(سلسلة أجوبة الشيخ العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")
جواب سؤال:
الدية في القتل الخطأ
إلى Hamzeh Shihadeh
السؤال:
السلام عليكم، لدي سؤال: ورد في كتاب نظام العقوبات أن القتل أربعة أنواع، والنوع الرابع هو ما أجري مجرى الخطأ، وعرف بأنه القتل على غير إرادة الفاعل، فإذا كانت على غير إرادته فكيف يدفع الدية، علما أن الحديث الشريف يقول رفع عن أمتي الخطأ؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
إن ما تسأل عنه جاء في نظام العقوبات في النصوص التالية:
(والقتل على أربعة أوجه: عمد، وشبه العمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ. أما العمد فواضح من قوله تعالى: ﴿ومن يقتل مؤمناً متعمداً﴾ وأما شبه العمد فواضح مما روى عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن دِيَةَ الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها» وأما الخطأ فواضح من قوله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ﴾ وأما ما أجري مجرى الخطأ فإنّه قسم من الخطأ إلاّ أنه لا ينطبق عليه تعريف القتل الخطأ فواقعه غير واقع الخطأ، إذ الخطأ تصحبه إرادة الفعل من حيث هو، ولكنه يخطئ في الجهة التي يقع عليها الفعل، أما ما جرى مجرى الخطأ فإنّه لا تصحبه إرادة الفعل مطلقاً، فالفعل يقع منه على غير إرادته، فكان واقعه غير واقع الخطأ... وذلك كأنّ ينقلب نائم على شخص فيقتله، أو يقع عليه من علو فيقتله، أو يصيبه العثار فيقع على شخص فيقتله... ولهذا فإن حكمه كحكم القسم الأول من الخطأ، أي تجب فيه الدية مائة من الإبل، وتجب فيه الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.) انتهى.
والآن نأتي إلى جواب سؤالك:
الحديث الذي رواه ابن حبان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عليه»، لا يدل على ما ذهبت إليه لأن معنى الحديث أن الله سبحانه لا يؤاخذ المخطئ والناسي والمكره أي لا يترتب على فعلهم إثم لأن الله سبحانه تجاوز عن ذلك، فالذي يقتل آخر خطأً بأن يطلق رصاصة على طائر فيصيب شخصاً لا يأثم شرعاً، ومثله الذي يقتل غيره بفعل أجري مجرى الخطأ كأن يقع من علو فيقتله لا يأثم شرعاً لأن الفعل في الحالين ينطبق عليه الحديث الشريف، فالإثم مرفوع عن صاحبه... ويبدو أن الذي جعلك تسأل هذا السؤال أنك ظننت أن دفع الدية هو عقوبة على فعل القتل مع أن الفعل لم يقع بإرادة الفاعل بل جبراً عنه، فتساءلت إذن كيف يعاقب؟
والصحيح أن الدية في حالة الخطأ وما أُجري مجرى الخطأ ليست عقوبة على فعل القتل، والذي يؤكد ذلك أن هذه الدية واجبة في أموال العاقلة وهم عصبة الرجل: إخوته وأعمامه وأولادهم وإن سفلوا... مع أنهم لم يفعلوا شيئاً أصلاً، وليست واجبة في مال القاتل الذي قَتل خطأً... فلو كانت عقوبة له على فعله لوجبت الدية في ماله كما وجبت في مال القاتل في حالة قتل العمد...
ومن الأدلة الشرعية على أن دية القتل الخطأ لا تكون في مال القاتل وإنما في مال العاقلة:
أخرج ابن ماجه في سننه عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ».
وأنقل لك من أقوال الفقهاء الذين أخذوا بذلك:
- يقول أبو يوسف صاحب أبي حنيفة في كتابه "الآثار": (...وَقَتْلُ خَطَإٍ وَهُوَ الشَّيْءُ تُرِيدُهُ فَتُصِيبُ غَيْرَهُ بِسِلَاحٍ فَالدِّيَةُ فِيهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ...)
- وجاء في السنن الكبرى للبيهقي: (قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: لَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ حَدِيثِ الْخَاصَّةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْخَاصَّةِ). وكذلك جاء في الأم للشافعي: (الْعَقْلُ عَقْلَانِ فَعَقْلُ الْعَمْدِ فِي مَالِ الْجَانِي دُونَ عَاقِلَتِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَعَقْلُ الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي قَلَّ ذَلِكَ الْعَقْلُ أَوْ كَثُرَ).
- وقال ابن قدامة في المغني: (قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرَ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ الْقَتْلَ الْخَطَأَ، أَنْ يَرْمِيَ الرَّامِي شَيْئًا، فَيُصِيبَ غَيْرَهُ، لَا أَعْلَمُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ. هَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. فَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الْخَطَإِ تَجِبُ بِهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ).
والخلاصة أن الدية في قتل الخطأ ليست عقوبة للقاتل بمعنى أنه يأثم بسبب قتل الخطأ، وإلا لكانت من ماله وليس من مال العاقلة التي لم تَقْتُل، فقاتل الخطأ لا يأثم على قتل الخطأ أو ما أجري مجرى الخطأ، والحديث الشريف ينطبق عليه.
أما لماذا فرض الشرع الدية في مال العاقلة في القتل الخطأ والقتل الذي أجري مجرى الخطأ، فلحكمة لم يبينها الشرع لنا، والله أعلم وأحكم.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
22 من جمادى الأولى 1437
الموافق: 2016/03/02م