إبليس في أزمة
كان إبليس (لعنة الله عليه) في قمة النشوة والبهجة وهو يتابع أخبار العالم وأحوال البشر وبخاصة أحوال العالم الإسلامي والمسلمين، ويعدد بسرور المشاريع الكبرى والانجازات الضخمة التي قام بها عماله ، ويثني على من أبدع فيها من رجاله . فهناك في العالم الإسلامي ـ أزمات خانقة ـ حروب دامية ـ فتن ـ هرج مرج ـ دحر للإسلام ـ إشاعة الكفر ـ وغير ذلك.
فقرر وهو مسترخ على عرشه أن يكافئ كل مبدع ويجعل لصاحب أعظم مشروع مكافئة تليق بمقامه فيقربه منه وينصبه وزيرا ومستشارا له. فطلب من أعوانه أن يأتوه بالتقارير المفصلة عن أصحاب هذه المشاريع.
لكن إبليس صعق من التقارير التي وصلته وذهل لما ورد فيها. إذ التقارير كلها لا تذكر مشروعا واحدا من إنجاز عماله، وكل ما جاء فيها هي أعمال ضئيلة تعد من الروتينيات اليومية لوساوس الشياطين. غيبة ـ نميمة ـ خصام بين الجيران ـ تطفيف في الكيل والميزان ـ تعامل بالربا ـ غش ـ تزوير ـ كذب ـ سكر وعربدة ـ قمار ـ اختلاس ـ زنا ـ خيانة ـ عقوق ـ ليس أكثر.
فانتفض صارخا في جنوده أن يجمعوا له جميع عماله للنظر معهم فيما يحدث.
ولما حضر الجمع قام فيهم ولهيب الغضب يكاد يحرق وجوههم قائلا: إن لم تكونوا أنتم وراء كل ما يحدث في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان والسودان وليبيا وشمال إفريقيا وغيرها فأخبروني من وراء هذه المشاريع العظيمة؟َ!!
سكت الجميع من شدة الحرج والخجل وتهامسوا في ما بينهم ثم تقدم أحدهم وقال يا مولاي:
إن لهؤلاء المسلمين حكاما فاقوا إبداعاتنا ولهم من المكر والخداع ما يفوق تصوراتنا ولهم مع ذلك خبراء ومساعدون متقدمون جدا عن خبراءنا ومفكرينا ، ولقد حيرتنا حيلهم وأدهشنا تقدمهم علينا وسباقهم لنا في إنتاج هذه المشاريع الضخمة...
وقبل أن ينهي المتحدث كلامه قاطعه إبليس بقوله :
كيف ذلك ..ثم أين كنتم أثناء هذه الإنجازات.. أكنتم نياما أم أنكم هجرتم الصناعة وفرطتم في البضاعة؟!!
قال الشيطان المتحدث : لا يا مولانا بل كنا لا نهجع بالليل ولا ننام بالنهار وما هجرنا قط الصناعة ولا فرطنا في البضاعة. بل الذي أثار حيرتنا واستغرابنا وكدنا نشك أنهم يسترقون السمع منا ـ لولا علمنا بأننا محجوبون عنهم فنراهم ولا يروننا ـ هو أننا يا مولانا كلما اجتمعنا بالليل والناس نيام لنخطط لمشروع الغد إلا وتفاجئنا وسائل إعلامهم في الصباح بحدوث ما أزمعنا على إنجازه ، وهكذا مع كل خطة نسهر بالليل على رسمها وإحكام خيوطها ودراسة مآلاتها إلا وكانوا هم السباقين إليها وأكثر إبداعا وتفننأ منا في تطبيقها، حتى اختلط علينا وعلى شعوبهم الحابل بالنابل فما عدنا نفهم شيئا.
وهنا انتصب إبليس واقفا وأطلق زفيرا طويلا ثقيلا يشبه العاصفة من شدة الغضب وقال: إذا نحن في أزمة إنتاج وابتكار ونفتقر لمبدعين وخبراء يفوقون هؤلاء الحكام وأعوانهم ..
ثم طأطأ رأسه وجمع يديه وراء ظهره وبدأ يدور في فناء البلاط وهو يتمتم بكلمات غامضة ومبهمة والجميع ينظرون إليه من طرف خفي ولا يدرون ما الذي سيحل بهم.
وبعد كم ساعة وقد أعياهم الوقوف توقف إبليس عن اللف والدوران والتفت إلى الحضور وقال:
إذا علينا بالشراكة ووضع اليد في اليد مع هؤلاء الحكام وأعوانهم عسانا ننقذ مملكتنا ونتعلم عنهم أسرار المهنة..
وقبل أن يواصل كلامه رفع زعيم العمال يده طالبا الإذن بالكلام فقال له إبليس : هل لك رأي في الموضوع أم عندك ما تقترحه لتسعفنا به؟.
فقال رئيس العمال: يا مولانا إن هؤلاء الحكام فاقوا الأبالسة ـ مع الاعتذار من حضرتكم ـ فهم في هذا الفن لا يقبلون بالشريك ، وهم مع ذلك أنانيون وكل واحد منهم لا يرضى بمنافس له في أي مشروع ويحبون أن تخلد مشاريعهم بإمضائهم لذا تراهم يتنافسون على تسجيل أسمائهم وأعمالهم في سجل الطواغيت ، وعندك يا مولانا نسخة من هذه القائمة فانظر فيها فستجد ـ آل سعود وخروجهم على الدولة العثمانية ـ أتاتورك وهدمه للخلافة الإسلامية ـ عبد الناصر ونعرته القومية ـ الملك حسين وهديته لإسرائيل ـ بورقيبة وتعريته للمرأة ـ القذافي وكتابه الأخضر ـ السادات وعرفات وكامب دفيد ـ جنرالات الجزائر وذبحهم للشعب ـ بشار الأب والابن وحزب البعث ومجزرة حماه والقتل الجاري اليوم ـ عباس وأوسلو ـ الخميني وثورته الإسلامية المزعومة ـ البشير وتقسيم السودان ـ وغير ذلك الكثير الكثير مما لا يحصى ولا يعد ، فضلا عن الاغتيالات والتفجيرات واتهام المسلمين. وإننا لنرى أن أعظم مشروع اجتمعوا عليه وأنجزوه بالتعاون فيما بينهم هو الحكم بأنظمة الملة الكافرة ومحاربتهم للإسلام ومحاولاتهم لطمس تعاليمه وتحريف أفكاره، وفي هذه يا مولانا قد استطاعوا أن يشروا ذمم الشيوخ والعلماء ..حتى المجاهدين يا مولانا لم ينجوا من مكرهم فقد استطاعوا أن يصنعوا منهم فصائل وجبهات تقاتل بعضها البعض وتتفاوض مع الكفار على إتلاف الثورة ، ولا نحدثك عن أعمال الدواعش وحزب الله في لبنان وحكام إيران فأخبارهم عندك. ولا نخفيك يا مولانا الحقيقة إن قلنا لك إننا مع كل ما يحدث وهذه المشاريع العظيمة التي أنجزت من وراء ظهورنا وبغير علم منا نشعر بالعجز وقلة الحيلة ولا ندري كيف نتدارك الأمر.
هنا سكت الجميع وحبست الأنفاس في انتظار ما سيقوله إبليس وقد ظهر عليه الاضطراب وهو يرى بوادر انهيار إمبراطوريته وفشل عماله ..لكن إبليس أغمض عينيه ودون أن ينبس بكلمة أشار بيده نحو الحضور أن اغربوا عن وجهي.
فتفرق الجميع ورفعت الجلسة.
✍🏼 خالد العمراوي ✍🏻
01/12/2017م
https://www.facebook.com/145478009128046/ph...e=3&theater