثلاث سنوات متتالية، وتقوم بمنحها لمن يستطيع زراعتها، وستجعل الخلافة ملايين الهكتارات من الأراضي القاحلة قابلة للزراعة بطريقة حديثة، وستجعل موارد الأمة الإسلامية، بما في ذلك احتياطيات القمح، متاحة لجميع رعاياها من خلال نظام الوحدة. وسوف ترفض الخلافة جعل القمح محجوزاً لصالح أي منطقة أو فئة، وستوفر المأكل والملبس والمأوى لجميع رعاياها بغض النظر عن العرق أو الدين.



يا أهل باكستان: لن تحل مشاكلنا من خلال إطراء ملوك وأمراء الخليج أو من خلال التسول من أمريكا والصين وأوروبا، وخنق الناس بشروط صندوق النقد الدولي. وهذه الإجراءات لن تؤخر الكارثة التي تلوح في الأفق، لأكثر من بضعة أشهر أو سنة أو سنتين. وقد حان الوقت لدفن هذه السياسات الفاشلة التي لا تخدم مصالح الناس، فالأمة بحاجة إلى سياسة ودولة قائمة على الوصاية على الأمور، والتي يمكن للخلافة وحدها أن توفرها. فاحرصوا على إرساء أسس سياسة جديدة ودولة جديدة قائمة على الإسلام. وتبنوا الإسلام أسلوب حياة متكاملاً ونظام حكم. واحرصوا على اقتلاع النظام البشري الحالي من جذوره، وأقيموا الخلافة على منهاج النبوة على أنقاضه، وتوكلوا على الله ولا تصغوا لوساوس الشيطان. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾.



المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية باكستان
  المنتدى: قضايا الإعلام · مشاهدة الموضوع: #31071 · الردود: 0 · المشاهدات: 419

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 14 2023, 08:47 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا راية تعلو فوق راية رسول الله صلى الله عليه وسلم

وصدق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”.
  المنتدى: قضايا الإعلام · مشاهدة الموضوع: #31070 · الردود: 1 · المشاهدات: 542

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 8 2023, 04:10 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



بيان صحفي

بغداد تغرق والحكومة تلهو وتلعب


في الوقت الذي يعيش فيه الشعب العراقي أسوأ حالات العيش، وحرمانه من أبسط حقوقه المتعلقة بالرعاية، وعلى جميع الأصعدة؛ من صحة، وتعليم، وبنى تحتية، وأمن وأمان، نرى من تسلط على رقابه يلهو ويلعب، وينظم بطولات لكرة القدم، والمخزي في ذلك تسليط الضوء والإعلام على هذه التفاهات، وإشغاله بمن يحضر ومن لا يحضر من الفنانين لإحياء حفل الافتتاح، وتعطيل الدوام الرسمي في البصرة، وهدر الأموال لإنجاح هذه البطولة، غير آبهين بما يعانيه هذا الشعب الجريح؛ فقبل يومين غرقت بغداد وعدد من مدن العراق بعد يوم ممطر بسبب تردي البنى التحتية، وعلى الرغم مع كثرة المناشدات لم تكن هناك آذان صاغية، في حين إنَّ تهيئة البلد لمثل هذه الطوارئ هو من أولويات الحاكم ومسؤولياته، وحق الرعية عليه، وفي الوقت نفسه نرى الحكومة العراقية منشغلة في التغطية الإعلامية لبطولة كأس الخليج، وهمها الأول والأخير هو هذه البطولة ونجاحها!!



أيها المسلمون:



إنَّ ما نراه اليوم في العراق، وقبله في مونديال قطر، وتسليط الإعلام عليه بهذا الشكل المبالغ فيه، ليس أمراً عادياً، بل هو سياسة متبعة ومدروسة من أعداء الأمة، لتجهيلها وإشغالها عن الواجب الذي فرضه الله تعالى عليها، وكذلك سلب هويتها من خلال تسويق مفاهيم الحضارة الغربية الداعية إلى التحلل والانحلال، فقد صرح المسؤول بالاتحاد العراقي لكرة القدم حيدر عوفي وفقاً لما نشرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أنَّ "العراق يستمد الإلهام من استضافة قطر لكأس العالم"، ويُضيف: "أصبحت الرياضة من أهم الأنشطة في العالم،...، يجب نقل الثقافات والحضارات من خلال استضافة البطولات والمسابقات، وهذا ما شهدناه في تنظيم قطر لمونديال 2022".



أيها المسلمون:



لقد أرشدكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى معالي الأمور وحذركم من رذائلها كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَها»، فالله تعالى يحب الأمور التي من شأنها أن تحقق لكم العزة والكرامة والرفعة، ويكره حقير الأمور وتوافهها، التي تُورث الذلة والدناءة، ولا شك أنَّ أولى من يتمثل هذه الصفة هو الحاكم، قال عليه الصلاة والسلام: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً إِمَامٌ عَادِلٌ، وَأبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللهِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِساً إِمَامٌ جَائِرٌ»، فأنتم أعظم أمة كرمها الله بأعظم عقيدة وجعلكم فيها شهداء على الناس، فحري بكم أن تكونوا من أصحاب الهمم العالية، والأهداف الرفيعة، والقيم السَّامية، وأن تمتثلوا أمر ربكم بحمل دعوته وإنقاذ البشرية من فساد الأنظمة والحكام.



فإلى ما يرضي ربكم، إلى ما يبعث فيكم العزة والكرامة، إلى العمل لاستئناف الحياة الإسلامية ندعوكم أيُّها المسلمون، لترسموا خارطة العالم وتحددوا الموقف الدولي، وتقطعوا دابر الكافرين، برسالة العدل والرحمة.





﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾





المكتب الإعلامي لحزب التحرير

في ولاية العراق

  المنتدى: قضايا الإعلام · مشاهدة الموضوع: #31065 · الردود: 0 · المشاهدات: 531

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 06:45 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



مجلة الوعي :

الصراع الدوليّ في الساحة الأوكرانية.. الثوابتُ والمتغيّرات

حمد طبيب – بيت المقدس

الأزمة الأوكرانية كما هو مشاهد، ومن خلال تتابع الأحداث وسير الأمور، ليست أزمة إقليمية وليست صراعًا على أرض أو ثروات، إنما هي صراعٌ دولي يتعلق بالموقف الدولي، أي يتعلق بالهيمنة الأمريكية على العالم ومحاولة بعض الدول كروسيا والصين وكوريا الشمالية اختراقه؛ كمقدمات لإحداث تغييرات فيه. بمعنًى آخر: هو صراع مع أمريكا بالدرجة الأولى وعلى وجه التخصيص؛ من أجل إزاحتها عن مكانتها الدولية كدولة مهيمنة على سياسات العالم، وتسوق الناس بالعصا الغليظة في خدمة هذه السياسات. أما الأحداث العملية التي حصلت فهي استباقٌ لكل هذا الأمر من أمريكا؛ أي أن فتيل الأزمة قد أشعلته أمريكا لجرّ روسيا إلى حربٍ مدمرة تستهدف كيانها حتى تجبرها في النهاية على الخضوع لسياساتها، والركوع تحت أقدامها كباقي الدول الأخرى في العالم. أي حتى لا تفكر في موضوع التحدّي، أو الشراكات مع غيرها للوقوف في وجه أمريكا، أو القيام بمحاولات سياسيّة أو اقتصادية للفكاك من هيمنة الدولار، أو غير ذلك من أمور تتعلق بالهيمنة الأمريكية الدولية. أما الأمر الآخر الخاص بهذه الأزمة فإنها في الحقيقة أكبر وأوسع حدث دولي بعد تفكك الاتحاد السوفياتي سنة 1990م، وأخطر أزمة تمرّ بين الدول الكبرى منذ الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، أي منذ تشكُّل النظام الدولي واتفاق الدول الكبرى فيما بينها على شكل النظام العالمي في ذلك الوقت.
لقد تشكَّل النظام الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية كما نعلم واعتراه بعض المتغيرات بين الدول الكبرى، وأحدثت فيه أمور جديدة. واستقرَّ الموقف الدولي (أي الدولة الأولى والمزاحمة لها) على شكل معين بعد أحداث كثيرة وقعت بعد الحرب العالمية الثانية؛ صعدت فيها دول كأمريكا والاتحاد السوفياتي، واضمحلَّ نفوذ دول أخرى كبريطانيا وباقي دول أوروبا، وتقوقعت الصين على نفسها، وبقي هذا الحال بين أخذ وردّ، وبين تفاهمات بين أمريكا والاتحاد السوفياتي، وتصادمات وصراعات بين أمريكا وبريطانيا حتى انهار الاتحاد السوفياتي كمنظومة دولية كبرى تقف ندًّا لأمريكا وتزاحمها أو تشاركها في الموقف الدولي وتحكُّماته ورسم سياساته. فكان انهيار الاتحاد السوفياتي بهذا أكبر حدث يجري على ظهر البسيطة منذ تبلور الموقف الدولي حتى ذلك التاريخ. لقد برزت هيمنة أمريكا على العالم وقيادتها له بالقوة السياسية والعسكرية بعد هذا الانهيار، وكانت هي المسيرة لكل الأزمات التي حصلت، سواء في العراق سنة 1990م، أم في أفغانستان والعراق سنة 2003م، أم غيرها من أمور سياسية وعسكرية. والأهم من ذلك كله هو هيمنتها الاقتصادية على العالم بلا منازع، باستثناء أمور تجري على استحياء ووجل وحسابات كثيرة من جانب الصين، ولا ترتقي إلى حد المنافسة ولا المنازعة على عرش التحكُّم في اقتصاد العالم!!.

إن موضوع الأزمة الأخيرة في ساحة أوكرانيا هي أخطر حدث بالفعل يتعلق بالموقف الدولي؛ لأنها مسَّت موضوع التنافس على الموقف الدولي، أي هي محاولة لمزاحمة أمريكا على مكانتها الدولية في الهيمنة الاقتصادية والسياسية، رغم أنها ليست صراعًا مباشرًا مع أمريكا في أرضها أو قواعدها العسكرية؛ إلا أن واقعها هو صراع بين معسكرين؛ تقف فيه روسيا في المقدمة في وجه أمريكا وسياساتها الدولية، وهي كما ذكرنا خطوة استباقية لتحطيم هذا الأمل وهذا العمل من جانب هذا المعسكر. والحقيقة أن مجريات الأمور واستقرارها في المستقبل على شكل معين لا يعلمها أحد الآن؛ لأن المفاجآت والمتغيرات التي تحدث لا أحد يستطيع أن يتنبَّأ بها، خاصة أن الأمور ليست اتجاهًا واحدًا في الأحداث، فهناك أمور وتغيُّرات اقتصادية قد تحدث، وهناك أمور عسكرية يمكن أن تتوسَّع وتجرُّ أمورًا جديدة إلى ساحة الصراع، وهناك أمور داخلية ومفاجآت يمكن أن تحدث داخل روسيا، أو حتى داخل أمريكا. فكل الأمور واردة من حيث التأثُّر والتأثير بهذه الأزمة الخطيرة والكبيرة.
وقبل الحديث عن الثوابت والمتغيرات في هذه الأزمة الخطيرة نقول: إن فهم أي مسألة سياسية (فهم ثوابتها ومتغيراتها) يقتضي فهم تاريخها أولًا، وفهم محيطها، وما يكتنفها من أمور وأحداث، أي فهم ماضيها وواقعها، وفهم واقع الدول التي تشترك في أحداثها، وفهم مبدئها ونظرتها من خلال هذا المبدأ. وكذلك فهم الموقف الدولي والدول الفاعلة فيه، والدول التابعة للدول المؤثرة. وكذلك فهم القضايا المصيرية التي يمكن أن تترتَّب عليها أحداث فاصلة يتخذ تجاهها إجراء الحياة أو الموت عند الشعوب. وفهم قدرات الدولة وطاقاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وما يوجد من تحالفات معها وحولها.

فهذه من أبرز الأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار عند النظر لأية قضية في العالم من حيث ثوابتها ومتغيراتها؛ سواء أكانت هذه القضية كبيرة (دولية)، أم صغيرة (إقليمية). ولا يجوز أن نجرّد القضايا عن تاريخها وماضيها ومحيطها وواقعها؛ فهذا لا يؤدّي إلى الرأي الصحيح في فهم الأحداث والوقائع السياسية. ونحن بصدد الحديث عن الأزمة الأوكرانية من زاوية الثوابت والمتغيرات التي تتعلق بهذا الصراع الدولي الخطير والحسَّاس. وهنا لا بد من أن نرتكز على بعض الأمور الضرورية من خلال الخطوط العريضة التي ذكرناها في المقدمة.

ومن الأمور البارزة التي يجب أخذها بعين الاعتبار أثناء الحديث عن هذه الأزمة:

أولًا: الثوابت التي لا يعتريها تغيّر على الأقل في هذه الأزمة الحالية وما يكتنفها وما يحيط بها. وهي تشكل العمود الفقري في هذه الأزمة، وهذا الصراع الدولي، أو يمكن أن نسميها الأسس العريضة التي تتعلق بها المتغيرات الجارية والأحداث المتسارعة، وتصب في دائرتها. ومن هذه الخطوط العريضة والأمور البارزة:

1- هذا الصراع جذوره وتأثيراته دولية، وليس صراعًا إقليميًا يخصّ منطقة أوكرانيا وحدها.

2- الغرب وعلى رأسه أمريكا يسعى لجعل روسيا ضمن إطار سياسي واقتصادي وعسكري معين لا تتجاوزه، بحيث لا يؤثر على هيمنتها الدولية.

3- أمريكا تريد جعل أوروبا أيضًا ضمن حدود وسياسات معينة لا تتجاوزها؛ حتى لا تتمرد عليها وتستقل بسياساتها فتصبح تهديدًا اقتصاديًّا يضاف إلى تهديد الصين.

4- روسيا تعتبر نفسها هي المهيمنة على إرث الاتحاد السوفياتي السابق ودوله؛ عبر تحالفات واتفاقات مع هذه الدول، وتقف في وجه أي سياسة أو أعمال خارجية أو داخلية لخرق وإلغاء هذا التصور وهذه النظرة.

5- العلاقة المتنامية بين الصين وروسيا تعتبرها أمريكا تهديدًا فعليّا لنظرتها وتطلعاتها في التفرد والهيمنة العالمية.

6- أمريكا تزجُّ بأوكرانيا ودول أوروبا وبعض الدول الأخرى في المحيط الهادي في حتمية المواجهة مع روسيا والصين، وفي الوقت نفسه تثير المشاكل المصطنعة السياسية والاقتصادية والعسكرية لأوروبا وتدفعها للاصطدام مع روسيا.

7- الشعوب في أوروبا توازن الأمور حسب المصالح الاقتصادية وظروف العيش، ولا يهمّها القيم الغربية المزورة الكاذبة التي يتغنَّى بها القادة السياسيون، سواء في أمريكا أم أوروبا. وأكبر دليل على ذلك هو صعود اليمين المتطرف في أكثر من دولة أوروبية في الانتخابات الأخيرة، وحصول المظاهرات ضد الانتكاسات الاقتصادية المترتبة على الحرب وتبعاتها الاقتصادية!!

8- العالم أجمع يعيش في أزمة اقتصادية بسبب سياسات الغرب. وهذه الأزمة الأوكرانية أضافت بعدًا جديدًا لهذه الأزمة الاقتصادية وعمّقتها وفاقمتها.

9- أمريكا تراهن على استسلام روسيا لسياساتها تمامًا كما فعلت مع ألمانيا من قبل، ومع الاتحاد السوفياتي من خلال الضغط الاقتصادي، ومن خلال تأثير العقوبات لزيادة الضغوط الداخلية داخل المنظومة السياسية المحيطة بالرئيس الروسي، ومن خلال الضغط الشعبي الجماهيري.

10- الساسة الروس ومجلس الدوما والقادة العسكريون يعتبرون قضية الهجوم الغربي على روسيا قضية أمن قومي، ويستلزم اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للمحافظة على الأمن القومي.
هذه أبرز الثوابت التي يجب أن يُنظر إليها أثناء التحليل والاستنتاج والنظرة المتفحِّصة للأزمة الأوكرانية. ولا تنفصل هذه القضايا أبدًا عن الأحداث وتفاقمها في أوكرانيا ومحيطها. فقد نظرت روسيا للمسألة الأوكرانية على أنها تحدٍّ لها، وتهديد لأمنها، وزعزعة لاستقرارها برمته. ونظرت كذلك أن الغرب لن يقف عند حدود روسيا في أوكرانيا، بل سيتبع ذلك كافة المنظومات السياسية والمعاهدات التي وقعتها روسيا مع دول الاتحاد السوفياتي السابقة، وربما أيضًا الاتحاد الروسي، لتبقى روسيا مثلها مثل الاتحاد الأوروبي؛ لا تقول: لا، أبدًا لأمريكا وسياساتها الخارجية، بل حتى لا تفكر أبدًا بالخروج، أو مجرد التفكير بالخروج على هذه السياسات. فروسيا لم تبدأ الحرب، ولم تفاقم الأزمة، وإنما من فعل ذلك هي أمريكا، واستخدمت دول أوروبا كذراع لها في هذه الأزمة، وأوجدت القناعات عند الزعامات الأوروبية؛ أن الدب القطبي يتهيأ للانقضاض على أوروبا بعد أوكرانيا، فضلَّلت أمريكا الرأي العام الأوروبي، فخدعته ودفعته إلى هذه الأزمة في مواجهة روسيا، وترتَّب على ذلك المشاكل العريضة للاتحاد الأوروبي وأولها أزمة الطاقة والغذاء وغلاء الأسعار، وانحسار الصناعات والتضخم والبطالة، وغيرها من مشاكل ما زالت تتصاعد.

إن الأمر الرئيس والزاوية المهمة في هذه الأزمة هي نظرة أمريكا للهيمنة على العالم ومنه روسيا وقيامها بكل الأعمال المتاحة لترسيخ هذه النظرة، وإيجاد الأجواء والأعمال الدولية للدفاع عنها وتحطيم كل الخصوم؛ حتى لو اضطرت لجر العالم لحرب عالمية جديدة تدمره. والأمر الأخر المهم أن روسيا قد جعلت قضيتها في أوكرانيا تجاه أمريكا والغرب قضية أمن قومي، وليست كأية قضية أخرى، وهي مستعدة لاتخاذ كافة الإجراءات السياسية والعسكرية من أجل هذه القضية الحساسة. هذا من حيث الثوابت أو الأسس والخطوط العريضة المتعلقة بهذه الأزمة…
أما المتغيرات فهي سياسية واقتصادية وعسكرية، ومن هذه المتغيرات التي حدثت وربما تحدث في هذه الأزمة وتواكبها في قابل الأيام:

1- المفاجآت الاقتصادية. ونعني بالمفاجآت الاقتصادية ما يترتب على هذه الأزمة من مستجدات يومية تتعلق بالبورصة العالمية وتقلُّباتها، ومن انهيارات ربما تحدث في المؤسسات المالية الكبرى مستقبلًا. فهناك أمور حدثت بالفعل وأثَّرت في ساحة هذه الأزمة بشكل فاعل؛ منها التضخم في أوروبا وأمريكا، وانخفاض قيمة الروبل الروسي، ونقص السيولة المالية بسبب الحصار، وانهيار بعض المؤسسات المالية الكبرى والبنوك في بعض الدول الأوروبية. فالمتغيرات الاقتصادية هي الأكثر تأثيرًا في هذه الأزمة وفي الضغوط الداخلية عند الشعوب داخل الدول، وبالتالي التأثير على مجريات الأمور على توجيه دفة الحرب من أوروبا وأمريكا، ويمكن أن توقفها بالكلية.

2- المتغيرات العسكرية التي تحدث ويترتَّب عليها أمور سياسية، تؤثر في الركائز والأسس التي ذكرناها. فحصول تمرد عسكري مثلًا على نطاق واسع داخل الاتحاد الروسي يمكن أن يؤثر على الوضع الداخلي في روسيا، وعلى القرار السياسي تجاه الحرب والتصدي لأمريكا، وبالتالي الخضوع لسياسات الغرب وعلى رأسه أمريكا. فالثبات والتماسك الداخلي هو أهم أمر في المتغيرات في هذه الأزمة، ولا يقل أهمية عن المتغيرات الاقتصادية. فإذا ما حصل أي تغير في الجبهة الداخلية الروسية فإن كل الأمور تسير في اتجاه آخر، وربما يحدث ما حدث في بداية تسعينات القرن الماضي من تفكك جديد في المنظومة الروسية، على منوال ما حدث في المنظومة السوفياتية. وحتى الآن يوجد تماسك في الجبهة الداخلية السياسية والعسكرية؛ ولكن لا نعرف أين تتجه الأمور في قابل الأيام.

3- المتغيرات في موقف كل من الصين تجاه أمريكا، وروسيا ودول أوروبا تجاه أمريكا. فهذا الأمر فيه ثوابت؛ ولكن يمكن أن تعتريه متغيرات مثل تشجُّع الصين ودخولها ساحة وحلبة الصراع بجانب روسيا، أو تفكك الرأي الأوروبي نتيجة ضغوط الجبهة الداخلية وصعود اليمين المتطرف إلى سدة القرارات السياسية فيها. فهذه متغيرات يمكن أن تحدث، ويترتب عليها حدوث تغيرات مهمة في هذا الصراع؛ لأن اتساع دائرة الجبهة تجاه أمريكا له تأثير سلبي عليها وكذلك اضمحلال الدول المساندة لها أيضًا له تأثير سلبي عليها، أي بمعنى آخر أن أمريكا لا تستطيع أن تقف وحدها في هذه الأزمة الخطيرة، بل لا بد من وقوف منظومة واسعة معها.

4- المتغيرات داخل أمريكا نفسها من حيث التأثير الاقتصادي لهذه الأزمة أو التشرذم الداخلي في أمريكا نتيجة الصراع بين الحزب الجمهوري والديمقراطي. فإذا ما حصل شيء من هذه المتغيرات في الداخل الأمريكي فإن الأمور تتغير مئة وثمانين درجة في هذا الصراع الدولي؛ خاصة أن مركز القيادة هو عند أمريكا.

5- طول أمد الحرب وصمود كل من الجبهة الداخلية في روسيا وصمود الدول المؤيدة لها. فهذا أيضًا من المتغيرات التي لها تأثير فاعل في الأزمة خاصة أن العالم يعاني ما يعاني من أزمات مالية متتابعة، ومن غلاء أسعار ومن ركود اقتصادي عالمي، ومن اضمحلال المشاريع التي تخص الرأسماليين في أوروبا وأمريكا، فقصر أمد الحرب أو طولها له أثر كبير على مجريات الأمور السياسية، وفي تحديد ما يترتب على هذا الصراع الدولي.

6- مسألة استخدام الأسلحة النووية، أو فوق التقليدية في هذا الصراع. فهذا المتغير يعتبر خطيرًا للغاية، وربما أدخل الصراع الدولي في حرب نووية تُحدث تغيّرات كبرى في العالم؛ تزول بمقتضاه دول بأكملها من الساحة الدولية. وإن كنا نرى هذا الأمر ضعيف الحصول؛ ولكن يدخل في حساب المتغيرات التي تقلب الأمور رأسًا على عقب.
وفي الختام نقول: إن هناك أمورًا مهمة في هذا الصراع المحتدم، وربما يتوقف عليه تشكُّل النظام العالمي الجديد، ومصير تحالفات أمريكا وسياساتها الدولية، وأحلافها الاستراتيجية؛ كحلف أوكوس وحلف كواد… ومن هذه الأمور:

أولًا: قدرة روسيا على الصمود خلال الأشهر القادمة، والتفاف الشعب الروسي حول قيادته السياسية والعسكرية. فهذه أهم قضية في موضوع استمرارية روسيا وتصدّيها وتحدّيها للهجمة الأمريكية. فإذا استطاعت الصمود خلال الأشهر القليلة القادمة فإنها ستشعل أزمة اقتصادية وسياسية فعلية داخل أوروبا بأكملها.
ثانيًا: ما تعانيه الشعوب الأوروبية بسبب هذه السياسات المضلِّلة، وربما وصل الحال – إذا تفاقمت الأمور – إلى حد قيام الشعوب في أوروبا ضد قادتها السياسيين، وإجبار القادة السياسيين على التخلي عن أمريكا وصلفها وعنجهيتها، وتسخيرها في أهدافها وسياساتها وأنانيتها الدولية… فطول النفس عند روسيا وتماسكها في الأشهر القادمة سيكشف عوار أوروبا، ولن تستطيع أمريكا إنقاذها، وبالتالي سيكون انهيار الحلف الأوروبي أسرع بكثير من انهيار الصمود الروسي. وهذا بالفعل ما تراهن عليه روسيا اليوم. وبالتالي ستجبر أمريكا على كسر الحصار عن روسيا، وتخفيف العقوبات والسعي لإيجاد حلّ سياسي؛ حتى لا ينفرط الحلف الأوروبي معها، وبالتالي يصعد اليمين المتطرف إلى سدة الحكم، ويتقارب مع روسيا بدل أمريكا، وتصبح أمريكا في مواجهة أوروبا وروسيا معا بدل أن تكون أوروبا في صفها.
ثالثًا: ما يعانيه العالم أجمع من أزمة حضارية وأزمة اقتصادية خانقة تترتب على الأزمة الحضارية؛ حيث ضاقت الشعوب ذرعًا بهذه النظم العفنة المهترئة المتهاوية؛ فضاقت ذرعًا في نهايات القرن الماضي بالنظام الاشتراكي فأسقطته، وها هي تضيق ذرعًا بهذا النظام الرأسمالي الذي يقدس المال ويعبده، ويثير المشاكل العالمية من أجل تكريسه وتعزيزه. وهذا بالفعل أدخل العالم برمته في أزمة حضارية، وولد الكثير من المشاكل الدولية والصراعات وولد الجوع والفقر والخوف، وتحكُّمات الرأسماليين في ثروات العالم أجمع…

إن الأشهر والسنوات القليلة القادمة حبلى بالأحداث الخطيرة، والتطورات لمسارات الحرب، وللتخريب المتعمَّد من قبل أمريكا، وزيادة الضغوط على الشعب الروسي. وستلجأ أمريكا لخطوات من التصعيد خطيرة؛ ربما تضطر روسيا لاتخاذ إجراءات عسكرية جديدة. وكل ذلك حتى تُسرّع من استسلام روسيا وقبولها بالشروط والسياسات الأمريكية. وكذلك ساحة العالم والشعوب حبلى بالأحداث المتعلقة بأزمة النظام والحضارة، وما يرتبط بها من مآس دولية وإقليمية سياسية وعسكرية واقتصادية. فما الذي ينتظر العالم في الأشهر والسنوات القادمة؟ ومن سيكون أسرع في الاستسلام والانقلاب في سياساته: دول الاتحاد الأوروبي تجاه أمريكا وسياساتها، أم الاتحاد الروسي ووضعه الداخلي؟ ومن الذي سيصرخ أولًا: روسيا وحلفها أم أمريكا وحلفها؟ وماذا سيحصل لهذه المبادئ المتهاوية؟ وما هو موقف الشعوب منها؟ وهل يمكن أن يحصل على غرار ما حدث في الاتحاد السوفياتي في أمريكا ودول أوروبا نتيجة هذه المعاناة وهذه الشرور المصطنعة؟ كل هذه الأمور ننتظر الإجابة عنها في قابل الأيام، ولا يستطيع أحد التنبؤ بها؛ لأن المتغيرات سريعة والأحداث متلاحقة، والمفاجآت مجهولة.

وفي الختام نقول: هذه هي دول العالم، وهذه هي سياساتها، وهذه هي نظرتها للشعوب، وهي مستعدة لتدمير العالم من
أجل رأس المال والهيمنة السياسية، ومستعدة أن تجرّ العالم لحرب عسكرية عالمية ثالثة، فقط من أجل الهيمنة ومناطق النفوذ… وهذه بشارة خير جديدة تضاف إلى ما سبق من بشارات بأن الأرض بحاجة إلى مخلّص يخلصها مما هي فيه من شرور وويلات ومبادئ هابطة وضيعة، وأن البشرية تنتظر من يأخذ بيدها إلى برّ الأمان من هذا التيه الكبير، وهذا الظلام الدامس الحالك. وهذا الأمر لن يكون إلا بنظام يحفظ للإنسانية إنسانيتها، وكرامتها، وينظر لإسعادها لا إلى ثرواتها وأموالها. وهذا النظام هو فقط الإسلام في ظل دولة الإسلام التي تطبقه وتحمله رسالة خيرٍ وهدىً إلى الناس كافة.

نسأله تعالى أن تكون هذه المقدّمات هي آخر المخاض قبل الميلاد العظيم، وأن تكون هذه الدماء وهذه الآلام هي علامات ميلادٍ جديد للبشرية جميعًا، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله فيصدق قوله تعالى: (لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥ وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٦ يَعۡلَمُونَ ظَٰهِرٗا مِّنَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ غَٰفِلُونَ ٧).
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31064 · الردود: 0 · المشاهدات: 1,386

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 06:37 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



مجلة الوعي

العقيدة التجريبية الغربية وفصل الدين عن الحياة

فائق نجاح

حرّف الغرب التاريخ، فزعم أن تبنّيه للتجربة الغربية وكل ما تلاها كان ببساطة نتيجة لرغبته في التقدم والتنوير؛ ولكن الحقيقة البشعة حول الحضارة الغربية هي أنها بُنيت على حل وسط متهوِّر بين القوى النصرانية والمادية المتوحشة، وقد كانت طريقة التفكير التجريبي هي التي مكَّنت هذا الحل الوسط المضلِّل من خلال فصل الدين عن الحياة، ثم أصبحت هذه التسوية غير المستقرة الأساس الذي تأسَّست عليه الحضارة الغربية الحالية بأكملها.

إن الغرب لا يعترف بكل هذا، بل لم يتمكن من تقديم صورة دقيقة لماضيه النصراني؛ لأن هذا سيتطلب الاعتراف بروابطه العميقة بالإسلام، [ويمكن التمثيل على تلك الروابط التي اشتدت في الفترة من القرن الحادي عشر حتى الثالث عشر الميلادي من خلال نقاط الاتصال الثقافي والعلمي في صقلية ومالطا والأندلس، وما كان للجامعات من دور. ومن أبرز الطلاب كان ليوناردو فيبوناتشي وأديلارد أوف باث وقسطنطين الأفريقي وغيرهم من الطلبة الأوروبيين الذين انتقلوا إلى مراكز العلم الإسلامية لدراسة الطب والفلسفة والرياضيات والعلوم الأخرى. كما كان التأثر من خلال ترجمات مثل أعمال ترجمة جيراردو الكريموني للتراث الإسلامي في طليطلة بعد احتلالها من قبل الإسبان، وترجمات التراث في صقلية بعدما ضم المسلمون الجزيرة عام 965م، ثم استعادها النورمان عام 1091م، فتولدت ثقافة نورمانية عربية رعاها حكامٌ أمثال روجر الثاني ملك صقلية، الذي كان لديه جنود وشعراء وعلماء مسلمون في بلاطه. ويعدُّ كتاب (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) الذي كتبه الإدريسي المراكشي للملك روجر من أعظم المخطوطات الجغرافية في العصور الوسطى. وترجم ستيفن البيزي عام 1127م، كتيبًا عربيًا حول النظرية الطبية إلى اللاتينية. وطوّر الخوارزمي طريقة لأداء العمليات الحسابية باستخدام الأرقام العربية في القرن التاسع الميلادي، والتي نقلها ليوناردو فيبوناتشي إلى أوروبا.. كما ترجم روبرت من شيستر كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة للخوارزمي نحو عام 1145م … وغيرها الكثير، واستمر التأثر حتى في العصور اللاحقة، حيث إن المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون يقول في كتابه «حضارة العرب»، إن الجنرال الفرنسي الأشهر نابليون بونابرت عند عودته إلى بلاده فرنسا راجعًا من مصر سنة 1801م، أخذ معه كتابًا فقهيًّا من مذهب الإمام مالك بن أنس اسمه «شرح الدردير على متن خليل»، ويعتبر الفقه المالكي أول فقه إسلامي رافق الأوروبيين، هذا الكتاب الفقهي الذي أخذه بونابرت معه، يقول لوبون، إنه بنى عليه القانون الفرنسي الذي كان أحد أهم أسباب نهضة الدولة، خاصة في مادة الأحكام والعقود والالتزامات؛ ليكون بذلك للفقه الإسلامي، خاصة المالكي، أثر كبير في التشريع الفرنسي، خاصة مدونة الفقه المدني المعروفة بمدونة نابليون.

تقول، أيضًا، بعض نتائج دراسات ومقارنات قام بها علماء مسلمون ورجال قانون نذكر منهم: مخلوف المنياوي القاضي في عهد الخديوي إسماعيل في مصر الذي أجرى مقارنة بين القانون الفرنسي والفقه المالكي، وقدري باشا وزير العدل المصري في أواخر القرن التاسع عشر، والعالم الأزهري سيد عبد الله علي حسين صاحب المقارنات التشريعية إن التشابه بين الفقه المالكي والقانون الفرنسي بلغ 90%.

فيما يشير أستاذ القانون الدولي في الجامعة الهولندية ميشيل دي توب إلى تأثير الروح الإنسانية والخلقية التي جاء بها الإسلام وتجسَّدت في فلسفته الفقهية وفضلها على أوروبا في العصر الوسيط، حيث يُذَكِّر بما كانت تعانيه البشرية من بؤس وتعاسة، وتأثير القواعد التشريعية الإسلامية على ذلك، وأثرها في القانون الدولي.
وتقول بعض المصادر التاريخية إن ألفونس التاسع ملك قشتالة كتب أول مدونة قانونية في أوروبا، نشرت بتعليقات لاتينية في ثلاثة مجلدات، وقد استمدها خاصة من قانون الولايات في الأندلس المسلمة الراجع إلى سنة 679ه الموافق لسنة 1289م. إلى جانب ذلك، استمدّ فريدريك الثاني ملك صقلية وإمبراطور جرمانيا قوانينه سنة 1250م من الفقه الإسلامي، من ذلك وضعه للضرائب المباشرة وغير المباشرة، والهياكل العسكرية والرسوم الجمركية واحتكار الدولة للمعادن وبعض البضائع مما كان يعرف في الشريعة الإسلامية منذ القرنين التاسع والعاشر؛ ولكنه أصبح نموذجًا احتذت به أوروبا كلها].

وكما أن الغرب لم يتمكن من تقديم صورة دقيقة لماضيه النصراني؛ لأن هذا سيتطلب الاعتراف بروابطه العميقة بالإسلام … كذلك، لم يتمكن من شرح مدى شدة التحدي المادي الذي واجهه بصدق خوفًا من إعطاء المادية أهمية إضافية. ومع ذلك، يجب الكشف عن هذا التاريخ المظلم حتى نكون قادرين على تقييم أهمية التجريبية الغربية وسبب فصل الغرب للدين عن الحياة.

الحضارة المسيحية في أوروبا وصراعها مع الفكر المادي

إن الطريقة الوحيدة لفهم الحضارة المسيحية في أوروبا بشكل صحيح هي بالاعتراف بأنها تطورت في ظل الحضارة الإسلامية، وتطورت أوروبا كنسخة نصرانية من الإسلام. يصور الغرب زورًا صعودهم على أنه استمرار لإرث حضارة اليونان القديمة وروما، على الرغم من أن دولة الخلافة الإسلامية كانت القوة الحياتية المهيمنة لأكثر من ألف عام، وكانت حضارتها قمة الإنجاز البشري في عصرها، والمظهر العملي للاتساع الكبير والتطور والرفاهية والفضيلة، وكان النجاح الحضاري منقطع النظير للإسلام نتيجة للتطبيق الشامل للأيديولوجية الإسلامية الفريدة التي توفر حلولًا لكامل شؤون الحياة، ولم تكن ثمار الحضارة الإسلامية متاحة للمسلمين فقط، بل كان العالم بأسره يتمتع بها إلى حدٍّ ما خلال تلك الفترة. لقد صمّم الغرب على وجه الخصوص مجمل حضارته النصرانية حول الإسلام، ليس فقط في نسخ الرياضيات والعلوم والتكنولوجيا، والفنون والحرف اليدوية، والتجارة والأدب… ولكن أيضًا باستنساخ أنظمتنا وتشريعاتنا وأفكارنا حول الحياة. يقول الفيلسوف الأمريكي الإيطالي الأصل جورجو سانتيلاني أستاذ تاريخ العلوم في جامعة ماساشوتيس للتقنية MIT: «إن من عجيب هذا القانون العربي أنه هدانا لهذه التفاصيل في القانون التجاري مثل الشركات محدودة المسؤولية»، ويضرب أمثلة كثيرة على القوانين التجارية المأخوذة من التشريع الإسلامي.

ويقول المستشرق الإنجليزي هربرت جورج ويلز: «إن أوروبا مَدينة للمسلمين في قوانينها التجارية الدولية».

وهنا لا بد من لفت النظر لقضية مهمة إزاء مسألة أخذ نابليون للفقه المالكي وصياغة قوانين فرنسية على أساسه، فنحن ضد الترويج للقوانين الغربية، فلا يُفهم أننا نقول للغرب هاتوا قوانينكم هذه بضاعتنا ردت إلينا، فينبغي لفت النظر هنا إلى الفرق بين الفقه الدستوري والدستور، ففي الغرب لم يأخذوا في هذا الجانب منه شيئًا من الإسلام، بل نظامهم نظام ديمقراطي ليبرالي علماني، والدستور يبين شكل الدولة ومؤسساتها واختيار الحاكم وما إلى ذلك، وهذا لم يأخذوه من الإسلام، وأما القوانين الخاصة التي تنظم حياة الأفراد، مثل الموقف من التجارة، العلاقات الاجتماعية، وغيرها، فهذه التي أخذ نابليون منها ما يتعلق بالتجارة والشركات، وخاصة في مادة الأحكام والعقود والالتزامات والملكية، من الفقه المالكي، فهي لا تغير في شكل دولته، ولكن في قوانينها التفصيلية!

كما أنه لا بد من لفت النظر أيضًا إلى أن المهم هو ربط القوانين بالوحي حتى تصبح إسلامية، فليس معنى أخذ فرنسا لقوانين شرعية أنها تحكم بالشرع، بل معناها أنها استحسنت قوانين تنظم التجارة، فلما أخذتها مفصولة عن الوحي وعن الأصل الذي انبثقت منه أضحت قوانين كغيرها من القوانين التي لا يجوز لنا أخذها منفصلة عن الوحي وعن أصلها، فعلى المسلمين أن يأخذوا التشريعات من الوحي مباشرة، وأن ينظروا للغرب نظرة استعلاء عليهم بأنهم لم يستطيعوا تنظيم قوانينهم، فاضطروا لأخذها من المسلمين وبنوا عليها قوانينهم، فتشريعات ربنا سبحانه وتعالى هي وحدها الضامنة لنا معاشر المسلمين بأن ننهض ونرتقي ونطيع ربنا ونتفوَّق على باقي الأمم.

لقد كانت أوروبا بأكملها نصرانية، وحكامها يستمدون سلطتهم وشرعيتهم من دورهم كأمراء مسيحيين، يحكمون أوروبا بالتعاون مع الكنيسة الرومانية؛ لكن المسيحية كانت دينًا ضيقًا ومتفرقًا يفتقر إلى القوة الأيديولوجية الجوهرية، ولم تستطع تطوير حضارة أصلية ناضجة بالكامل من صنعها؛ لذلك قاموا بتقليد الإسلام، وبتعديل ما أخذوه منا وتحويله لما يوافق عقائدهم المسيحية، وبالتالي ابتداع نسخة طبق الأصل من الحضارة الإسلامية في أوروبا. لقد شوّه الغرب الحالي هذا التاريخ، في إشارة إلى هذه القرون باعتبارها عصورهم المظلمة، مع ذلك، وفي الحقيقة، كانت طريقة الحياة التي تمتَّعت بها أوروبا حينها متناغمة ومتفوقة على الظروف الحالية في الغرب، نعم، يتمتع الغرب اليوم بتكنولوجيا متفوقة؛ ولكن التقدم العلمي ليس مقياسًا مفيدًا لمقارنة الحضارات من مختلف الأعمار التاريخية. فالحياة الغربية اليوم تقوم على السعي بلا توقف نحو المصالح المادية الأنانية، بينما كانت الحضارة المسيحية قادرة على موازنة المساعي المادية بشكل أفضل مع الاهتمامات الأخلاقية والإنسانية والروحية، وكانت مفاهيم الشرف والكرامة والأسرة والمجتمع بارزة وذات أهمية. مع ذلك، في الوقت نفسه، يمكن رؤية الاستغلال المادي في الطبقات الحاكمة المسيحية حتى قبل ظهور الرأسمالية، وتعاون الباباوات والملوك في إثراء أنفسهم بشكل كبير على حساب شعوبهم المضطهدة، واحتكار الثروة والسلطة وحتى المعرفة لأنفسهم، ويمكن بعد ذلك رؤية هذه العقلية الاستغلالية نفسها في الارتباطات الإمبريالية المبكرة لأوروبا المسيحية في الخارج، كما كان عليه الحال في الحروب الصليبية أو في القارة الأمريكية.

لم تغذِّ الرأسمالية سوى البذور الشريرة التي تنبت في نفوس النخبة المسيحية، ودفعت القوة الأيديولوجية للرأسمالية الطبقات الحاكمة الغربية إلى الهيمنة على الحياة بأسرها. لقد كان إدخال الفكر المادي في الغرب أيضًا نتيجة للاتصال بالحضارة الإسلامية، فقد كان المسلمون على اتصال أولًا بالتفكير المادي عندما توسع الإسلام إلى أراض كانت تهيمن عليها في السابق الثقافة الهيلينية وأصبح بعض الأفراد متأثرين بالأفكار الغربية، وأصبح الفلاسفة مثل ابن سينا يؤمنون بأفكار خاطئة مثل أبدية الحياة، في تناقض واضح مع العقيدة الإسلامية، وهو أمر واضح في التأكيد على أن الخالق هو الوحيد الذي خلق الكون والإنسان والحياة، وأنه ببساطة هو صاحب الخلق الزمني للكون والإنسان والحياة، والازدهار الإسلامي في القرنين الثالث والرابع كان لا يزال في عصره الذهبي، وانتقل العلماء بقوة لدحض هذا التفكير الأجنبي.

أخيرًا، وفي نهاية القرن الخامس الهجري، دحض الإمام الغزالي بشكل شامل حججهم في كتابه «تهافت الفلاسفة»، وجاء ابن رشد من بعده وحاول مواجهة كتاب الإمام الغزالي، وكان ابن رشد من عائلة مرموقة من العلماء الأندلسيين وتبع والده وجده ليصبح رئيسًا للقضاة في قرطبة؛ ولكن عندما اكتشفت الأمة انحطاط فكر ابن رشد حُوكم ونُفي، وهذا مؤشر قوي على انتصار العلماء الإسلاميين على الفلاسفة. تم التغلب على التفكير المادي في الحياة الإسلامية؛ ولكنه انتقل إلى أوروبا من خلال ترجمات لاتينية لأعمال ابن رشد. وفي القرن السابع عشر الهجري، أصبح جزء من رجال الدين المسيحيين ينجذبون إلى الفكر المادي وأصبح معروفًا باسم «أفرويستس»، تيمُّنًا باسم ابن رشد الذي كان يُعرف باسم «أفرو» في اللغة اللاتينية. إن التفكير المادي بغيض عند المسيحية بقدر ما هو للإسلام، وقاتلت الكنيسة الرومانية ضد الليبراليين مثلما قاتل العلماء الفلاسفة، وكانت الكنيسة تطمح للإبقاء على هيمنتها، وظهر سلطانها أيضًا في صورة الاضطهاد الكنسي للمفكرين أو لمن ينتقد تعاليمها أو الفساد المستشري فيها، وكانت نتائج هيمنة الكنيسة على أوروبا (مع جملة من الأحداث) كارثية، فلم يعد المطلوب إصلاحها، بل أصبح المطلوب هدمها؛ ومع ذلك، كانت الكنيسة قادرة فقط على القيام بمناهضة النزعات الفكرية التي بدأت تأخذ طريقها في المجتمعات الغربية من ومع ذلك، كانت الكنيسة قادرة فقط على القيام بذلك من خلال استخدام حجج مأخوذة من الإمام الغزالي والمعروفة باللغة اللاتينية باسم «الجزيل»، ويمكن أن نرى حتى من هذه الحلقة مدى تأثر أوروبا في ظل الحضارة الإسلامية بالتيارات الفكرية بين المسلمين، وعلى الرغم من هذه الجهود؛ إلا أن المادية لم تنتهِ عند هذا الحد، ويبدو أن الكنيسة كانت تعتمد على قوتها السياسية أكثر من قدرتها على الإقناع الفكري، حتى إن بعض النخب المسيحية الحاكمة اللاحقة لعبت بالنار؛ حيث كانت تعتمد على عناصر من الفكر المادي لدعم سلطتها وتوفير ثقل مواز في صراعها ضد الكنيسة، والفكر المادي لم يهزم بشكل مقنِع وظل خامدًا تحت الأرض.

على النقيض من الإسلام، كان للمسيحية الأوروبية عيبان أساسيان، أحدهما سياسي والآخر فكري، وهذا ما استغله الفلاسفة الماديون، وكان الخلل السياسي الأول في أوروبا المسيحية هو عدم وجود وحدة في حكمها، مما أدى إلى استمرار الاقتتال الداخلي، وتم تقسيم الحكم بين الكنيسة والدولة، وكان هذا إرثًا من الأباطرة الرومان السابقين الذين تبنّوا المسيحية لكنهم استمروا في تنفيذ القانون الروماني؛ مما أدى إلى تقييد رجال الدين عن الإشراف على الشؤون «الدينية» الضيقة، كما قبل المسيحيون من جانبهم هذا التقسيم بسهولة.

لقد كان نبي الله عيسى عليه السلام مُؤيَّدًا بالوحي، وقد أُرسل في الحقيقة لبني إسرائيل؛ لكن المسيحيين جادلوا بأن القواعد التفصيلية المتعلقة بشؤون الحياة التي ينقلها عيسى عليه السلام تنطبق فقط على اليهود، وأن غير اليهود كانوا أحرارًا في إطاعة الملوك الدنيويين بدلًا من ذلك. كما أصبحت العقيدة المسيحية متأثرة بالفلسفة السائدة لفصل المادة عن الروح، وجاء المسيحيون ليعتبروا الغرض من رجال الدين فقط للإشراف على المتدينين والروحانيين، تاركين الحكام لحكم الزمان والمادة، وعندما أعادت أوروبا بناء نفسها بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية، استمرت الكنيسة الرومانية في نفس النموذج؛ حيث حصرت نفسها في الشؤون الروحية والتخلي عن مسؤولية الشؤون المادية لملوك أوروبا. علاوة على ذلك، فإنه على الرغم من أن رجال الدين لديهم «بابا» واحد كرئيس خلال تاريخ أوروبا المبكر، فقد ظلت أراضي أوروبا منقسمة بين عدد من الملوك الطموحين المتصارعين الذين كانوا دائمًا في حالة حرب مع بعضهم البعض. فأما الكنيسة فقد صادرت عقل الإنسان برمته، إذ فرضت عليه أن يستقي تصوره للوجود من خلال تأويلاتها المحتكِرة للكتاب المقدس، وكانت الكنيسة تركز على الإنسان الخارجي، الذي يعترف بذنبه، ويُكَفِّر عنه، ويطوع جسده، ويتصدق، ويبجل الكنيسة، فتمنحه صك الغفران؛ لكنها لم تلتفت إلى روحانيته وصلاح نفسه (الجوَّانية)، الأمر الذي دفع مارتن لوثر (1483-1546)م (مؤسس حركة الإصلاح البروتستنتي) للبحث عن «نفسه» بعمقها الأخلاقي، ليكون رقيها هو الـمُعلي لشأن الإنسان الاجتماعي، ومن ثم نظَّرَ لوثر للطبيعة المزدوجة للإنسان، الداخلي الروحي، الأكثر أهمية، والخارجي الجسدي، وأن تطهير النفس الداخلية هو الذي يعبر عن الاختيار الحر، فإن فعل فاز بالحب الإلهي، وبهذا قوَّض مارتن لوثر بضربة واحدة عِلَّةَ وجود الكنيسة الكاثوليكية، فلم يعد لها حاجة، بل فوق ذلك فهي تقف حاجزًا بين الإنسان الراغب برضا ربه، وبالاتساق مع العالم من حوله، وبين مسعاه ذلك، وبالتالي فلا سلطة لرجال الدين بين المرء وبين تصوره لذاته أو تطهيره لنفسه أو رؤيته للعالم من حوله، أو اتصاله بربه.

كان هذا التحول الفكري ثوريًّا فتح أذهان المفكرين إلى أفكار لم تخطر لهم ببال، فانطلقوا من التمييز بين داخل الإنسان وخارجه كحيزين منفصلين، قوام الحيز الداخلي تحريرها والتركيز على فردانيتها والسعي لبلوغ الذات المتعالية والفاعلة والعقلانية، والعالم الخارجي هو العالم الحسي الذي يحمل كل أسراره ومفاهيمه وآليات فهمه داخله، دون الحاجة لأي مرجعيات غيبية تتجاوزه.

وفي القرن العاشر الهجري، تمرَّد ملوك شمال أوروبا ضد سلطة روما باسم الطوائف البروتستانتية التي تمَّ تأسيسها حديثًا، بينما استمر ملوك جنوب أوروبا في البقاء مع الكاثوليكيين الموالين للكنيسة الرومانية، ودفعت المستوطنات اللاحقة التي أصبحت تعرف باسم «سلام ويستفاليا» إلى انتقال أوروبا إلى بلدان وطوائف مختلفة. بحلول القرن الثاني عشر الهجري، كانت أوروبا المسيحية تفتقر بالكامل إلى سلطة مركزية قوية تمكّنها من مواجهة الثورة المادية، وأصبح نفاق النخبة المسيحية الحاكمة مكشوفًا بالكامل، مشيرًا إلى فسادهم، وجشعهم، وقمعهم، واستغلالهم، في تناقض تامّ مع المسيحية المعلنة، وهو صدى الأجندة السياسية للتمرد المادي عند شعوب أوروبا.

في الوقت نفسه، كان العيب الفكري الرئيسي في أوروبا المسيحية هو تبنّي طريقة التفكير الخاطئة للعقلانية اليونانية واستخدام طريقة زائفة في المنطق لتوفير مبررٍ فكري للعقيدة المسيحية. فالمنطق هو أسلوب صحيح للتفكير ولكن ليس في الأمور العقائدية؛ لأنه قادر على إخراج نتائج متضاربة فيما يتعلق بالأفكار حول الحياة، بينما يجب أن تكون العقيدة قطعية، وليس فقط بغلبة الظن؛ لأنها يجب أن تكون مبنية على أساس متين لا جدال فيه ولا يتغير من أجل بناء الثقافة ونمط الحياة والحضارة؛ لكن باستخدام المنطق.

وفي الوقت نفسه، وباستخدام آلية التفكير المنطقي نفسه، أصدر المفكرون الماديون «أدلة» خاصة بهم في الحياة باعتبار المادة مكتفية ذاتيًّا وأبدية وليس بحاجة إلى خالق، وقد أخذوا على سبيل المثال الحججَ التي طوّرها الفلاسفة المرفوضون بين المسلمين، من الذين زعموا أن خلق شيء مؤقت بشيء أبدي هو استحالة منطقية، ولم يخطر في بالهم أن مثل هذا الادعاء لم يكن له معنى حقيقي في إطار فكرة الألوهية اليونانية، باعتبارها المحرك الميكانيكي الأول في عالم حتمي، وحاول الماديون تصوير أنفسهم على أنهم «ملحدون» أمام كثير من المعتقدات الدينية؛ ولكنهم في الواقع يتبعون أسوأ الأديان، وهو الشرك الأكثر تطورًا، الذي يعزو الصفات الإلهية والخلود والاكتشاف الذاتي لهذا الخلق المادي، وقد كان المشركون في مكة الذين ارتبطوا زورًا بالله سبحانه وتعالى متفوِّقين على هؤلاء الماديين الوثنيين؛ فعلى الأقل آمن كفار مكة بالخالق.

عقيدة الحل الوسط الغربية مع المادية

لـمّا أصبح المفكرون المسيحيون غير قادرين على هزيمة التهديد المادي فكريًّا، لجؤوا إلى النهج الدفاعي بطرح الحل الوسط بين المسيحية والمادية، وفي القرن الثاني عشر الهجري، استبدل المفكرون المسيحيون بالعقلانية اليونانية النزعة التجريبية الغربية، والتي تحدّ بشكل صارم الإدراكَ، وأزال هذا النقاش الديني من المجال الفكري، ولم يفعل المفكرون المسيحيون هذا لإيذاء دينهم ولكن مخافةً عليه من هجمات الماديين الفكرية، وقد اعتبروا الإيمان بالخالق أمرًا بديهيًا وواضحًا أربكته عقول الماديين بلا داع، ونجحت التجريبية الغربية في إنهاء الجدل العام حول وجود الخالق؛ لكن النتيجة الأخرى لهذه التسوية كانت فصل الدين عن الحياة، وقد استبدل الغرب بالمسيحية عقيدةً جديدة، ووفقًا لهذه العقيدة الغربية الجديدة، لا يُعرف على وجه اليقين إلا الحياة في هذا الحياة، وما وراء هذا الحياة لا ينبغي أن يُؤخذ في الاعتبار عند تنظيم شؤون الإنسان في هذه الحياة، وفهم ما يمكن أن يكون وراء هذا الحياة متروك لكل شخص ليقرره بنفسه بشكل فردي.
«في كتابيهما: قصة الحضارة لـ»ول ديورانت»، وتاريخ الفكر الأوروبي الحديث لـ»رونالد سترومبرج» قسَّما مراحل تاريخ الفكر الغربي إلى: القرون الوسطى، وعصر النهضة، وعصر الإصلاح، والعصر الباروكي، وهو عنده «عصر ما بعد عصر النهضة، أو بمفهوم آخر عصر ما بعد حركة الإصلاح الديني الذي بدأ قرابة العام 1570م ويمتد حتى عام 1650م» ثم يصف القرن السابع عشر بعصر العقل مدلِّلًا على ذلك بقوله: «عندما يفكر المرء بجاليليو ونيوتن وديكارت وإسبينوزا وتوماس هوبز وجون لوك ولايبنتز، يستحيل عليه آنئذ أن ينكر كون القرن السابع عشر عصر العقل» ويأتي بعده عصر التنوير في القرن الثامن عشر الذي مهد لعصر مولد الأيديولوجيات في القرن التاسع عشر الميلادي».

بدأت أوروبا تتحسس طريق نهضتها بانعتاقها من سيطرة الكنيسة على الحياة والمعرفة منذ القرنين السادس والسابع عشر، وأخذ المفكرون والفلاسفة الذين وصفوا بـ»التنويريين» بوضع أسس فكرية لهذه النهضة، تقوم على المبدأ العلماني القاضي بفصل الدولة -ومن ثم الحياة بكامل تفاصيلها- عن الدين والأخلاق والقيم، وفي أحيان كثيرة، كان هؤلاء المفكرون هم أنفسهم من يضع أسس المنهج العلمي التجريبي، من أمثال فرانسيس بيكون (توفي 1626م)، ورينيه ديكارت (توفي 1650م)، وبليز باسكال (توفي 1662م)، وغيرهم؛ لذلك كان من الطبيعي أن ترى تقاطعًا بين المنهج العلمي والعلمانية، الأمر الذي وجَّه بوصلة العلم وجهة معينة، وفي الوقت نفسه اتخذ الغرب من العلم أداة وطريقة وحيدة للمعرفة بحيث هيمنت على سائر العلوم والمعارف الإنسانية، فكانت الخدمات متبادلة بين العلم والعلمانية، الأمر الذي يتطلب وضع علامات استفهام وشك كبيرة على القيمة العلمية لكثير من العلوم مثل نظرية داروين، ويضع علامات تعجب هائلة على استعمال المنهج التجريبي نفسه على معارف غير تجريبية مثل ما يوصف بالعلوم الإنسانية، فقد وجهوا بوصلة العلم أيضًا ليصبح مقتصرًا على الناحية المادية الدنيوية، فميدانه الوحيد: الطبيعة، مملكة المعرفة الإنسانية، وطريقته للتفاعل معها هي المنهج التجريبي الحسي، والهدف المعلن: ما ينفع الإنسان، وبالتالي كان لا بد من نبذ المعارف والأفكار الفلسفية «القديمة» التي رأَوا أنها غير نفعية، كالمنطق الصوري والقياس الذي لا يفعل إلا «تحصيل الحاصل»، بل نبذ الغيب جملة وتفصيلًا، والقطيعة التامة بكل ما لا يقع الحس عليه، وبالتالي فقد أصبحت النفعية غاية للعلم والفلسفة معًا، والمادية ميدانه، وهذا التقاء صارخ بالمبدأ العلماني وتسيير واضح للعلم ليكون في ركاب النفعية، فما يراه المنظرون من الأفكار نفعيًّا ماديًّا دنيويًّا فيمكن تسخير الطاقات لاقتناصه. من هنا فقد كان العلم أسيرًا لروح العصر ونزعاته الفكرية، وقامت العلمانية بأسره واستعماله لغاياتها في خدمات متبادلة بين العلمانية وبين المنهج العلمي الحسي التجريبي.

لقد سهّلت المسيحية لنفسها التبنّي السريع لهذه التسوية الجديدة. وفكرة الفصل بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية، وبين الأمور الروحية والمادية، موجودة بالفعل في المسيحية منذ العصر الروماني، كما تم شرحه في القسم أعلاه. بسبب الانقسام المتأصل داخل المسيحية نفسها فيما يتعلق بالشؤون الدينية والدنيوية، لم يُحدِث الفصل بين الدين عن الحياة سوى القليل من التغيير العملي في البداية، وكانت أوروبا مسيحية، وآمن أهلها بالعقيدة المسيحية واتبعوا التعاليم المسيحية، وسيستمرون في اتباع دينهم في حياتهم الشخصية. وأيضًا كانت الطبقة الحاكمة الأوروبية مسيحية، وستستمر في الحكم وفقًا لأي توجيه يقدّمه دينهم في شؤون الحياة. على مدى قرون من الحضارة المسيحية، اتبعت شعوب أوروبا نظرية القانون الطبيعي التي باتوا من خلالها يرون أن أفكارهم حول شؤون الحياة صحيحة دينيًا وعقلانيًا على حد سواء، وأنه حتى لو تم نحي الدين جانبًا، فإنهم سيستمرون في اتخاذ الحلول نفسها لأسباب منطقية، وقد كان المسيحيون مقتنعين بشكل عقلي -على أساس القانون الطبيعي- بأن السلطة يجب أن تُفوّض إلى حاكم واحد، وأن الزنا جريمة، وأن الأراضي التي تم تحديدها على أنها «المشاعات›› يجب أن تُشرف عليها الدولة كملكية عامة لجميع الناس من أجل الاستعمال… ولم تتغير هذه الأفكار فور انفصال الدين، ومع ذلك، وفي وقت لاحق، وعلى مدى عقود وقرون، تغيّرت معظم أفكارهم حول الحياة، ولم تعد العقيدة المسيحية متاحة لترسيخ التفكير الغربي العام في الحياة. وبالطبع توقفت الحضارة الإسلامية عن تقديم نموذج للغرب ليواصل تقليده له. ومع تجريد الحياة العامة من الروحانيات، تعمّق الدافع المادي للغرب، وطغت نظرية النفعية على نظرية القانون الطبيعي التي ترجع جذورها إلى الفلسفة المادية، وتم اختزال هدف الإنسان في الحياة إلى البحث الفردي عن الملذات المادية في هذا الحياة.

في غضون ذلك، ترك أصحاب الحل الوسط المادية دون هزيمة، وتم منع الماديين فقط من المناقشات العقائدية، وبالتالي تم الدفع بهم بدلًا من ذلك بأفكار غير عقائدية، مثل الـمُثل السياسية الوثنية للحرية والديمقراطية. كانت الثورة الفرنسية في القرن الثاني عشر الهجري، تمردًا مدعومًا من الماديين لم يظهر إلا بواجهة الحرية والديمقراطية، وفشلت الثورة سياسيًا بسبب التخريب الذي قامت به بريطانيا؛ ولكن الأفكار السياسية الجديدة التي أدخلتها اكتسبت قبولًا فكريًّا واسع النطاق في فرنسا وعبر الغرب. في القرن الثالث عشر الهجري، بعد أن دُفنت العقلانية اليونانية بالكامل، عاد الماديون مرة أخرى إلى موضوع عقيدتهم، وقدّم كارل ماركس ماديته العلمية ضمن الإطار التجريبي، حتى إنه عرّف التفكير نفسه بمصطلحات تجريبية بأنه ليس أكثر من انعكاس للواقع على الدماغ. وخوفًا من الثورات التي اجتاحت أوروبا، تعهد الغرب بالتسوية الثانية، وابتكر نسخًا معدلة من الحرية والديمقراطية فردية وتطوعية تتوافق مع العقيدة الغربية، ولا تشكل تهديدًا للنظام الغربي الراسخ. وبإضافة هذه الأفكار السياسية إلى عقيدة فصل الدين عن الحياة، تكون أيديولوجية الرأسمالية الغربية قد اكتملت الآن وانتهت الحضارة المسيحية تمامًا. لقد أنقذ الغرب نفسه بالتنازلات التي قام بها من أهوال الفكر المادي الشمولي، والأيديولوجية الشيوعية الجماعية والحتمية بنسختها المادية الأصلية من الحرية والديمقراطية سيطرت على جزء كبير من الحياة في القرن الرابع عشر الهجري؛ ولكن الأيديولوجية الرأسمالية الغربية هي التي ظلت سائدة في الحياة وهي المسؤولة عن معظم الشرّ الموجود اليوم، وعزّزت الأيديولوجية الرأسمالية الجديدة من التفكير في الغرب، وحوَّلتهم من مقلدين ومحاكين إلى مبتكرين وقادة؛ ولكنهم مبتكرين وقادة شكلتهم أيديولوجية خاطئة لا تستغل سوى الجنس البشري داخل المجتمع الغربي، وكذلك في جميع مجالات الحياة. إن الحرية والديمقراطية، حتى في أحسن أشكالهما، كانتا كارثتين للبشرية جمعاء، وقد أطلقت الرأسمالية العنان بالكامل للتجاوزات الشرسة الجشعة لأمراء الغرب المسيحيين السابقين، فعادت الآن العصور المظلمة.

يجب رفض كل من العقلانية اليونانية والتجريبية الغربية

كان المفكرون المسيحيون محقِّين عندما رفضوا الفلسفة المعيبة جدًا للمفكرين اليونانيين، فالتفكير المنطقي هو ببساطة أسلوب رسمي للاشتقاق من المقدمات الأساسية للأفكار المجردة، كما في الرياضيات أو المنطق أو القواعد، وقد افترض اليونانيون الجاهلون أن المقدمات المتعلقة بالحياة الحقيقية ستكون بديهية، فابتكروا أنظمة فكرية واسعة حول الحياة دون تقديم أي دليل من الواقع؛ لكن التفكير المنطقي له حدّان إضافيان، الأول أنه إذا كانت الفرضية تخمينية، فإن نتيجتها المشتقة يمكن أيضًا أن تكون تخمينية، والثاني أنه من السهل الوقوع في استنتاج خاطئ؛ لذلك يمكن للمقدمات نفسها إعطاء نتائج متضاربة، ومع ذلك، كان الإغريق واثقين جدًّا من تفكيرهم المنطقي لدرجة أنهم اعتبروه متفوقًا على التجربة المباشرة، وحتى لو كانت نتيجته تخالف الواقع، فكانوا يفترضون حينها أن إدراكهم للواقع هو الذي خدعهم، وقد لجأ الإغريق القدماء إلى التأمل الفلسفي حتى في العلوم التجريبية، وكانت لديهم القليل من الحاجة أو الصبر للمراقبة الدقيقة والتجريب. بالطبع، وجد المسيحيون في البداية أن التفكير المنطقي أداة رائعة لإثبات بعض الجوانب غير المنطقية للعقيدة المسيحية؛ ولكن التفكير المنطقي كان أكثر فائدة في أيدي الماديين، الذين احتاجوا إلى تبرير ادِّعائهم غير المنطقي بأن الكون المادي يمكن أن يوجد من عدم، وأخيرًا، رأى المفكرون المسيحيون في التجريبية طريقة للخروج من العقلانية اليونانية. ومن خلال عزل الدين عن النقاش الفكري، لم يقم المسيحيون بتفحص الهجمات المادية فحسب، بل أنقذوا أنفسهم أيضًا من الاضطرار إلى الدفاع فكريًّا عن الجوانب غير العقلانية للعقيدة المسيحية. ومثل معظم التطورات الأخرى، كانت التجريبية أيضًا مستوحاة من المناقشات السابقة في الحياة الإسلامية، وفي هذه الحالة فإن النقاش حول نظرية «الطبلة البيضاء» للعقل كصورة بيضاء لا تتطوَّر إلا من خلال الاتصال بالواقع، استغل المفكرون المسيحيون التجريبية باعتبارها بديلًا مناسبًا للعقلانية اليونانية.

كان الغرب المسيحي قد بدأ بالفعل بتبنّي المنهج التجريبي فيما يُسمى «الثورة العلمية» للغرب في القرن الحادي عشر الهجري، من خلال تكرار الملاحظات والتجارب التي قام بها علماء مسلمون قبل ذلك بقرون. هذه هي الطريقة التجريبية التي ساقها التجريبيون زورًا على جميع الأفكار حول الحياة. إن الطريقة التجريبية هي طريقة تفكير صالحة، إن كان الغرض منها هو دراسة طبيعة الأشياء كما هي موجودة، وتتطلب الطريقة إخضاع الأشياء بشكل متكرر لشروط محددة سلفًا للرقابة ولدراسة استجابتها، ويمكن أن يخبرنا تطبيق الطريقة التجريبية على وجه اليقين أن الماء تحت ضغط جوي واحد يغلي عندما تصل حرارته إلى 100 درجة مئوية؛ أو أن الضوء ينتقل بسرعة ثابتة في الفراغ تبلغ (299،792،458) مترًا في الثانية، ولكن الطريقة التجريبية لا تخبرنا شيئًا عن الظواهر التي لا يمكن تكرارها في ظل ظروف مضبوطة، مثل الأحداث التاريخية، أو الاستجابات غير الميكانيكية للكائنات الحية، الشيء نفسه ينطبق على دراسة موضوعات مثل السياسة وعلم النفس، بغض النظر عن مدى شعبية مناهج «الدراسات المدفوعة» اليوم. حتى في مجال العلوم التجريبية نفسها، فإنه من الضروري تجاوز المنهج التجريبي من أجل تنظير التفسيرات العلمية، فالطريقة التجريبية وحدها لن تخلص إلى قانون «بويل» أو نظرية «أينشتاين» النسبية العامة. والفرضيات والنظريات وحتى القوانين العلمية هي تعميمات تخمينية تُستنبط من مجموعات محدودة من البيانات وتتوسع فيها، وكانت ميكانيكا نيوتن نظرية جيدة لعصرها واستفادت منها البشرية؛ ولكن عندما فشلت في شرح البيانات التجريبية المتوفرة حديثًا حلّت محلها النسبية الآينشتينية، ومن المعروف اليوم أن النسبية هي أيضًا قاصرة؛ وغير كافية لتفسير التأثيرات الكمومية؛ لكن الفيزيائيين لم يتفقوا بعد على نظرية يمكنها تجاوز النسبية الآينشتينية. تستخدم النظريات العلمية الاستقراء، الذي ينتقل من الخاص إلى العام، بدلًا من الاستنتاج، والذي ينتقل من العام إلى الخاص، والاستقراء بالضرورة تخمين؛ لأن الافتراضات تقتضي وضعها عند التعميم ضمن بيانات محدودة، ويمكن أن تعطينا الطريقة التجريبية نتائج نهائية؛ ولكن نطاق الطريقة التجريبية ضيق للغاية.

تستجيب التجريبية الغربية للقلق بشأن محدوديتها من خلال مطالبة الإنسان بالرضا عن نفسه بمعرفة نهائية لإدراكه الفوري فقط؛ ولكن التجربة اليومية الروتينية تُظهر أنه يمكننا أن نكون متأكدين مما هو أكثر بكثير من مجرد ما يمكننا رؤيته بأنفسنا، ويمكنني أن أكون متأكدًا من الاستنتاجات التي أصل إليها طالما أنها محدودة ولا تتضمن أي تعميم، فإذا وجدت كوبًا ساخنًا من الشاي على المنضدة في غرفتي، فأنا أعلم دون أدنى شك أن أحدهم قام بوضعه هناك، حتى لو لم أرَ أي شخص يفعل ذلك، ويمكنني أن أكون متأكدًا لأنني أنتقل من حقيقة محددة معروفة إلى نتيجة سليمة محددة دون تعميم، فأنا لا أدافع عن نظرية عامة حول جميع أكواب الشاي الممكنة في جميع الغرف الممكنة في جميع الأعمار الممكنة، أنا أتحدث فقط عن كوب الشاي الساخن المحدد هذا الذي أجده أمامي في هذا الوقت بالذات، وفيما يتعلق بهذا، وأنا على دراية تامة بالظروف القائمة، فمن الممكن بالنسبة لي أن أصل إلى نتيجة فكرية محددة جدًّا، خالية من أي شك، وأستطيع أن أعرف شيئًا ما بيقين تام حتى لو لم أره مباشرة، ويمكن أيضًا معرفة وجود الخالق بثقة تامة، طالما أننا ننتقل من الواقع الحسي المحدد إلى الاستنتاج المحدد دون حاجة لوضع تعميمات حول الحياة، بمعنى آخر دون استخدام الاستقراء أو الاستنتاج في الفكر فيما يتعلق بالواقع، وهذا هو النهج الذي يتبعه الإنسان بشكل حسّي عندما يلاحظ شيئًا رائعًا في الخلق ويدرك أنه لا يمكن أن يصنع نفسه ولا يمكن لأي شيء آخر في هذا الحياة أن يصنعه، ويجب أن ندرك هذا النهج الحسي باعتباره طريقًا فكريًّا مشروعًا.
كانت كل من العقلانية اليونانية والتجريبية الغربية مخطئة في اكتساب المعرفة لأنهما فشلتا في تعريف العقل أو التفكير عند الإنسان بشكل صحيح. إن العقل أو التفكير في الحياة يتكون بأربعة عناصر: الواقع، والإحساس، والدماغ، والمعلومات السابقة، وإذا غاب أي من هذه الأربعة فلا يمكن أن يحدث التفكير، ولا يمكن للإنسان إنشاء معلومات سابقة ابتداء، ولكن إذا ما تم إبلاغه ببعض المعلومات الأولية، فيمكنه تطويرها وتوسيعها، وهذا ما يزيد من قدرته على التفسير، وهو قادر بدوره على توصيل قدر أكبر من المعلومات للآخرين. إن عملية التفكير في الإنسان هي كما يلي: ينتقل الإحساس بالواقع من خلال الحواس إلى العقل حيث يتم تفسيره وفقًا للمعلومات السابقة ذات الصلة، وهذه هي الطريقة العقلية في التفكير، ومن الضروري التمييز بين الأسلوب والطريقة؛ فالتفكير المنطقي والطريقة التجريبية كلاهما أسلوبان صالحان في التفكير، ولكن تطبيقهما محدود، وطريقة التفكير العقلي عامة لجميع الفكر في الحياة لأنها تصف التفكير نفسه.

لقد سعى الإغريق الكفار القدامى والغرب الكافر الحاضر إلى تعريف أصل المعرفة أو المعلومات السابقة من غير الاعتراف بالله سبحانه وتعالى، واعتبر الإغريق أن الدماغ نفسه هو مصدر المعلومات، وقد تصوروا أن حقيقة أي موضوع يمكن معرفتها ببساطة من خلال التأمل الذهني، ويلزم في ذلك أن تكون الأحكام متسقة داخليًا فقط، دون الحاجة إلى أدلة خارجية. لقد أعطت فلسفة العقلانية الإغريق السخيف مساحة لتداول أي شأن وكل شيء يثير اهتمامهم أو يأسر خيالهم، وقادهم ذلك إلى بناء نماذج فكرية خيالية أكثرها أوهام لافتة حول واقع الحياة، وقد ابتكروا حلولًا لمسائل حياتية سبَّبت بؤسًا لا يُوصف للناس، مثل فكرة إلغاء الأسرة التي يناضل الماديون حتى اليوم من أجل إنفاذها؛ لكن في سعيها للسيطرة على الفكر، ذهبت التجريبية الغربية إلى الطرف النقيض، ففي حين أن مصدر المعرفة كان بالنسبة لليونانيين هو الدماغ، أصبح مصدر المعرفة بالنسبة للتجريبيين حقيقة، وما يمكن إدراكه بشكل مباشر يمكن معرفته على وجه اليقين، واكتسبت العلوم التجريبية مكانة مبالغ فيها، وتم توسيعها للحكم على أمور خارج نطاقها الحقيقي، مثل ما يتعلق بخلق الإنسان، وقد تم نشر منهجية العلوم التجريبية بشكل خاطئ من خلال فلسفة ما يُسمَّى «العلوم الاجتماعية» لتطوير حلول مفصّلة حول الحياة؛ ولتحقيق ذلك، خلطت التجريبية الغربية بين الإيجابي والمعياري، والخلط بين ما يجب أن يكون، وقامت بدراسة الظروف الحالية للإنسان لاستخراج الحلول من الظروف نفسها، حتى تتوفر للإنسان الأفكار اللازمة للخروج من مآزقه الحالية، وقد فشل التجريبيون في إدراك أن الواقع بمفرده غير قادر على توليد الفكر، بل يجب تفسيره، ويتطلب العقل أن يجمع الدماغ بين الإدراك الحسي المنقول إليه من الواقع مع المعلومات السابقة المتعلقة بالمسألة المطروحة، ومصدر المعرفة ليس الذهن ولا حقيقة هذا الحياة، بل إن مصدرها هو الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى هو الذي وضع أمامنا هذا الحياة وجهزنا بالحواس والعقل، وهو الذي أعطانا المعلومات الأولية السابقة التي مكَّنت الإنسان الأول من البدء في تفسير ما يدركه عن الكون، مما مكّنه من تشكيل الأفكار التي يمكنه نقلها بعد ذلك إلى بقية البشر.

لا يمكن فصل الدين عن الحياة

يجب أن ينتهي فصل الدين عن الحياة، ويجب أن تتماشى الأهداف في الحياة العامة مع الأهداف في الحياة الخاصة. إن الفلسفة الصحيحة للحياة ليست فصل الروح عن المادة بل هي مزج الروح مع المادة، ويجب أن يشارك الإنسان بشكل كامل في شؤون الحياة ليس من أجل هدف مادي ولكن من أجل هدف روحي متسامٍ مع وجوب إعطاء الأهمية ليس فقط للقيمة المادية ولكن أيضًا للقيمة الأخلاقية والإنسانية والروحية في الحياة، والتأكيد على أن مصير الإنسان الحقيقي ليس في هذا الحياة بل في الحياة التالية.

يجب على الإنسان أن يبني حياته وحضارته على أساسٍ فكري سليم وشامل يحلّ أعظم تساؤلاته المتعلقة بحياته وما بعدها، ويتعلق جوهر كيان الإنسان وهدفه في الحياة بمسألة وجود الخالق، وهو السؤال الذي لا يمكن إبعاده عن الحياة الخاصة للفرد، بل بناءً على إجابته، تتشكل الأسس والبنية الكاملة لمجتمع الإنسان والدولة والحضارة. إن حقيقة وجود خالق يمكن إدراكها يقينيًا بالعقل، بالنظر إلى ما تدركه الحواس من الموجودات، التي من الواضح أنها غير قادرة على الوجود وحدها في ذاتها، وكل شيء محدود ومحتاج، وكل محتاج مخلوق، وعندما يتم استخدام العقل لتفسير هذه الحقيقة، فإن التفسير الوحيد الممكن الذي يمكن أن يخلص إليه العقل هو أن كل موجود أُنشئ من قِبل خالق يتجاوز الإدراك المباشر للإنسان، وهذا الاستنتاج نهائي لأنه يستخدم واقعًا محسوسًا محددًا للوصول إلى نتيجة فكرية محددة دون وساطة أي افتراضات عامة حول الحياة، والسبب في حجب هذا الاستنتاج ليس لأن الإنسان غير قادر على الوصول إليه، بل لأنه قد تم تضليله ليفترض أن تفكيره الطبيعي والحسي ليس صحيحًا بطريقة عقلانية.

توفّر العقيدة الإسلامية حلًا فكريًا شاملًا لمسألة وجود الإنسان وهدفه في الحياة، مبنيًا على الفهم الصحيح والنقي لهذا الحياة وما بعدها، ويجب أن يأخذ الإنسان هدفه في الحياة وحلوله لمشاكل الحياة من خالقه، من خلال الوحي الذي نقله آخر الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم، في القرآن والسنة، وهذا هو ما يجب أن تقوم عليه الثقافة والحضارة، وقد حققت دولة الخلافة ذلك في الماضي، وستحققه مرة أخرى قريبًا بإذن الله، فبعد فشل الغرب اقتربت عودة الإسلام.
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31063 · الردود: 0 · المشاهدات: 893

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 06:23 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



مع القرآن الكريم

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ)



(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ١١٨) [آل عمران: 118]
جاء في خواطر الشيخ متولي الشعراوي عند تفسير هذه الآيات ما يلي:

«حين يخاطب الله المؤمنين ويناديهم بقوله: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) فلتعلم أن ما يجيء بعد ذلك هو تكليف من الحق سبحانه. فساعة ينادي الحق المؤمنين به، فإنه ينادي ليكلف، وهو سبحانه لا يكلِّف إلا من آمن به… وهو لا يكلف بـ(افعل) و(لا تفعل) إلا من آمن. أما حين يدعو غير المؤمن به إلى رحاب الإيمان، فإنه يناديه ليدخل في حظيرة الإيمان: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ). فيثير فيه القدرة على التفكير، فيقول له: فكّر في السماء، فكّر في الأرض، فكّر في مظاهر الكون، حتى تؤمن أن للكون إلهًا واحدًا. فإذا ما دخل الإنسان في حظيرة الإيمان، فالحق سبحانه وتعالى يكرم هذا المؤمن بالتكليف بـ(افعل) و(لا تفعل). وما دام العبد قد آمن بالإله القادر الحكيم الخالق القيوم، فليسمع من الإله ما يصلح حياته.

ويجيء في بعض الأحيان ما ظاهره أن الله ينادي مؤمنًا به، ثم يأمره بالإيمان كقول الحق: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) ويتساءل الإنسان كيف ينادي الله مؤمنًا به، ثم يأمره بالإيمان؟ وهنا نرى أن المطلوب من كل مؤمن أن يؤدي أفعال الإيمان دائمًا ويضيف لها ليستمر ركب الإيمان قويًّا، فالحق حين يطلب من المؤمن أمرًا موجودًا فيه؛ فلنعلم أن الله يريد من المؤمن الاستدامة على هذا اللون من السلوك الذي يحبه الله، وكأن الحق حين يقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ) إنما يحمل هذا القول الكريم أمرًا بالاستدامة على الإيمان؛ لأن البشر من الأغيار. ونحن نعرف أن الله أفسح بالاختيار مجالًا لقوم آمنوا فارتدُّوا، فليس الأمر مجرد إعلان الإيمان ثم تنتهي المسألة، لا، إن المطلوب هو استدامة الإيمان.

وحين نقرأ قول الحق: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) فلنفهم أن هناك تكليفًا جديدًا، وما دام في الأمر تكليف فعنصر الاختيار موجود، إذن فحيثية كل حكم تكليفي من الله له مقدمة هي: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) ولا تبحث أيها المؤمن في علة الحكم، وتسأل: لماذا كلفتني يارب بهذا الأمر؟ فليس من حقك أيها المؤمن أن تسأل: (لماذا) ما دمتَ قد آمنتَ؛ فالحق سبحانه لم يكلِّف إلا من آمن به، فإذا كنت- أيها المؤمن- قد آمنت بأنه إله قادر حكيم فأمن الله على نفسك، ونفذ مطلوب الله بـ(افعل) و(لا تفعل) سواء فهمتَ العلة أم لم تفهمها.

وسبق أن ضربنا المثل، وما زلنا نكرره.

إن المريض الذي يشكو من سوء الهضم بعد تناول الطعام يفكر أن جهازه الهضمي مصاب بعلة، ويفكر في اختيار الطبيب المعالج ويختار طبيبًا متخصصًا في الجهاز الهضمي، ويذهب إلى هذا الطبيب. وهنا ينتهي عمل العقل بالنسبة للمريض؛ فقد اختار طبيبًا وقرر الذهاب إليه، والطبيب يُجري الفحص الدقيق، ويطلب التحاليل اللازمة إن احتاج الأمر، ويشخص الداء، ثم يكتب الدواء، وحين يكتب الطبيب الدواء للمريض، فإن المريض لا يصح أن يقول للطبيب لن آخذ هذا الدواء إلا إذا أقنعتني بحكمته، بل عليه أن ينفذ كلام الطبيب، وهكذا يطيع المريض الطبيب، وكلاهما مساوٍ للآخر في البشرية، فكيف يكون أدب الإنسان مع خالقه؟ إن كل عمل العقل عند المؤمن هو أن يؤمن بالله، وبعد أن آمنتَ – أيها المؤمن- بالله حكيمًا، فَتَلَقَّ عن الله الحكم؛ لأنه مأمون على أن يوجهكَ؛ لأنك أنت صنعته.

إن الحق يأمر المؤمن بالصلاة، وعلى المؤمن أن يؤديها، ولا يبحث عن علة الصلاة كأنها رياضة مثلًا، لا، إن الأمر صادر من الحق بالصلاة، وحين تصلي، فإنك تلتفت إلى أن نفسك قد انشرحت بالصلاة وشعرت بالراحة، فتقول لنفسك: ما أحلى راحة الإيمان؛ هذه هي علة الحكم الإيماني. إن علة الحكم الإيماني يعرفها المؤمن بعد أن ينفذه؛ ولذلك نجد الحق من فضل كرمه يقول لنا: (وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ) [البقرة: 282].

فأنت ساعة أن تتقي الله في الحكم، يعطيك العلة، ويعطيك راحة الإيمان، إنك أيها العبد لا تسأل أولًا عن الاقتناع بالعلة حتى تنفذ حكمًا لله؛ لأن الحق سبحانه قد يؤجل بعض حيثيات الأحكام لخلقه قرونًا طويلة، ومثال ذلك أننا ظللنا لا نعرف علة حكم من الأحكام لمدة أربعة عشر قرنًا من الزمان مثل تحريم أكل لحم الخنزير، فهل كان على العباد المؤمنين أن يؤجلوا أكل لحم الخنزير أربعة عشر قرنًا إلى أن يمتلكوا معامل للتحليل حتى نعرف المضار التي فيه؟. إن العباد المؤمنين لم يؤجلوا تنفيذ الحكم، ولكنهم نفذوه، واكتشف أحفاد الأحفاد أن فيه ضررًا، وهذا يدفعنا إلى تنفيذ كل حكم لا نعرف له علة، إن هذا الحكم له حكمة عند الله قد لا يستطيع عقل الإنسان أن يفهمها، ولكن ستأتي أشياء توضح بعض الأحكام فيما لم يكن يعرفه الإنسان، وتعطينا تلك الإيضاحات الثقة في كل حكم لا تعرف له علة، وتصبح علة كل حكم هي:

(يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ)… إن الحق بهذا القول ينادي كل عبد من عباده: يا من آمنت بي إلهًا خذ مني هذا التكليف. ومثال ذلك – ولله المثل الأعلى – عندما يقول الطبيب: يا من صدَّقت أني طبيب لمرضك خذ هذا الدواء وستشفى بإذن الله. وعندما يزور الإنسان مريضًا ويسأله: لماذا تأخذ هذا الدواء؟ فالمريض يجيب: لقد كتب الطبيب لي هذا الدواء. فما بالنا بتنفيذ أحكام الله؟ إنه يجب أن ننفذها لأن الله قالها… فالعقل يوصلك إلى أن تؤمن بالله؛ ولكنه لا يحشر نفسه فيما ليس له قدرة عليه.

إن الحق سبحانه في هذا التكليف القادم: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ) أي إنكم ما دمتم قد آمنتم، فعليكم الحفاظ على هذا الإيمان بأن تبعدوا عنه نزغ الشيطان وكيد الأعداء. إن نزغ الشيطان وكيد الأعداء إنما يأتي من البطانة التي تتداخل مع الإنسان. ولنفهم كلمة (بطانة) جيدًا، إن بطانة الرجل هم خاصته، أي الناس الذين يصاحبهم ويجلسون معه ويعرفون أسراره، وكلمة (بطانة) مأخوذة أيضًا من بطانة الثوب… فالصانع يضع للثوب الخشن بطانة ناعمة؛ لأنها التي تلتحم بالجسم حتى تحميه؛ فنحن نرتدي الصوف ليعطينا الدفء، ونضع بينه وبين الجسم بطانة لنبعد عن الجسم خشونة الصوف، ويسمون البطانة بالوليجة، أي التي تدخل في حياة الناس، وكل شر في الوجود من هذه البطانة…

هكذا كان سلوك الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يعطي القدوة للناس، وحتى يعرف كل إنسان أن التحام الناس بعضهم ببعض قد يسبب لواحد استغلال الالتحام في غير صالح الإيمان؛ لذلك يقول الحق سبحانه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) تنبهوا إلى أنكم في معسكر من غير المؤمنين يقاتلكم ويعاند إيمانكم، وهؤلاء لا يمكن أن يتركوكم على إيمانكم، بل لابد أن يكيدوا لكم، وهذا الكيد يتجلى في أنهم يدسُّون لكم أشياء، وينفذون إليكم.

ونعرف جميعًا أن الإسلام عندما جاء، كان كثير ممن آمن له ارتباطات بمن لم يسلم؛ فهناك القرابة، والصداقة، والإلف القديم والجوار، والأخوة من الرضاعة؛ لذلك يحذر الحق من هذه المسائل، فلا يقولن مؤمن: هذا قريبي، أو هذا صديقي، أو هذا حليفي، أو هذا أخي من الرضاعة، فالإسلام يحقق لكم أخوة إيمانية تفوق كل ذلك؛ ولهذا فإيَّاكم أن تتخذوا أناسًا يتداخلون معكم بالودِّ؛ لأن الشر يأتي من هذا المجال، وإيَّاكم أن تعتقدوا أن فجوة الإيمان والكفر بينكم ستذهب أو تضيق؛ لأن الكفار لن يتورَّعوا أن يدخلوا عليكم من باب الكيد لكم ولدينكم بكل لون من الألوان، وهم- الكفار- لا يقصرون في هذا أبدًا؛ لذلك يأتي الأمر من الحق: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ)احموا هذا الإيمان فلا تتداخلوا مع غير المؤمنين تداخلًا يفسد عليكم أمور دينكم؛ لأنهم لن يهدؤوا، لماذا؟؛ لأن حال هذه البطانة معكم سيكون كما يلي: (لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا) أي لا يقصِّرون أبدًا في الكيد لكم، والخبال: هو الفساد للهيئة المدبِّرة للجسم وهو العقل، ونحن نُسَمِّي اختلال العقل (خبلًا).إن الحق يقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ١١٨) [آل عمران: 118].

فالمنهي عنه ليس أن تتخذ بطانة من المؤمنين؛ ولكن المنهيَّ عنه هو أن تتخذ بطانة من غير المؤمنين؛ لأن المؤمن له إيمان يحرسه، أما الكافر فليس له ما يحرسه، والبطانة من غير المؤمنين لا تقصِّر في لحظة واحدة في أنها تريد للمؤمنين الخبال والفساد، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنهم يحبون العَنَتَ والمشقة للمؤمنين (وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ) والحق سبحانه وتعالى لا يريد لنا العنت، وفي هذا يقول سبحانه: (وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ) [البقرة: 220]. أي أنه سبحانه لو أراد، لكلَّفكم بأمور كثيرة تحمل المشقة؛ لكن الحق سبحانه يَسّر لكم أيها المؤمنون؛ لكن أهل الكفر لا يودُّون إلا الخبال للمؤمنين، ويحبُّون المشقة لهم.

ومن أين تنشأ المشقة؟ إنك حين تكون مؤمنًا، فأنت تقوم بما فرضه عليك الدين، وهم يحاولون أن ينفخوا في المؤمن بغير ما يقتضيه هذا الدين، فتتوزع نفس المؤمن، وبهذا النفخ تنقسم ملكات المؤمن على نفسها، وعندما تنقسم الملكات على نفسها فإن القلق والاضطراب يسيطران على الإنسان، فالقلق والاضطراب ينشآن عندما لا تعيش الملكات النفسية في سلام وانسجام.

ونحن نرى ذلك في المجتمعات التي وصلت إلى أرقى حياة اقتصادية وأمورهم المادية ميسرة كلها، فالشيخوخة مُؤَمَّنة، وكذلك التأمينات الصحية والاجتماعية، ودخل الإنسان مرتفع، لكنهم مع ذلك يعيشون في تعب، وترتفع بينهم نسبة الانتحار، وينتشر بينهم الشذوذ، والسبب وراء كل ذلك هو أن ملكاتهم النفسية غير منسجمة، وسلام الملكات النفسية لا يتحقق إلا عندما يؤمن الإنسان، ويطبق تعاليم ما يؤمن به. فالرجل – على سبيل المثال – حين ينظر إلى حلاله، أي زوجته، ينظر إليها براحة ويشعر باطمئنان؛ لأن ملكاته النفسية منسجمة، أما عندما تتجه عيناه إلى امرأة ليست زوجته، فإنه يراقب كل من حوله حتى يعرف هل هناك من يراه أو لا؟ وهل ضبطه أحد أو لا؟ وعندما يضبطه أحد فهو يفزع وتتخبط ملَكاته.

لذلك يحذر الحق سبحانه المؤمنين: إياكم من البطانة من غير المؤمنين؛ لأنهم لايقصِّرون أبدًا ولا يتركون جهدًا من الجهود إلا وهم يحاولون فيه أن يدخلوكم في مشقة. والمشقة إنما تنشأ من أن الكافر يحاول أن يجذب المؤمن إلى الانحراف والاضطراب النفسي وتشتت الملكات مستغلًّا القرابة والصداقة، مطالبًا أن يرضيه المؤمن بما يخالف الدين، ولا يستطيع المؤمن التوفيق بين ما يطلبه الدين وما يطلبه الكافر؛ لذلك تنقسم ملكات المؤمن ويحس بالمشقة. والكافرون لا يتركون أي فرصة تأتي بالفساد للمؤمنين إلا انتهزوها واغتنموها. (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةٗ مِّن دُونِكُمۡ لَا يَأۡلُونَكُمۡ خَبَالٗا وَدُّواْ مَا عَنِتُّمۡ قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ). وما دامت البغضاء قد بدت من أفواههم فكيف نتخذهم بطانة؟ إنك حين تصنع لنفسك جماعة من غير المؤمنين، فإنها تضم بعضًا من المنافقين غير المنسجمين مع أنفسهم. والمنافق له لسان يظهر خلاف ما يبطن. وعندما يذهب المنافق إلى غير المؤمنين فإن لسان المنافق ينقل بالسخرية كلام المؤمن. هكذا تظهر البغضاء من أفواه المنافقين المذبذبين بين ذلك، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إنهم لا ينتمون إلى الإيمان ولا ينتمون إلى الكفر، والذي يصل المؤمنين من بغضاء هؤلاء قليل؛ لأن ما تخفي صدورهم أكبر. وحين تبدو البغضاء من أفواههم، فإما أن يقولوها أمام منافقين، وإما أن يقولها بعضهم لبعض، فيتبادلوا الاستهزاء والسخرية بالمؤمن، والله أعلم بمن قيل فيه هذا الكلام؛ ولذلك فعندما يتحدث الكافرون بكلام فيما بينهم فالله يكشفهم ويفضحهم لنا نحن المؤمنين.

إن الله تعالى يكشف بطلاقة علمه كل الخبايا، وكان على الكافرين والمنافقين أن يعلموا أن هناك إلهًا يرقب عملية الإيمان في المؤمن حتى ينبِّهَه إلى أدق الأشياء؛ لكنهم كأهل كفر ونفاق في غباء، لقد كان مجرد نزول قول الحق: (قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ) كان ذلك فرصة أمامهم ليدفعوا عن أنفسهم لو كانت صدورهم خالية من الحقد؛ لكنهم عرفوا أن الله قد علم ما في صدورهم. إن الغيظ الذي في قلوب هؤلاء الجاحدين الحاقدين قد نضح على ألسنتهم؛ ولكن مَن الذي نقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ما في صدور الكافرين مما هو أكثر من ذلك؟ إنه الله – جلت قدرته- قد فضحهم بما أنزل من قوله تعَـالى: (وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ ُ)إذن لم يعد لمن آمن بالله حجة؛ لأن الله أعطاه المناعات القوية لصيانة ذلك الإيمان، وأوضح الحق للمؤمنين أن أعداءهم لن يدَّخروا وسعًا أبدًا في إفساد انتمائهم لهذا الدين، فيجب أن ينتبه المؤمنون. وإذا ما دققنا التأمل في تذييل الآية نجد أن الحق قال: (قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ) إذًا، فالآيات المنزلة من الله تعالى توضح ذلك، وقد قلنا من قبل: إن الآيات، إما أن تكون آيات قرآنية، وإما أن تكون آيات كونية، فالقرآن له آيات، والكون له آيات. ولنسمع قول الحق بالنسبة للقرآن (وَإِذَا بَدَّلۡنَآ ءَايَةٗ مَّكَانَ ءَايَةٖ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوٓاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفۡتَرِۢۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ١٠١) [النحل: 101]. وفي مجال الكون يقول الحق سبحانه: (وَمِنۡ ءَايَٰتِهِ ٱلَّيۡلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُۚ لَا تَسۡجُدُواْ لِلشَّمۡسِ وَلَا لِلۡقَمَرِ وَٱسۡجُدُواْۤ لِلَّهِۤ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ ٣٧) [فصلت: 37].

وهكذا نعلم أن الآية هي الشيء العجيب اللافت الذي يجب أنه ننتبه إليه لنأخذ منه دستورًا لحياتنا. وعلى ذلك، فالآيات القرآنية تعطي المنهج، والآيات الكونية تؤيد صدق الآيات المنهجية. ويجب أن تتفطَّنوا أيها المؤمنون إلى هذه الآيات. والذي يدل على أن المؤمنين قد عقلوا وتفطَّنوا، أن الآية الأولى بيَّنت أنهم قد نهوا عن أن يتخذوا بطانة من دونهم- أي من غير المؤمنين- وها هي ذي الآية التالية تقول: (هَٰٓأَنتُمۡ أُوْلَآءِ تُحِبُّونَهُمۡ وَلَا يُحِبُّونَكُمۡ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱلۡكِتَٰبِ كُلِّهِۦ وَإِذَا لَقُوكُمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ عَضُّواْ عَلَيۡكُمُ ٱلۡأَنَامِلَ مِنَ ٱلۡغَيۡظِۚ قُلۡ مُوتُواْ بِغَيۡظِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ١١٩).
  المنتدى: عقائد ومذاهب · مشاهدة الموضوع: #31062 · الردود: 0 · المشاهدات: 5,807

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 06:18 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



مجلة الوعي

«أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي»

أخرج البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، يقولُ اللَّهُ تَعالَى: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً».
إِنَّ ذِكرَ اللهِ تَعالَى من أجَلِّ العِباداتِ التي يَتقرَّبُ بها الـمُسلِمُ إلى ربِّه، ويَشمَلُ كلَّ ما تَعبَّدَنا اللهُ عزَّ وجلَّ به ممَّا يَتعلَّقُ بتَعظيمِه والثَّناءِ عليه، مع حُضورِ القَلبِ واللِّسانِ والجَوارِحِ، وقد أمَرَ اللهُ تَعالَى عِبادَه بذِكرِه، ورتَّب على هذا الذِّكرِ جَزاءً عَظيمًا.
وفي هذا الحَديثِ القُدسيِّ يَروي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن رَبِّه سُبحانَه وَتَعالَى أنَّه يَقولُ: «أنا عِندَ ظَنِّ عَبْدي بي»، يَعني: إن ظَنَّ باللهِ خَيرًا فَلَه، وإن ظَنَّ بِه سِوَى ذلك فَلَه، وحُسنُ الظَّنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ يَكونُ بفِعلِ ما يُوجِبُ فَضلَ اللهِ وَرَجاءَه، فيَعمَلُ الصَّالِحاتِ، ويُحسِنُ الظَّنَّ بأنَّ اللهَ تَعالَى يَقبَلُه، فاللهُ سُبحانَه عِندَ مُنتهَى أمَلِ العَبدِ به، وعلى قَدرِ ظَنِّ واعتِقادِ العَبدِ فيه، ويَكونُ عَطاءُ اللهِ وجَزاؤُه من جِنسِ ما يَظُنُّه العَبدُ في اللهِ ثَوابًا أو عِقابًا، خَيرًا أو شَرًّا، فمَن ظنَّ باللهِ أمرًا عَظيمًا وَجَدَه وأعْطاه اللهُ إيَّاهُ، واللهُ لا يَتعاظَمُه شَيءٌ. أمَّا أن يُحسِنَ الظَّنَّ وهو لا يَعمَلُ، فهذا من بابِ التَّمَنِّي على اللهِ، ومَن أتبَعَ نَفسَه هَواها، وتَمَنَّى على اللهِ الأمانيَّ فهو عاجِزٌ. ويَقولُ اللهُ سُبحانَه: «وأنا مَعَه إذا ذَكَرَني»، أي: إذا ذَكرَني العَبدُ بالتَّسبيحِ والتَّهليلِ أو غيرِها «في نَفْسِه»، مُنفَرِدًا عن النَّاسِ، «ذَكَرْتُه في نَفْسي، وإنْ ذَكَرَني في مَلَأٍ»، في جَماعةٍ من النَّاسِ، «ذَكَرْتُه في مَلَأٍ خَيرٍ مِنهُم»، وهُم الـمَلَأُ الأعلى.
ثم قال عزَّ وجلَّ: «وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيهِ باعًا، وإنْ أتاني يَمْشي أتَيْتُهُ هَروَلةً»، أي: أنَّ إقبالَ اللهِ على العَبدِ إذا أقبَلَ العَبدُ عَليه سُبحانَه وتَعالى يكونُ أكثَرَ من إقبالِ العَبدِ عَليه، وفي هذه الجُمَلِ الثَّلاثِ بَيانُ فَضلِ اللَّه عزَّ وجلَّ، وأنَّه يُعطي أكثَرَ ممَّا فُعِلَ من أجلِهِ، فيُعطي العامِلَ أكثَرَ مِمَّا عَمِلَ. ففي الحَديث فَضلُ الذِّكرِ سِرًّا وعَلانيةً. وفيه أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُجازي العَبدَ بِحَسَبِ عَمَلِه. وفيه بَيانُ أنَّ الجَزاءَ من جِنسِ العَمَلِ. وفيه الحث على حسن الظن بالله، أنا عند ظن عبدي بي، فينبغي للمؤمن أن يحسن ظنه بالله ويجتهد في العمل الصالح؛ لأن من ساء عمله ساء ظنه وطريق إحسان الظن أن يحسن العمل وأن يجتهد في طاعة الله ورسوله حتى يكون حسن الظن بالله؛ لأنه وعد المحسنين بالخير العظيم والعاقبة الحميدة، ومن ساءت أفعاله ساءت ظنونه، ولهذا جاء في الصحيح من حديث جابر عند مسلم: «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن ظنه بالله» وفيه أيضًا أن الله مع الذاكرين، فينبغي الإكثار من ذكر الله، وهذه المعية هي معية خاصة التي تقتضي التسديد والتوفيق والكلاءة والحفظ من مثل ما في قوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ ) [التوبة:40] وفي قوله: (إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ) [البقرة: 153] وفي قوله: (قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ) [طه:46] هذه يقال لها المعية الخاصة مع أوليائه وأهل طاعته، فهكذا المعية مع الذاكرين تقتضي الكلاءة والحفظ والعناية والتوفيق والتسديد، فينبغي للمؤمن أن يكون مع الذاكرين لا مع الغافلين، ومن صفات أهل النفاق قلة ذكر الله، كما قال جلَّ وعلا: ( إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا
وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا) [النساء: 142] أما المؤمنون فقال فيهم سبحانه: (وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا) [الأحزاب: 35] وقال سبحانه: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكۡرٗا كَثِيرٗا٤١وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا٤٢) [الأحزاب: 41- 42] وقال سبحانه: (فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱبۡتَغُواْ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ١٠) [الجمعة: 10]وقوله نعالىsad.gifفَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ١٥٢) [البقرة:152] وقال:سبحانه: (إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا ٣٥) [الأحزاب:35] فلا ينبغي للمؤمن ولا المؤمنة الغفلة، بل ينبغي أن يكون المؤمن دائمًا في ذكر بقلبه ولسانه وجوارحه حسب التيسير وبأفعاله أيضًا، فيما يتعلق بالأعمال العبادية كالطاعة… هذا فيه الدلالة على أنه سبحانه أسبق بالخير إلينا، فإذا سابقنا إلى الخير فهو به أسبق سبحانه وتعالى؛ وذلك لكمال جوده وكرمه، من سارع إلى الخيرات فالله إليه بالتوفيق والهداية والعناية أسرع؛ ولهذا قال: إن تقرب إليّ شبرًا تقرَّبت منه ذراعًا، وإن تقرَّب مني ذراعًا تقرَّبت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، كل هذا يشير إلى سعة جوده وسبقه بالخير وأما كيفية تقربه ذراعًا وباعًا فهي إليه. إن هذا لفضل عظيم يوجب حسن الظن بالله ويوجب العناية بالدعاء والضراعة إلى الله والجد في الدعاء، وهو يحب أن يُدعى، وهو مع الداعي، وهذا هو فضله جل وعلا.
قال النووي، رحمه الله، في شرح: «أنا عند ظن عبدي بي»: «قال العلماء: معنى حسن الظن بالله تعالى أن يظن أنه يرحمه ويعفو عنه، قالوا: وفي حالة الصحة يكون خائفًا راجيًا، ويكونان سواء. وقيل: يكون الخوف أرجح، فإذا دنت أمارات الموت غلّب الرجاء أو محّضه، لأن مقصود الخوف: الانكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذَّر ذلك، أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له».
وقال الحافظ في الفتح: «أنا عند ظن عبدي بي»: «أجازيه بحسب ظنه بي، فإن رجا رحمتى وظن أني أعفو عنه وأغفر له فله ذلك، لأنه لا يرجوه إلا مؤمن علم أن له ربًا يجازي، وإن يئس من حرمتي وظن أني أعاقبه وأعذبه فعليه ذلك، لأنه لا ييأس إلا كافر».
وجاء في فيض القدير: «قال ابن أبي جمرة: معنى «أنا عند ظن عبدي بي»: «ظن الإجابة عند الدعاء، وظن القبول عند التوبة، وظن المغفرة عند الاستغفار، وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكًا بصادق وعده، وقال أيضًا: لا يعظم الذنب عند الحاكم عظمة تقنطك من حسن الظن بالله، فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه، لا صغيرة إذا قابلك عدله، ولا كبيرة إذا واجهك فضله».
وروى ابن أبي الدنيا عن إبراهيم قال: «أنا عند ظن عبدي بي»: «كانوا يستحبُّون أن يلقنوا العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن الظن بربه، وقد قال بعض أئمة العلم: إنه يحسن جمع أربعين حديثًا في الرجاء تقرأ على المريض، فيشتدُّ حسن ظنه بالله تعالى، فإنه تعالى عند ظن عبده به». ذكره في سبل السلام في كتاب الجنائز.
قال ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب أن حسن الظن إنما يكون مع الإحسان، فإن المحسن حسن الظن بربه أن يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده، ويقبل توبته. وأما المسيء المصرُّ على الكبائر والظلم والمخالفات فإن وحشة المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حسن الظن بربه… فإن العبد الآبق الخارج عن طاعة سيده لا يحسن الظن به، ولا يجامع وحشة الإساءة إحسان الظن أبدًا، فإن المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن الناس ظنًا بربه أطوعهم له. كما قال الحسن البصري: إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء العمل. ثم ذكر أن الله سبحانه أفرح بتوبة عبده ممن وجد ضالته. والضالة الشيء المفقود، وذلك في الصحراء، والتوبة الاعتراف والندم والإقلاع والعزم على ألا يعاود الإنسان ما اقترفه. ثم ذكر أن الله سبحانه وتعالى أكرم من عبده، فإذا تقرب الإنسان إلى الله شبرًا تقرب الله منه ذراعًا، وإن تقرب منه ذراعًا، تقرب منه باعًا، وإن أتاه يمشي أتاه يهرول عز وجل، فهو أكثر كرمًا وأسرع إجابة من عبده.
  المنتدى: عقائد ومذاهب · مشاهدة الموضوع: #31061 · الردود: 0 · المشاهدات: 855

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 06:11 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



تعليق صحفي:

طلب الفتوى القانونية من المحاكم الدولية خيانة لثوابت الأمة وتفريط بفلسطين وشرعنة لكيان يهود!
نشر بتاريخ: 01 كانون2/يناير 2023

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة فجر السبت 31-12-2022، بالأغلبية مشروع القرار الفلسطيني حول
طلب فتوى قانونية من محكمة العدل الدولية حول "ماهية الاحتلال الإسرائيلي".
وقال المراقب الدائم للسلطة الفلسطينية في الأمم المتحدة رياض منصور: إن "الأمم المتحدة طلبت بهذا
التصويت فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن انتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير
وبشأن الاحتلال والاستيطان والضم، والذي يأتي بعد يوم واحد من تشكيل الحكومة الإسرائيلية التي وضعت
التوسع الاستيطاني على رأس جدول أعمالها".
وأضاف: "إننا على ثقة بأنكم ستؤيدون فتوى المحكمة عند إصدارها، إن كنتم تؤمنون بالشرعية الدولية
والقانون الدولي"، وقد صوتت الدول العربية لصالح القرار بالإجماع . (المصدر معا والتلفزيون العربي)
ان طلب الفتوى القانونية بشأن واقع احتلال كيان يهود للأرض المباركة هو اعتراف واضح بأحقية كيان يهود
في الوجود عبر الاحتكام إلى أدوات الاستعمار المسماة "محكمة العدل الدولية"، فما يسمى بالفتوى القانونية
المطلوبة ستتخذ من القرارات الدولية مرجعية لها في الحكم، والقرارات الدولية التي وضعها المستعمرون
الغربيون ذاتهم هي من أعطت لكيان يهود حقا في الوجود على جل الأرض المباركة!!
إن الاحتكام لأدوات المستعمرين هو خيانة وتفريط بالأرض المباركة، وهو يجسد حالة انسلاخ السلطة
والأنظمة الحاكمة العميلة للغرب في بلادنا عن الأمة الإسلامية وثقافتها، فالأمة الإسلامية مرجعيتها الوحيدة
هي العقيدة والأحكام الشرعية التي جعلت من أرض فلسطين أرضا خراجية تملكها الأمة الاسلامية وأوجبت
عليها تحريرها، فالأمة تستمد أحكامها وحلولها من الشرع ولا تحتكم في قضية الأرض المباركة ومسرى نبيها
صلى الله عليه وسلم إلى قرارات الكافرين المستعمرين ولا تحتاج لفتوى من الطاغوت الذي شرّع كيان يهود
وأعطاه الحق في جل الأرض المباركة!
إن مطالبة السلطة والأنظمة الحاكمة في بلادنا بفتوى من محكمة العدل الدولية بشأن قضية الأرض المباركة
خيانة جديدة تفضح السلطة والأنظمة العميلة للغرب الذين لا يريدون تحريرا للمسجد الأقصى وفلسطين بل تثبيتا
لأركان كيان يهود بالقرارات والمحاكم الدولية التي لا تحكم إلا بأحقيته في الوجود وتعالج لمصلحته ما نتج عن
احتلاله من مشاكل حفاظا على أمنه واستقراره وليس عدلا أو انصافا لأهل فلسطين كما يزعم المنبطحون.
إن طلب الفتوى من محكمة العدل الدولية بشأن توصيف الاحتلال في الأرض المباركة يرسخ ضرورة العمل
الفوري على تخليص الأمة من هؤلاء الحكام الخونة الذين يخدمون مصالح الغرب المستعمر في بلادنا
ويؤمنون بشرعيته وقوانينه التي أعطت الأرض المباركة لكيان يهود وقسمت بلاد المسلمين واستحلت دماءهم
ونهبت ثرواتهم.
إن الحل الشرعي المتمثل بتحرير الأرض المباركة من بحرها إلى نهرها لن تفتي به محاكم دولية ولن يصدر
بقرارات أممية، وعلى الأمة الاسلامية تفعيله بتحريك جيوشها وتسطير حطين جديدة كما سطرها البطل صلاح

الدين وعلى قادة الجند وضباطهم المخلصين أن يحتكموا للشرع فيقتلعوا الحكام الخونة ويُفَعلوا ذلك الحل
الشرعي ويدوسوا تحت أقدامهم طاغوت القرارات والمحاكم الدولية ويكنسوا المحتلين والمستعمرين من بلادنا
كنسا.
﴿أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ يَزعُمونَ أَنَّهُم ءامَنوا بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلَى الطّٰغوتِ وَقَد

أُمِروا أَن يَكفُروا بِهِ وَيُريدُ الشَّيطٰنُ أَن يُضِلَّهُم ضَلٰلًا بَعيدًا﴾

١-١-٢٠٢٣
  المنتدى: أخبار بصياغة من وجهة نظر إسلامية · مشاهدة الموضوع: #31060 · الردود: 0 · المشاهدات: 5,591

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 06:06 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



تعليق صحفي:

عربدة بن غفير في باحات الأقصى تستوجب سرعة تحرك جيوش المسلمين لإنقاذ مسرى رسول الله وتطهير الأرض المباركة من رجسه ورجس كيانه

اقتحم وزير الأمن القومي اليهودي إيتمار بن غفير، صباح اليوم الثلاثاء، ساحات المسجد
الأقصى من جهة باب المغاربة، وسط حراسة أمنية مشددة لقوات الاحتلال. وقال بن غفير
عبر تويتر: الحرم القدسي هو المكان الأهم لشعب (إسرائيل)، ولليهود الحق في المكان
والصعود إليه، ويجب التعامل بيد من حديد ضد كل من يهددنا.
ما كان لابن غفير أن ينفذ تهديداته باقتحام المسجد الأقصى ويعربد هو وقطعان مستوطنيه
في باحاته، لولا علمه اليقيني أن القدس وكل الأرض المباركة ليست مدرجة حتى في ذيل
قائمة اهتمامات حكام المسلمين، وأن كل ما يتغنون به من شعارات ومشاغبات حول
الوصاية على الأقصى، وأن قضيته خط أحمر، ليست سوى فرقعات إعلامية لذر الرماد في
العيون لحجب الرؤية عن خيانتهم لله ورسوله والمسلمين وانبطاحهم المشين أمام يهود.
إن الرد الواجب على عربدة يهود في مسرى رسول الله وإجرامهم اليومي بحق أهل
الأرض المباركة لا تكون إلا باستنصار الأمة وجيوشها للزحف نحو الأرض المباركة
لاقتلاع هذا الكيان الغاصب من جذوره، وأن التأخر في إجراء هذا الحل والتلهي بالرهان
على المجتمع الدولي للجم هذا العدو الغاصب يطيل في إفساده ويضاعف من غطرسته
ويشجعه على المزيد من إجرامه.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم
بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾
  المنتدى: أخبار بصياغة من وجهة نظر إسلامية · مشاهدة الموضوع: #31059 · الردود: 0 · المشاهدات: 749

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 05:56 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



2023-01-04



جريدة الراية: النصر يكون لأصحاب العزيمة لا الرخص!

لا أريد في هذه المقالة الخوض في موضوع الرخصة والمصالح والضرورات والمصطلحات المشابهة المتعلقة بهذا الموضوع، فهذه مسائل أصولية لها أبواب خاصة في البحث. لكن لا بد من الذكر أن أولئك الذين عمموا هذه القواعد على كل شيء ولكافة المكونات من أفراد وجماعات ودول كانوا مخطئين، وهذا أيضا ليس موضوع فكرة المقالة.

لا شك أن قضية المسلمين الأولى اليوم هي إعادة دولة الخلافة إلى واقع الحياة لتطبق الإسلام؛ وذلك لا يكون إلا عبر عمل جماعي، ولنا في رسول الله ﷺ أسوة حسنة إذ كوّن كتلة ممن آمنوا بدعوته ثم انطلق.



والفكرة التي أحببت أن أتطرق لها في هذه المقالة هي أن التغيير وإعادة الإسلام لواقع الحياة لا يكون قطعا إلا على يد الفئة التي تأخذ أحكام الإسلام بالعزيمة ولا تأخذ في سيرها بما أطلق عليه رخص وضرورات ومصالح وغيرها (مع بقاء مخالفة أصحاب هذا الرأي في تعميم هذه القواعد).



عند ذكر موضوع التغيير فهذا يعني وجود واقع مخالف للإسلام ووجود حكام وأنظمة تحكم بالكفر. وغياب الإسلام من التطبيق يتطلب قلب المجتمع بشكل كلي وجذري في أفكاره ومشاعره وأنظمته، وهذا يعني وجود حالة صراع شرس بين دعاة التغيير والقائمين على المجتمع وأشياعهم الذين يملكون القوة والمال والسلطان، وهذا يتطلب رفض كل ما عليه المجتمع بشدة والعداء المطلق لكل القائمين عليه.



ومن هنا تدخل قضية المساومة والالتقاء والرخص والضرورات والمصالح، وما سيرة الرسول ﷺ في التغيير وكل مواقفه ﷺ ومواقف القائمين على مجتمع مكة عنّا ببعيدة. فالرسول ﷺ كان في دعوته وصراعه مع الكفر وأهله سافرا متحديا واضحا في كل الأمور وهو القدوة والأسوة لنا، فهاجم وبنقد لاذع كل العادات والمفاهيم القائمة التي تخالف الدين الجديد وشنّع على قادة القوم وعرّى حقيقتهم ولم يجعل للرخص والمصالح أي مكانة في سيره ولم يعمل على الالتقاء معهم في منتصف الطريق (تقاطع مصالح، نأخذ البعض حتى لا يفوتنا الكل، البقاء في الساحة...) كما تبرر بعض الحركات والأحزاب اليوم، بل كان موقفه أن كل ما أنتم عليه باطل وضلال ولا سكوت عنه ولا تنازل ولا ركون، وهذا الذي يجب أن يكون اليوم.



ففي فترة من فترات الدعوة أعرضت مكة والطائف عن رسول الله ﷺ وردت القبائل دعوته وزاد الإعراض عنه وأصبح وصحبه في عزلة من الناس، وهذا جعل الأمل في التغيير - من منظور بشري - شبه مستحيل، أي تجمد مجتمع مكة ومن حولها أمام الدعوة، ورغم هذا الحال والواقع إلا أن الرسول ﷺ ثبت على المبدأ ورفض كل مغريات التنازل والالتقاء بحجج مصلحة الدعوة والضرورة والرخصة.



ومواقف الرسول ﷺ هي تشريع لنا وجب التقيد بها، فمن هنا كانت قضية التنازل عن الحق أو عن بعضه أو القبول بشيء مما عليه الدول أو الالتقاء مع القائمين على المجتمع للمساومة والتفاوض بحجج مصلحة الدعوة أو الضرورة والتبرير بالرخص، كانت مخالفة للحق ولنهج الإسلام ومناقضة لنهج الرسول ﷺ في التغيير والموقف من الواقع الخاطئ، وهو إقرار بالباطل وأهله وركون للظالمين الفسقة. وهذا يعني وبشكل قاطع أن أصحاب فكرة التوافق والالتقاء مع حكام الضرار اليوم بحجج مصلحة الدعوة والضرورة قطعا سيخفقون ويفشلون في مشروع التغيير وسينتكسون على أعقابهم. ولنا في مشاركات الإسلاميين في السودان وتونس ومصر والأردن وغيرها عبرة كبيرة واضحة.



فسنة الله عز وجل في التغيير لا تكون إلا على أيدي أولئك الذين يثبتون على الحق كله ويكون موقفهم من كل هذه الأنظمة الخائنة المفاصلة الكلية، وذلك كموقف الرسول ﷺ من فكر وعادات ومفاهيم أهل مكة ومن قادتها وزعمائها إذ كانت مواقفه سافرة واضحة وضوح الشمس متحدية رافضة كل ما خالف الإسلام صغيرا كان أم كبيرا، ولنا في هذا الزمان العظة والنور في قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾.





بقلم: الأستاذ عطية الجبارين – الأرض المباركة (فلسطين)

  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31058 · الردود: 0 · المشاهدات: 1,020

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 4 2023, 05:45 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



بسم الله الرحمن الرحيم

مع الحديث الشريف : بين الكفر والإيمان تركُ الصلاة



نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ" جامع الترمذي 2663



إن هذا الحديث يفصل ويبين الخط الفاصل بين الكفر والإيمان، أي الخط الفاصل بين النقيضين الكفر والإيمان. فما يفصل هذا الأمر هو الصلاة، وهذا الأمر كناية عن التعبد والالتزام بالأحكام الخاصة والعامة، فإن حُمِل على المعنى اللغوي فيكون القيام بالعبادات الخاصة بعلاقة المسلم بربه، فيجب عليه أن يظهر أنه يلتزم بما يقرب العبد إلى ربه، ويقوم بالأعمال التي فرضها الله تعالى عليه، من القيام بأفعال يظهر فيها الشكر والتعبد والتقرب له، وعلى رأسها الصلاة، وإن حُمِل الأمر على المعنى الإجمالي وهو ذكر الشيء وقصد به الأحكام؛ وهذا الأمر مُحتَمَل في النص؛ بحيث إن الصلاة كناية عن الأحكام التي شرعها الله تعالى للإنسان فيجب على المرء أن لا يقتصر على القول بالإيمان، بل يجب أن يتبعه العمل بمقتضيات الإيمان وهو تنفيذ الأحكام التي جاء بها الإيمان وطلبها منا الله تعالى، وعلى هذا يفهم هذا النص على الأمرين وكلاهما صواب، وعليه يجب علينا نحن المسلمين الالتزام بالأحكام الخاصة بالعبادات والمعاملات على السواء، ولا يستوي التصديق الجازم بالله تعالى وعدم التنفيذ العملي لهذا التصديق، وهو التنفيذ للأحكام التي جاء بها الله تعالى.



فاللهَ نسألُ أن يجعلنا من الذين يؤمنون بالله ربا ويداومون على الإيمان بالالتزام الكامل كما جاء في الشرع على أنفسنا، وأن يحييَنا مسلمين ويميتنا مسلمين فاللهم آمين.



اللهمَّ عاجلنا بخلافةٍ راشدةٍ على منهاجِ النبوةِ تلمُّ فيها شعثَ المسلمين، ترفعُ عنهم ما هم فيهِ من البلاء، اللهمَّ أنرِ الأرضَ بنورِ وجهِكَ الكريم. اللهمَّ آمين آمين.



أحبتَنا الكرام، وإلى حينِ أنْ نلقاكم مع حديثٍ نبويٍّ آخرَ، نتركُكم في رعايةِ اللهِ، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ.



كتبه للإذاعة: د. ماهر صالح (رحمه الله)
  المنتدى: عقائد ومذاهب · مشاهدة الموضوع: #31057 · الردود: 0 · المشاهدات: 645

ام عاصم
تاريخ المشاركة: Jan 1 2023, 10:36 PM


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,094
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 27



جريدة الراية

حمل الإسلام إلى العالم فرض غائب

قبل وبعد انطلاق مونديال قطر 2022، ادعى المدعون أن هذا الاجتماع الهائل للمشجعين والسواح من شتى بلاد العالم بما فيها الفرق بلاعبيها وطواقمها الفنية والإدارية، لهو فرصة عظيمة لعرض الإسلام على غير المسلمين منهم.

إن الدولة القطرية صرفت 220 ملياراً من الدولارات في هذا اللهو المنظم، وأوضحت التقارير أن العائد المتوقع هو فقط 9 مليار دولار، فهكذا تهدر أموال الأمة، عندما يبعد الإسلام عن الحكم. ولم تكتف قطر بذلك بل التزمت بمعايير السياحة العالمية، والمعلوم أن الكفار غير ملتزمين بدين بل هم أهل لكل أنواع الفجور. وأين ذلك؟ في بلد إسلامي حكمه الصحابة الكرام ورفعت فيه راية الحق! وكم كان الوضع مخالفا لفطرة الإسلام عندما استاء صبي مسلم في قطر من الوضع قائلا، "اللي يجي هنا يدخل جهنم سبّاحي"، وما كان تعليقه هذا إلا تعبيرا عن إيمان الأمة العميق الذي يمنع الفجور، بل يعمل على نشر الطاعة والتقوى، فلا زنا ولا شذوذ أكرمكم الله ولا تعري ولا خمور ولا اختلاط، ولا غيرها من المنكرات.

هذه الكيفية التي ادعى فيها المدعون بأنها تساعد على نشر الإسلام بسماع غير المسلمين للأذان والقرآن وللدعاة، هو قول هراء، بل هو سلب على فهمهم للإسلام الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر، لأن الذي أمرنا به الإسلام والكيفية الصحيحة هو أن نجعلهم يعيشون في كنف الإسلام وعدله وطهره ونقائه حتى يكون العيش طيبا لا خبيثا كما يحدث في قطر، ففكرة أن يكون الفجور إلى جانب الطاعة، والمسجد بجوار الكنيسة، والباطل مجاورا للحق بل مسنودا بالقانون، هي فكرة غربية، فكرة كفر، وليست فكرة إسلامية. بل هي التي يدعو لها الغرب الكافر، وتتبجح بها أنظمة الحكم في بلاد المسلمين من تركيا شمالا ومرورا بلبنان ووصولا إلى قطر وغيرها.

إن إخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام فرض غاب عن أمتنا سنين طوالا، وله كيفية شرعية لا يجوز تعديها، فقد قال الله عز وحل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ وقال ﷺ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».

إن فرضية حمل الإسلام رسالة إلى العالم قام بها رسول الله ﷺ ومعه الصحابة الكرام على سبيل الوجوب. فقد منح الله عز وجل هذه الأمة فضلا عظيما بأن جعلها شاهدة على الأمم، وحتى تقوم بهذه المهمة جعلها الله أمة عدلا خيارا، حتى يتسنى لنا الشهادة على الناس، فالشاهد لا بد أن يكون عدلا، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾. وكان من خيرية هذه الأمة أن بعض الأنبياء السابقين لم يكن لهم شهود أنهم أبلغوا أقوامهم بدعوة الإسلام فتشهد أمتنا، أمة محمد ﷺ، لهم أنهم بلغوا الرسالة، لأننا جزمنا بالقرآن وبأن الأنبياء أبلغوا رسالات ربهم، وبعد هذه الشهادة تستحق هذه الأمم التي كذبت العذاب والعقاب. وهذا منتهى العدل، فلا بد من بينة لتثبيت العقوبة، يقول سبحانه: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾. إن الرسول عليه الصلاة والسلام هو النبي الخاتم، وبعده فإن مهمة تبليغ الرسالة مستمرة فنحن داخلون في قوله تعالى، ﴿حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ فالامر واجب أن يستمر بعد انتقال الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، ولنتفكر في قول ربعي بن عامر رضي الله عنه لرستم قائد جيوش الفرس، عندما سأل من أنتم وما الذي أتى بكم؟، فرد قائلا: "إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

فنحن أمة مبعوثة من الله عز وجل لنشر الإسلام، فمن استجاب فهو خير له، ومن لم يستجب فهو خزي له ونحن شهود عليه معتمدون من الله عز وجل، ولكن، لقد جعل الشرع القيام بهذه المهمة أمرا منضبطا ودقيقا لا تجوز مخالفته، وذلك أننا مأمورون أن نفتح هذه البلاد وأن نحكم أهلها بعدل الإسلام حتى يروا الإسلام وشعائره وعدله وخيره فيدخل الناس في دين الله أفواجا.

نعم لقد كان رسول الله يحزن لموت الكفار إذا لم يدخلوا في الإسلام، بل قال جل في علاه عن همّ المصطفى عليه السلام في سورة الكهف: ﴿فلعلك باخع نفسك على اثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفا﴾. يكاد رسولنا عليه الصلاة والسلام أن يقتل نفسه من شدة الهم على الذين لم يؤمنوا، هذه النفسية والعقلية يجب أن تكون نفسيتنا وعقليتنا، فالآن يوجد في العالم 6 مليار كافر يجب أن ندعوهم إلى الإسلام بشكل لافت، ويجب أن تكون قضيتنا في الحياة هذه القضية، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً﴾، ومن الطبيعي أن تقوم الدول المبدئية بنشر مبدئها، فهذا الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون عندما تولى الحكم قال "رسالتي نشر الرأسمالية والديمقراطية في العالم"، وجورج بوش الابن عندما بدأ حرب احتلال أفغانستان، قال "إنهم يريدون تغيير طريقتنا في العيش"، إذن فهم لهم رسالة ولكنها في الباطل، أما عملنا إلى العالم فهو فرض ولكنه غائب!

وسبب الغياب هو أن كل الأنظمة الحالية في بلاد المسلمين ليست قضيتها نشر الإسلام بل نشر الرأسمالية والعلمانية، ولننظر إلى هذا الحدث قبل سنوات عدة؛ مدير قناة الجزيرة وضاح خنفر عندما قامت المذيعات في القناة بارتداء الزي الشرعي تم فصله من إدارة القناة، وما زالت القناة تنشر العلمانية وتطبع مع كيان يهود وتبث سموم الغرب بإعلامها الزائف من قطر تعطي الطاقة المحركة لكيان يهود لضرب المسلمين، ومن قاعدة السيلية ضربت العراق وغيرها، وهذا ينسحب إلى كل بلاد المسلمين حيث توالي الأنظمة الكافر المستعمر ولا تحمل الإسلام إلى العالم. ومن ذلك ما قاله ملك السعودية الأسبق عبد الله "إن رسالة آل سعود هي تحقيق الرفاه للشعب السعودي"!!

إن هذا الفرض غاب لغياب الدولة التي تطبقه وتحمله، والقاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، فهذه الأنظمة ليست رسالتها الإسلام، وإنما الدولة التي رسالتها حمل الإسلام بعد تطبيقه ليست هي دولة أميرية ولا ملكية ولا ديمقراطية جمهورية ولا ديكتاتورية عسكرية، بل دولة هدمها الكافر المستعمر بعد تأسيس الرسول عليه الصلاة والسلام لها مع الصحابة الكرام، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا»، وقال عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزّاً يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلّاً يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ».

بقلم: الأستاذ عبد الله عبد الرحمن تنديلي – ولاية السودان
  المنتدى: مجلات و جرائد · مشاهدة الموضوع: #31056 · الردود: 0 · المشاهدات: 948

59 الصفحات V   1 2 3 > » 

New Posts  يوجد ردود جديدة
No New Posts  لا يوجد ردود جديدة
Hot topic  موضوع ساخن (يوجد ردود جديدة)
No new  موضوع ساخن (لايوجد ردود جديدة)
Poll  استفتاء (يوجد تصويت جديد)
No new votes  استفتاء (لا يوجد تصويت جديد)
Closed  موضوع مغلق
Moved  موضوع منقول
 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 28th March 2024 - 10:37 AM