4- سبـــب الجهـــاد وَسَبَبُ الجـِهَادِ ليسَ الجـِزيَةَ, وَإنْ كـُنـَّا نـَكـُفُّ عَنـْهُمْ عِندَ قـَـبُولِ الجـِزيَةِ مع الصَغار, وَإنـَّمَا سَبَبُ الجـِهَادِ هُوَ كونُ الذِينَ نـُقاتِلـُهُمْ كـُفـَّاراً امتـَنـَعُوا عَنْ قـَبُولِ الدَّعوَةِ. قالَ تعَالى: {قاتِلـُوا الذِينَ لا يُؤمِنـُونَ باللهِ وَلا باليوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولـُهُ وَلا يَدِينـُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الذِينَ أوتـُوا الكِتـَابَ حَتـَّى يُعطـُوا الجـِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} ()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()() 5- أنواع الجهاد: ما سنذكره من تقسيمات هي تقسيمات وضعها الفقهاء قديما، ولم ترد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن يوجد نوع من الجهاد ليس ضمن هذين البندين مثل الجهاد الفردي أو المهمات القتالية لقتل إنسان أو تنفيذ عملية معينة، وهي تدخل في باب الجهاد، ولكن أوردنا هذه التقسيمات لأنها وردت في كتب الفقه. أولا: جهاد الدفع وهو قتال المعتدين على ارض المسلمين من الكفار أو قتال من يفكر جديا في احتلال بلاد المسلمين أو الاعتداء على المسلمين أو أراضيهم، أو هو طرد الوجود العسكري للكفار من بلاد المسلمين. وعند حصول الهجوم على ارض الإسلام أو عند المعرفة أن العدو يُعد لغزو بلاد المسلمين فإن الجهاد يتعين لرد العدو، فإن كفى الجيش المعد للجهاد ورد العدو انتهى الأمر، وإلا فإن الجهاد يفرض على الجميع في تلك المنطقة التي تمت مهاجمتها بما يملكون من سلاح، ولكن إذا تمكن العدو من الأرض فينتقل فرض الجهاد من ذلك البلد إلى من يلونهم، وإن لم يستطيعوا فعلى من يلونهم، وهكذا حتى يعم الفرض جميع المسلمين. وإذا تمكن العدو من أرض معينة يصبح الجهاد نافلة على أهل تلك الأرض المحتلة لأنهم عندها يكونون في حكم الأسرى، ولكنه يبقى فرضا على القادرين من المسلمين في البلاد المحيطة بالمنطقة المحتلة، وبما أن الحكام الموجودين يمنعون الجهاد لتحرير الأراضي المحتلة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإزالة هؤلاء الحكام واجب لإعادة الجهاد وقبله تاج الفروض الحكم بما انزل الله خلافة راشدة على منهاج النبوة. ودليل أن العدو إن تمكن من أرض فإن الجهاد ينتقل إلى حكم الندب على أهل ذلك البلد قصة بعث الرجيع، فان عبدالله بن طارق قَبِلَ الأسر أول الأمر هو وزيد بن الدَّثِنَة وخُبَيب بن عديّ، وفي الطريق تحلل عبدالله بن طارق من قيده وقاتل القوم حتى قتل، أما زيد وخبيب، فقبلا الأسر ولم يقاتلا، ونعرف أنهما فيما بعد قد تم قتلهما، ومع ذلك لم يعب عليهما الرسول صلى الله عليه وسلم الفعل أي القبول بالأسر وعدم القتال، بل نعاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يدل على أن للمأسور أن يقاتل آسره وله أن يقبل الأسر فلا يقاتل، وهذا الحكم ينطبق على أهل فلسطين اليوم، ولكن كما قلنا هذا في حالة تمكن العدو، أما إن لم يتمكن العدو فيجب أن يقاتل العدو قتالا شرسا حتى يُدفع، فان لم يتمكن المسلمون من دفعه تحولوا في تلك البقعة إلى أسرى في يد العدو. والذي نقصده باستمرار القتال الواجب حتى يدفع العدو؛ هو القتال الذي يُتمكن فيه من طرد العدو، أما مجرد إيذاء العدو فلا يعني أنهم قد خرجوا من حكم الأسرى واستمر الفرض في أعناقهم، فمثلا أهل فلسطين لا يستطيعون إخراج يهود ولكنهم يستطيعون إيذاء اليهود، ولكن يبقى حكمهم أنهم أسرى في يد يهود، والواجب على المسلمين المحيطين بفلسطين تحرير فلسطين وإخراج أهلها من الأسر. ثانيا: جهاد الطلب وهو إرسال جيوش المسلمين إلى بلاد الكفر لفتحها ونشر الإسلام فيها كنظام حياة، وهذا معطل هذه الأيام، ولا يحتاج إلى أدلة لعاقل للتدليل على أن هذا النوع من الجهاد معطل، وهذا النوع من الجهاد هو الذي نزلت فيه آيات القران الكريم الكثيرة لتحث عليه. أما ما يحصل من أفراد لقتال العدو لإخراجهم من ارض الإسلام، فهذا الجهاد لا يصنف لا في الباب الأول ولا في الباب الثاني، وإنما هو جهاد أفراد، ولهم الأجر إن كان جهادهم في سبيل الله لا في سبيل حزب أو رئيس أو أي جهة معينة. ولكن الملاحظ على هذا الجهاد انه لا يدفع عدوا ولا يردعه عن بغيته من الاعتداء على ارض الإسلام، ولكن يؤذي ويرعب، وليس هذا هو كل المطلوب، بل المطلوب دفع العدو وردعه؟ والجـِهَادُ شـَرعَاً خاصٌ بـِالقِتـَالِ, ويدخل تحته الرَّأيِّ والكِتابَةُ وَالخـَطابَةُ إنْ كـَانـَتْ مُتعَلـِّـقـَةً مُبَاشـَرَةً بـِالقِتـَالِ كـَخـُطبَةٍ فِي الجَيشِ لِتـَحمِيسِهِ لِيُبَاشِرَ القِتـَالَ أوْ مَقالٍ تـَحرِيضِيٍّ لِـقِتـَالِ الأعدَاء فـَهُوَ جـِهَـادٌ. وَعَلى ذلِكَ فـَلا يُطلـَقُ عَلى الكِفـَاحِ السِّـيَاسِيِّ جـِهَادَاً, وَلا عَلى مُقارَعَةِ الحُكـَّامِ المُسلِمِينَ الظـَّالِمِينَ جـِهَادَاً, وَإنْ كـَانَ ثـَوَابُهُ كـَبيرَاً, وَفـَوَائِدُهُ لِلمُسلِمِينَ عَظِيمَةً.فـَالمَسَألةُ ليسَتْ بـِالمَشَقـَّةِ وَلا بـِالفـَائِدَةِ, وَإنمَا هِي بالمَعنى الشـَّرعِيِّ الذي وَرَدَتْ فِيهِ هَذِهِ الكـَلِمَةُ وَالمَعنـَى الشرعِيُّ هُو القِتـَالُ وَكـُـلُّ مَا يَتـَعَلقُ بـِهِ مِن رَأيٍ وَخـَطابَةٍ وَكِتابَةٍ وَمَكِيدَةٍ, وَغيرِ ذلِكَ. أمَّا مَا يَرِدُ في بَعض الكـُتـُبِ مِن أنوَاع الجـِهَادِ التِي لا عَلاقـَة لهَا بـِالقِتال لا مِنْ قـَريبٍ وَلا مـِن بَعِيـدٍ كـَجـِهَادِ الفـُسَّاقِ باللسَان وَالقـَلبِ, وَجـِهَادِ الشـَّيطـَانِ, وَجـِهَادِ النـَّـفسِ فـَهـِيَ تـَندَرِجُ تـَحتَ الحَقِيقـَةِ اللغـَوِيَّـةِ لِلـفظِ الجـِهَادِ. ()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()() 6- الحكــم الشرعي في الجهـــادِ الجـِهَادُ فـَرْضُ كِفـَايَةٍ ابْـتدَاءً لِقولِهِ تعَالى: {وَمَا كـَانَ المُؤمِنـُونَ لـِيَنفِرُوا كافـَّةً, فـَلولا نـَفـَرَ مِنْ كـُـلِّ فِرقـَةٍ مِنهُمْ طـَائِفـَةٌ لـِيـَتفـقـَّهُوا في الدِّينِ وَليـُنذِرُوا قـَومَهُمْ إذا رَجَعُوا إليهمْ لعلــَّهُمْ يَحذرُونَ}( التوبة 122 ) وهناك الكثير من الأدلة على الجهاد مثل قوله تعالى: {وَأعِدُّوا لـَهُمْ مَا استـَطعتـُمْ مِنْ قـُوةٍ وَمِنْ ربَاطِ الخـَيلِ تـُرهـِبُونَ بهِ عَدوَّ اللهِ وَعَدُوَّكـُمْ وَآخـَرينَ مِنْ دُونـِهمْ لا تعلمُونـَهُمُ اللهُ يَعلمُهُمْ وَمَا تـُنفـِقـُوا مِنْ شَيءٍ فِي سَبيل اللهِ يُوَفَّ إليكـُمْ وَأنتـُمْ لا تـُظلمُونَ} ( الأنفال 60 ) ومن السنة النبوية ما رواه البُخـاريُّ في صَحيحِــهِ أنَّ رَسُــول اللهِ صلى الله عليه وسلمَ قال: (( أمِرْتُ أنْ أقـَاتـِلَ الناسَ حَتـَّى يـَقـُولـُوا: لا إلهَ إلا اللهُ, مُحَمـَّدٌ رَسُولُ اللهِ , فـَإذا قالـُوهـَا عَصَمُوا مِنـِّي دمَاءَهُم وَأموَالــَهُمْ إلاَ بحَـقـِّهـَا )) ومن فعله صلى الله عليه وسلم ما يؤيد ذلك وَيُـقوِّيهِ وَيَعضُدُهُ حيث كانَ يَسعَى لِطـَلـَبِ النـُصرَةِ مِنْ أهلِ القـُوةِ وَالمَنعَةِ, فقد كانَ صلى الله عليه وسلم يَبحَثُ عَن القـُوةِ التي تـُسانِدُ الدَّعوَة دَعوَة الحَقِّ الذي يَدعُو إليهِ, وكانَ يَبحَثُ عَن القـُوةِ التي تـَمنعُهُ وَتحميهِ حَتـَّى يُبـَلـِّغَ عَن اللهِ مَا أمَرَهُ بـِتبليغِهِ...!! ومن الواقع والتاريخ تبين أنَّ الحُقوقَ المُغتصَبَةَ, وَالبلادَ المُحتـَـلـَّـةَ لا, وَلـَمْ, وَلـَنْ تـَعُودَ إلى أصحَابهَا إلاَ بالقـُوةِ. وَهُوَ فرضُ عَين إنْ هَجَمَ العَدُوُّ عَلى مَنْ هَاجَمَهُمْ وَفرْضُ كِفـَايَةٍ عَلى غـَيرِهِمْ, وَلا يَسقـُـطُ الفرْضُ حَتـَّى يُطرَدَ العَدُوُّ, وَتـُطـهَّـرُ أرضُ الإسلامِ مِنْ رِجسِهِ، وَكذلِكَ هُوَ فرضُ عَينٍ عَلى مَنْ عَيـَّـنـَهُ الإمَامُ فـَيُصبـِحُ فـَرضَ عَينٍ فِي حَقـِّهِ لِقولِهِ صلى الله عليه وسلم: (( إذا استـُـنفِـرتـُمْ فانفـِرُوا )). ()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()()() 7- وجوب الإعـــداد للجهـــاد الإعدَادُ للجـِهَادِ هُوَ فـَرضٌ كالجـِهَادِ نـَفسِهِ غـَيرَ أنـَّهُ مُقدَّمٌ عَـليهِ وَسَابـِقٌ لـَهُ, قالَ تـَعَالى:{وَأعِدُّوا لـَهُمْ مَا استـَطعتـُمْ مِنْ قـُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخـَيلِ, تـُرهِبوُنَ بـِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوكـُمْ}( الأنفال 60 ) إنَّ بـِنـَاءَ قـُوَّةٍ عَسكـَرِيَّةٍ لِلدَّولةِ الإسلامِيَّةِ ليسَ مُجَرَّدَ تـَجهـِيزٍ دِفـَاعِيٍّ فـَحَسبْ, إنـَّمَا هُوَ الأمرَ الحَتمِيُّ الذِي لا بُـدَّ مِنـْهُ لـِيَتـَأتـَّى لِلخـَـلِيفـَةِ القِيَامُ بـِمَا بَايَعَهُ المُسلِمُونَ عَليهِ. أي لِيتأتـَّى لِلدَّولـَةِ أنْ تـَقومَ بـِمَا فـَرَضَهُ اللهُ عَليهَا وَهُوَ حَملُ الدَّعوَةِ, أو بـِعبَارَةٍ أخرَى لِيَتأتـَّى لِلدَّولـَةِ أنْ تـَقومَ بـِسِيَاسَتِهَا الخـَارِجـِيَّةِ عَلى الوَجهِ الذِي فـَرَضَهُ اللهُ, وَأنْ تـُحَافِظَ عَلى بَقاءِ تـَسيـِيرِ هَذِهِ السِّـِيَاسَةِ تـَسييرَا صَحِيحَا مُنتِجَا. وَلِذلِكَ فإن بـِنـَاء القـُوةِ العَسكـَريَّـةِ فـَوقَ كـَونِهِ الدِّرعَ الحَصِينـَةَ الوَحِيدَةَ التِي تـَملِكـُهَا الأمَّةُ ضِدَّ إرهَابِ الكـُفـَّارِ الحَربيينَ, وَاحتِمَالِ غـَزوِهِمْ, هُوَ الطرِيقـَة الوَحِيدَةُ لِجَعلِ سِيَاسَةِ الدَّولـَةِ الخـَارِجيَّةِ سِيَاسَةً إسلامِيَّةً. وَبـِنـَاءً عَلى هَذا يَجـِبُ عَلى دَولـَةُ الخِلافـَةِ أنْ تـُعِدَّ مِنَ السِّلاحِ, وَتـُهَيئَ مِنَ العَتـَادِ الحَربـِيِّ, وَتدرِّبَ مِنَ الرِجَالِ عَلى فـُـنـُونِ القِتـَالِ وَالحَربِ مَا يُمكـِّنـُهُمْ لا مِنْ رَدِّ هَجَمَاتِ العَدُوِّ فـَحَسبَ, بَـلْ فِي الغزوِ فِي سَبيلِ اللهِ؛ لإعْلاءِ كـَلمَةِ اللهِ وَنشرِ العَدلِ وَالخـَيرِ وَالرَّحمَةِ فِي الأرضِ. كـَمَا يَجـِبُ عَليهَا أنْ تـُعـِدَّ مِنَ المَصَانِعَ الحَربـِيَّةِ المُنتـَجَةَ لِكـُـلِّ سِلاحٍ وُجـِدَ فِي العَالمِ, أو يَجـِدُّ فِيهِ, وَلو أدَّى ذلِكَ بـِهَا إلى تركِ كـُـلِّ مَا ليسَ بـِضَرُورِيٍّ مِنَ المَأكـَـلِ وَالمَشرَبِ وَالمَـلبَسِ وَالمَسكـَنِ. الأمرِ الذِي يَجعَـلـُهَا تـَقومُ بـِوَاجـِبِ الجـِهَادِ وَتـُؤدِّي فـَرِيضَتـَهُ عَلى أحسَنِ الوُجُوهِ وَأكمَـلِهَا, وَإلا فالمُسلِمُونَ آثِمُونَ وَعُرضَةٌ لِعَذابِ اللهِ فِي الدُنيَا, وَفِي الآخِرَةِ. [size="3"][/size]
|