النهضة الحقيقية للبشرية في إقامة الخلافة الإسلاميةلم تنجح الرأسمالية في أن تنهض بالمجتمعات الغربية النهضة الصحيحة، بل إن الإنسان في تلك المجتمعات هو ضحية السطحية في التفكير، والفهم المغلوط لواقع المجتمع ومكوناته، ودور الدولة في مفهوم المبدأ الرأسمالي. فالفشل يكمن في النظرة الضيقة التي تختزل أهمية تلبية الحاجات الأساسية للإنسان في حاجات الأفراد دوناً عن الجماعة، مما جعل الفرد جزءاً من منظومة تنافسية قاسية وجافة وسريعة الوتيرة، تلك النظرة التي خاطبت في الإنسان غرائزه دون عقله وشجعته على عدم التقيد بأي حدود ودفعته إلى أن يكون أنانياً فيسعى سعياً حثيثاً إلى إشباع رغباته بذريعة أنه حر في تصرفاته الشخصية وحر في آرائه وحر في اختيار عقيدته وحر في التصرف فيما يمتلك من ثروات، بغض النظر عن حاجات الجماعة وأفكارهم ومشاعرهم وعن النظام المطبق عليهم، ففقدت المجتمعات الغربية معنى الترابط بين الناس ومعنى الرحمة ومعنى الارتقاء بل ومعنى العقل والقلب والروح، بل وفقدت معنى الإنسانية!
إن نظرة المبدأ الرأسمالي إلى الإنسان هي نظرة مادية بحتة مرتبطة بالنفعية والمصلحة كمقياس للأعمال فأسقطت رعاية شؤون الناس، حتى إن مرجعية الإنسان الغربي هي الرغبات الجامحة والمصالح والماديات؛ ذلك لأن عقيدة المبدأ الرأسمالي عقيدة علمانية تفصل مجالات الحياة المختلفة عن الدين، وجعلت الإنسان مشرعا للقوانين من دون الله عز وجل، واستغلت الرأسمالية قوة القانون لحماية الحريات و"الديمقراطية" وتجاهلت الأصوات المحذرة من هذا المبدأ الكارثة، فلقد جعل النظام من حياة الشذوذ والجريمة والفجور والانحلال والعنف والإرهاب والعنصرية والتخلف حياة "متقدمة وعصرية ومتوافقة مع الزمان الجديد" بحجة الحفاظ على الحقوق والحريات و"التقدم والحداثة"، لدرجة أن "النهضة البشرية" أثناء فترة حُكم هذا المبدأ بقيادة رأس الحية أمريكا ثم دول أوروبا قد اختُزلت في كمية وتنوع وأساليب إشباع شهوات ورغبات البشر، حتى إن تطور العلم المزعوم في الغرب قد ارتبط بالسوق العالمية وبالمتاجرة بأعراض وأجساد وعقول البشر لتحقيق أرباح للأفراد وللمؤسسات وللشركات الرأسمالية، ولو أضر ذلك بالمجتمع، فبالرغم من التقدم العلمي لم يُعالج الغرب مشكلة إدمان المخدرات والكحول الذي يقتل سنوياً آلاف الشباب، الذين يموتون أيضاً بالأمراض الجنسية الفتاكة وبالانتحار أو بأن يقتلوا بجرائم بشعة، لم يضع الغرب أي حلول لهذه المآسي بل وقف متفرجاً غير مبالٍ إلا بالناحية الاقتصادية.
إذاً، لم يقدم هذا المبدأ العلماني أي فائدة ذات قيمة حقيقية للبشرية؛ فلا يزال 99% من البشر يعيشون في فقر وجوع وجهل وظلم وقهر، بينما يمتلك 1% من الأثرياء ثروات ضخمة لا حصر لها، فهذه هي الحقيقة أن الإنسان حول العالم يعاني معاناة شديدة ويبحث عن مخرج بعد أن تورط في طراز عيش سقيم، فهذا المبدأ يدعو إلى الإلحاد والكفر والشرك العلني الصريح؛ حيث إنه من صنع أناس يحملون أفكار ومفاهيم عدائية تحارب التدين وتحارب الطهر والعفاف وكرامة المرأة، بل وتحارب الفطرة السليمة للبشر، ونرى ذلك في العنف المتصاعد والإرهاب الغربي الذي يُمارس على الناس بعامة وعلى المسلمين بخاصة.
فالإنسان؛ امرأة كان أم رجلاً، لا يخرج عن كونه مخلوقا لديه عقل يفكر ويبحث عن وجود خالقه ولديه غرائز تدفعه إلى التدين وإلى البقاء وإلى حفظ النوع، ويجب على الإنسان أن يعيش بنظام خالقه عز وجل، وهذا يُقنع عقله ويوافق فطرته فيحيا حياة مطمئنة، لا تسيطر عليها المصلحة والنفعية بل القيم الراقية التي ترتفع بالإنسان وبالمجتمع وبالدولة، فكل أنظمة المجتمع تخضع لقوانين ربانية عادلة تشبع حاجات الفرد والجماعة بما يرضي الله تعالى، ووقتها سوف يُفسح المجال للتقدم العلمي وللإبداع والاختراع فتنهض البشرية نهضة فكرية صحيحة الأساس، وهذا ما قدمه المبدأ الإسلامي العظيم عندما طُبق في دولة إسلامية عالمية لأكثر من ألف وثلاثمائة سنة مضت ومنذ أن أقام رسول الله eالدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة والتي هدمت في 28 رجب 1342هـ في تركيا. وحتى بعد سقوط الخلافة الإسلامية حاول المسلمون أن يحتفظوا بما استطاعوا من أحكام الإسلام كأفراد إلا أن الأنظمة هي أنظمة علمانية والمجتمعات في بلاد المسلمين في حالة شد وجذب بين قوة العقيدة الإسلامية وبين الظلم الواقع على المسلمين بسبب غياب الحياة الإسلامية مما ولًد ثورات مستمرة على همجية الأنظمة الحاكمة الجبرية التي تفرض الحياة الغربية المتخلفة على المسلم الذي لن يرضى بأن يُهان بعد أن كرمه الإسلام ليصبح مجرد سلعة تُباع وتُشترى أو ليُنظر إليه كأنه ماكينة شهوات ولا يملك من أمره شيئاً. بل هو المسلم القوي الذي يعمل للتغيير ويعمل لصيانة دينه وعرضه وماله بالإسلام، وهو الذي يريد للعزة أن تعود لأمته الإسلامية الواحدة، وهو الذي يريد أن يعيش بأحكام الشرع، وهو الذي يسير على خطى رسول الله e، وفي شهر رجب الخير وفي ذكرى هدم الخلافة نسأل الله أن يعجل للمسلمين بالنصر وأن يجعل هذا الشهر المبارك منطلقاً للعمل الجاد لإقامتها راشدة على منهاج النبوة، وعودة العصر الذهبي للإسلام.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
غادة محمد حمدي – ولاية السودان