العاطفة والحقيقة والموقف
المشاعر (العاطفة) إن سيطرت على شخص ما وعلى إصداره للأحكام كان الحكم الذي يصدره غير صحيح ومجانب للصواب في العادة، فان ترى حاكم مجرم يبكي لان بعض المسلمين يُقتلون، مع أن قواته تفتك بمسلمين في مناطق أخرى وتعطف على هذا الحاكم، فان موقفك مشاعري بامتياز ولكنه مجانب للصواب بامتياز أيضا، ولذلك يجب عند إصدار الأحكام الاعتماد على المعلومات الصحيحة والآراء الصحيحة وربطها باستخدام العقل بشكل جيد واعتمادا على العقيدة الإسلامية وتحييد المشاعر جانبا.
وهذا طبعا لا يعني أن كل معلومة تعرفها أو حقيقة توصلت إليها أن تبثها فورا، فأحيانا يكون اتخاذ موقف اتجاه تلك الأحداث يجب فيه عدم النطق ببعض الحقائق من اجل مصلحة المسلمين ولم شملهم وعدم إثارة الفتنة بينهم، والذي يحكم اتخاذ الموقف ليس الخوف أو المصلحة الشخصية بل مصلحة المسلمين الشرعية فقط، فان تصف جماعة عميلة أنها عميلة أثناء اشتباك مع العدو الكافر، فان هذا لن يفهم إلا انه وقوف مع العدو ضد المسلمين، فيجب الحذر في مثل تلك الأمور.
ولنأخذ على سبيل المثال أفعال الإخوان المسلمين في تعاملهم مع الحكام، الذين هم أبرز دعاة ما يسمى الإسلام المعتدل.
فالإخوان المسلمين حركة كما يعرف الجميع تركز على الناحية الفردية في تربية أفرادها، ولكنها في السياسة علمانية مثلها مثل الحركات العلمانية لا تختلف عنها شيئا، مع صبغة إسلامية تحاول إضفاءها على مشاركتها في الحكم بطريقة لا تغير حقيقة علمانيتها في الحكم.
انظر مثلا حماس في غزة عندما سُلمت الحكم سارت على نفس الدستور العلماني الذي أساسه أوسلو، فهي عندما وصلت الحكم لم تطبق الشريعة الإسلامية وان كان الإخوان المسلمون دائما يرددون الشعار العام الفضفاض وهو "الإسلام هو الحل"، وكذلك الأمر مع مرسي وصل الحكم فحكم بدستور علماني، وحافظ على الاتفاقيات مع المجتمع الدولي ومع يهود ولم يقطعها، فهو لو بقي حاكما لكان مثله مثل أي حاكم علماني لا يختلف عنه شيئا، وأيضا في تونس والمغرب والأردن واليمن والعراق ساروا على نفس الدستور العلماني، فدعمت حركة النهضة السبسي في قراراته التي فيها تعدي صارخ على الشريعة الإسلامية عندما أقر زواج المسلمة من كافر، وكانوا ذراعا قويا لملك المغرب في حكم أهل المغرب بالعلمانية، ودعموا ملك الأردن وسايروه في السيطرة على الشارع الأردني، ساروا على دستور بريمر في العراق تحت الاحتلال الأمريكي، وكانوا عونا للمجرمين في اليمن، ووصل أقرناؤهم الفكريين في تركيا للحكم وحكموا بالعلمانية والبلد كلها تحت أيديهم، فلم نر إلا العلمانية وخدمة الكفار والتآمر على المسلمين من حكام تركيا، هذا قليل من كثير من الحقائق ينبغي عدم إهمالها عن الإخوان المسلمين كتيار في العالم الإسلامي، ويجب اتخاذ موقف شرعي منها يرضي الله تعالى، مع التركيز أن الصراع ينبغي أن لا يكون ضد تيار الإخوان المسلمين كتيار وإنما ضد الفكر الذي يطرحونه وهو الإسلام المعتدل والذي هو صورة عن العلمانية ليس إلا.
لكن يجب أن تكون المواقف ليست تبعا للحقائق تماما بل تبعا لمصلحة المسلمين، فكوني أعارض حكم حماس في غزة لا يعني ذلك أن أهاجمهم وأهاجم أهل غزة لِمَ لَمْ يثوروا عليهم، وأن أؤيد أي عمل ضدهم، فهذا أبدا لا يجوز، بل نحن مع المسلمين في غزة ولسنا أبدا ضد حتى أفراد حركة حماس وعناصرها، وان كنا ضد أفعال قادتها المخالفة للشرع، فأقف معهم في أي عمل ينصر أهل غزة إلا المواقف السياسية التي تكون خدمة للكفار فأبينها وأتوجه لهم بالنصيحة أن يقلعوا عنها.
وأيضا ما حصل مع الإخوان في مصر والانقلاب عليهم ونيل السيسي المجرم منهم في رابعة والمعتقلات والظلم الشديد، فالموقف هو أن يكون المسلم ضد كل هذا الظلم ضدهم وضد أي مسلم، ويجب فضح السيسي المجرم العميل الأمريكي وفضح أعماله والدعاء لكل معتقل ومظلوم ومنهم الإخوان المسلمين، حتى مرسي الذي كان على رأس النظام العلماني السابق فندعو الله أن يفرج كربه كمسلم.
لكن الخطر الشديد هو أن تكون المواقف مشاعرية بحتة ولا علاقة لها بالشرع فهنا الخطورة الشديدة، فلأن حركة حماس حركة مقاومة ضد يهود وتقبع تحت حصار ظالم فإن الناس تتعاطف مع مواقفها السياسية الغير شرعية مثل دخولهم السلطة ومثل مصالحتهم مع المجرمين في السلطة ومثل اجتماعاتهم مع المجرمين في المخابرات المصرية والنظام المصري ومثل علاقاتهم مع إيران وقطر والنظام السوري، فهذه أعمال غير شرعية يجب فضحها ولو تعرضنا لنقمة الأتباع المشاعريين، وأيضا نحن ضد كل مطالب الإخوان في مصر بعودة الشرعية أي عودة مرسي أو غيره ليحكم بدستور علماني باسم (الدولة المدنية الديمقراطية)، ونحن ضد أفعال النظام التركي الخيانية كلها التي لا علاقة لها بالإسلام وإن كان الناس يتعاطفون معه لأنهم يتعاطفون مشاعريا بالمقارنة بينه وبين العلمانيين الكماليين السابقين من حيث السيئ والأسوأ، ونحن ضد انخراطهم في الائتلاف السوري الذي يفاوض في الأستانة وجنيف لحل الأزمة السورية كما تشتهي أمريكا والغرب الكافر.
فالحقائق عنهم كثيرة والحقائق عن ارتباطاتهم كثيرة، وهم ليسوا هدفا يجب التصدي له، إلا إن وصلوا الحكم أو شاركوا فيه، فعندها من باب رعاية مصالح المسلمين يجب التطرق لهم كحكام وكوزراء وأحزاب معارضة وكداعمين للحكام وبيان مخالفاتهم الشرعية، ويجب عدم الشماتة فيهم إن أصابهم مكروه أو الوقوف مع الظالمين ضدهم لا سمح الله، فموقف بضعة أفراد في الحكم منهم لا ترضي الله تعالى لا تعني معادة كل من هو إخوان مسلمين لأنهم يدعمونهم، بل يجب نصحهم وإرشادهم، ويجب الاستمرار في بيان فساد فكرهم الذي يدعم العلمانية (الإسلام المعتدل) ويدعم الحكام مهما تعرضنا لنقمة أتباعهم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدونا الرئيسي هو الغرب الكافر والحكام الخونة أذنابه في العالم الإسلامي.
https://www.facebook.com/145478009128046/ph...e=3&theater