بسم الله الرحمن الرحيم
الكلمة الأولى
ولاية تونس
الأزمات في وحدة الأسرة: أسبابها وعواقبها(مترجمة)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك وعلى المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات...
أيتها الأخوات! إن البشرية على شفا هاوية! حجر الزاوية في المجتمع؛ وحدة الأسرة يتم فقدانها... العالم بأسره يواجه أزمة الأسرة. إن أزمة الأسرة وما يتصل بها من مشكلات اجتماعية ونفسية وغيرها من المشاكل التي تهز الغرب بعمق، وضعت الآن الأمة الإسلامية - خير أمة أخرجت للناس - بين براثنها!
في كل عام يتناقص عدد الزيجات بينما يزداد عدد حالات الطلاق. في تركيا على سبيل المثال، ارتفع معدل الطلاق بنسبة 82٪ على مدى السنوات العشر الماضية، وبينما حصل الطلاق في واحدة من بين كل 6 أسر في عام 2001، حصل في واحدة من كل 3 عائلات عام 2008. اليوم الأردن لديه أعلى نسبة للطلاق في الشرق الأوسط، وارتفع عدد حالات الطلاق المسجلة إلى حوالي 22000 في عام 2016 من 1000 في عام 2011. علاوة على ذلك، حصل 8.2٪ من الأزواج على الطلاق خلال السنة الأولى من زواجهم! وفي مصر، ارتفع معدل الطلاق بنسبة 83٪ في السنوات العشرين الماضية، وهناك حوالي 260 حالة طلاق يوميًا. وفي إندونيسيا كان هناك أكثر من 380,000 حالة طلاق تتعلق بزواج المسلمين في عام 2014 - أي ما يعادل 44 حالة في كل ساعة وأكثر من 1000 كل يوم، وارتفع معدل الطلاق 10 أضعاف من 1999 إلى 2009. وفي إيران، تم تسجيل حوالي 20 حالة طلاق كل ساعة حتى آذار/مارس من هذا العام. وفي محافظة طهران وحدها ارتفعت معدلات الطلاق بنسبة 22٪ في غضون سنة واحدة.
ورافق ذلك انخفاض معدلات الزواج وتأخر سن الزواج بين الأمة الإسلامية. فعلى سبيل المثال، انخفض عدد الزيجات المسجلة رسمياً في مصر بنسبة 70.4٪ بين عامي 2004 و2016، في حين انخفض معدل الزواج في فلسطين بنسبة 8٪ بين عامي 2015 و 2016 فقط. وفي لبنان، 47٪ من النساء في الفئة العمرية 35-39 سنة غير متزوجات، وفي ماليزيا في عام 2010، كان عدد السكان ممن أعمارهم تزيد عن 15 سنة والذين لم يتزوجوا قط يمثلون نسبة 35٪، بالإضافة إلى ذلك، فإن متوسط سن الزواج الأول يقترب من الثلاثين في جميع أنحاء البلاد الإسلامية.
إننا نشهد ضعف أهمية الأسرة داخل البنية المجتمعية، وتقلص حجم الأسرة، وزيادة عدد الأسر الفردية، والأسر التي تمتنع عن إنجاب الأطفال ويتناقص عدد العائلات التي لديها ثلاثة أطفال وأكثر باطراد. وفي الوقت نفسه، ازداد عدد الأسر التي لديها طفل أو اثنان بسرعة. ففي عام 2016، بلغ معدل الخصوبة في تركيا، على سبيل المثال، مستوى الإحلال للسكان، البالغ 2.1 طفلاً. حتى عام 2016، استخدم دائما مصطلح "فوق مستوى إحلال السكان" لمعدل الخصوبة في تركيا. وبالتالي فإن البلاد تخاطر بسرعة لتصبح شيخوخة. في بنغلاديش، انخفض معدل الخصوبة الإجمالي من 6.3 في عام 1975 إلى 2.3 في عام 2011، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 63٪. تظهر باكستان ومصر والبلاد الإسلامية الأخرى التطورات الديموغرافية نفسها المثيرة للقلق. لذلك نحن نواجه تحركًا مجتمعيًا نحو التفرّد وعدم الإنجاب. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو الزيادة في متوسط عمر الأمومة الأولى والحط من قيمة الأمومة.
وقد أدى تفكك القيم الأخلاقية والثقافية الإسلامية إلى تشجيع الخلافات والتعاسة والعنف في الحياة الزوجية. فعلى سبيل المثال، ازداد العنف ضد المرأة في تركيا بنسبة 1400٪ خلال العقد الماضي. في العام الماضي وحده، قتلت أكثر من 400 امرأة بسبب الطلاق في تركيا. إلى جانب هذا؛ خلق الطلاق صوراً أخرى مروعة في تركيا... قتل طفل الشخص نفسه تجلى كـ"نظام جديد" للانتقام من الأم... وفي عام 2017، قتل 20 طفلاً على أيدي آبائهم.
أدى ارتفاع معدلات الطلاق إلى مشاكل تؤثر على الأطفال والأجيال الشابة. وقد أثبتت الأبحاث العلمية أن الزيادة في معدل جرائم الأطفال، وإدمان الكحول والمخدرات، والفشل في المدارس والرسوب والتسرب، والمشاكل النفسية، والبغاء، والإنجاب خارج إطار الزواج، والمقامرة، والانتحار وغيرها من المشاكل ترتبط ارتباطا مباشرا بمعدلات الطلاق في البلد. على سبيل المثال، منذ أن بدأت معدلات الطلاق في تركيا في الارتفاع، ازدادت معدلات جرائم الأطفال أكثر من أربع مرات من 2008- 2013.
أيتها الأخوات، لا توجد نهاية لنقل مثل هذه الإحصاءات الرهيبة... في الواقع، هذه هي أعراض التسمم عند مستويات الوباء. إن انتشار وتطبيق والترويج للقيم الرأسمالية والليبرالية والنسوية والعلمانية والعادات والقوانين والأنظمة من الغرب قد سممت الأمة. وقد شكلت العقلية والأذواق والمفاهيم ومقاييس الحياة بحسب الخطوط الغربية وبعيدا عن الإسلام. إن القيم والقوانين الغربية المطبقة علينا لم تحرز تقدما كما زعم... بل على العكس من ذلك، دفعتنا إلى الفساد الأخلاقي وهاوية الغرب وكتلة من المشاكل غير القابلة للحل.
إن الترويج "للحريات الليبرالية" أزال حدود التنشئة الاجتماعية والعلاقات بين الرجل والمرأة، وبالتالي أحالت المجتمع الإسلامي إلى مجتمعات غير إسلامية، وبالتالي أصبحت "العفة والحياء" تعتبر تخلفا ورجعية، في حين، كما عن أنس رضي الله عنه أن النبي e قال: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ». وكما روى أبو مسعود البدري أن الرسول e اعتبر الحياء أساس الأخلاق في الإسلام: «إنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ». وهذا بالضبط ما تلقنه الحريات الليبرالية: "كل شخص حر في أن يفعل كل ما يريده. والخجل يدينك بالتعصب والفشل"!
النساء يخرجن بدون الزي الإسلامي ناهيك عن التبرج، والرجال لا يغضون أبصارهم، والعلاقات خارج نطاق الزواج والاختلاط بين الجنسين تزداد يوما بعد يوم، مما يقوض الزواج ويؤدي أيضا إلى النفور من الزواج والالتزام والمسؤولية في الزواج والحياة الأسرية، وقد حدد رسول الله e طريقة لمنع هذا الانحلال ولضمان أن يكون الزواج من أجل حماية الأخلاق والوئام «النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».
هذه الحريات الليبرالية هي التي أبعدت الأمة عن سنة رسول الله e. وركزت العلاقة بين الرجل والمرأة على المتعة، بينما يفترض في الإسلام أن يكون تعاوناً صحياً بين الجنسين في المجتمع. وقد أدى ذلك إلى النظرة الجنسية في المجتمعات، وازدياد العلاقات خارج نطاق الزواج وحتى الشذوذ الجنسي، فضلاً عن التسامح تجاه هذه الأمور، مما قوّض طبيعيا الزواج وسلامة الوحدة الأسرية وأضر بها. هذه الثقافة الليبرالية المدمرة التي يلاحق المرء فيها رغباته أضرت بالأمة الإسلامية، بينما يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾.
أخواتي العزيزات
القيم الرأسمالية هي أيضا واحدة من الأسباب الرئيسية لأزمة الأسرة في الأمة الإسلامية. ففي حين يوجه الإسلام المسلمين وحتى غير المسلمين في المجتمع لفعل ما هو الأفضل للزواج، والأطفال، ووحدة الأسرة؛ فإن الرأسمالية تعزز الفردية التي تخلق عقلية التركيز على الحاجات الفردية والرغبات الأنانية. وكذلك المادية تشيد بترويج الصور والمواد الجنسية الفاسدة للاستهلاك من أجل الربح، على سبيل المثال من خلال صناعات الترفيه والتجميل والمواد الإباحية. ولهذا السبب، حولت المرأة إلى سلعة، في حين إن السياسات الاقتصادية الرأسمالية المستندة إلى هذه المبادئ، وهراء أن "المرأة تعتبر المحرك الاقتصادي للمجتمع والدولة"، قد انتزعت المرأة من الأمومة ودفعتها إلى سوق العمل. جعلت المادية أيضا تركيز الأفراد على السعي وراء الثروة والممتلكات والمكانة بدلا مما هو أفضل للأسرة، والأطفال، والمجتمع. وأسلوب الحياة هذا الذي يدمر العلاقات بين الوالدين والأطفال، ويخل بجميع التوازنات والنظم الاجتماعية، ويشكل تهديدًا خطيرًا للانسجام المجتمعي.
على العكس من ذلك، فقد نصحنا رسول الله e كما روى أبو هريرة رضي الله عنه: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» واليوم، فإن أحد العوامل الرئيسية المسببة للطلاق، وتجنب الزواج، والإضرار بانسجام الحياة الأسرية هو الافتقار إلى الوقت بين الزوجين والوالدين والأطفال بسبب ساعات العمل الطويلة والشاقة والسعي إلى تحقيق أهداف مادية أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، كان للأفكار النسوية مثل المساواة بين الجنسين تأثير مدمر كبير على الأسرة والبنية المجتمعية في الأمة الإسلامية. وقد أوجدت هذه الأفكار ارتباكا وصراعا في الأدوار والواجبات والحقوق الزوجية، وقوضت الزواج وحطت من قيمة الأمومة. حيث أنتجت نساء ينكرن واجب الرجل في القوامة كما أمر ربنا سبحانه، وأنتجت رجالا يهملون واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه أسرهم. غير أن الإسلام لا يفضل نوعاً على آخر في أدواره الزوجية، ولا يعطي أي اعتبار للمساواة بين الجنسين عند تحديد الحقوق والواجبات في الحياة الأسرية. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ ويقول سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ﴾.
وإلى جانب تأثير هذه القيم الليبرالية والعلمانية والرأسمالية الغربية على الأمة الإسلامية، هناك عزل المرأة عن المجتمع أو الحياة العامة، أو حرمانها من بعض حقوقها وأنشطتها التي يمنحها الإسلام، أو الزواج القسري، وعادات المهور الهندوسية، وغيرها من وجهات النظر والتوقعات غير الصحيحة من الزواج التي تسبب الاضطهاد على المرأة في العديد من البلاد الإسلامية والتي هي أيضا ظاهرة تؤثر على انسجام الحياة الأسرية اليوم. هذه كلها ليست من الإسلام! بل هي ممارسات لعادات وتقاليد قديمة غير إسلامية. وبالتحديد، فإن النظرة الخاطئة والتوقعات الزائفة تجاه الزواج الناشئة في الأصل عن هذه الثقافة التقليدية غير الإسلامية، قد تسببت في عدم الرضا والسخط والغضب، حيث إن النساء والرجال الذين يربطون هذه الثقافة والتقاليد المتخلفة بالإسلام، يتحولون إلى الثقافة الغربية ويتمردون على أحكام الشريعة الإسلامية.
كل هذه الأمور أيتها الأخوات، نتجت عن حقيقة كوننا كأمة فقدنا فهمنا ووضوح أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بكيفية تنظيم العلاقة بين المرأة والرجل بشكل فعال وكيفية تنظيم الزواج والحياة الأسرية بأفضل طريقة لضمان الانسجام. مما تسبب في فقداننا كأمة للطابع الإسلامي لبنية الأسرة، فضلا عن خلق العديد من المنازعات والانقسام بين الزوج والزوجة وسائر أفراد الأسرة. لكن الأهم من ذلك أننا تُركنا بدون كيفية واضحة لحل هذه المشاكل.
أخواتي العزيزات،
يجب أن يكون واضحا أن هذه هي نتائج الاستعمار الثقافي للقوى الإمبريالية ومشروعها المتمثل في تدمير الإسلام. وقد نجحوا بدعم من الأنظمة العميلة في العالم الإسلامي. إن هذه الأنظمة بمختلف نظمها ومؤسساتها غير الإسلامية هي التي روجت وطبقت القيم الغربية الضارة التي تغذي أزمة الأسرة، على سبيل المثال من خلال أنظمتها التعليمية؛ ودعم مختلف المنظمات النسوية وبرامجها؛ والتصديق على الاتفاقيات الدولية التي تهدف إلى علمنة وتدمير الأحكام الاجتماعية الإسلامية وبنية الأسرة، وسن قوانين وسياسات متحررة ومتنوعة للمساواة بين الجنسين على الصعيد الوطني؛ وتوفير منصة مفتوحة لوسائل الإعلام من أجل بث المواد التي تركز النظرة الجنسية في المجتمع وتحط من قيمة الزواج وتضر بهدوء الحياة الأسرية.
ونرى على سبيل المثال أن الدساتير في العالم الإسلامي تنص على الالتزام بتنظيم قوانينها المحلية وفقاً للاتفاقيات الدولية. يتم وضع كل السياسات والقوانين واللوائح القضائية المتعلقة بالمرأة والأسرة وفقا للاتفاقيات الدولية القائمة على سياسات "تعميم مراعاة النظرة الجنسية". فعلى سبيل المثال، وقعت كل الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية اتفاقية سيداو باستثناء فلسطين وإيران والسودان والصومال.
قدمت تركيا "القانون المدني الجديد" تمشيا مع هذه الاتفاقات. وقد حذف القانون العبارة التي تنص على أن "الزوج هو رب الأسرة"، فأصبحت: "يتخذ الزوجان معا قرارات بشأن اتحاد الزواج". المادة 41 من الدستور تنص على أن "الأسرة هي أساس المجتمع التركي" وقد تمت إضافة "وعلى أساس المساواة بين الزوجين". وعلاوة على ذلك، تستخدم وزارة الأسرة والسياسات الاجتماعية في منشوراتها جملة "الأسرة ليست بيئة آمنة للمرأة" وتعرف "الزواج" على أنه سبب العنف.
تُمنح المؤسسات النسوية صوتًا وتأثيرًا كبيرًا في بلداننا. وقد بتنا نواجه ظاهرة أخرى تسمى "النسويات المسلمات"، اللواتي يتّهمن الأحكام الإسلامية المتعلقة بالأسرة والمرأة بأنها تهين النساء، وبالتالي يدعون إلى إعادة تفسيرها عصريا، أو بالأحرى علمنتها، من خلال عيون المرأة. وتحظى مطالبهن بالقبول الفوري حتى في البرلمانات.
علاوة على ذلك، تركز أنظمة التعليم العلمانية القائمة في بلادنا على تنفيذ مبادئ "إدماج النوع الاجتماعي" من خلال مناهجها، وكتبها، ومعلميها ووسائل أخرى. والهدف هو تربية أجيال تتجاهل مسؤولياتها الزوجية والأسرية، والتي تحارب لتتحمل مسؤوليات الجنس الآخر، واعتبار ذلك بأنه تحرر. أجيال بدلا من طاعة والديهم، يعلمونهم دروساً عن المساواة بين الجنسين، ويتم هذا كله على يد وزارة التعليم.
إلى جانب كل ذلك، لم تعد الأنظمة القضائية العلمانية في بلادنا تعمل كذراع للدولة لحماية وحدة الزواج والبنية الأسرية كما كانت تعمل في الماضي تحت حكم الإسلام. لم تعد المحاكم تعمل كوسيلة فعالة للفصل في الخلافات الزوجية للحفاظ على الزواج، أو في العنف المنزلي لحماية المرأة، أو لضمان أن يوفر الرجل لعائلته الحياة المناسبة، أو لضمان قيام الزوج والزوجة بواجباتهما تجاه بعضهما. على العكس، فإن كل التعديلات في قانون الأسرة تعالج القضايا التي تحدث بعد تدمير الأسرة. مدفوعات النفقة، دعاوى التشهير، حضانة الأطفال وغيرها من العناوين الفرعية هي مشاريع للتعامل مع قضايا بعد نهاية الزواج. وفوق ذلك، فإن القوانين لا تحمي "الأسرة" ولكنها غالباً ما تؤدي إلى تفاقم معدلات الطلاق. على سبيل المثال، أصبح القانون التركي "رقم 6284 الخاص بحماية الأسرة ومنع العنف ضد المرأة" والذي صدر على أساس اتفاقية إسطنبول، أصبح معروفًا بين الناس على أنه "قانون تخريب العائلة واضطهاد الزوج". وذلك لأن جميع التعاريف الواردة في القانون - بدءاً من تعريف العنف إلى تطبيق اللوائح - تضمن تدمير العائلة بدلاً من حمايتها. على سبيل المثال، عبارة "لا يلزم دليل أو تقرير يثبت العنف من أجل اتخاذ قرار تحذيري" تبطل "البراءة المفترضة" للزوج. فالنساء اللواتي يستغللن هذا القانون كسلاح يمكنهن إخراج أزواجهن تعسفاً من بيوتهن. النسوية أو المساواة بين الجنسين التي ينتهجها المحامون أو علماء النفس الأسريون أو مراكز الإرشاد الأسري تحول بسهولة المشاكل العائلية البسيطة إلى حالات طلاق. اليوم يقدر بأن حوالي 1.5 مليون شخص هم ضحايا هذا القانون. الخلاصة، إن الأنظمة القضائية في بلادنا الإسلامية تفتقر إلى القدرة على تصحيح المظالم بشكل سريع وفعال، وقد فشلت في حل المشاكل التي تواجهها النساء والأسر. وبالتالي، فإنها تسمح للمشاكل بالتفاقم، مما يؤدي إلى مزيد من الخلافات المستعصية في الحياة الزوجية والأسرية. وفوق ذلك، فإنها غالباً ما تكون مثقلة بالأعباء بسبب عدم كفاية الإنفاق الحكومي لتوفير ما يكفي من المحاكم والقضاة للفصل في القضايا، وكذلك بسبب حجم المشاكل التي تؤثر على المجتمع في ظل الأنظمة المهترئة. بالإضافة إلى ذلك، فإن قضايا المحاكم مكلفة جدا وغالبًا ما تتأثر بالسلطة والمال - وكلها عوامل مانعة من حل النزاعات الزوجية والأسرية بشكل عادل وفعال.
أخواتي العزيزات،
إذا أردنا معالجة هذه الأزمة بإخلاص، فإننا كأمة يجب أن نجد حلاً جذرياً لأسباب هذه المشكلة وما الذي يغذي هذه الأسباب. لقد أعدنا الله وزودنا بكل الأفكار والأساليب اللازمة لإنقاذ البشرية من حافة الهاوية وقيادتها من الظلام إلى النور. لذلك، يجب علينا نشر الحلول الإسلامية والعمل بكل قوتنا لإعادة تطبيقها بشكل كامل.
يقول الله تعالى: ﴿الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.
شادية الصّيادي
عضو حزب التحرير -ولاية تونس-
-----