وجهات نظر
الإعلام المصري لا يسر عدواً ولا حبيباً جمال عبد الرحيم
2012-05-15
مما لاشك فيه أن الإعلام المصري ساهم بدور كبير في حالة الفوضي العارمة التي شهدتها البلاد طوال الفترة الماضية عن طريق استخدام أساليب التهييج والإثارة وإطلاق الشائعات والفتنة والتحريض وتزييف الحقائق والتخوين.. للأسف الشديد فقد الإعلام المصري مصداقيته ومهنيته عندما استغل الحرية استغلالاً خاطئاً وضرب بمعايير العمل الإعلامي عرض الحائط وخلق حالة من البلبلة والضبابية والإثارة في الشارع المصري.
ونظراً لأهمية دور الإعلام المصري في استقرار البلاد عقدت جامعة سوهاج يوم السبت الماضي ندوة مهمة تحت عنوان "استقرار مصر يبدأ من الإعلام " شاركت فيها بصحبة الزميل ممدوح الولي نقيب الصحفيين وبعض الزملاء من مختلف الصحف المصرية بدعوة كريمة من الدكتور نبيل نور الدين رئيس الجامعة والدكتور كريم مصلح عميد كلية الآداب وحضرها لفيف كبير من عمداء الكليات وأساتذة الجامعة والطلاب وأعضاء البرلمان بسوهاج ومراسلي الصحف والقنوات الفضائية.
في كلمتي التي ألقيتها خلال الندوة ذكرت أن الإعلام المصري عاني طوال حكم النظام السابق من الفساد والانحراف وعدم المصداقية وتحول التليفزيون إلي أبواق لخدمة النظام وتحولت الصحف القومية إلي نشرات تتحدث بلسان الحزب الوطني.. ذكرت أن المؤسسات الصحفية القومية عانت طوال حكم النظام السابق من التخريب والدمار والفساد المالي والإداري الذي استشري بتلك المؤسسات حتي تحولت إلي عزبة خاصة واستولي رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف علي مدخرات العاملين فيها مما أدي إلي تراكم ديونها حتي بلغت أكثر من أربعة مليارات جنيه في الوقت الذي تغاضي فيه النظام السابق عن جرائم الفساد المالي والإداري بتلك المؤسسات.. ذكرت أيضاً ان اختيار رؤساء تحرير ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات والصحف القومية كانت تتم وفقاً لمعايير حزبية وأمنية وليس وفقاً لمعايير مهنية وإدارية.
أكدت خلال الندوة أننا استبشرنا خيراً عقب نجاح ثورة 25 يناير وسقوط النظام ورموزه بتحسين الأوضاع والقضاء علي الفساد بالمؤسسات الإعلامية والصحفية ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فقد أتت الرياح بما لاتشتهي السفن فالأوضاع لاتزال لاتسر عدواً ولاحبيباً.
انتقادات شديدة وجهها أساتذة وطلاب جامعة سوهاج للإعلام المصري وخاصة القنوات الفضائية. ذكروا ان معظم تلك القنوات تلعب دوراً خفيا لحماية أصحابها بدلاً من حماية الثورة وأنها تفتقد للمهنية والمصداقية وتهدف أيضا لتحقيق أرباح مادية.
ورداً علي أسئلة أساتذة الجامعة والطلاب ذكرت ان نقابة الصحفيين لا تتهاون في التحقيق مع أي صحفي مخطيء وإحالته للتأديب وتوقيع العقوبات المنصوص عليها في القانون حياله التي تصل إلي الشطب من جداول النقابة.. وذكرت كذلك ان هناك الكثير والكثير من الصحفيين والإعلاميين الذين كانوا من أبواق النظام السابق تحولوا بعد الثورة بقدرة قادر إلي مناضلين وثوار يتحدثون عن الثورة ويهاجمون النظام السابق!!
توصيات كثيرة أسفرت عنها الندوة قام بصياغتها الصديق د. صابر حارص الأستاذ بقسم الإعلام بكلية الآداب بسوهاج.. نظراً لأهميتها أنشر جانبا منها في السطور التالية.
1- وضع خطوط فاصلة بين العمل الإعلامي الذي يقوم علي الحقيقة والموضوعية والأمانة في النقل والدقة وعرض وتوثيق المصادر. وبين الإعلام الدعائي وإطلاق الشائعات وترويجها لصالح تيار دون غيره تحقيقاً لمصالح خاصة.
2- وقف الممارسات الإعلامية التي أشعلت الحرائق بين التيارات السياسية وأيقظت الفتن بين طوائف الشعب وهزت استقرار مصر والبدء في ممارسات إعلامية تبحث عن القواسم المشتركة بين التيارات السياسية وتقريب الفجوات بين قوي المجتمع الثورية والإسلامية وغيرها ليلعب الإعلام دوره في استقرار البلاد.
3- البدء فوراً في تطهير الإعلام واجراء التفاهمات اللازمة لذلك مع المجلس العسكري ومجلس الشوري ونقابة الصحفيين.
4- التوقف فوراً عن المعايير السياسية والحزبية والشخصية والمادية في أداء العمل الإعلامي لتصبح المعايير المهنية والأخلاقية والوطنية هي الأساس.
5- القضاء علي ظاهرة تدخل الإعلاميين أثناء تأدية رسالتهم الإعلامية باقحام وجهات نظرهم والتحيز لصالح تيار أو شخص بعينه بدلاً من التزامه الحياد واتاحة الفرصة لكل الآراء بنفس الاهتمام.
6- سرعة العمل علي وضع آلية لكبح جماح الإعلام المنفلت الذي فهم الحرية علي أنها سلطة بلا مسئولية وحق بلا واجب.
7- الاعتناء جيداً بصورة الإعلام التي اهتزت كثيراً بعد الثورة رغم مساحة الحرية الأوسع التي استغلها بعد الثورة وذلك عبر الالتزام بالمصداقية وتجنب التناقض والغموض والازدواجية التي ظهرت في الدفاع عن الثورة والثورة المضادة في آن واحد منذ بداية الثورة وحتي الآن.
8- وضع أجندة وطنية من واقع القضايا الكبري التي تشغل المجتمع والثورة بدلاً من تصدير الموضوعات التافهة والسطحية في كل ملفات الثورة.
9- الاتجاه إلي دور جديد للإعلام يقوم فيه بتنوير الرأي العام بالحقائق والمعلومات وعرض الآراء بتوازن وموضوعية بدلاً من دوره الحالي في بلبلة الرأي العام وإثارة الجدل العقيم وتوسيع نطاق فقدان الثقة في القانون والقضاء.
10- الكف عن أساليب الإثارة وتهييج المشاعر والتحريض علي الكراهية والعنف وتضليل وخداع الرأي العام وخلق الآراء بالأخبار والميل إلي التهويل أو التهوين والاعتماد علي الظن والتخمين والانطباعات والتخوين في التحليلات السياسية بدلاً من التأني والدراسة والاعتماد علي الأدلة والبراهين والوثائق.
11- الانطلاق من رؤية إعلامية سليمة تحقق المسئولية الوطنية بدلاً من العمل بعشوائية "حسب التأهيل" وأهمية أن تتم محاسبة وسائل الإعلام التي تقوم بغسيل مواقفها والعاملين بها بعد أن قامت بغسيل العقول والأفكار.
12- علي الإعلام المصري أن يتقدم من جديد للالتحاق بالدور الثاني بمدرسة الثورة لأن نتيجته في الدور الأول لم ينجح أحد. وأهم شروط الإعادة هو فتح ملف الصحف الخاصة والفضائيات علي غرار ما حدث في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.
ونهاية.. تحية خاصة أبعث بها إلي جامعة سوهاج وقسم الإعلام بكلية الآداب.. تحية إلي الدكتور نبيل نور الدين رئيس الجامعة والدكتور كريم مصلح عميد كلية الآداب والدكتورة سحر وهبي رئيس قسم الإعلام والدكتور صابر حارص الأستاذ بقسم الإعلام والمشرف علي الندوة.. تحية خالصة إلي طلاب جامعة سوهاج بصفة عامة وطلاب قسم الإعلام بصفة خاصة..