النظرة الفردية والنظرة المكانية
الوعي السياسي وعدم الانجرار وراء العواطف والمشاعر نعمة يجب حمد الله عليها بكرة وأصيلا، لأن من يرى الطامة التي فيها قليلو الوعي السياسي يدرك كم هو في نعمة يجب حمد الله عليها بكرة وأصيلا، فالحمد لله رب العالمين على كل حال.
وبعد، فإن من المصائب التي نعاني منها هي عدم تفريق الكثير من المسلمين بين النظرة الفردية للشخص وبين النظر إلى موقعه ومكانه في المجتمع، فيخلطون الأمرين فنحصل على مصائب سياسة كبيرة ونحصل على خدمة لأعداء الإسلام من حيث لا ندري.
فعلى سبيل المثال وللتوضيح، لو أن مريضا كان يعاني بين يدي وأنا أنظر إليه وأبكي عليه ولا أستطيع فعل شيء له فإني في هذه الحالة لا ألام، ولكن لو حصلت الحادثة مع طبيب على باب مستشفى وجلس ينظر إليه وهو يفارق الحياة فإنه في هذه الحالة سيكون مجرما يستحق أشد العقاب، لأنه بموقعه ومكانه كطبيب يستطيع إدخاله المستشفى وتقديم العلاج اللازم له وبذل أقصى جهد ممكن لإنقاذ حياته، وهكذا فان دموعي مقبولة ودموع هذا الطبيب هي دموع كاذبة ويستحق على فعلته اشد العقاب.
إذن لو نظرنا نظرة فردية للحالتين لوجدنا إنسان يبكي على مصاب أخيه الإنسان، فلا ألام أنا ولا يلام الطبيب، بل ربما تكون دموع الطبيب اشد من دموعي، إذن هو بنظرة فردية لشخصه كطبيب إنسان رحيم فيه مشاعر الإنسانية، ولو اكتفينا بهذه النظرة للحكم على الحالتين لوصفنا الجميع بأننا بلهاء أغبياء، ولكن لو نظرنا للطبيب على انه يستطيع تقديم العلاج وبجانبه مستشفى يعمل به ويستطيع أن يقدم للمريض المساعدة كونه طبيب ولكنه لم يفعل فانه في هذه الحالة يحكم عليه بأنه إنسان مجرم.
وهكذا نرى الجهل في هذه النظرة عندما ننظر لأردوغان مثلا، فلو نظرنا إليه نظرة فردية لوجدنا إنسان يصلي ويقرأ القران، فهو في النظرة الفردية أفضل من كثير من الزعماء الذين لا يصلون ولا يقرؤون القران، وعندما نراه يذرف الدموع على أهل سوريا وبورما نقول: "ما اشد الرحمة في قلبه"، ولكن هذه نظرة الأغبياء فقط، مع احترامي للقرّاء.
فالنظرة الحقيقية لأردوغان أن ينظر إليه كحاكم دولة عنده جيش ويستطيع أن يفعل ما لا استطيع أنا أو أي فرد بفرديته فعله، فأحاسبه على موقعه ومكانته وهي أنه حاكم.
وبالنظر لموقع أردوغان في الحكم أجد إنسانا لا يحكم بالإسلام ويمنع جيشه من مساندة أهل سوريا وأهل العراق وأهل فلسطين، وأراه يرسل جيشه للعمل في حلف صليبي يعادي المسلمين وهو حلف الناتو، وأراه يفتح القواعد العسكرية للصليبيين في تركيا، واراه يرخص بيوت الدعارة والخمور وشواطئ العراة وأراه يقيم علاقات مع ألد أعداء الإسلام الروس والأمريكان والصينيين ويهود، فمن هذه النظرة لموقعه كحاكم أجد حاكما مجرما يستحق العزل أو القتل إن لزم في سبيل تغيير الحكم في تركيا.
هكذا انظر لحاكم تركيا، ولا انظر إليه بفرديته لان هذه نظرة ساذجة جدا، وقس عليه نظرتي لقادة حماس ولكل شخص من تيار إسلامي وصل الحكم أو عنده شيء من سلطة.
فعندما أقول لأردوغان حرك جيشك لتحرير فلسطين، ويرد علي احد السذج بالقول: "حرر أنت فلسطين ولا شان لك بأردوغان"، فإن كمن يحاسب ويجرم الرجل الذي وجد المريض في الشارع ولم يتمكن من فعل شيء له حتى مات، وأثنى أشد الثناء على الطبيب الذي بكي المريض ولم يقدم له أي مساعدة.
وفي موضوع آخر فإني سأستمر بطلب النصرة لإزالة الحكام وتحريك الجيوش لتحرير البلاد المحتلة من قادة وضباط الجيش لأن مكانتهم توجب عليهم هذا العمل، ولا يستطيع غيرهم القيام بهذا العمل، ولا يقال لي: "تحرك أنت لتحرير فلسطين"، فموقع ضباط الجيش وما يمتلكونه من قوة يجعلهم هم القادرين على تحرير البلاد المحتلة ومحاربة المجرمين، وان كان لي دور فهو الاتصال بهم والطلب منهم أن يقوموا بواجبهم، ومهما قصروا فاني سأبقى فردا ضعيفا لا املك التغيير في هذا الباب إن هم قصروا في واجبهم.
وأيضا فإن موضع التغيير في إزالة الحكام وإقامة حكم إسلامي لا يكون عميلا لدول الكفر هو الأمة الإسلامية، ولا يتخيل أن يقوم كفار أو حكام خونة بمساعدتنا في إقامة حكم إسلامي، كبعض الحركات التي تأخذ دعما من الكفار أو من حكام خونة للتغيير، لذلك يجب أن تكون الجهود فقط في الأمة الإسلامية، ولذلك وجب إيجاد الأحزاب والتكتلات والجماعات لعملية التغيير، لان التغيير على مستوى الأمة لا يكون فرديا، والتغيير على مستوى الأفراد ضرب من الخيال، ولذلك كان إيجاد الأحزاب واجبا لعملية التغيير ويحرم عليها الاستعانة بالمجرمين والكفار لأنهم لن يعينوننا بل سيحبطون عملنا أو سيحرفونه.
وعلى سبيل على حسب قاعدة السببية فإن الدعاء والصلاة وصلاح الفرد لن تغير حال الأمة لأن تغيير المجتمعات لا علاقة له بالصلاح الفردي، وهكذا وعلى حسب هذه القاعدة وهي النظر لمكانة الرجل وقدرته على التغيير مهمة جدا في الحكم على الأشخاص، وفي الحكم على قدراتنا نحن كأفراد أو كجماعات أو كضباط جيش أو كحكام، فقدرة كل شخص تختلف عن الآخر على حسب مكانته، والطلب ممن لا يملك التغيير نوع من الخيال أو الوهم أو الانحراف في التفكير المؤدي إلى الإحباط واليأس في النهاية، أو إلى سلوك طرق غير شرعية مغضبة لله تعالى عندما يجد نفسه لا يحقق ما يصبو إليه بمكانته الموجود عليها.
https://www.facebook.com/145478009128046/ph...e=3&theater