حنظلة بن أبي عامر… الصحابي الذي غسلته الملائكة يوم أحدمجلة الوعي
من هو الصحابي حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه؟
وُلِد حنظلة لأبي عامر، الذي كان يسمى عمرو، أو ابن عمرو، وقد كان يُطلَق عليه اسم الراهب في زمن الجاهلية، وأمه هي الربابُ بنت مالك بن عَمرو بن عزيز بن مالك بن عَوف بن عَمرو بن عَوف… وكان أبوه دائم الحديث عن البعث ودين الحنيفية، وينتظر ظهور رسول مبعوث من رب العالمين، ويأخذ صفاته من الأحبار والرهبان، وعندما بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده أبو عامر وحقد عليه وبغى ورفض أن يعترف بمحمد رسولًا من عند الله… وفي مجلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو عامر، اتهمه الراهب بالكذب، والإنسان بالبهتان، وخلط دين الحنيفية بغيره، فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أتى بالدين نقيًّا، وأن الأمانة من صفاته التي أخبره الأحبار بها، فكذّب أبو عامر رسولنا الكريم، فقال له الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الكاذب يموت وحيدًا، وطريدًا، وأطلق عليه الرسول اسم «أبو عامر الفاسق». والتقى أبو عامر زعماء قريش أثناء هجرة الرسول الكريم، وحرَّضَهم هم وأهلهم على قتال الرسول الكريم ووعدهم بالوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم. مكث أبو عامر في مكة، وعندما فتحها المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام بالهرب إلى بلاد الروم، وتقبَّل الله دعواه على نفسه، فمات غريبًا، وحيدًا، طريدًا… ولكن ابنه حنظلة رضي الله عنه دخل في الإسلام مع قومه من الأنصار، أثناء هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يكن حنظلة رضي الله عنه راضيًا بما يفعله والده، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله؛ ولكن رسولنا الكريم أبى ومنعه من قتل أبيه… وقد نال حنظلة من الشرف ما لم ينله غيره… ويحكى عنه رضي الله عنه أنه كان في الطبقة الثانية للصحابة، وتقرَّب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخاه هو ، وشماس بن عثمان بن الرشيد المخزومي، وكانا رضي الله عنهما يقتربان يومًا بعد يوم من الرسول صلى الله عليه وسلم… تزوَّج حنظلة من جميلة بنت عبدالله بن أُبي بن سلول، ورُزِقا بولد، وهو عبدُالله بن حنظلة بن أبي عامر ، واستشهد يوم الحَرَّة.
استشهاد حنظلة رضي الله عنه في معركة أحد:
وَقَعَتْ غَزْوةُ أُحُدٍ في السَّنةِ الثَّالِثةِ مِنَ الهِجرةِ، وأُحُدٌ جَبَلٌ يَقَعُ بالمَدينةِ، في شَمالِيِّها الغَربيِّ، بيْنَه وبيْنَ المَدينةِ ثَلاثةُ أميالٍ، وقد أجمَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على الحَرْبِ خارِجَ المَدينةِ بَعدَ مَشورةِ أصحابِه، فعَسكَرَ عِندَ جَبَلِ أُحُدٍ، وجَعَلَ خَمسينَ راميًا فَوقَ الجَبَلِ، فلَمَّا الْتَقى الجَيشانِ انهَزَمَ المـُشرِكونَ في أوَّلِ الأمْرِ، فعِندَ ذلك طَمِعَ الرُّماةُ في الغَنيمةِ، وأسْرَعوا ليأخُذوها، فلَمَّا وَقَعَ ذلك منهم نَظَرَ خالِدُ بنُ الوَليدِ، وكان وقتَها في جيشِ المشركين قبْلَ أنْ يُسلِمَ، إلى مُؤخِّرةِ الجَيشِ، فرَأى الجَبَلَ خاليًا، ولم يَبْقَ عليه سِوى القَليلِ، فكَرَّ بخَيلِه عليهم، وهاجَمَ مُؤخِّرةَ الجَيشِ الإسلاميِّ، فارتَبَكَ الـمُسلِمونَ، وصارَ يَضرِبُ بَعضُهم بَعضًا، ووَقَعتِ الهَزيمةُ فيهم، فأُصيبَ منهم سَبعونَ شهيدًا.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عَبدُاللهِ بنُ الزُّبَيرِ عن بعضِ ما كانَ في تلك الغَزوةِ فيقولُ: «وقد كانَ الناسُ انهَزَموا عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، أي: فَرُّوا وابتَعَدوا عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، «حتى انْتَهى بَعضُهم إلى دُونِ الأعراضِ، إلى جَبَلٍ بناحِيةِ المَدينةِ، ثمَّ رَجَعوا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقد كانَ حَنظَلةُ بنُ أبي عامِرٍ الْتَقى هو وأبو سُفيانَ بنُ حَربٍ»، أي: تَقاتَلَا، «فلَمَّا استَعْلاه حَنظَلةُ» وأصبَحَ فَوقَ أبي سُفيانَ، «رآهُ شَدَّادُ بنُ الأسوَدِ» مِنَ الـمُشرِكينَ، «فعَلَاه شَدَّادٌ بالسَّيفِ حتى قَتَلَه»، أي: قَتَلَ شَدَّادٌ حَنظَلةَ؛ فنَجا أبو سُفيانَ «وقد كادَ» حَنظَلةُ «يَقتُلُ أبا سُفيانَ؛ فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ صاحِبَكم حَنظَلةَ تُغَسِّلُه المَلائِكةُ»، أي: تَقومُ على تَنظيفِه وتَغسيلِه، مع أنَّ الشَّهيدَ لا يُغَسَّلُ، «فسَلُوا صاحِبَتَه»، وهي زَوجَتُه جَميلةُ بِنتُ أُبَيٍّ بنِ سَلولَ، فسَأَلُوها؛ لِمَعرِفةِ حالِ حَنظَلةَ عِندَ خُروجِه لِلجِهادِ، وسَبَبِ تَغْسيلِ المَلائِكةِ له، «فقالت: خَرَجَ وهو جُنُبٌ»، أي: كانَ على صِفةِ الجَنابةِ، إشارةً إلى أنَّه خرَج للغَزْوِ والجهادِ سريعًا بعدَ جِماعِ زَوجتِه ولم يَتأخَّرْ حتى للغُسلِ مِن الجَنابةِ، وهي تُطلَقُ على كُلِّ مَن جامَعَ زَوجَتَه أو احتَلَمَ أو أنزَلَ المَنيَّ بشهوةٍ، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لاجتِنابِ صاحِبِها الصَّلاةَ والعِباداتِ حتَّى يَطهُرَ منها، «لَمَّا سَمِعَ الهائِعةَ»، وهي صَوتُ النِّداءِ لِلجِهادِ، «فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فذاكَ قد غَسَّلَتْه المَلائِكةُ»؛ فكَونُه كانَ جُنُبًا هو سَبَبُ تَغسيلِ المَلائِكةِ له، فكانَ يُقالُ له: الغَسيلُ. ولُقِّبَ في كتب السيرة النبوية بـ «غَسيلُ المَلائِكةِ». وكَفَى بهذا شَرَفًا.
بعد انتهاء غزوة أحد ذهب النبي صلى الله عليه وسلم يتفقّد أحوال الجرحى والشهداء، فرأى كثيرًا من خيرة أصحابه قد فاضت أرواحهم في سبيل الله، منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وسعد بن الربيع، وأنس بن النضر، وحنظلة بن أبي عامر وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين. فلما رآهم صلى الله عليه وسلم قال: «أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة، وأمر بدفنهم بدمائهم، ولم يُصَلِّ عليهم، ولم يُغَسَّلوا» رواه البخاري.قال الواقدي: «وكان حنظلة بن أبي عامر تزوج جميلة بنت عبدالله بن أبي ابن سلول، فأُدْخِلَت عليه في الليلة التي في صبحها قتال أحُد، وكان قد استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت عندها فأذن له، فلما صلَّى بالصبح غدا يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمته جميلة فعاد فكان معها، فأجنب منها ثم أراد الخروج، وقد أرسلت قبل ذلك إلى أربعة من قومها فأشهدتهم أنه قد دخل بها، فقيل لها بعد: لِمَ أشهدت عليه؟ قالت: رأيت كأن السماء فرجت فدخل فيها حنظلة ثم أطبقت، فقلت: هذه الشهادة، فأشهدت عليه أنه قد دخل بها»… وذكر السهيلي نقلًا عن الواقدي وغيره أن حنظلة رضي الله عنه بُحِثَ عنه في القتلى فوجدوه يقطر رأسه ماء، وليس بقربه ماء، تصديق لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن صاحبكُم تُغَسّله الملائكة، وتغسيل الملائكة لحنظلة رضي الله عنه هو من باب الفضل والكرامة له، قال المناوي: «وكفى (غسل الملائكة لحنظلة) بهذا شرف، وهذا لا تنافيه الأخبار الناهية عن غُسل الشهيد؛ لأن النهي وقع للمكلفين من بني آدم».
حنظلة رضي الله عنه مفخرة للأوْس:عن أنس رضي الله عنه قال: «افتخر الحيّان من الأنصار: الأوس والخزرج، فقالت الأوس: مِنَّا غسيل الملائكة حنظلة بن الراهب (حنظلة بن أبي عامر)، ومنّا من اهتز له عرش الرحمن: سعد بن معاذ، ومنا من حمته الدّبر (النحل) عاصم بن ثابت بن أبي الأفلج، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، وقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجمعه غيرهم: زيد بن ثابت، وأبو زيد، وأُبَيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل».