•۰•● محاولة للفهم ●•۰▌ الحلقة 100▌
★ السحر بين العلم والوهم ★
● ما كنت أتوقع أن تكثر اﻷسئلة عن السحر في هذا الزمن الذي نشهد فيه تقدماً هائلا في شتّى العلوم وتطورا مذهلا في الصناعات والاختراعات، وكم مرّة قلت في نفسي قم يا والدي وانظر كيف أكلّم أخي في آخر الدنيا صوتاً وصورة، لو تراني لقرأت المعوذات وأخوتها لما تراه من سحر.
● لقد وردتنا أسئلة كثيرة حول حقيقة السحر، وكانت في جُلّها غير دقيقه، واختلط موضوع السحر بموضوع الجن، وعلاقة الجن باﻹنسان وأثر السحر على اﻹنسان.
● إن اﻹجابة على الموضوع طويلة وغالبا ﻻ تناسب الكتابة على الفيس، وسنحاول فهم الموضوع باختصار شديد، وقبل الخوض في الموضوع سنضع أساسيات البحث التي ﻻيستقيم الفهم بغيرها وهي من القطعيات.
1. إن الشريعة كاملة تامة، قال تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا}.
2. إن الله خلق المخلوقات وجعل لها خصائصها التي تحكمها وﻻ تنفك عنها، اﻹنسان بحاجاته وغرائزه، والمواد كل مادة لها خصائصها، النحاس والحديد والذهب والنار والماء وسائر المواد، قال تعالى {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}.
3. إن الله خلق نظاما للوجود يسير بحسبه ﻻ يتخلف، وتحدّى اﻹنس والجن أن يخرقوه {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}.
4. إن المخلوق إنسان أو جان ﻻ يستطيع أن يغيّر في نظام الوجود وﻻ في خصائص اﻷشياء، ولكن يمكنه أن يستخدم الخصائص والسنن الكونية في التفاعلات الكيميائية والفيزيائية والذرية ويستخدم خصائص الخلايا الجذعية أو الجينات وغيرها.
● وبناء على ما سبق يمكننا أن نفهم موضوع الجن على النحو التالي:
◆ إن وجود الجن حقيقة مقطوع بها ودليلها من القرآن.
◆ إن اﻷحكام الشرعية عالجت علاقة اﻹنسان بربه وبنفسه وغيره وﻻ يوجد فعل للإنسان لم يأت له حكم شرعي.
◆ إن الشريعة خلت من اﻷحكام الشرعية التي تعالج علاقة اﻹنسان بالجن، وهذا يدل على عدم وجود علاقة بينهما ولو كانت هناك علاقة لعالجتها اﻷحكام الشرعية.
◆ إن علاقة الجن باﻹنس محصورة في الوسوسة واﻹغواء، وهذا ما قام عليه الدليل، والقول بغير ذلك اتّهام للشريعة بالنقص، وذكر لنا القرآن الكريم مخاصمة الشيطان للناس {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم}.
★ وبهذا نغلق بحث الجن وننتقل إلى بحث السحر بإيجاز شديد أيضا.
■ السحر: هو كل أمر يخفى سببه ويتخيّله الناس على غير حقيقته، وهو يجري مجرى التمويه والخداع، ويُقال سحره استماله وسلب عقله حتى صار مخبولا.
■ إن الساحر ﻻ يملك أن يغير خصائص اﻷشياء، كأن يحول الفحم إلى ذهب أو العصى إلى حيّة.
■ إن الساحر ﻻ يملك أن يغير في نظام الوجود، فيشعل نارا من ﻻ شيء أو أن يسير على الماء أو يطير في الهواء بطبيعته.
■ إن الساحر محكوم بخصائص اﻷشياء ونظام الوجود.
■ أن خرق هذه الخصائص والنواميس الكونية معجزات وﻻ يجعلها الله إﻻ لنبي.
■ إن الساحر ليس نبيا فلا خرق للعادة وﻻ معجزات على يديه.
وبناء على ذلك تكون اﻷعمال السحرية أحد اﻷمور التالية:
1. استخدام خصائص اﻷشياء الكيميائية أو الفيزيائية عند جمهور تخفى هذه الخصائص عليهم فيؤثر في عقولهم.
2. استخدام الخداع البصري بحيث يوهم المشاهد فيخدعه، وهذا هو الفرق بين عصى موسى عليه السلام وحبال سحرة فرعون، قال تعالى: {..فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم} .
3. أعمال خِفّة يد فيقوم الساحر بمهارة معينة بعمل يخفي على المشاهد سببه وفيه خدعة.
■ أما تأثير السحر على اﻵخرين فهو كتأثير استخدام أي مادة في الكون وكأي عمل آخر، وهو محاسب عليه بما يترك من أثر على اﻵخرين إن كان فيه أذى عوقب بما يستحق.
★ ملاحظات:
● لو كان بيد الساحر التأثير على خصائص اﻷشياء لما تصارعت الدول الاستعمارية على ثروات المستعمرات وما أشعلت حروبا طاحنة ﻷجلها، واكتفت بساحرها فيحول التراب إلى جبل من الذهب وحلت أزمة مالية طاحنة.
● لو كان للساحر تأثير خارج النواميس والعلم، لما احتاجت الدول المتحاربة إلى جيوش وأسلحة متطورة، ويكفيها سحرتها.
● إن الساحر قد يكون مشعوذا وزنديقا كافرا وقد يكون صاحب مهارة في حركات خادعة، وقد يكون عالما، ولقد خاطب قوم فرعون موسى عليه السلام بالساحر تعظيما له ولعلمه {وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ}.
وعلى هامش الموضوع كُنا فيما مضى قد ذهبنا لنناقش أحد مُدّعي الكرامات فقال إن من الكرامات التي تجري على يديه أن يقطع رأس الطير ويجعله يقوم من ساعته، فقلنا له لكن لنا شرط أن نقوم نحن بقطع رأسه ثم أنت أرجعه، فبهت الذي تزندق!
أيها اﻷخوة:
إن الله يقول { مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}، فعليكم بكتاب الله وسنة رسوله، فمن أخذ بهما كفاه الله وهداه إلى صراطه المستقيم.
اللهم اهدنا واهدِ بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى واجعل أعمالنا خالصة لوجهك الكريم.
الشيخ سعيد رضوان فك الله أسره