وقفة فاحصة مع حديث أول من تسعر بهم النار (3)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَىَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِىءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ». أخرجه مسلم. وفي رواية أخرى: [يقول أبو هريرة: ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال يا أبا هريرة: ((أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة))]الجزء الثالث في التعليق على حديث: أول من تسعر بهم النارأما الصنف الثالث الذي ذكره الحديث فهو الرجل الغني صاحب المال ينفق ماله في غير قصد إرضاء الله تعالى، هذا الصنف الذي ينفق ماله من أجل أن يناله المدح الدنيوي بأنه كريم جواد من أهل الخير، هو من أول ثلاثة تسعر بهم النار.
هذا الشخص الملاحظ أن الحديث قد بين أن إنفاقه للمال كان في أبواب الخير، ولك أن تتخيل أبوابا للخير مثل بناء مسجد وبناء مدرسة وصدقة للفقراء والمساكين وعطف عليهم، وكل أبواب الخير، فان من يفعل ذلك يقدم خيرا عظيما للمسلمين ويساعد الكثير من المحتاجين، ومن قدم خيرا للمسلمين وساعدهم في قضاء حوائجهم فأجره عظيم عند الله تعالى، فقد أخرج الطبراني في الكبير وابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له، أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل، كما يفسد الخل العسل))
ومع ذلك بين الحديث أن هذا المنفق للمال هو من أول ثلاثة تسعر بهم النار، وذلك لأن نيته هي رضا الناس لا رضا الله، أي أن الأمر الفاسد في هذا الأمر الذي جعل هذا الرجل يفقد هذا الأجر العظيم هو أن نيته إرضاء الناس، وبما أن البشر لا يطلعون على نية أي إنسان فان المشاهد من قبل البشر أن هذا الرجل قدم خيرا عظيما للمسلمين ومع ذلك استحق أن يكون من أول ثلاثة تسعر بهم النار لأن نيته رضا الناس.
والآن لنعد لموضوعنا وهو موضوع التغيير، ونربطه بهذا الحديث، نجد أن كثيرا من الحركات الإسلامية لقلة الإخلاص عندها قد وقعت في شراك المال وشره وفتنته، وقد وقعت في هذا الشراك من عدة نواحي مثل:
• إنفاق المال من اجل إرضاء الناس وطلب مدحهم.
• رهن قرارات تلك الحركات للجهة الداعمة.
• سعي تلك الحركات وراء المال والمناصب.الناحية الأولىفقد رأينا أن كثير من الحركات الإسلامية التي تسلك مسلك الأعمال الخيرية مثل إطعام الفقراء والمساكين وبناء المساجد والمدارس، قد وقعت في هذا الشراك من حيث أنها تنفق الكثير من الأموال من اجل كسب تأييد الناس، وهنا نتكلم عن الحركات كجهة معنوية، أما الأفراد فأمرهم إلى الله تعالى، مع أن الحركات للأسف علمت أفرادها ابتغاء رضا الناس من هذه الأعمال، إذ أن الملاحظ في تلك الحركات أنها لا تستهدف مثلا الفقراء كفقراء إلا من كانوا مؤيدين لها أو أقارب لأتباعها أو مما يمكن أن يجر لها نفعا معينا، ونراها تركز على إشهار أعمالها وختم مساعداتها بتوقيعها، فنرى أن الفقراء من غير الأتباع والمؤيدين يذمونها ويشكون قلة مساعداتها أو عدمها.
وهنا ناحية في تمويل هذه الأعمال الخيرية، لأن الإنفاق في مثل هكذا أمور يحتاج تمويلا كبيرا، نجد أن التمويل يتم عن طريق دول أو تحت غطاء دول، مثل أن تقوم دولة معينة بإعطاء هذا المال لتلك الحركة الإسلامية لتمويل نفسها وللقيام بهذه الأعمال الخيرية، ومؤكد أن دول اليوم لا تدعم من أجل إرضاء الله تعالى، إذن يجب أن يكون هناك هدف غير رضا الله وغير خدمة الإسلام في أعمال تلك الحركات، ولو لم تدركه تلك الحركات وأفرادها، وأحيانا تقوم تلك الدول بتمويل غير مباشر لتلك الحركات مثل السماح لها بجمع التبرعات على أراضيها، ومعلوم أن هذا الأمر يتم تحت إشراف الدولة ومخابراتها، وإلا تستطيع الدولة إيقاف التمويل وملاحقة من يجمع الأموال إن أرادت فعلا قطع التمويل عن تلك الحركة الإسلامية.
وناحية أخرى في أثر تلك الأعمال على عملية التغيير، فالتغيير عن طريق القيام بأعمال خيرية لا يثمر بل هو من المعيقات لعملية التغيير، فعملية التغيير الصحيحة تكون عن طريق نشر الوعي العام بين الناس على الإسلام وأحكامه ونظام حكمه وتشكيل الرأي العام على ذلك، ليصبح تطبيق الإسلام في دولة الخلافة مطلب الناس، ثم طلب النصرة من أهل القوة والمنعة لإقامة الدولة الإسلامية.
هذه بالمختصر طريقة إقامة الدولة الإسلامية، وقد بحثناها سابقا في مشاركات سابقة، أما الأعمال الخيرية فإنها لا تقيم دولة إسلامية وذلك:
• الهدف المعلن لمن يقومون بالأعمال الخيرية هو مساعدة الناس المحتاجين، ومساعدة المحتاجين لا تقيم دولة ولا تغير فسادا ولا تتطرق للحكام الحاليين وليس فيها مشروع تغيير، فهي إذن مجرد عمل خير تقوم به تلك الحركات وما يتبعها من جمعيات.
• عملية تقديم الخير للناس تلهي الناس المحتاجين والمتضررين من النظام الرأسمالي المطبق عن عيوب النظام الرأسمالي وعن تقصير الحكام في رعاية شؤونهم، فيترك الناس النظام الرأسمالي ويتركون الحكام وتقصيرهم في رعاية الشؤون يتركون ذلك لقاء دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع لعلاج المشكلة القائمة بشكل جذري، فلم نسمع أن أي بلد تتواجد فيه جمعيات خيرية قد انعدم فيها الفقر مثلا بسبب الجمعيات، بل أعمالها تبقى مقصورة على فئة قليلة جدا من الناس.
• تلهي العاملين في تلك الجمعيات والذين نحسبهم من العاملين المخلصين للإسلام تلهيهم عن العمل الصحيح للتغيير، فهم يظنون أنهم بهذه الأعمال الخيرية وما يشاهدونه من مدح الناس لهم وما يشاهدون من إغاثة بعض الأسر، يظنون أنهم بذلك يقومون بخدمة جليلة للإسلام وأهله تفوق ملايين المرات ما يقوم به أهل التغيير الصحيح من أعمال.
• تلميع صور الداعمين وأغلبهم يكون من الحكام العملاء، تلميع صورهم أمام الناس، فتجد القول مثلا منحة قطرية أو سعودية أو إماراتية، وبناء مسجد أو مدرسة بتمويل قطري أو سعودي أو إماراتي، فيقوم الناس بمدح حكام تلك الدويلات العميلة للاستعمار مع أنهم عملاء للكفار.
• صرف أنظار الناس عن الحل الحقيقي لمشاكلهم وذلك عن طريق إشباع جوعات بعض المحتاجين، فمن أشبعت جوعته بعد فاقة شديدة، فانه يظن انه حصل على ما يريده في هذه الدنيا، ومن يشبع جوعة إنسان محتاج يظن انه قدم للإسلام ما لم يقدمه غيره من المسلمين، ومن يراقب أعمالهم من بعيد يرى أثرا ماديا لأعمالهم فيظن أن هذا هو الطريق الصحيح للتغيير، ويفسدون على دعاة التغيير الصحيح عملهم بالإدعاء أن عملهم لم يقدم أثرا ملموسا للإسلام، ويلتهي هؤلاء وهؤلاء عن السبب الرئيسي وراء مشاكلهم وهو الأنظمة الرأسمالية المطبقة على المسلمين، ويلتهون عن حكام المسلمين الواجب خلعهم، ويلتهون عن الحل الجذري لمشاكلهم وهو عودة الخلافة، وينفرون من الطريق الصحيح للتغيير، فهذه الأعمال تدغدغ مشاعرهم وجوعاتهم بقوة وتلهيهم عن العمل الصحيح للتغيير.هذه النقاط تبين هدف الأنظمة من دعم تلك الحركات والجمعيات، وكما قلنا أن الأنظمة لا يوجد عندها عمل لوجه الله تعالى ويكون خالصا لنصرة الإسلام وأهله، أما تلك الحركات وأفرادها ووعيهم على أعمالهم تلك ومدى ضررها على عملية التغيير، فيبقى أمرا بينهم وبين الله تعالى، ولكن أحببنا أن نبين كيف يتم إنفاق المال في وجوه الخير في هذا الباب ولكن لجلب الشقاء للمسلمين مع أن ظاهره عمل خير.
ويجب هنا التنويه حتى لا نفهم خطأ وهو أن أعمال إطعام الفقراء والمساكين وبناء المدارس والمساجد أجره عظيم عند الله تعالى، ولكن ضمن الإطار والجهد الفردي أو الجمعي المؤقت مع عدم الارتباط بالدول العميلة للغرب مع شرط رئيسي كما ورد في الحديث وهو إخلاص العمل لله تعالى، أما أن تتصدى حركات وجمعيات لتك الأمور فهنا يكمن الضرر ، وذلك للآثار التي طرحناها لضرر تلك الحركات أو الجمعيات.
الناحية الثانيةأما الأمر الثاني الذي نحب أن نعلق عليه على أعمال الحركات الإسلامية فهو موضوع رهن قرارات تلك الحركات للجهة الداعمة، ونتكلم هنا عن الحركات الجهادية والعسكرية، فالمعلوم أن أي حركة جهادية تحتاج تمويلا لأعمالها من مثل، طعام وكساء وعلاج ومصروف لأفراد تلك الحركات، وثمن الأسلحة وهي غالية الثمن، وهنا طبعا نتكلم عن حركة عدد أفرادها ما يقارب الألف مثلا حتى تكون مؤثرة على الساحة، فتخيل كما يحتاج قادة تلك الحركة من أموال للإنفاق على الأفراد التابعين لهم، وإذا خاضت تلك الحركة أعمالا قتالية فهي تحتاج مزيد من التمويل للتعويض على ما يستهلكونه من أسلحة، وهذا الأمر في غير مقدرو تلك الحركات.
وإذا نظرنا في بعض المسلمات التي تكلمنا عنها وهي موضوع أن الحركات تحتاج مالا كثيرا، والمسلمة الثانية أن الحكام لا يدعمون من اجل عمل يقرب لله تعالى ويخدم الإسلام وأهله، بل كل دعمهم لما يغضب الله تعالى ولتنفيذ مشاريع الكفر في بلاد المسلمين، ندرك أن أي حركة تقوم على تمويل من أي دولة هي حركة خاضعة لتلك الدولة وقد رهنت قراراتها لتلك الدولة، وهذا يعني انك لن ترى من تلك الحركة إلا ما يريده الكفار للأسف من المسلمين، وهنا أصبحت تلك الحركة للأسف ذراعا بطريقة غير مباشرة للكفار في بلاد المسلمين من حيث لا يدري أفرادها الذين يظنون أنهم يخدمون الإسلام وأهله، فأخذ المال من الحكام الحاليين هو انتحار سياسي وهو خيانة لله ورسوله والمؤمنين لأنه سيفضي بشكل حتمي لتنفيذ قرارات تلك الدول، إلا طبعا إن انعتقت تلك الحركات من مال تلك الدول، وهذا أمر صعب إذا كانت الحركة قد تم بناؤها بدعم وتمويل من تلك الدول العميلة للكفار.
وهنا قد ترد نقاشات في موضوع التمويل والتسليح من مثل:
• أنه يمكن إنشاء حركات مسلحة دون دعم من الدول في العالم الإسلامي <.....> نقول أن تلك الحركات ستكون ضعيفة جدا وستكون ملاحقة بشكل قوي من قبل الكفار والظالمين، ولن تستطيع أن تحدث عملية التغيير المنشودة وذلك لتخفي أفرادها وملاحقتهم الشديدة من قبل الظالمين، وهذا طبعا إن كان لديها مشروع صحيح للتغيير، أما إن لم تكن تمتلك مشرعا للتغيير فهذا سيجعلها عبئا شديد في طريق التغيير، هذا عدى عن سفكها للدماء الحرام!!!!!
• أما في حالة الثورة وتحلل الجيش من وحدته، وشيوع الأسلحة والعتاد فهنا أيضا يجب الحذر على أي أساس يمكن تجميع الحركات المسلحة، فان كانت تلك الحركات قد تجمعت من اجل إسقاط النظام وتسليم الحكم لمخلص واع يقودهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم موجدين بذلك دولة الخلافة، ولم يسفكوا دما حراما أثناء عملهم، فإن عملهم هذا بإذن الله تعالى قد يوصلهم إلى الحكم بالإسلام، مع وجوب تأكدهم من وجود الرأي العالم على الإسلام والخلافة ومع وجوب تأكدهم من امتلاكهم السلطان الكامل بعد هزيمة النظام على تلك الأرض.
أما إن شكلوا تنظيمات عسكرية دون مشروع للتغيير بالقول نسقط النظام ثم نفكر بالمشروع، أو نسير مؤقتا على الدستور الحالي بعد إسقاط النظام حتى نستطيع التغيير، أو قبلوا الدعم من دول مجاورة لهم كي يصبحوا الأقوى على الساحة وكي يجلبوا الأفراد لهم، أو سفكوا دماء حراما، فإن عملية التغيير ستصبح مستحيلة على يد هؤلاء القوم، لأنهم يخدمون الكفار بعملهم هذا من حيث يدرون أو لا يدرون.
نعم الحالة الثورية وتفكك الجيش يمكن استغلالها، ولكن الدول المجاورة العملية عن طريق الأموال ستشتري ضعاف النفوس وتغريهم بالمال والمناصب وتهددهم، فيقبلون تلك الأموال وتبدأ عملية احتواء الثورة في ذلك البلد وذلك بعد تسرب المال المسموم إليهم والذي فيه رهن لقراراتهم لصالح المجرمين.
• قد يقول البعض نجمع الأموال من الناس ونشتري بأنفسنا السلاح<.....> فان هذا الأمر وارد منطقيا ولكنه صعب عمليا، وذلك أن الدول ستطارد تلك الحركات وكل من يمولها ولذلك يبقى تمويلها ضعيفا، وأيضا موضوع شراء السلاح النوعي الذي يحدث تغييرا عمل مستحيل لا يمكن أن يخرج عن مراقبة الدول الحالية، علاوة على التكلفة العالية له، ولذلك يبقى هذا الطرح ضعيفا من ناحية عملية وواقعية. إذن الخلاصة أن الحركات المسلحة في الحالة الطبيعية لا يمكن لها أن تحدث تغييرا على الأرض وتقيم جماعات قوية بدون دعم من الدول الحالية في العالم الإسلامي وهذا يعني رهن قراراتها لتلك الدول، اللهم إلا في حالة تفكك الدول الحالية وشيوع السلاح فانه يمكن استخدام تلك الحالة للسيطرة على الأرض وإقامة الخلافة مع مراعاة الشروط التي تحدثنا عنها.
الناحية الثالثةوالأمر الثالث في موضوع شراك المال الخطر فهو أثر ذلك المال على تلك الحركات، فان المال بطبيعته من الشهوات القوية للإنسان، يستهوي إليه الإنسان بدافع غريزة حب البقاء، فيسعى لامتلاك المال لتحقيق مصالحه، ولكن الله جل وعلا حدد للمسلم الطرق الشرعية لكسب المال ولتنميته، واعتبر أي خروج عما شرعه الشرع يجعل الكسب حراما، فإذا أضيف إلى الكسب الحرام تنفيذ مخططات الكفار كان الإثم اشد وأعظم جرما وخيانة للمسلمين.
والملاحظ أن ما تكلمنا عنه سابقا هو المبررات التي يقول بها من يقبلون الأموال من الظالمين للقيام بأمور تخدم الإسلام حسب زعمهم، وذلك مثل إطعام الفقراء والمساكين والقيام بالأعمال الخيرية ومثل القيام بالأعمال الجهادية، ولكن الواقع الملموس لمن قبل أخذ الأموال من قبل الظالمين تري أنهم انحدروا منحدرات خطرة جدا في الخيانة والعمالة للظالمين وتنفيذ خططهم التي هي خطط للاستعمار الغربي للأسف، فكان أثر المال عليهم قويا ومحكما في ربط قراراتهم بالدول العميلة للكفار، فإنهم لما اعتمدوا بشكل قوي على دعم تلك الدول العميلة للكفار وذاقوا حلاوة المال، أصبح الانفكاك من شراك تلك الدول التي دعمتهم بالمال صعبا، ليس عليهم فقط، بل وعلى الأتباع الذي اعتادوا على شهرية معينة وخصوصية معينة كونهم أبناء تلك الحركة، فأصبح طوق المال قد وصل إلى الأتباع، وفعلا كانت تلك الحركة خادما مطيعا للكفار، وان كانت تقوم ببعض المسرحيات لتنظيف نفسها وجلب التأييد لها من الناس البسطاء بين الفينة والأخرى، هذا إذا لم تصلها الأوامر بإعلان الخيانة مبدأً.
وتأتي الشهوة الأخرى وهي من المصائب العظام ومن الشهوات القاتلة وهي المنصب التي يعدهم بها الشيطان، كرئيس سلطة أو حكومة مؤقتة أو رئاسة دولة أو... أو.... من المناصب التابعة للكفار والمنفذة لخططه الشريرة في بلاد المسلمين، فان شهوة المنصب هي أشد قوة من شهوة المال، فعن طريق المنصب يستطيع الإنسان تحقيق باقي الشهوات من نساء وأموال وقضاء مصالح وسيطرة وهيمنة وإلقاء الأوامر وقتل الخصوم وتكثير البطانة والمؤيدين والشهرة الكاذبة وغيرها من الأمور، ولذلك كان المنصب إغراء قويا جدا، وعن طريقه يستطيع الإنسان تجميع اكبر قدر ممكن من الأموال فيما لو كان خارج السلطة، ولذلك رأينا كيف أن بعض الزعماء الخونة عندما أطيح بهم كيف تم اكتشاف مليارات الدولارات تحت أيديهم أمثال بن علي ومبارك والقذافي وغيرهم، ولذلك كان المال والمنصب من الإغراءات القوية للحركات الإسلامية لإغرائها للسير في ركاب الكفار والمجرمين وتنفيذ خططهم.
وهنا يظهر عنصر الإخلاص وخدمة دين الله من تلك الحركات، فان كانت تبتغي رضا الله حقا فإنها تعلم من الأساس أن الارتباط بالظالمين حرام شرعا، وخيانة للمسلمين، فان ذاقت بعض المال ووجدت حلاوته الشيطانية فإنها تبدأ بالانحدار أكثر وأكثر حتى تتحول مستقبلا إلى حرس للكفار وسلطة تقمع المسلمين من اجل إرضاء الكفار مثلها مثل حكام المسلمين، وان رفضت فهذا يعني غضب الكفار والمجرمين وإعلان الكفار الحرب عليهم تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، هذا وليعلم أن من سار في طريق إرضاء الله تعالى فإنه سيغضب الناس وسيرضي الله تعالى وسينصره الله تعالى ولو بعد حين، وإن لم ينتصر في الدنيا فإنه سينال الشهادة، وفي هذه الحال نال إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، أما إن سار في ركاب الكفار فقد خسر الدنيا والآخرة ولو وصل لمنصب القذافي ومبارك وغيرهم من المجرمين.
إذن اخذ المال من الدول في العالم الإسلامي لن يتم من خلاله أبدا تحقيق مصالح المسلمين وذلك لان دعمهم مشروط بتنفيذ مخططات الكفار، وإذا كان إنفاق المال في وجوه الخير وخدمة الإسلام مع الرياء حرام شرعا يودي بصاحبه في النار، فكيف بمن ينفق المال رياء مع خدمة مخططات الكفار في تأخير عودة الخلافة وفي تنفيذ مخططات الكفار في بلاد المسلمين وسفك دمائهم، كيف سيكون مصيره يوم القيامة؟؟؟.
إن الحركة الإسلامية التي تقوم للتغيير يجب أن يكون تمويلها ذاتيا من ذات الأفراد، والأعمال التي يستطيع الأفراد في أي حركة تمويلها هي الأعمال الفكرية، ولذلك كانت الحركات التي تستطيع التغيير هي الحركات الفكرية في التغيير لان تمويل الأعمال الفكرية سهل ميسور، أما الحركات العسكرية فقد قلنا عن حاجتها الشديدة للمال وتكلمنا عن الحالة الثورية، فانه لا يجوز ولا بأي حال من الأحوال قبول المال من الظالمين لان في ذلك رهن لقرارات تلك الحركات بالكفار، وهذا يعني مستقبلا تنفيذ خطط الكفار، وعدم وجود المال بين يديها الكافي للتغيير وعدم قبول المال المحرم من المجرمين سيجعل عملها ضعيفا جدا، اللهم إلا في الحالة التي تتفكك فيها الدول وينحل الجيش، فيمكن استثمار تلك الحالة ولكن أيضا بالشروط الشرعية التي تكلمنا عنها.
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=((وقد قيل))وردت هذه الجملة في الحالات الثلاثة التي تحدث عنها الحديث، وهذا يعني أن أجرك على عملك أيها المرائي قد أخذته في الدنيا، فلا شيء لك عند الله تعالى، فاذهب وخذ أجرك ممن طلبت مديحهم وحبهم، وعندما يتعلق الأمر بمن يخدمون الكفار من حركات عسكرية أو مشايخ أو من عبيد المال فإن سؤالا آخر سيوجه لهم فوق ما هم فيه من العذاب، وهو أين من أطعتموهم في معصيتي ليدافعوا عنكم، أي من احتميتم بهم وسعيتم لإرضائهم، هل سيحمونكم اليوم من غضبي، أين شهرتكم وجاهكم وسلطانكم؟؟؟؟؟؟؟؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: ((أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)) رواه مسلم، وفي رواية ابن ماجه: ((فأنا منه بريء وهو للذي أشرك)).
وعن علاقة الأتباع بالمتبوعين يوم القيامة فهذه بعض الآيات في ذلك قال تعالى: ﴿ وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ ﴾ [إبراهيم: 21]، وقال: ﴿ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 166، 167]، وقال: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [سبأ: 31 - 33]، وسيقف رأس الفساد الأكبر خطيبًا في أتباعه في النار: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 22]، وقال تعالى: ﴿ هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ * وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ * أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ * إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ﴾ [ص: 59 - 64]. وقال: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 67، 68]، وقال: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ﴾ [فصلت: 29].
فالحذر الحذر يا من تطع الظالمين والمجرمين والكفار، فانك إن أخذت الدنيا فان المصير الأسود بانتظارك يوم القيامة، فعد إلى صوابك ورشدك قبل فوات الأوان.
https://www.facebook.com/permalink.php?stor...ubstory_index=0