النفس وهواها
أما العدو الثاني فهو النفس وهواها، نعم نفسك أيها المسلم نفسك وما تهوى وما تأمرك به لتشبع نهمها وترضيها، ونفسك غير عقلك لأن النفس أحيانا تأمرك بغير ما يرشدك إليه العقل، ومتبع الهوى يعطل عقله إلا في تشغيله بما يحقق هواه للأسف.
فالنفس هي شخصيتك أيها المسلم وما تهوى وما تحب وما تكره وما يراودك من أفكار وتخيلات، فالنفس بطبيعتها تَميل للشهوات، وتَكره القُيود، وتحبُّ الانفلات والتحرُّر مِن كل ما تُمنَع منه، وتَضيق ذَرعًا إذا أُلزمتْ بأمر مِن الأمور، إلا إن ألجمت بقيود الشرع.
والنفس أنواع منها: • النفس الأمارة بالسوء: وهي التي تأمرك بالشر
• النفس اللوامة: هي النفس المتقلبة التي تحاسب صاحبها على أفعاله، فان حاسبته على فعل خير فهي نفس لوامة ملومة، وان حاسبته على شر فعله فهي نفس لوامة غير ملومة.
• النفس المطمئنة: وهي التي تأمرك بالخير وتجعل هواك حسب شرع الله.
وسوسة النفس:والنفس توسوس للإنسان كما يوسوس الشيطان وتأمره وتنهاه وصعب عليه أحيانا التمييز بين وسوسة الشيطان ووسوسة النفس، إلا في حالة واحدة وهي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن الشيطان يهدأ ولكن النفس لا تهدأ، ولذلك هي أخطر على الإنسان من الشيطان، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16] قال أهل التفسير: يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم ويجول في خواطرهم من الخير والشر، وقال: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}[ص:26] والهوى هو هوى النفس.
ووسوسة الشيطان هي تزيين المعصية في نفس العبد حتى يقع فيها, فان تاب عنها انتقل به إلى معصية أخرى, فان عصاه فيها انتقل به إلى معصية ثالثة, وهكذا يبقى الشيطان يصارع الإنسان في الوسوسة حتى يوقعه فيها حتى وان تمكن منه بترك نافلة, المهم عنده أن يعصي الإنسان ربه عز وجل ولو بترك نافلة، أما وسوسة النفس فهي التي تحث صاحبها على معصية بعينها وتكرر النفس طلبها.
ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان: "ما كرهتْه نفسُك لنفسِك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه، وما أحبَّته نفسُك لنفسِك فهو من نفسك فانْهَها عنه" أي أن النفس غالباً توسوس فيما يتعلق بالشهوات التي يرغب فيها الناس عادةً.
أما أسباب إتباع الإنسان لهواه فيمكن إجمالها في:• الحسد مثل حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن منهم فعادوه ولم يتبعوه.
• الكبر والعجب يدفع الإنسان لأن لا يستعمل عقله ويعرض عن الحق، قال تعالى: ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ﴾ [البقرة: 87].
وهاتان الصفتان (الحسد والكبر) قد أخرجتا إبليس من الجنة عندما رفض السجود امتثالا لأمر الله تعالى، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34]. وقال أيضا: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف 12]
• ومن أسباب إتباع الهوى حب الرياسة والزعامة والمناصب.
• النظرة الطبقية للآخرين سواء بسبب عرقهم أو قوميتهم أو بسبب شهادات الشخص الدراسية.
كيف نقاوم هوى النفس وشرورها:• التعلم الشرعي: فمعرفة الإنسان بشرع الله تبين له أن كثيرا من الأمور التي يحبها لا يقبلها الشرع.
• تحكيم العقل في كل الأمور، وعدم الانجرار وراء الشهوات وميول النفس.
• التفكير في حياة الصالحين وكيف قاوموا شهواتهم وأنفسهم.
• الدعوة إلى الخير، فان من دعا إلى خير فان نفسه تبدأ تعينه وتحذره المعصية حرصا عليها وعلى عدم ظهور نفاقه، على شرط أن يكون مبتغيا في دعوته رضا الله تعالى فقط، فمن ابتغى رضا الله تعالى فان نفسه تسير معه في النهاية.
• الصحبة الصالحة والانضمام للجماعة الصالحة، فان الجماعة الصالحة تعين الإنسان على شيطانه ونفسه وتقضي على جهله.
• التفكير بحقيقتك كإنسان ضعيف وأنك ميت وأن آخرك جيفة، والتفكير أنك مهما بلغت به من رفعة في أي أمر فهناك من هو خير منك في ذلك المجال، فلا تغترن بنفسك أبدا.
خطورة إتباع الهوى:• يورث الكبر والعجب ويصد عن قبول الحق وسماعه ويعمي العين عن رؤية الحق، قال تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (الجاثية: 23] وقال: { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50].
• يوقع الإنسان في التناقض لأن الأهواء متقلبة، بخلاف الشرع الثابت من عند العليم الخبير، فمتبع الهوى شخصية متناقضة متقلبة متلونة لا تسير إلا وراء الشهوات.
• متبع الهوى عرضة لأن يكون منافقا سيرا وراء تحقيق رغبات نفسه، فمرة تراه مع هذه الجهة وإذا لم تحقق تلك الجهة مصلحته عاداها وانقلب إلى جهة أخرى.
• متبعي الأهواء في الحكم يفسدون أمر الرعية والخلق وكل من يسوسونهم: { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ}.
• يوقع البغضاء والتنافر بين الناس لأن الناس تنظر لصاحب الهوى واتهامه بأنه إنسان "مصلحجي" (بالعامية)، أي يسير فقط وراء مصلحته ولا يهمه الحق.
• متبع الهوى في العادة شخص أناني لا تهمه إلا مصلحته وقلما تراه ينخرط في عمل جماعي إلا إن ابتغى من وراء ذلك العمل الجماعي شهرة ومنصب.
• متبع الهوى يكون غير حصين من الشيطان الرجيم.
نصوص في النفس وهواها:• قال ابن تيمية رحمه الله : «من اتبع هواه في مثل طلب الرئاسة والعلو، وتعلقه بالصور الجميلة، أو جمعه للمال يجد في أثناء ذلك من الهموم والغموم والأحزان والآلام وضيق الصدر ما لا يعبر عنه وربما لا يطاوعه قلبه على ترك الهوى، ولا يحصل له ما يسره، بل هو في خوف وحزن دائمًا : إن كان طالبًا لما يهواه فهو قبل إدراكه حزين متألم حيث لم يحصل، فإذا أدركه كان خائفًا من زواله وفراقه» (مجموع الفتاوى) .
• قال ابن القيم : " فالجهاد أربع مراتِب : جهاد النفس ، وجهاد الشياطين ، وجهاد الكفار ، وجهاد المنافقين. وجهاد النفس بأن يُجَاهِدَهَا على تَعَلُّمِ الهُدَى ، والعَمَلِ به بَعْدَ عِلْمِهِ ، والدعوة إليه ، والصبر على مَشَاقّ الدّعوة إلى الله ، وجهاد الشيطان : جهاده على دفع ما يُلْقِي إلى العبد من الشُبُهَاتِ والشّهَوَات ، والشكُوكِ القَادِحة في الإيمان ، وجهاده على ما يُلْقِي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات ، وجهاد الكفار والمنافقين بالقلب واللسان والمال والنفس ، وجهاد الكفار أخَصُّ باليَدِ وجهاد المنافقين أخَصُّ باللِّسان ... قال : وأكْمَلُ الخَلْقِ من كَمَّلَ مراتِبَ الجِهَاد كلّها ، والخَلْقُ مُتَفَاوِتُونَ في منازِلِهِمْ عند الله ، تفاوتهم في مراتب الجهاد ... " ا.هـ. زاد المعاد 3/9-12 ، والله أعلم.
• قال عليه الصلاة والسلام : ((الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني)) [ الترمذي عن شداد بن أوس]
• قال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه - : «إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان : طول الأمل، وإتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما إتباع الهوى فيصد عن الحق».
• قال ابن تيمية – رحمه الله - : «وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله» (مجموع الفتاوى) .