شبهات وردود
العلمانية والإسلام توافق أم تناقض؟؟
الظـاهــر بيبــــرس
يمكن إيجاز معنى العلمانية في عبارة واحدة هي: عزل الدين عن الحياة. وهذا يعني أنَّ العلمانية ترى أن العقيدة الدينية والهدي السماوي وما يتبع ذلك من اتباع الدين وطاعة الله، والوقوف عند حدود شرعه لا يجب الالتزام بها إلا في حياة الأفراد الشخصية (علاقة الإنسان بربه فقط)، أما ما عدا ذلك من شؤون العالم في حياة الناس، فإنه يجب أن يعالج على أساس المادية البحتة، وفق رغبات البشر ووجهات نظرهم وميولهم دون مراعاة الدين، وقد نشأت العلمانية نتيجة لرد الفعل الذي أصيب به الغربيون من كراهية السلطة الدينية الذي افتعله الكهنة في الديانة المسيحية وهو الحكم باسم الإله أو نيابة عن الإله؛ حيث وقف هؤلاء حجر عثرة أمام الفكر الواعي الذي يهيم بحثاً وراء الحقيقة، فحاربوا كل عقل متحرر مستنير وصنعوا لأنفسهم بهذا الموقف أغلال مهانتهم؛ ولم يلبث الأمر طويلاً حتى تحول العداء لهذه الفكرة إلى نظرية مستقلة، وأصبحت هذه النظرية حجر الأساس في قاعدة المدنية الغربية وهي ( فصل الدين عن الحياة، ومنها الدولة)، وقد نسمع كثيراً من يقول: الدين هو تنظيم علاقة العبد بربه، وهذه الجملة القصيرة هي العقيدة التي تدين بها المدنية الحديثة، وهي تعني أنه إذا كان الإنسان يؤمن بوجود إله يستحق العبادة وحده دون سواه؛ فله أن يعتقد ذلك على أن تكون عبادته في نطاق حياته الفردية وليس لهذا الإله ولأديانه السماوية سلطة على شؤون العالم، ومن هنا نرى بطلان هذه العقيدة المدنية الحديثة لأن ذلك يتنافى والإسلام الذي هو دينٌ ينظم علاقة الإنسان بنفسه وعلاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان مع غيره من المخلوقات، أما ما أرست المدنية الحديثة قواعدها وأقامت أنظمة حياتها بكافة العلاقات الإنسانية في صلة الإنسان بأخيه متحررة من السلطة الإلهية والتشريعية في ميادين الحياة كلها: الاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية وشؤون الحكم والإدارة والعلاقات الدولية؛ فكل شأن من شؤون الحياة البشرية التي لا حصر لها إنما يعتمد على معارف الإنسانية المكتسبة، ويكون وفق رغباته الخاصة.
وأصبح عندهم لا يجوز السؤال عما إذا كان اللهُ قد شرع للإنسانية في هذا السبيل شيئاً من المبادئ والأسس أم لا؟ بل أصبح مثل هذا السؤال رجعية وتخلف!، وليت الأمر قد اقتصر على التحرر من سلطة الله والدين في الحياة الاجتماعية لتسلم الحياة الفردية التعبدية، فإن فكرة التحرر من شريعة الله قد حولت حياة المجتمع إلى مجتمع علماني محضٍ، لأن هذه هي الثمرة التي يجنيها المجتمع العلماني من التعلم اللاديني؛ فمن الضروري في مثل هذا المجتمع أن يصبح الأفراد الذين يؤمنون بوجود إله يستحق العبادة قلة نادرة ولاسيما الذين يتولون قيادة المدنية الحديثة، بل إن هؤلاء بصفة خاصة قد استهانوا بالدين في حياتهم الشخصية، وتمزقت صلتهم الفردية بالله إرباً إرباً وانفصموا من عراها انفصاماً كاملاً، ونقول لكل من ينادي بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة أو عن الحياة قال جل جلاله: " قل يا أيها الكافرون * لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد * ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد * لكم دينكم ولي دين "
من مجلة منهاج النبوة العدد السادس
رابط المقال:
http://mnhajalnbooa.com/vb/showthread.php?t=59