الدعوة والسند البشري
نلاحظ في كثير من الدعاة أنهم يتخذون لهم بلدا تنطلق منه دعوتهم لدين الله أو لنشر الأفكار الصحيحة، ولكن الملاحظ أن هؤلاء الدعاة لا يتطرقون لعيوب النظام في البلد الذي يقطنون فيه، بل يذكرون الكثير الكثير من العيوب في الأنظمة حول العالم إلا البلد الذي يسكنون فيه، فلا ينال ذلك البلد الذي يؤويهم إلا المديح أو على أفضل تقدير السكوت عن جرائمه.
وأحيانا ولكثرة قمع الأنظمة لمشايخ ممن يتكلمون بأنصاف حقائق أو أرباع حقائق ولا يقبلون منهم إلا النفاق الكامل، تجد الكثير من هؤلاء الدعاة يتخذون من بلد آخر منطلقا لهم، وعندها تبدأ ترى الهجوم على بلدهم الأم ونقصد هنا الهجوم على النظام، ويصبح البلد الذي يؤويهم من أفضل الأنظمة فلا يذكرون عيوبه، وهكذا تشكلت عند كثير من الدعاة فكرة ان البلد الذي يؤويك يجب عليك عدم ذكر مساوئه.
هم ينطلقون من عدة أفهام كلها غير مصيبة للحقيقة، ومن أفهامهم:
• أن البلد الذي يقطنون فيه ليس له مساوئ تستحق أن تذكر.
• بعضهم ينطلق من منطلق أن حاكمهم ولي أمر يجب السمع والطاعة له وعدم التعرض له.
• بعضهم يرى أن السكوت عن نظام معين كي تتمكن من الحديث في دين الله خير من أن لا تتمكن من الحديث إن عاديت جميع الأنظمة.
طبعا جميع هذه الأفهام غير صحيحة وغير سليمة، فكل الأنظمة في العالم الإسلامي تحكم بالكفر، وكلها يجب العمل على تغييرها، وأما أن حكام اليوم ولاة أمر فظاهر أن هؤلاء معينون من قبل الكفار ولا بيعة لهم وأنهم يحكمون بالكفر، لا بل ويحاربون الإسلام، فيسقط عندها وصفهم بولاة الأمر، وأما السكوت عن ظلم نظام للحديث في ظلم نظام آخر، فإن هذا نوع من النفاق ولا يجوز بأي حال من الأحوال، ولم يرد في سيرة رسول الله صلى الهو عليه وسلم انه سكت عن بعض الكفار المجرمين من اجل أن يدعو كفارا مجرمين آخرين، فقد كان في مكة وأكثر من كان يتعرض لهم هم حكام مكة، ولذلك من أراد إصابة الهدي النبوي فيجب أن يكون أول ظلام يتعرض لهم هم الحكام الذين يحكمون البلد الذي هو فيه.
هذه الحالة نجدها منتشرة بين الكثير من الدعاة، من مصر يهاجمون قطر، ومن قطر يهاجمون النظام المصري، ومن السعودية يهاجمون قطر، ومن تركيا يهاجمون السعودية، ومن أوروبا يهاجمون حكام العالم الإسلامي ولا يجرؤون على ذكر حكام الغرب بشيء، وقس عليها الكثير من الأمثلة، وبعضهم يقطن مصر ولا يهاجم حكامها، فان انتقل إلى قطر مدح حكامها وهاجم حكام مصر، وهكذا تجد الكثير من الدعاة.
ومع أن هذه الصورة غير صحيحة، إلا أن هناك الكثير من الدعاة ممن يتطرقون أولا إلى عيوب النظام الذي يحكمهم ولا يميزون بين مجرم ومجرم، وأبرز هؤلاء هم شباب حزب التحرير، فإنك تراهم في أي بلد يكون اهتمامهم الأول نقد النظام في البلد الذي يقطنون فيه، والعمل من داخل ذلك البلد على خلع الحكام وإقامة الخلافة على أنقاض عروش الحكام، ولذلك تراهم محارَبين من كل الأنظمة، ومع ذلك فهم يتكاثرون ودعوتهم تنتشر رغم شدة التعتيم الإعلامي عليهم.
نعم هكذا يجب أن يكون حامل الدعوة يصدح بالحق أينما وجد لا يخاف إلا الله تعالى، ويكون سنده الذي يلجأ إليه هو السند الإلهي، ولا مانع شرعا من سند بشري بجانب السند الإلهي على شرط أن لا يمنعك هذا السند البشري من قول الحق وأن لا يجعلك منافقا، فان جعلك هذا السند تنافق أو لا تقول الحق، فاكتفي بالسند الإلهي محتسبا صابرا أن كل ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن الله ناصر عباده المؤمنين ولو بعد حين، وليكن الأجر الذي تنظر إليه دائما هو جنة عرضها السماوات والأرض.
https://www.facebook.com/145478009128046/ph...e=3&theater