مفاهيم ينبغي أن تصحح
رجل الدين
أبو حامد الشاكر
منذ أفول دولة الإسلام وغروب شمسها مطلع القرن الماضي والمسلمون يعيشون حياة الذل والهوان والتبعية والانبطاح؛ ومما زاد الأمر سوءاً سيلٌ من المفاهيم والألفاظ الغربية - التي ماأنزل الله بها من سلطان - انتشرت وتغلغلت في كل ميدان من ميادين بلاد الإسلام حتى أصبحت الأمة معتادة على سماعها والتعايش معها دون أن تحرك ساكناً، وهي في الأصل ألفاظٌ لا تمت لديننا بصلة، والمسلم يجب أن يكون وقَّافاً عند كل كلمة يقولها - وهو رجل الكلمة - وسيُحاسَبُ عليها، فلابد أن يكون كيساً فطناً.
ولعل أبرز مايشيع بيننا لفظ " الشيخ- رجل الدين- سيدنا الشيخ ..." وهذه الألفاظ عند سماعها لا يتبادر إلى الأذهان إلا رجل ذو مظهر معين ومواصفات اجتماعية خاصة، فضَغْطُ الدِّين في أمثال هؤلاء وقَصْرُه عليهم، والناس من بعدهم هَمَجٌ رعاع لاعلاقة لهم بالدين سوى عبادات شكلية، وهذه ألفاظ ومفاهيم مستوردة لاتمت لنا بصلة سرت مسراها إلينا في ليلٍ حالكٍ لضعفنا وهواننا ونحن غافلون عن منهج حياة أنزله لنا ربنا - قد نمنا عنه ولكن أعداء الإسلام لاينامون -، ففي نهاية عهد الخلافة العثمانية ومابعدها سعى الأعداء إلى تشويه هذا الدين الحنيف في أذهان الناس من خلال تسويق هذه الألفاظ، كما عمدوا إلى حَشْرِ ثُلَّةٍ من الناس في زمرة العلماء، واختاروهم من ذوي المظاهر المنبوذة لدى الناس لتنفيرهم من الدين.
ولفظ رجل الدين في الأصل لفظ نصراني، ولايصح أن يُقال في ديننا، ففي الإسلام جميع المسلمين يحملون مسؤولية الإسلام، فلا رجال دين في الاسلام، وعلينا - نحن المسلمين - أن نمنعَ كل مايشعر بوجودهم بيننا. أما العلماء سواء أكانوا مجتهدين أومقلدين فليسوا رجالَ دين ولايملك أحدهم أن يُحِلَّ شيئاً أو يُحرِّمَ شيئاً، وهم كباقي المسلمين في كل حكم من أحكام الشرع، ولربما زلَّ أحدهم زلةً فتنهالُ عليه الشتائم، ولكنْ له ولغيره قال صلى الله عليه وسلم: " كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون "، فلايجوز أن يتميزَ أيُّ عالم عن المسلمين بشيء من أحكام الشرع مهما بلغت منزلته في العلم والاجتهاد والاحترام. فلايكون الحرام على غيره مباحاً له ولا العكس، ولايكون الواجب على غيره مندوباً عليه ولا العكس، بل هو كأي فرد من أفراد المسلمين. ولهذا فإن فكرة رجال الدين موجودة عند النصارى ولاوجود لها في الإسلام، ومفهوم رجال الدين عندهم مفهوم خاص لأن رجل الدين عندهم يُحِلُّ ويُحَرِّمُ، ونَقْلُ هذا اللفظ إلى العالم المسلم يوحي بنقل المفهوم النصراني إلى علماء المسلمين مع أنهم لايحلون ولايحرمون؛ ولهذا يُمنَع إطلاق لفظ رجل دين على العالِم المسلم، وقد وردت الأحاديث صريحةً في النهي عن تقليد اليهود والنصارى، فعن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم، قلنا: اليهود والنصارى؟، قال فمن؟ "، فتقليد اليهود والنصارى من حيث هو منهيٌّ عنه، فكيف إذا كان هذا التقليد يجرُّ إلى إيجاد مفهوم نصراني لدى المسلمين.
وعلى هذا فاعتبار العالم المسلم رجل دين هو تقليد للنصارى في إطلاقهم على علماء الدين عندهم بأنهم رجال دين، وهو أيضا ينقل المفهوم النصراني لرجل الدين إلى العالم المسلم لذلك كان داخلاً تحت النهي من ناحية التقليد وداخلاً تحت النهي الأشد من ناحية نقل المفهوم، ولهذا لا يصحُّ أن يُقال عن العالِم المسلم إنه رجل دين، ولايحل للعلماء أن يعتبروا أنفسهم رجال دين بمفهوم رجل الدين عند النصارى،
ولا يلتبس الكلام هنا مطلقاً مع حديث قائدنا محمد صلى الله عليه وسلم: " من حفظ الزهراوين فشيخوه"، - الزهراوين البقرة وآل عمران - فالمقصود هنا - والله أعلم – أي: عاملوه معاملة الرجل العاقل الراشد. وبهذا فعلينا جميعاً - نحن المسلمين- أن نبادرَ لفهم الإسلام فهماً صحيحاً لنكون حقاً خيرَ أمة أخرجت للناس، لننقذَ العالَمَ من ويلات البعد عن تطبيق دين الله كاملاً في الأرض؛
فالإسلام دين ودولة، مصحف وسيف، عبادة وسياسة.
من مجلة منهاج النبوة العدد الثاني
رابط المقال:
http://mnhajalnbooa.com/vb/showthread.php?t=13