التقليد
مشكلة تواجه دعاة التغيير، فهم يريدون من البشر تغيير النمط الذي عاشوا عليه دهرا من الزمن لسبب عند دعاة التغيير، وتغيير طبائع الناس أمر صعب، فإن كان ما تدعو الناس لتغييره أمرا خاطئا فستواجه صعوبة شديدة جدا إلا إن تم دعمك وتمويلك من قبل الفاسدين والمجرمين فربما تجد يسرا في ذلك، وإن كنت تدعو الناس لتغيير أمور فاسدة أو خاطئة فستجد سهولة في ذلك إلا إن وجدت صدا أو دعاية مضادة لك.
ولكن عادة الناس أنها تنفر من التغيير وتحب السير على ما ألفته زمنا، فأن تأتي لتغيير أمر قديم فستجد صعوبة، ويتفاوت رفض الناس لهذا الأمر الذي تطلب تغييره، ويعتمد تجاوبهم معك على عدة عوامل:
• بيان ما في الأمر الذي تخبرهم فيه من ضرر أو مصلحة.
• بيان حرمة أو حِل ما تدعوهم إليه.
فالأمر الذي تدعو إليه إن كان ضرره واضحا بينا فان الناس ستستجيب لك، وإن كان غامضا أو غير واضح فربما تجد عدم استجابة من الناس لما تدعوهم إليه، وقس على ذلك أن تدعو الناس لمصلحة معينة فان وضوح المصلحة أو خفائها هو الذي يجعل الناس تنجذب إليك.
أما في موضوع الأحكام الشرعية فان الناس في وقتنا الحاضر عندما سيطرت عليهم الدنيا وشهواتها وأصبحت النفس وأهواؤها من يقودونهم، وحسبوا لعصا السلطان الحساب، وخافوا على الدنيا وفتاتها أن يضيع منهم، فان خطاب الأحكام الشرعية بالحلال والحرام تأثيره قليل في الناس.
الناس في العادة لا تحب التغيير، وليس في الأمور الشرعية فقط بل في كل الأمور، ويعتمد إقبال الناس على التغيير على عدة أمور نرتبها من حيث قوة استجابة الناس لها في العادة:
• وجود مصلحة مادية أو مبالغ مالية سيتم تحصيلها من التغيير.
• وجود ضرر أو مصلحة بينة واضحة مما تدعوهم إليه.
• وجود ضرر أو مصلحة غير ظاهرة فيما تدعو الناس إليه.
• وجود حرمة في الأمر الذي تدعوهم إليه.
فأن نرى أن الشرع في المرتبة الأخيرة، فإن هذا مما يؤسف له، فالأصل أن يكون الشرع المقياس الأول، ولكن هذه طبيعة البشر، وهذه المشكلة واجهها الأنبياء والدعاة طيلة حياتهم عندما يكون النظام الحاكم مجرما لا يحكم بالشرع.
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ﴾ وقال: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ وقال: ﴿ وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ وقال: ﴿واتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ * قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾
ولكن يجب أن يعلم أن هذا القول هو تبرير للتقصير وليس ردا حقيقيا مشفوعا بالأدلة والبراهين على الأنبياء، أي تبريرهم لعدم إتباع الحق هو أنهم وجدوا آباءهم يفعلون هذا الأمر وهم لا يحبون التغيير، وليس فيه أي رد فكري بالحجج والبراهين على الأنبياء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ)) [رواه مسلم]
عندما يقوم حملة الدعوة بدعوة الناس لإقامة الخلافة فإن في هذا الأمر دعوة للتغيير وهذا يخاف الناس منه، ولان الأمر مقصور على بيان الأحكام الشرعية، لا بل قد يصيب الإنسان ضرر مادي أو دنيوي منه فترى المقبلين على هذا الأمر قلة، وليس هذا لضعف أدلتك بل لأنك تطلب من الناس التغيير، وهذا التغيير يرى الكثير من الناس بالحساب الدنيوي أنه يجلب لهم ضررا، فيعرضوا عنك، حتى وإن أخبروك أنهم مؤيدون لك وإن أقمت الخلافة فلن يتخلوا عنك، ولكن عند طلب العمل معك فإنهم يفرون منك وستسمع من تبريرهم أن الكثير من الناس لا تعمل لإقامة الخلافة، فهل كلهم آثمون؟؟؟؟؟؟؟
هذا وضع طبيعي وهذا يضع حملة لواء التغيير في الغربة بين الناس، فتجد أكثر الناس تعرض عنهم ليس لخطأ فيهم، بل لأن الناس تنفر من التغيير وبالذات إن كان فيه تعب ومشقة وإن كان يعتمد على الفكر، فدعوات الأنبياء كلها فكرية بالحجج والأدلة لكنها لاقت الصد والتكذيب من الناس، إلا عندما تصبح الدعوة قوية فإنك سترى الناس تقبل عليك أفواجا أفواجا، وهذا لأنك أزلت حاجز التهديد من قبل الظالمين من أمامهم فعندها فان فطرتهم السليمة ستجعلهم يقبلون عليك وسينسون أنهم قالوا لك يوما: "إن أكثر الناس لا تعمل للخلافة، فهل هم آثمون " أو "إنا وجدنا آباءنا لا يعملون للخلافة وإنا على آثارهم مقتدون"!!!!!
https://www.facebook.com/145478009128046/ph...e=3&theater