منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> سلسلة تفكيك الخطاب النسوي, ضمن حملة المرأة والشريعة بين الحق والباطل
عبق الجنان
المشاركة Mar 10 2015, 09:02 PM
مشاركة #1


ناقد متميّز
****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 825
التسجيل: 10-November 11
رقم العضوية: 1,772



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،

لأن المرأة المسلمة كانت ولا تزال هدفاً لسهام الغرب المسمومة ومنها الإعلام ، حيث تتعرض لحملات التشويه هي وإسلامها الذي فيه خلاصها ، وتُتَّهم أحكام الشريعة الغرَّاء بظلم المرأة والإساءة إليها .
كما أن المرأة المسلمة وللأسف فقدت الوعي بأحكام دينها الخاصة بها نتيجة غياب دولة الإسلام ، والتعتيم الإعلامي عليها ، إضافة للسموم الفكرية التي يبثها لها الإعلام ,,

لذلك لتبيان الحق من الباطل وتوضيح الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة : مكانتها ، دورها ، حقوقها وواجبتها في الإسلام ..
يقوم القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير بحملة عالمية بعنوان "المرأة والشريعة بين الحق والباطل " لتبيان زيف الادِّعاءات ..


ومن ضمن الحملة يقدم سلسلة فكرية بعنوان "تفكيك الخطاب النسوي"
لبيان حقيقة النسويات ، خطاب الحركة النسوية حقيقته وما وراءه ..

ونقدم لكم الحلقة الأولى بعنوان "لماذا لا ترفع الحركة النسوية شعار كلنا مسلمات #فرنسا ؟"

تحدثت النيوز وييك عبر نسختها الإلكترونية عن تقرير نيلس موزنيكس "المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان" أن 80% من الاعتداءات التي تطال المسلمين في فرنسا في موجة الإسلامافوبيا موجّهة ضد النساء المسلمات وتستهدفهن بشكل خاص. وتشمل هذه الاعتداءات ممارسات متفاوتة في درجة العنف والإساءة؛ منها سحب وتمزيق الحجاب أو النقاب ورمي الضحية بفضلات الكلاب أو قذفهم بالزجاجات من السيّارات المارة أو وصفهن بعبارات بذيئة أو البصق عليهن (2015/2/18م - النسخة الإلكترونية).

وما أن نشر التقرير حتى تنادت الأصوات في فضاءات تويتر متسائلة عن الغياب الكامل لأي ردة فعل من النسويات في فرنسا، ولعل هذه النداءات تثير العجب أكثر من صمت النسويات نفسه. فهل توقع عاقل أن تخرج نساء فرنسا في مسيرة مليونية وهن يحملن شعار # كلنا_مسلمات_فرنسا؟ هل يُنتظر منهن أن ينظرن للهجمة على المرأة المسلمة كهجمة على كل النساء؟ وكيف يُنتظر هذا من الحركات النسوية في فرنسا وهي التي ساندت الحكومة واحتفلت في عام 2004 بحظر الحجاب في المدارس واعتبرت عزل المرأة المسلمة عن المجتمع وتقليل فرصها في التعليم انتصارا للمرأة الفرنسية! تحول الحجاب من زي للمرأة المسلمة إلى زي يختزل كل ما هو سلبي ورجعي، وتوالت الاعتداءات خاصة بعد التغطية الإعلامية المعادية للإسلام والمسلمين، ثم تبع ذلك حظر النقاب في الأماكن العامة في 2011 وما صحبه من ملاحقات وتضييق على المسلمات حتى إن الكثيرات بتن يعشن في عزلة عن المجتمع وتفننت أخريات في سبل نقل الدراسة والعمل للبيت.

لقد ارتبط زي المسلمة سواء أكان خمارا على رأسها أم نقابا تغطي به وجهها، ارتبط بقيم مغايرة لمنظومة الفكر الغربي واعتُبر تحديا صريحا لحضارة الغرب ومكتسباتها. بل إن الصرامة التي نفذ بها قرار حظر النقاب في الأماكن العامة بدا وكأنه محاولة ترويض للمرأة المسلمة حتى تعود لرشدها وتسير في ركب المتحررات، ظانين أن هذه الهجمة الشرسة ستكون بمثابة علاج للمسلمات اللواتي فشل الفكر الغربي في استقطابهن وصمام أمان ضد المد الإسلامي! وقفت الحركة النسوية لتبرر السياسات المعادية للمرأة المسلمة وتستقطب نساء الجالية لتعزز القيم العليا للمجتمع في فرنسا. وبالرغم من الأثر السلبي لحظر النقاب وما كتب في الأمر من تقارير ودراسات إلا أن الحركات النسوية لم تجد حرجا في أن تصرح بأن التزام المسلمة بالأحكام الشرعية هو خيارها وعليها وحدها تحمل نتائج هذا القرار، وأن حماية مكتسبات الحركة النسوية هي قيمة عليا يجب الحفاظ عليها. هذه الحركة النسوية هي ذاتها التي وقفت مساندة للحكومة الفرنسية لدمج الجالية المسلمة قسراً وليس بالإقناع وقدمت الحاجة للاندماج على مناصرة المرأة وحماية حقوقها! لقد بدا واضحاً أن النسوية تُستخدم كجبهة ضد قيم لم يواجهها الغرب بقوة الفكر والحجة وأن شعارات حقوق المرأة لا تعني شيئا إلا في إطار استغلال ملفات ختان الإناث وزواج الصغيرات وتعدد الزوجات.

ثم كيف تنتصر الحركات النسوية لمسلمات فرنسا وهي أدرى الناس بأن النظام لا يكترث لحال المرأة وحقوقها! ولعل أبرز مثال على هذا هو أن المرأة الفرنسية لم تحصل على حق الانتخاب إلا في عام 1945 وعانت طويلا حتى حصلت على هذا الحق، ولا زالت تعاني من هضم الحقوق والاستغلال وهدر الكرامة، وإن فاقد الشيء لا يعطيه.

يقول الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ماري أرويه المعروف باسم فولتير "أنا لا أتفق مع ما تقوله لكني سأدافع حتى الموت عن حقك في أن تقوله"، كانت هذه إحدى أبرز مقولات فيلسوف عصر التنوير. عبارة اختزلت قيم الدفاع عن حق الآخر في أن يختلف معك فكريا وثقافيا وتجاوزت قائلها لتصبح دلالة على الإنصاف والموضوعية. إلا أن واقع فرنسا منذ عهد فولتير مرورا بتاريخ فرنسا الاستعمارية وفرنسا الحديثة يظهر زيف هذه الشعارات وأن من تناقلها لم يَعِها ولم يكن صادقاً بل سار على أن الفكر الغربي هو عصارة الفكر الإنساني وأرقى ما توصل إليه البشر. وبالرغم من شعارات حرية الرأي والدين إلا أن الرموز الإسلامية، خصوصاً زي المرأة المسلمة كان الاستثناء الأبرز لهذه الحريات لأنها رموز يرون أنها مغايرة ومعادية لهم ولم تنأَ النسويات بأنفسهن عن هذا العداء لبنات جنسهن بل أدلين دلوهن أو باركن الهجمة الشرسة على المرأة المسلمة وأصبحن أدوات للتضييق على المسلمات.

وليت الأمر وقف على تعارض الفكر الليبرالي التحرري الذي تحمله النسويات مع قمع المسلمات بل تجاوز ذلك، لقد بدا واضحا تعارض كراهية النسويات للحجاب والمحجبات وتجاهلهن لمعاناة المسلمات في الغرب مع مزاعم الحراك النسوي الفكري (على اختلاف تياراته) وتبني قضايا المرأة أينما كانت. لطالما رددت النسويات عبارات تدغدغ المشاعر وتجذب نساء الأرض وتشعرهن بأن الحركة النسوية أصبحت لسان المرأة الذي يعبر عن معاناتها ويذود عنها. تقول الكاتبة النسوية الفرنسية إيزابيل ألونسو "ما دامت امرأة واحدة على وجه الأرض تعاني نتيجة التمييز على أساس الجنس فنضال المرأة مشروع والنسوية ضرورية."

عملت النسوية على مناهضة ما أسموه بالمركزية الذكورية (سلطة الرجل) عبر العالم وتناست المناطق الشائكة التي تتعارض فيها المبدئية مع مصالح حماة قضايا الجندر فتحولت لحركة براغماتية تبحث عن بعض المكتسبات. زعمت النسوية أنها تصوغ للمرأة مفاهيم عقلانية مستنيرة تهدف لهدم الهرم الحالي (حيث يهمش الرجل المرأة ويهدر كرامتها) وتركت العنان لمن يستهدفها لأنها أنثى مستضعفة. ادعت النسويات مناصرة المرأة في أصقاع الأرض وفي الوقت ذاته وقفت كشاهد زور وشيطان أخرس أمام اضطهاد نساء فرنسا نفسها في ما يسمى بالضواحي الفرنسية "banlieues" وسوء أحوال المسلمات هناك. وقعت في سلسلة من التناقضات واتسع البون بين الشعارات والمعايشات في أرض الواقع.

إن النسوية قائمة على فكرة وحدة قضية النساء واتحادهن ضد ظلم وقهر الرجال، فأصبح التحرير من قيد الرجل قضية محورية تحارب من أجلها ويدعمها بعض الذين آمنوا بفكرة النسوية من الرجال. الإشكالية في هذه النظرية هي أنها تهمش النظرة الكلية للحياة وتتناسى تباين آراء البشر في القضيا الفكرية والسياسية. هذه النظرة تعارض الواقع وتظهر النساء كوحدة واحدة متجانسة، وتغلب النوع البشري على الفكر والذوق والمشاعر المشتركة بين البشر. إنها جدلية تعتبر المرأة في المستوطنات حليفا للمرأة الفلسطينية التي اغتصب الاحتلال أرضها وأذاقها الويلات لعقود طويلة! تعتبر حرائر الشام الصامدات أمام آلة القمع كنساء الشبيحة اللواتي يقدمن الدعم لبشار وزبانيته! تعتبر النساء من اليمين المتطرف في أوروبا أنصارا لنساء الجاليات المسلمة!

وختاماً نقول، لن ترفع النسويات شعار "كلنا مسلمات فرنسا" لأن التباين العقدي والمبدئي أقوى بكثير من صراع النسويات مع سلطة الرجل أو شعارات حقوق الإنسان التي تطبع بانتقائية وتتبع لأجندات دولية.. لن تهّب النسويات لحماية المسلمات في فرنسا لأنه لا يمكن أن نفصل الفكر النسوي عن البيئة التي نشأ وترعرع فيها وستظل الحركات النسوية ودعاتها خاضعين لهيمنة الرجل الغربي وفكره ولمنظومة القيم المجتمعية الغربية التي تخالف وتهمش غيرها من منظومات فكرية وعقدية. ولا سبيل لهن ولغيرهن للتحرر ومناصرة الإنسان وقضاياه الحيوية إلا بشيء من التجرد من القوالب الموجودة والبحث في أصل المنظومة الفكرية التي يتبعونها وأن يكون ذلك إحقاقاً للحق وبحثاً لإجابات تقنع العقل وتتوافق مع الفطرة السليمة.

وخاتمة الختام، إننا بصفتنا مسلمات نُكْبِرُ صبر مسلمات فرنسا وغيرها من بلاد الغرب ونعتز بتمسكهن بدينهن ونسأل الله العلي القدير أن يحفظهن ويعينهن ويعمي عنهن كل حاقد متربص، ونسألك يا ذا الجلال والإكرام أن هذا حال ذراري المسلمين، اللهم يسر لأمتنا أمر رشد واعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

يقول الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: «يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر».


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد - أم يحيى


موقع الحملة على فيس بوك : المرأة والشريعة
Go to the top of the page
 
+Quote Post
عبق الجنان
المشاركة Mar 10 2015, 09:07 PM
مشاركة #2


ناقد متميّز
****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 825
التسجيل: 10-November 11
رقم العضوية: 1,772



السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،

وهذه الحلقة الثانية من الموضوع

تتناول موضوع "الحريم العثماني" الذي كثر اللغط حوله ، وشاعت عنه الأقاويل والمغالطات التي تسيء للإسلام وتشوه التاريخ الإسلامي خاصة حكم دولة الخلافة العثمانية ..

لمزيد من الإيضاح تابعوا الحلقة ..
بعنوان "أما آن لنا أن نخرج من خلف أسوار الحرملك؟!"

كلّما احتدّ النّقاش بين الفئات التي تدعو لتطبيق الحياة الإسلامية في بلاد المسلمين والعلمانيين الذين يرفضون الشريعة الغراء، تحجّج الرّافضون للشّريعة بأنّ قبول الشريعة يُعدّ عودةً لعصر الحريم في الألفية الثالثة. وفي طرحهم لهذه المقاربة بين الشريعة وعصر الحريم يُعوّلون على مخزون ثقافي نتج عن كتابات المستشرقين والدراما والنصوص والرّوايات وله مدلول مرتبط في أذهان المثقفين ببعض اللّوحات الزّيتية التي ادّعوا أنّها تنقل تفاصيل الحرملك العثماني (مكان الحياة الخاصة للنساء).

وبالرّغم من قلّة معرفة الكثيرين بأحوال وتاريخ ما بات يعرف بالحريم إلّا أنّ مجرّد ذكر الكلمة يصرف الأذهان عما سواها وكأنّ هذه المعرفة البسيطة بعصر الحريم أصابت الناس بزهد في سواها.. وكأنّها فوبيا المعرفة تحت مسمّى محاربة عصر الحريم.

ومع ذكر الحرملك تتبادر إلى الأذهان حياة الترف والجواري والقصور وتسرح العقول في ذلك المكان المخملي الساحر المليء بالمتناقضات، عالم خلّاب ولكنّه يثير الرّهبة ويجسّد قَهْرَ النّساءِ ويُخْفِي أسرارًا ومآسيَ خلف جدرانِ قصورِه العاليةِ. ارتبط ذكرُ الحرملك بالدّولة العلية واُريدَ للحرملكِ وقصص الجواري والقصورِ ومؤامراتِ نسائه أن تَخْتَزِلَ أمجادَ الدولةِ العثمانيةِ التي ملأت السّمْعَ والبَصَرَ.

علا شأنُ الحرملكِ العثمانيِّ وتردَّدَ ذِكْرُهُ في كتاباتِ المستشرقين ورواياتِ المعاصرين بينما أجْحَفَ التاريخُ في حقِّ الحَرَمْلكِ اليونانيِّ، ولعلَّ دهشةَ منْ يقرأُ هذه الأسطرَ ويتفاجأ بذكرِ الحرملك اليوناني يُعَدُّ خيرَ دَليلٍ على جَريمةِ إسقاطِ تاريخِ الحريمِ الإغريقي وتغافل أنصارِ تحريرِ المرأةِ على ذكرِ حريمِ اليونانيين أَرْبَابِ الفكرِ والفلسفةِ.

ذَكَرَ المؤرِّخُ والكاتبُ ويل ديورانت في كتابِه "قصة الحضارة" أنَّ البيوتَ في بابلَ كانت بها أجنحةٌ خاصةٌ للنساء، وإذا خرجن يصحبُهُنَّ رُقَبَاءُ منَ الخِصْيَانِ والخَدَمِ. وكان أهلُ اليونانِ لا يسمحونَ لنسائِهمْ بالخروجِ إلاّ إذا تحجَّبْنَ وصَحِبَهُنَّ منْ يُوثَقُ بهِ، أمّا فيما عدا هذا فكانت المرأةُ تَقْبَع في مَنْزلِها ولا تَسمحُ لأحدٍ أنْ يراها حتى من النافذة. وكانت تقضي معظمَ وقتِها في جناح النّساءِ القائمِ في مؤخّرَةِ الدّارِ، ولم يكنْ يُسْمَحُ لزَائرٍ من الرّجالِ أنْ يدخلَ فيه، كما لم يكنْ يُسمحُ لها بالظّهورِ إذا كانَ مع زوجِها زائرٌ. وقد اكْتُشِفَتْ أخيراً آثارٌ لحُجُرَات خاصةٍ بالحريمِ في بيوتِ اليونانيينَ القدامى".

ذكرت مصادرُ أخرى أنَّ كلمةَ gunaikonitis وتعني باليونانيةِ مكانَ نساءٍ قدْ وردتْ في بعضِ الآثارِ اليونانيةِ في القرنين الرابعِ والخامسِ للميلادِ ولكنْ دونَ توسُّعٍ في شرحِها (وأرْجَعُوا ذلكَ لإهْمَالِ شأنِ المرأةِ عموماً وعدَمِ التّعرُّضِ لأيِّةِ مواضيعَ تَخُصّها في تلك الفترة) ورد أيضاً في الدراساتِ التي اهتمّت بالمعمارِ اليونانيِّ القديمِ أنَّ بيوتَ اليونانيين كان الرّجالُ فيها منْفصلين عن النساءِ وقد عرف ما يسمى لديهم Gunaikonities & Andronitis بمكان للرجال ومكان للنساء ولعلّ الوصفَ للمعمارِ اليونانيِّ وفصلَ الرّجالِ عن النساءِ وتخصيصَ أجنحةٍ للنساءِ لا يختلفُ كثيرًا عن الحرملك والسلملك المعروف في العهد ِالعثمانيّ ولو أنّنا لمْ نسمعْ أيَّ هجومٍ عليه أو دعواتٍ للتحرُّرِ منْهُ.

وقد لفَتَ هذاَ الأمْرُ انتباهَ بعضِ الأكاديميّاتِ النسويّاتِ مثل فاطمةَ مرنيسي التي تعرَّضَتْ لكشفِ أصْلِ واستخدامِ الحريمِ والحرملك وكشفتْ أكاذيبَ المستشرقينَ الذين روّجوا لمقولةِ أنّ العربَ والمسلمين ابتدعوا الحرملك وأشارت لأصول الفكرةِ وأنّ الحريمَ عُرِف عند اليونانِ والرومانِ قبل الإسلام بـ 700 سنة.

الحرملكُ العثمانيُّ الذي صوّره الرّحالةُ الغربيّون ورسموه في اللّوحات الزّيتية لا يُعدّ سوى صورٍ نمطيّةٍ تظهر العنصريةَ والكراهيةَ والمبالغةَ في التشويهِ التي اتّسمتْ بها فترةُ الاستعمارِ المباشرِ لبلادِ المسلمين وغيرِها من المستعمرات أو البلاد التي طمع فيها الغربُ. ولعل تصويرَ المستعمراتِ بكلِّ ما هو مشينٌ يعطي مبرِّرًا أخلاقيًّا لاحتلال البلادِ البعيدةِ التي صُوّرَتْ بالتخلّفِ والتدنّي الخلقي وأنّ المستعمرَ هو المنقذُ الهادي للرّفعةِ والتحضرِ والرقيِّ.

تماما كما قال المفكّرُ والأكاديميُّ إدوارد سعيد "جزءٌ من خطّةِ الإمبرياليين، هو أنْ يُمْلُوا على الشعوبِ تاريخَهم بعد أنْ يشوّهوها، ويعيدوا ترتيبَ أحداثِ ماضيهم.. والأخطرُ من ذلك، هو أن يُنَمُّوا فيهم الانهزاميّةَ". وذَكَرَ في مكانٍ آخرَّ "لِأَوّلِ مرّة ٍفي التاريخِ (وأعني بأول مرة هذا النطاق الواسع) يمكنُ القولُ بأنّ العالمَ الإسلاميَّ أصبح يعلمُ عن ذاتِهِ ويتعرّفُ عليهَا عبْرَ صُوَرٍ وتواريخَ ومعلوماتٍ مصنَّعَةٍ في الغَرْبِ." إدوارد سعيد

جذب المستشرقُ تعاطفَ الناس مع الأسيرات خلْف أسوارِ الحرملك في الوقت التي كانت المرأةُ في الغربِ تُصارِع من أجل نيل حقوقها وانتشرت ممارساتٌ تهين المرأةَ وتشعرها بالدّونيةِ مثل ممارسةِ بيعِ الزّوجاتِ حيث كان الرجل يبيع زوجتَه عند استحالة الحياة بينهما كبديل عن الطلاق الذي كان مكلّفا ولا يقدر عليه عامة الناس وهذه العادة الموثّقة استمرت في إنجلترا حتى مشارف القرن العشرين.

وبينما النساء تباع في سوق الماشية تارة وتصارع من أجل حقوقها تارة أخرى كانت المرأةُ المسلمةُ متفوّقةً على الغربيةِ في حقّ المشاركة السياسية والتعليم والخُلع والحضانة والمواريث وغيرها. ذكر الفيلسوف الشهير غوستاف لوبون ويعدّ مِنَ المفكرين الغربيين الذين أنصفوا الحضارةَ الإسلاميةَ قال: "تُعَدُّ مبادئ المواريث التي نصّ عليها القرآنُ بالغةَ العدلِ والإنصافِ... ويظهر من مقابلتي بينها وبين الحقوق الفرنسية والإنجليزية، أنّ الشريعةَ الإسلاميةَ مَنَحَتِ الزوجاتِ اللائي يزعمن أن المسلمين لا يعاشروهن حقوقاً في المواريث لا تجد مثلها قوانين".

لسنا هنا بصدد الدفاع عن حقبة معينة ولا لنفي سوء تطبيق للأحكام الشرعية في مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي ولكن نقول أنّ هذا التاريخ لم يؤخذ من مصادرَ قطعيةٍ موثوقةٍ بل إنّ الروايةَ الاستشراقيةَ للحريم العثمانية متناقضةٌ ومليئةٌ بالأكاذيب المغرضة. ومن ذلك أنّ نساء الحرملك تميّزن بالذكاء والعلم والثقافة والأدب وقد ارتبطت قيم الجمال في الجواري بالبلاغة والحكمة وحسن الخلق ولم تصوّر الحضارةُ الإسلاميّةُ المرأةَ كمجرد جسدٍ عارٍ كما فعلت الحضاراتُ المادية.

ولعلّ أبلغَ دليلٍ على ذلك هو الرّسوماتُ العاريةُ على قصور أوروبا وتصويرُها للمرأة كمتاعٍ مستباحٍ والتناقضُ بين ذلك وبين قصرِ الحريم العثماني توب كابي وخلوّه من مثل تلك الرسومات بل إنّ المكانَ يحفّه الذّكرُ ويَشِعُّ بالنقاءِ والعفةِ.. كيف لا وقد كان القصرُ مأوى لأمّهاتِ السلاطينِ وبناتهم ولم يكن كما صوّره مرضى النفوسِ مكانا للشهوات.

رسم المستشرق الشرق بناءً على مخيلته وتجسيدا للواقع الذي يعرفه في بلاده فلم يتخيل المرأةَ إلّا جسداً عاريا ونقل كراهيته وازدراءه للمرأة التي حارب حقوقها في بلاده عبر تجسيد نساء الحرملك على أنهن خاملات وضيعات فاسقات رخيصات فاقدات للأهليّة والكرامة. جمعت هذه الصورة الاستشراقية الاستعماريّة بين العنصريّة والمسوجينية (كراهية المرأة) وتجلّت هذه المسوجينية المتأصلة في الحضارات المادية التي تبرز في النفس البشرية أسوأ ما فيها عبر اللوحات الزيتية والروايات التي اتّسمت بالإباحية. وفي هذه اللوحات يظهر مرارا وتكرارا مدى العنجهية والسذاجة والجهل بالشرق وبالإسلام.

إن هذه اللوحاتِ وهذا التراثَ الاستشراقيَّ أشبهُ بالاغتصاب، لقد سلبوا المرأةَ عفتها وطهارتها وجرّدوها من العقلِ والحكمةِ والعلمِ ثم خرجوا للعالم يقولون هذا حال المرأة في الشرق وردّدوا لنساء الشرق حذار من العودة لهكذا مستنقع.. قالوا هذا وتناسوا انتشار البغاء في الغرب وأن مجالس الفحش والرذيلة والمهانة التي صوّروها في الحرملك عمّت مجتمعاتٍ بأسرها منذ عصر اليونان وإلى يومنا هذا. لا زالت المرأةُ تُصَوَّرُ كجسد عار مُدِرٍّ للربح ويُشْترَط عليها إذا ما تقدّمتْ لوظيفةٍ أن تكون حسناءَ، لقد أصبح للجواري شأنٌ آخرُ وتصنيفٌ مختلفٌ في المجتمعات التي تدّعي التحضّرَ. انتشر اليومَ عصرُ الحريم ولكن بمفهومٍ مخالفٍ يجعل جسدَ المرأةِ مشاعا وعرضَها مستباحا.. وتلك هي المفارقاتُ.

عرف إدوارد سعيد الاستشراق بأنه "تحيّزٌ مستمرٌّ وماكرٌ من دول مركز أوروبا تجاه الشعوب العربية الإسلامية". ونجد أنفسنا اليوم أمام عقول اتخذت من هذا الاستشراق أساسا فكريا تقيس عليه وتضبط به ردات أفعالها. يلهيهم الخوف من العودة لذلك العصر عن إعمال عقولهم وملاحظة بعض البديهيات كتعارض العري واللباس الفاضح الذي يصوّرونه مع أزياءِ تلكَ الفترةِ المحفوظة للآن في المتاحف أو تعارض مقولات الراحلات الغربيات اللواتي تيسّر لهنّ الدخولَ إلى الحرملك مع مزاعمِ المستشرقين الذكورِ الذين لم يُتَحْ لهم الدخولُ للحرملك كل ذلك دَفعَ ببعضِ الباحثين الغربيين منذ سبعيناتِ القرنِ الماضي إلى محاولةِ تنقيحِ هذا التاريخِ الاستشراقي الغربيِّ الكاذبِ.

لم يكن الهدفُ من التركيزِ على المرأةِ وصورةِ المرأةِ في المجتمعِ العثمانيِّ سوَى أداة أخرى في إطارٍ استعماري لمواجهةِ وتشويهِ الدولةِ العثمانيةِ وفصلِ الدينِ الإسلاميِّ عن الدولةِ "إن الخطرَ الحقيقيَّ كامنٌ في نظام الإسلام، وفي قدرتِه على التوسّعِ والإخضاعِ، وفي حيويّتِهِ. إنّه الجدارُ الوحيدُ في وجهِ الاستعمارِ الغربيِّ" لورنس براون.

لا يزال الحريمُ المكانَ المجهولَ الذي لم نعرف عن تاريخه سوى من أعدائه، ولعلّ مبلغَ هذا الجهل هو في أن يتمّ تحريفُ كلمة ِ"حريم" عن معناها لترتبط بكلّ ما هو سلبي. وكيف تكون الحريم مهانةً إذا علمنا أنّ "الحَرِيم" لغةً: ما حُرِّم فلا ينُتَهك وسُمّي المكانُ المخصّصُ في الدار للنساء بالحريم لأنّه مصونٌ محرّمٌ على غير من شرّع الله لهم دخولَه، وقد عُرِف المسلمون بحرصهم على المرأة وأنّ المسلمةَ كانت دوما عزيزةً مصونةً. لاحظ المستشرق هلمتن "إنّ أحكامَ الإسلام في شأن المرأة صريحةٌ في وفرةِ العنايةِ بوقايتها من كلّ ما يؤذيها ويُشينُ سمعتَها".

وقد خُصّصَت هذه الأماكنُ لتتيح للنساء أماكنَ راقيةً تَحفظُ للمرأةِ خصوصيّتَها، وفي الوقت نفسه تتّسمُ بالرقيّ والجمالِ. لم يكن الحرملك ذلك المكانُ المظلمُ الكئيبُ الذي يقتل المرأةَ ببطء بل كان أشبهَ بمعهدٍ عالٍ لإعدادِ الأديباتِ المربيّاتِ ومركزَ تدريبٍ لتأهيلِ العاملاتِ الفصيحات وخليةَ نحْلٍ يعمُّها الذِّكْرُ والحرصُ على نيلِ العلومِ الشرعيةِ. ولم يكن طرازُ بناءِ الحرملك بدعةً فقد تميّزت العمارةُ الإسلاميةُ بشكل عام بالانسجام مع الحضارةِ الإسلاميةِ وقيمِها ومراعاة فصلِ الرجالِ عن النساءِ في الحياةِ الخاصةِ. وهذا الفصلُ لا ينظر إليه كإجحاف في حقّ المرأة لأنّ هناك طرفيْن، وإن قلنا إنّ المرأةَ متضررةٌ فالرّجلُ أيضاً متضررٌ.

لعلّ المقالَ لا يتسع للإسهاب في أمر الفصل بين الجنسين وما يثار حوله من شبهات ولكن اللافت أن من المنتقدات لطراز العمارة الإسلامية من يعشن في شققٍ كرتونيةٍ تكدِّسُ البشرَ وتمنَع عنهم الهواءَ وتُشْعِرُ المرأةَ أنّها تعيشُ في سجنٍ. فتبقى تحلم بذلك البيت الكبير ذي البهو الفسيح والحائط العالي الذي يحفظ خصوصيتها.. تحولت البيوت الشامية إلى مقاهٍ ونوادٍ أدبية يجلسون فيها ويتأملون جمالها. إنها أزمة المثقف الذي يعاني من تناقضٍ يعيق تقدمَه وتنازُعٍ بين نظامٍ منسجمٍ مع عقيدتِه وتراثٍ تغريبي يدقُّ أجراسَ الخطَرِ بداخلِه كلّما دنا منَ التناغم بينَ الشُّعورِ والفكرِ.

الإشكاليةُ لم تعدْ في تراثِ المستشرقِ بل في جيلٍ من المضبوعين بالثقافة الغربية المتشبثين بذلك التراث الاستشراقي. يحاولون أن يفرضوا على الأمّة تاريخاً مزيّفاً ويجنّدون جيوشاً إعلاميّةً من أجل تسْويقِ الأكاذيبِ. كلما ذُكرت الشريعةُ أو الحقوقُ الشرعيّةُ للمرأةِ المسلمةِ تعالت الصيحاتُ "وصلنا لعام 2015 ولا زلتم تقولون عودُوا لعصرِ الحرملك"، والعجيبُ أنّنا وصلْنا لعام 2015 ولا زلنا نسْمعُ منْ يردِّدُ أكاذيبَ المستشرقِ وأساطيرَ عصرِ الحرملك!! لا زلنا نسمعُ من النّسويّاتِ: "لن نعودَ لعصرِ الحرملك" بل ويقمن بتوظيفِ "الحريم" لفهم العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار ما أسموه بالثقافة الذكورية المعادية للمرأة وهم أدرى الناس بحقيقة الحريم.

إنّ ما يُروّج من أفكار عن الحريم وما تنسج من أساطير حوله لا يمكن بحال من الأحوال أن يضع فوق أعيننا عصابات تحول دون رؤية حقائق الأمور ولا أن يكمم أفواهنا لنصدع بالحق وندمغ به الباطل ولا أن يسد آذاننا عن سماع كل فكرة تدعو لتغيير مبدئي حقيقي.. لن نكون أسرى لماض صنعه غيرنا وروّجوه قاتما ظالما.

عذرا فلن أعتذر عن عصر الحريم ولست ملزمة بذلك، فسرد تاريخي كهذا الذي اهتم بعصر الحريم لا يمكن أن أبني عليه فكري فأنا المرأة المسلمة التي لا ولن تبني فكرها إلا على أدلة شرعية من الكتاب والسنة أو ما أرشدا إليه. لن أسير وراء السراب وأوهم نفسي بأشباح مرت من هنا وهناك لتلهيني عن واقع مرّ نعيشه اليوم.

إن تركيز الغرب والمضبوعين به على فترة الحريم محاولة من محاولاتهم المتعددة لصرف المرأة المسلمة عن التفكير في الحل الحقيقي والسعي للتغيير الجدي حتى تنهض نهضة تعيد لها العز والكرامة والأمان. وأما تكريم الإسلام للمرأة فإنه لا ينفصل عن نظرة الإسلام كدين رباني من لدن خبير عليم، دين للإنسان كإنسان.

يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾.


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)
الحملة على المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 6th November 2024 - 03:07 AM