منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

> كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:50 AM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238



بسم الله الرحمن الرحيم




كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة



الجزء الأول



النسوية: ذِئْبٌ في ثَوْبِ حَمَل


(مترجم)



منذ خمسين عامًا، زعمت النائبة النسوية الأمريكية بيتي فريدان، والتي يُنسب إليها الفضل كإحدى مؤسسات الحركة النسوية المعاصرة، في كتابها المعروف "The Feminine Mystique" أن ربات البيوت الأمريكيات إن بدأن حياتهن المهنية، فسيكنَّ أكثر سعادة وصحة، سيتمتعن بزيجات أفضل وأطفالهن سيحققون النجاح. أفادت الرسالة الضمنية، التي رددتها أصوات العديد من النسويات على مر السنين، بأن الوظيفة لا الأمومة هي ما يمكن أن تقدم للمرأة إنجازات ذاتية وقيمة ونجاحا في الحياة. وعلى كل حال، ليس بالإمكان أن يكون وصف أبعد من هذا الوصف لحقيقة الواقع.



على مدى العقود القليلة الماضية، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن مفاهيم "النسوية"، ولا سيما "المساواة بين الجنسين" الذي يسعى إلى تحقيق المساواة في الحقوق والأدوار والمسؤوليات بين الرجال والنساء في الحياة الأسرية والمجتمع، قد شكل واحدا من أكثر القوى تدميرا للزواج والأمومة ووحدة الأسرة. وكان انتشارها مغلفا برداء زائف من الدعوة إلى الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية للمرأة في الدول التي حُرمت فيها المرأة من ذلك. وبالتالي، فإن أولئك الذين عارضوا هذا التعريف الجديد لأدوار الجنسين في الحياة الأسرية قد وُسِموا بالرجعية، وبأنهم أصحاب فكر عفا عليه الزمن، فضلا عن أنهم يقفون إلى جانب ظلم وقمع المرأة. انتشرت فكرة المساواة بين الجنسين والأفكار النسوية الأخرى تحت ستار المصطلحات المغلفة بالسكر مثل "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"المساواة بين الجنسين" لإغراء النساء والعامة من الناس ليؤيدوا دعوتهم. ومع ذلك، كان هذا كله خدعة، ذلك أن هذه التجربة الخطيرة في الهندسة الاجتماعية أسفرت عن نتائج كارثية وبؤس لا يوصف للنساء وأطفالهن، وبنية الأسرة بشكل عام وكذلك المجتمع بأسره.



ويرجع ذلك إلى أن هذه الفلسفة المتآكلة مجتمعيا للنسوية، دفعت النساء إلى تحديد استحقاقاتهن وواجباتهن بأنفسهن وفقاً لرغباتهن الفردية لا بناء على ما هو الأفضل للنساء والرجال والأطفال والمجتمع على حد سواء. إن نهجها المتمركز حول المرأة في تنظيم الحياة الأسرية وتوقعاتها المرتكزة على النوع الاجتماعي لحل المشاكل في المجتمع، كل ذلك تسبب في إحداث الارتباك وإشاعة الخلاف في الحياة الزوجية والمسؤوليات الأبوية، كما أدى إلى إهمال حقوق الأطفال ورفاههم، وساهم في التقليل من قيمة الأمومة واضطر المرأة للتخلي عن دورها كأم وربة بيت. كما أنه أدى إلى تآكل مسؤولية الرجال عن أسرهم، وأثقل كاهل المرأة بمهام الرجل في الحياة الأسرية بما في ذلك كونها عاملة أجيرة تُمارس عليها ضغوطا لا توصف. كل هذا خلق وضعاً بعيداً عن ساحة ذهبية لحياة أكثر سعادة، وزواج أفضل وتحرير من الاضطهاد، ذلك الذي وعدت به بيتي فريدان والعديد من النسويات الأخريات بتوفير المساواة بين الجنسين في وحدة الأسرة. كتبت دايل أوليري، وهي صحفية ومحاضرة أمريكية، وإحدى معارضات الفلسفة النسوية، في كتابها "الأجندة الجنسانية: إعادة تعريف المساواة": "ادعت النسويات تعزيز تقدم المرأة، لكن بدا لي أن لدى النسويات فكرة مشوهة للغاية عن معنى أن تكون امرأة، وفكرة أكثر غرابة عما يشكل تقدمًا."



عرضت العديد من النسويات الأمومة ووحدة الأسرة التقليدية المكونة من الرجل بصفته رب الأسرة ومورد رزقها، والمرأة بصفتها ربة البيت والراعية الأساسية للأطفال باعتبار ذلك كله انتهاكًا للمساواة بين الجنسين ومصدرًا رئيسيًا لقمع المرأة. ومن ثم، فقد سعوا إلى تفكيك هذا الهيكل العائلي التقليدي، بحيث يتم تقاسم رعاية الأطفال والمهام المنزلية والأجور على قدم المساواة بين الزوج والزوجة. بل وصل الأمر إلى حد دعوة بعض النسويات إلى عائلة خالية من النوع الاجتماعي (الجندر). على سبيل المثال، علقت الكاتبة والمؤلفة النسوية الليبرالية سوزان مولر أوكين، من القرن العشرين: "إن المستقبل العادل سيكون دون جندر". في الواقع، في بعض الدول الغربية اليوم، الأفكار أو الصور التي تقدم الأدوار التقليدية للرجال والنساء في الحياة الأسرية ممنوعة في الإعلانات أو المواد التعليمية.



لم تنتشر الأفكار والفلسفة النسوية الضارة والخطيرة في جميع أنحاء الدول الغربية فحسب، لتزرع الفوضى في الحياة الأسرية والنسيج الاجتماعي لتلك المجتمعات فحسب، ولكنها أثرت أيضًا على بقية العالم، بما في ذلك البلاد الإسلامية نتيجة للسياسات الاستعمارية، بالإضافة إلى حكم الأنظمة والحكومات العلمانية التي حكمت العالم الإسلامي بعد هدم الخلافة في عام 1924م. فرضت هذه الأنظمة والقيادات العلمانية على شعوبها وجهة النظر والمثل العليا الغربية، بما في ذلك وجهة نظر النسوية، وذلك عبر الدساتير، والقوانين والإعلام والنظم والمبادرات التعليمية، فعلى سبيل المثال نص قانون الأحوال الشخصية التونسي بالإضافة إلى دستورها الجديد على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في المجتمع. كما أنهم سمحوا للحركات النسوية القائمة على حقوق المرأة بالعمل بحرية لتزدهر داخل المجتمع، وتنشر أفكارها الفاسدة في الأمة الإسلامية، بما في ذلك تغيير وجه "الأسرة المسلمة".



إلى جانب ذلك، تبنت هذه الأنظمة العلمانية المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تروج بقوة للمساواة بين الجنسين في قوانين وسياسات الدول. على سبيل المثال، قبلت حكومات كثيرة في العالم الإسلامي إعلان ومنهاج عمل بيجين، وهو جزء من إعلان ذي تأثير لالتزام عالمي بالمساواة بين الجنسين، تم تبنيه في المؤتمر العالمي الرابع للأمم المتحدة حول المرأة عام 1995. وكان لهذا المنهاج، الذي شكل الأساس للعديد من الاتفاقيات الدولية اللاحقة والعديد من القوانين الوطنية المتعلقة بحقوق المرأة، هدف واضح يتمثل في إصلاح هيكل وحدة الأسرة على أساس خطوط المساواة بين الجنسين. وعلى سبيل المثال، جاء نص منهاج عمل بيجين 245 (أ): "تشجيع التقاسم المنصف للمسؤوليات الأسرية عن طريق حملات لوسائط اﻹعلام تركز على المساواة بين الجنسين وأدوار الجنسين التي ﻻ تقوم على القوالب النمطية داخل الأسرة وتنشر معلومات تستهدف القضاء على إيذاء الزوجة والأطفال وجميع أشكال العنف ضد المرأة بما فيها العنف الأسري"؛ كما تدعو المادة 179‏ (د) الحكومات على وجه التحديد إلى "وضع سياسات في مجال التعليم تتناول، في جملة أمور، تغيير الاتجاهات التي تعزز تقسيم العمل على أساس نوع الجنس، بغية تعزيز مفهوم تقاسم المسؤوليات الأسرية في العمل وفي المنزل، ﻻ سيما فيما يتعلق برعاية الأطفال وكبار السن؛" كما نصت المادة 276 (د) على ما يلي: "اتخاذ الخطوات الكفيلة بألا تتخذ التقاليد والأديان ومظاهر ممارستها أساساً للتمييز ضد البنات." مع الملاحظة بأنه وفقاً للمساواة بين الجنسين، فإن "التمييز" هو أي معتقد أو ممارسة تتعارض مع مساواة الأدوار والمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، بما في ذلك في الحياة الأسرية.



وكنتيجة لذلك كله، تبنّى الكثيرون في الأمة الإسلامية فكرة المساواة بين الجنسين والأفكار الأخرى للنسوية، معتقدين بأنها ستؤدي إلى احترام وتقدم المرأة وكذلك نهضة البلاد الإسلامية - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ومع ذلك، فقد فشلوا في إدراك أن مفاهيم الحركة النسوية، بما في ذلك فكرة المساواة بين الجنسين، التي تدعو إلى فكرة أن تكون المرأة هي من تحدد حقوقها وأدوارها في الحياة، تتناقض بشكل أساسي مع العقيدة الإسلامية؛ لأنه في الإسلام، لا يحدد الرجال والنساء حقوقهم وأدوارهم وواجباتهم على أساس المساواة أو رغباتهم الشخصية وإنما على أساس أوامر الله سبحانه وتعالى وحده. علاوة على ذلك، فإن المرأة المسلمة لا تُقيم نجاحها من خلال مقارنة نفسها بالرجل وحقوقه ومسؤولياته، وإنما بناء على قدرها عند خالقها ووفقًا لأدائها للواجبات التي أمرها بها الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا﴾ (الأحزاب: 36)



لقد فشل هؤلاء المسلمون الذين اعتنقوا أفكار الحركة النسوية في إدراك أن هذه المفاهيم قد ولدت من التجارب التاريخية للظلم والقهر وغياب الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية الأساسية التي عانت منها النساء في الدول الغربية بسبب العيش في ظل نظام علماني وضعه البشر - وهذا تاريخ وتلك ممارسات لا يشترك فيها الإسلام. كما أنهم فشلوا في إدراك أن ازدراء الحركة النسوية للزواج والأمومة والأدوار التقليدية للرجال والنساء في الحياة الأسرية نشأ بسبب النظرة الخاطئة للنسويات فيما يتعلق بما تمثله هذه الأدوار للمرأة وما الذي سيحررها من الاضطهاد ويرفع من مكانتها في المجتمع. وأخيرًا، فشلوا في أن يفهموا حقاً حجم الدمار الذي تسببه المساواة بين الجنسين والمثل النسوية الأخرى لهيكل الأسرة، وللنساء والأطفال والمجتمع بأسره.



يشرح الجزء الثاني والثالث من هذه المقالة كيف نشأ الهجوم النسوي على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة التقليدية.



كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. نسرين نواز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post
 
Start new topic
الردود
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:52 AM
مشاركة #2


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238




ناقش الجزء الأول من هذه المقالة كيف كانت الأفكار المدمرة والهدامة للحركة النسوية، ولا سيما مفهوم المساواة بين الجنسين، عبارة عن حبة سامة مغلفة بالسكر تم ترويجها للنساء والمجتمعات تحت مسميات "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"المساواة بين الجنسين". ومع ذلك، في الحقيقة خدمت كواحدة من أكثر القوى المدمرة على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة. كما ناقش عدد من الذين احتضنتهم الأمة المسلمة المثل العليا للنسوية، وفشلوا في إدراك أن النسوية قد ولدت من التجارب التاريخية للظلم والقمع وغياب الحقوق الأساسية التي عانت منها النساء في الدول الغربية بسبب العيش في ظل النظام العلماني الفاسد الذي صنعه الإنسان والذي لا يشابه الإسلام لا في التاريخ ولا الخبرة.

وسيتناول الجزءان الثاني والثالث من هذه المقالة شرح كيفية نشوء اعتداء الحركات النسوية على الزواج ووحدة الأسرة التقليدية، وتناقض ذلك مع الآراء والقيم ووجهات النظر والأحكام المتميزة للإسلام المتعلقة بالمرأة والزواج والحياة الأسرية.

1- غياب حقوق المرأة في الزواج:

في العصر الفيكتوري، عندما تتزوج المرأة - في نظر القانون - تختفي أساسا من الوجود، وتصبح ملكا لزوجها عند الزواج، وتمنح حقوقها قانونيا لزوجها، الذي كان يمكن أن يعاملها أساسا بناءً على رغبته في ذلك. وبالتالي فبمجرد الزواج، تعامل العديد منهن معاملة العبيد. وتسلم المرأة ملكية ثروتها وأية أجور كانت تستلمها إلى زوجها الذي سيتحكم في ممتلكاتها وأموالها. وعلاوة على ذلك، فإنه من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، أن تطلّق المرأة نفسها من زوجها، حتى وإن كان مسيئا أو غير مخلص لها؛ وفي الواقع، يمكن أن يكون الزوج عنيفا تجاه زوجته دون خوفه من الملاحقة القضائية. كما أنها ليس لها حقوق في حضانة أطفالها.

ونتيجة لحرمان المرأة من حقوقها في الحياة الزوجية، ينظر أنصار ومؤيدو الحركة النسائية الأوائل إلى الزواج ووحدة الأسرة بوصفهما شكلا من أشكال استرقاق المرأة واستعباد الرجل لها. وعلى سبيل المثال كتب فريدريك إنجلز - الفيلسوف الألماني الشهير والعالم الاجتماعي - في القرن التاسع عشر، في كتابه "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة" أن "الأسرة الحديثة الفردية تقوم على عبودية الزوجة المكشوفة أو المخفية"، وأنه عند الزواج، "يتولى الرجل الأمر في المنزل أيضا"؛ وقد تدهورت حالة المرأة وانخفضت إلى درجة العبودية؛ وأصبحت عبدا لشهوته ومجرد أداة لإنجاب الأطفال.

وعارضت الحركات النسوية أيضا مفهوم تقييد العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة في حدود الزواج. ووصفوا ذلك بأنه يخنق ويحد من حرية المرأة وسعادتها وسرورها، ودعوا إلى "التحرر الجنسي" للمرأة، كما أيدوا أيضا حق المرأة في الإجهاض، محتجين بأن الرقابة الكاملة على الإنجاب للمرأة شرط أساسي لأي شيء كالمساواة.

ولم يفهم المسلمون الذين تبنوا التحفظ النسوي تجاه الزواج، واعتبروه شكلا من أشكال استعباد المرأة واستعباد الرجل لها الذي يحتاج إلى التصحيح من خلال الدعوة إلى المساواة بين الجنسين في الحياة الزوجية. إن الإسلام لم ينظر للزوجة على أنها ملك يمين أو أمَة للزوج، ولكنها حافظت على أنها كانت صاحبة زوجها وكيانا قانونيا ولها حقها الشخصي. وبالتالي، فإن المرأة في الإسلام لا تزال تملك الملكية والسيطرة الكاملتين على أموالها وأرباحها وممتلكاتها، بينما لا يحق لزوجها الاستيلاء على أي جزء من دخلها أو أصولها أو أموالها. وعلى سبيل المثال، تؤكد السجلات القضائية العثمانية في ظل حكمها الإسلامي أنه وبموجب أحكامها لا يمكن لأحد، بما في ذلك الزوج، أن يبيع أو يستأجر أو يستخدم ممتلكات المرأة، أو ينفق ثروتها بدون موافقتها، وإذا حصل ذلك، فإنها تستطيع أن تقاضيه في المحكمة. وتمكنت المرأة أيضا من تنفيذ وإبرام عقودها الخاصة والتماس الإنصاف القضائي في المحاكم، بمعزل عن زوجها. وبالإضافة إلى ذلك، أعطى الإسلام المرأة الحق في طلب الخلع وأخذ زوجها إلى المحكمة لارتكاب أي فعل من أفعال الإساءة أو حتى الإهمال أو التقصير في تحمل مسؤوليته عن توفير المهر الذي تقرر لها بالزواج، وتقدم السجلات القضائية لدولة الخلافة العديد من الحالات والقضايا التي توفر أدلة واضحة على كل ذلك. وأيضا تمنح المرأة في الإسلام حضانة أطفالها عند الطلاق إذا كانوا دون سن التمييز، وإذا كانوا فوق هذه السن، عندئذ يعطى للطفل الحق في اختيار أي الوالدين يرغب في العيش معه.

وعلاوة على ذلك، فإن المسلمين الذين أيدوا حق المرأة في الإجهاض على قدم المساواة مع الغرب، لم يفشلوا فقط في إدراك مدى بشاعة وفظاعة جريمة إجهاض حياة ذات روح في نظر الله سبحانه وتعالى، ولكن أيضا أن "الإجهاض" يعد أحد العواقب الليبرالية الفظة للحريات الجنسية ووجهة النظر الخاطئة من السعي للحصول على المتعة في كل شيء، وهي وجهة نظر مزقت بنيان الأسرة، ودمرت حياة الأطفال، وزرعت الخراب والفوضى داخل المجتمعات. ومن ثم، فإن إضفاء الشرعية على الإجهاض ليس حلا للمشكلة، ولا يعد رمزا للتقدم بالنسبة للمرأة أو حتى الدول، بل هو بالأحرى عمل مليء بالاضطرابات العاطفية والشعور بالذنب، ونتيجة لطريقة ونمط حياة فاشل.

2- النظر إلى الأدوار الزوجية التقليدية من منظور هرمي:

نظرت الحركات النسوية الغربية إلى الهيكل والبنية الأسرية التقليدية للرجل بصفته رب الأسرة الذي يتوجب على المرأة أن تطيعه، كرمز للسلطة البطريركية (الأبوية) والسلطة الذكورية والهيمنة على المرأة، فضلا عن أنها تحط من قدر ومكانة المرأة.. وكان الأمر يتعلق إلى حد كبير بسببين: أولهما، كما سبق مناقشته أعلاه، كان ذلك يرجع لكون المرأة في الدول العلمانية الغربية عاجزة ومحرومة من العديد من الحقوق الأساسية عند الزواج، فضلا عن خضوعها لأي من نزوات زوجها مع القليل جدا من حق الانتصاف إذا ما واجهت الظلم الواقع عليها، ونتيجة لذلك استخدم العديد من الأزواج مركزهم كرئيس للأسرة لاستغلال زوجاتهم وإساءة معاملتهن، مع العلم بأنه لن تكون هناك أية تداعيات قانونية. ثانيهما، لأن تلك الحركات النسوية تنظر إلى التنظيم التقليدي للأدوار داخل الوحدة الأسرية من منظور التسلسل الهرمي، حيث ينظر إلى الرجل على أنه متفوق على المرأة بسبب كونه رباً للوحدة الأسرية. ونتيجة لذلك، اعتُبر الدور التقليدي للمرأة كربة بيت وراعية للأطفال مهينا وأقل من دور الرجل المعيشي التقليدي للأسرة. وكان هذا الرأي هو النتيجة الطبيعية لكون الرجال يعتبرون متفوقين على النساء في المجتمعات العلمانية تاريخيا. إضافة إلى ذلك، يصنف الرجال والنساء في أدوار مختلفة استنادا إلى وجهة نظر خاطئة نحو طبيعة الجنسين. فالرجال على سبيل المثال ينظر إليهم على أنهم يتمتعون بالقدرة على الاستدلال والعمل والقوه الفكرية والاستقلال في فكرهم، ومن ثم فإنهم مجهزون للعمل في الحياة العامة وليكونوا رب الأسرة. وفي الوقت نفسه، ينظر إلى المرأة على أنها عاطفية وغير عقلانية وسلبية، ولها صفات الخضوع والتبعية، وبالتالي فهي مقتصرة على المجال الخاص. حتى إن ما يسمى بـ"المفكرين المستنيرين" من العلمانية الغربية مثل فولتير، روسو، ديدروت، ومونتيسكيو وجدوا أنه من المستحيل أن نفهم أن المرأة كان لها نفس القيمة والفكر مثل الرجل. ووصفوا المرأة بأنها غير قادرة بحكم طبيعتها على تطوير كلية والتفكير والاستدلال الكاملة، وصورتها على أنها مخلوقات عاطفية وبالتالي غير ملائمة للمجال العام. ومن ثم، فإن الحركة النسوية هاجمت الهيكل الأسري التقليدي، بحجة أنه يروج للفكرة القائلة بأن المرأة ضعيفة وأقل وأدنى شأناً، وأنه لا ينبغي لها أن تقبل علاقة يكون فيها التسلسل الهرمي للسلطة غير متكافئ.

وضمن الأمة الإسلامية، بدأ الأشخاص المتأثرون بأفكار الحركة النسوية يعتقدون أن تنظيم الإسلام وتفريقه بين أدوار الجنسين وحقوقهم في إطار الزواج والحياة الأسرية كان غير عادل وأمراً مهيناً للمرأة. فقد هاجموا مفهوم القوامة الذكورية في الإسلام وواجب الزوجة في طاعة الزوج. ودعوا أيضاً إلى صياغة الواجبات والحقوق في الزيجات الإسلامية على أساس المساواة بين الجنسين - وعلى سبيل المثال أن يتقاسم الرجال والنساء مسؤوليات كسب المال من أجل الأسرة وتربية الأطفال، وأن أحكام الميراث والطلاق يجب أن تكون هي نفسها للجنسين.

لكنهم فشلوا في تقدير أن الإسلام، بخلاف الدول الغربية العلمانية، ينظر إلى الرجال والنساء على الدوام حسب قيمهم ومكانتهم وفكرهم، وأنهم يستحقون نفس الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [النحل: 72]. وقال رسول ﷺ: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ مَا أَكْرَمَهُنَّ إِلَّا كَرِيمٌ وَمَا أَهَانَهُنَّ إِلَّا لَئِيمٌ».

وبالتالي، فإن وصف الإسلام للرجل بأنه رب الأسرة لا يستند إلى مفهوم تفوق الذكور وهيمنتهم، بل إلى مفهوم القوامة والمسؤولية الثقيلة في العناية بزوجته وأسرته وحمايتهم وإعالتهم. وعلاوة على ذلك، فإن تفريق الإسلام في الأدوار والواجبات والحقوق المختلفة للرجل والمرأة في الزواج والحياة الأسرية لا يستند إلى أي نوع من التسلسل الهرمي للجنسين بل إلى ما هو مطلوب للتنظيم الفعال للوحدة الأسرية بحيث تحقق وتلبي احتياجات جميع أفراد الأسرة على نحو فعال وتحقيق الانسجام في الحياة الأسرية. كما أن الإسلام لا يحدد دورا فوق الآخر بل ينظر إلى جميع الواجبات المحددة على أنها مكملة لبعضها البعض وضرورية للنجاح في عمل وحدة الأسرة. إضافة إلى ذلك، فإن المسؤوليات المحددة التي تقع على عاتق الرجل لا ترتبط بالنجاح والمكانة الأكبر من تلك التي تحدد للمرأة؛ بل إن النجاح والمكانة في هذه الدنيا وفي الآخرة يقاس وفقا للجهد المبذول في أداء الواجبات التي يأمر بها الله سبحانه وتعالى. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾.

سيواصل الجزء الثالث من هذه المقالة مناقشة كيفية تطوير الحركة النسوية لازدرائها للزواج والأمومة ووحدة الأسرة التقليدية. وستتناول كيف ترى الحركة النسوية أن الاعتماد الاقتصادي على الزوج لا يتلاءم مع تحرير المرأة، فضلا عن اعتقادها بأن الأدوار المنزلية والأمومة هي مضيعة لمواهب المرأة، مما دفعها إلى محاولة تفكيك هيكل الأسرة التقليدية.

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الدكتورة نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

Go to the top of the page
 
+Quote Post



Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 19th June 2025 - 10:06 AM