منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

> كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:50 AM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238



بسم الله الرحمن الرحيم




كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة



الجزء الأول



النسوية: ذِئْبٌ في ثَوْبِ حَمَل


(مترجم)



منذ خمسين عامًا، زعمت النائبة النسوية الأمريكية بيتي فريدان، والتي يُنسب إليها الفضل كإحدى مؤسسات الحركة النسوية المعاصرة، في كتابها المعروف "The Feminine Mystique" أن ربات البيوت الأمريكيات إن بدأن حياتهن المهنية، فسيكنَّ أكثر سعادة وصحة، سيتمتعن بزيجات أفضل وأطفالهن سيحققون النجاح. أفادت الرسالة الضمنية، التي رددتها أصوات العديد من النسويات على مر السنين، بأن الوظيفة لا الأمومة هي ما يمكن أن تقدم للمرأة إنجازات ذاتية وقيمة ونجاحا في الحياة. وعلى كل حال، ليس بالإمكان أن يكون وصف أبعد من هذا الوصف لحقيقة الواقع.



على مدى العقود القليلة الماضية، أصبح من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن مفاهيم "النسوية"، ولا سيما "المساواة بين الجنسين" الذي يسعى إلى تحقيق المساواة في الحقوق والأدوار والمسؤوليات بين الرجال والنساء في الحياة الأسرية والمجتمع، قد شكل واحدا من أكثر القوى تدميرا للزواج والأمومة ووحدة الأسرة. وكان انتشارها مغلفا برداء زائف من الدعوة إلى الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية للمرأة في الدول التي حُرمت فيها المرأة من ذلك. وبالتالي، فإن أولئك الذين عارضوا هذا التعريف الجديد لأدوار الجنسين في الحياة الأسرية قد وُسِموا بالرجعية، وبأنهم أصحاب فكر عفا عليه الزمن، فضلا عن أنهم يقفون إلى جانب ظلم وقمع المرأة. انتشرت فكرة المساواة بين الجنسين والأفكار النسوية الأخرى تحت ستار المصطلحات المغلفة بالسكر مثل "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"المساواة بين الجنسين" لإغراء النساء والعامة من الناس ليؤيدوا دعوتهم. ومع ذلك، كان هذا كله خدعة، ذلك أن هذه التجربة الخطيرة في الهندسة الاجتماعية أسفرت عن نتائج كارثية وبؤس لا يوصف للنساء وأطفالهن، وبنية الأسرة بشكل عام وكذلك المجتمع بأسره.



ويرجع ذلك إلى أن هذه الفلسفة المتآكلة مجتمعيا للنسوية، دفعت النساء إلى تحديد استحقاقاتهن وواجباتهن بأنفسهن وفقاً لرغباتهن الفردية لا بناء على ما هو الأفضل للنساء والرجال والأطفال والمجتمع على حد سواء. إن نهجها المتمركز حول المرأة في تنظيم الحياة الأسرية وتوقعاتها المرتكزة على النوع الاجتماعي لحل المشاكل في المجتمع، كل ذلك تسبب في إحداث الارتباك وإشاعة الخلاف في الحياة الزوجية والمسؤوليات الأبوية، كما أدى إلى إهمال حقوق الأطفال ورفاههم، وساهم في التقليل من قيمة الأمومة واضطر المرأة للتخلي عن دورها كأم وربة بيت. كما أنه أدى إلى تآكل مسؤولية الرجال عن أسرهم، وأثقل كاهل المرأة بمهام الرجل في الحياة الأسرية بما في ذلك كونها عاملة أجيرة تُمارس عليها ضغوطا لا توصف. كل هذا خلق وضعاً بعيداً عن ساحة ذهبية لحياة أكثر سعادة، وزواج أفضل وتحرير من الاضطهاد، ذلك الذي وعدت به بيتي فريدان والعديد من النسويات الأخريات بتوفير المساواة بين الجنسين في وحدة الأسرة. كتبت دايل أوليري، وهي صحفية ومحاضرة أمريكية، وإحدى معارضات الفلسفة النسوية، في كتابها "الأجندة الجنسانية: إعادة تعريف المساواة": "ادعت النسويات تعزيز تقدم المرأة، لكن بدا لي أن لدى النسويات فكرة مشوهة للغاية عن معنى أن تكون امرأة، وفكرة أكثر غرابة عما يشكل تقدمًا."



عرضت العديد من النسويات الأمومة ووحدة الأسرة التقليدية المكونة من الرجل بصفته رب الأسرة ومورد رزقها، والمرأة بصفتها ربة البيت والراعية الأساسية للأطفال باعتبار ذلك كله انتهاكًا للمساواة بين الجنسين ومصدرًا رئيسيًا لقمع المرأة. ومن ثم، فقد سعوا إلى تفكيك هذا الهيكل العائلي التقليدي، بحيث يتم تقاسم رعاية الأطفال والمهام المنزلية والأجور على قدم المساواة بين الزوج والزوجة. بل وصل الأمر إلى حد دعوة بعض النسويات إلى عائلة خالية من النوع الاجتماعي (الجندر). على سبيل المثال، علقت الكاتبة والمؤلفة النسوية الليبرالية سوزان مولر أوكين، من القرن العشرين: "إن المستقبل العادل سيكون دون جندر". في الواقع، في بعض الدول الغربية اليوم، الأفكار أو الصور التي تقدم الأدوار التقليدية للرجال والنساء في الحياة الأسرية ممنوعة في الإعلانات أو المواد التعليمية.



لم تنتشر الأفكار والفلسفة النسوية الضارة والخطيرة في جميع أنحاء الدول الغربية فحسب، لتزرع الفوضى في الحياة الأسرية والنسيج الاجتماعي لتلك المجتمعات فحسب، ولكنها أثرت أيضًا على بقية العالم، بما في ذلك البلاد الإسلامية نتيجة للسياسات الاستعمارية، بالإضافة إلى حكم الأنظمة والحكومات العلمانية التي حكمت العالم الإسلامي بعد هدم الخلافة في عام 1924م. فرضت هذه الأنظمة والقيادات العلمانية على شعوبها وجهة النظر والمثل العليا الغربية، بما في ذلك وجهة نظر النسوية، وذلك عبر الدساتير، والقوانين والإعلام والنظم والمبادرات التعليمية، فعلى سبيل المثال نص قانون الأحوال الشخصية التونسي بالإضافة إلى دستورها الجديد على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في المجتمع. كما أنهم سمحوا للحركات النسوية القائمة على حقوق المرأة بالعمل بحرية لتزدهر داخل المجتمع، وتنشر أفكارها الفاسدة في الأمة الإسلامية، بما في ذلك تغيير وجه "الأسرة المسلمة".



إلى جانب ذلك، تبنت هذه الأنظمة العلمانية المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تروج بقوة للمساواة بين الجنسين في قوانين وسياسات الدول. على سبيل المثال، قبلت حكومات كثيرة في العالم الإسلامي إعلان ومنهاج عمل بيجين، وهو جزء من إعلان ذي تأثير لالتزام عالمي بالمساواة بين الجنسين، تم تبنيه في المؤتمر العالمي الرابع للأمم المتحدة حول المرأة عام 1995. وكان لهذا المنهاج، الذي شكل الأساس للعديد من الاتفاقيات الدولية اللاحقة والعديد من القوانين الوطنية المتعلقة بحقوق المرأة، هدف واضح يتمثل في إصلاح هيكل وحدة الأسرة على أساس خطوط المساواة بين الجنسين. وعلى سبيل المثال، جاء نص منهاج عمل بيجين 245 (أ): "تشجيع التقاسم المنصف للمسؤوليات الأسرية عن طريق حملات لوسائط اﻹعلام تركز على المساواة بين الجنسين وأدوار الجنسين التي ﻻ تقوم على القوالب النمطية داخل الأسرة وتنشر معلومات تستهدف القضاء على إيذاء الزوجة والأطفال وجميع أشكال العنف ضد المرأة بما فيها العنف الأسري"؛ كما تدعو المادة 179‏ (د) الحكومات على وجه التحديد إلى "وضع سياسات في مجال التعليم تتناول، في جملة أمور، تغيير الاتجاهات التي تعزز تقسيم العمل على أساس نوع الجنس، بغية تعزيز مفهوم تقاسم المسؤوليات الأسرية في العمل وفي المنزل، ﻻ سيما فيما يتعلق برعاية الأطفال وكبار السن؛" كما نصت المادة 276 (د) على ما يلي: "اتخاذ الخطوات الكفيلة بألا تتخذ التقاليد والأديان ومظاهر ممارستها أساساً للتمييز ضد البنات." مع الملاحظة بأنه وفقاً للمساواة بين الجنسين، فإن "التمييز" هو أي معتقد أو ممارسة تتعارض مع مساواة الأدوار والمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء، بما في ذلك في الحياة الأسرية.



وكنتيجة لذلك كله، تبنّى الكثيرون في الأمة الإسلامية فكرة المساواة بين الجنسين والأفكار الأخرى للنسوية، معتقدين بأنها ستؤدي إلى احترام وتقدم المرأة وكذلك نهضة البلاد الإسلامية - سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ومع ذلك، فقد فشلوا في إدراك أن مفاهيم الحركة النسوية، بما في ذلك فكرة المساواة بين الجنسين، التي تدعو إلى فكرة أن تكون المرأة هي من تحدد حقوقها وأدوارها في الحياة، تتناقض بشكل أساسي مع العقيدة الإسلامية؛ لأنه في الإسلام، لا يحدد الرجال والنساء حقوقهم وأدوارهم وواجباتهم على أساس المساواة أو رغباتهم الشخصية وإنما على أساس أوامر الله سبحانه وتعالى وحده. علاوة على ذلك، فإن المرأة المسلمة لا تُقيم نجاحها من خلال مقارنة نفسها بالرجل وحقوقه ومسؤولياته، وإنما بناء على قدرها عند خالقها ووفقًا لأدائها للواجبات التي أمرها بها الله تعالى. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا﴾ (الأحزاب: 36)



لقد فشل هؤلاء المسلمون الذين اعتنقوا أفكار الحركة النسوية في إدراك أن هذه المفاهيم قد ولدت من التجارب التاريخية للظلم والقهر وغياب الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية الأساسية التي عانت منها النساء في الدول الغربية بسبب العيش في ظل نظام علماني وضعه البشر - وهذا تاريخ وتلك ممارسات لا يشترك فيها الإسلام. كما أنهم فشلوا في إدراك أن ازدراء الحركة النسوية للزواج والأمومة والأدوار التقليدية للرجال والنساء في الحياة الأسرية نشأ بسبب النظرة الخاطئة للنسويات فيما يتعلق بما تمثله هذه الأدوار للمرأة وما الذي سيحررها من الاضطهاد ويرفع من مكانتها في المجتمع. وأخيرًا، فشلوا في أن يفهموا حقاً حجم الدمار الذي تسببه المساواة بين الجنسين والمثل النسوية الأخرى لهيكل الأسرة، وللنساء والأطفال والمجتمع بأسره.



يشرح الجزء الثاني والثالث من هذه المقالة كيف نشأ الهجوم النسوي على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة التقليدية.



كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. نسرين نواز

مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post
 
Start new topic
الردود
أم المعتصم
المشاركة Oct 11 2018, 08:57 AM
مشاركة #2


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: المشرفين
المشاركات: 4,804
التسجيل: 19-January 15
رقم العضوية: 2,238



كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة

الجزء الرابع والأخير

الأثر المدمر للحركات النسوية والمساواة بين الجنسين على الزواج والأمومة والحياة الأسرية
(مترجم)


سوف يعالج الجزء الأخير من هذه السلسلة من المقالات "كيف دمرت الحركات النسوية الأسرة" التأثير الضار بشكل كبير الذي تسببه الحركات النسوية، ولا سيما المساواة بين الجنسين، على الزواج، والأمومة، والحياة الأسرية، وكذلك على حياة النساء والرجال والأطفال والمجتمع بشكل عام.

الحد من معدلات الزواج وزيادة العلاقات خارج رباط الزوجية:

لقد خلقت الحركات النسوية نفورا من الزواج بين كثير من النساء بسبب اعتبارها هيكلا قمعيا وأبويا كان أكثر فائدة للرجل من المرأة من حيث كونها زوجة، ستكون في عبودية وتُستعبد من قبل زوجها. كما أدت إلى أن كثيرا من النساء ينظرن إلى وضع الزوجة والأم كدور من الدرجة الثانية، أقل شأنا من السعي في الحصول على وظيفة والعمل. وإلى جانب ذلك، أوجدت الفلسفة النسوية شكوكا تجاه الرجال والخوف من أن يعاملوهن معاملة غير عادلة فيما يتعلق بحقوقهن عند الزواج. وأدى ذلك كله إلى تأخير عدد كبير من النساء أو رفضهن الزواج أو الأمومة، ومن ثم انخفاض معدلات الزواج والولادة في صفوف السكان، مما تسبب في مشاكل اجتماعية وديموغرافية لمختلف الدول، بما في ذلك خلق "فجوة بين الأطفال" وانخفاض عدد الأفراد لرعاية السكان المسنين. في مصر، على سبيل المثال، انخفض معدل الزواج بنسبه 70% بين 2004 عامي و2016 (الوكالة المركزية للتعبئة العامة والإحصاءات في مصر)؛ وفي فلسطين، انخفض معدل الزواج إلى ما نسبته 8% فقط بين عامي 2015 و2016 (بيانات رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي)؛ وبين 1965 و2013، انخفض معدل الزواج الأولي في بلدان الاتحاد الأوروبي الـ 28 بنسبة قريبة من 50% من حيث القيمة النسبية (يوروستات).

كما أن النفور من الزواج، إلى جانب تعزيز الحركة النسائية للحرية الشخصية والجنسية للمرأة، قد أدى إلى الرفض الكبير للزيادة في العلاقات خارج نطاق الزواج وارتفاع عدد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، فضلا عن زيادة حالات الإجهاض داخل الدول. كما فضلت العديد من النساء البقاء "حرة ووحيدة" والسعي إلى إقامة علاقات مختلفة بدلا من الالتزام بالزواج. كما أدت الدعوة إلى التحرر الجنسي للمرأة لمضاهاة الحريات الجنسية للذكور إلى ارتفاع في الزنا، الذي كان عاملا سببيا رئيسيا في انتشار الزيجات المحطمة والمنازل المدمرة التي ابتليت بها دول عديدة، وترعرع عدد لا يحصى من الأطفال في عائلات وحيدة الوالد (أب عازب أو أم عزباء). وكل هذا، بعيدا عن التحرر للنساء، تركن وأطفالهن يعانون من اضطرابات عاطفية هائلة، هذا إلى جانب التسبب في عدد كبير من المشاكل الأسرية والمجتمعية.

الشقاق والتنازع في الزواج:

كما أدت أفكار الحركة النسوية، ولا سيما المساواة بين الجنسين، إلى الارتباك والشقاق فيما يتعلق بالمسؤوليات الزوجية والأبوية. وأدى تآكل الأدوار والواجبات المحددة بوضوح في إطار الزواج بالنسبة للرجل والمرأة فيما يتعلق بتوفير الأسرة والأعمال المنزلية ورعاية الأطفال إلى نزاعات متكررة داخل العديد من وحدة الأسر. وعلاوة على ذلك، فإن الرجل الذي أقيل من منصبه كرئيس للأسرة بسبب "مساواة الجنسين" في إطار الهيكل الأسري، ولم يكن هناك طريقة منظمة لحل هذه الخلافات.

ولذلك أصبح الزواج مؤسسة تهيمن عليها المنافسة بين الجنسين على الأدوار والواجبات بدلا من الاتحاد المنسجم الذي يشكل على الزوج والزوجة وفاء بالتزاماتهما الزوجية والعائلية المحددة والتكميلية. كما أنها أصبحت ساحة معركة على الخيارات الشخصية والحقوق بدلا من رباط الرفقة الذي يحدده الحب والرحمة ومسؤوليات الزوجين تجاه بعضهما بعضاً. كما أن الحركات النسوية جعلت المرأة تعتقد أن بإمكانها الاضطلاع بأدوار الزوج والأب، وبالتالي فإنها "لا تحتاج إلى رجل" في البيت. وقد أخذ ذلك بالكثير من النساء اللاتي واجهن مشاكل زوجية لحل الصعوبات والتحديات في زواجهن، مفضلات بدلا من ذلك التحول بسرعة أكبر إلى خيار الطلاق. وعلاوة على ذلك، فإن الكثير من الرجال والنساء الذين يعملون في كثير من الأحيان لفترات طويلة وشاقة، كان هناك قدر أقل من الوقت والطاقة المنفقة على إنجاح الزواج، مما أدى إلى إضعاف رباط الزوجية. فعلى سبيل المثال، في دراسة استقصائية لمركز بيو للأبحاث بشأن أمريكا نشرت في 2013، قال نصف البالغين الذين شملهم الاستقصاء أن الأعداد المتزايدة من النساء العاملات جعلت من الصعب إنجاح الزواج.

وهذا الشقاق الزوجي يزيد أيضا من العنف في إطار الزواج، ويقوض الانسجام في الحياة الأسرية، ويؤدي إلى ارتفاع في الطلاق. وعلى سبيل المثال، ارتفع معدل الطلاق في مصر من 7% إلى 40% خلال السنوات الخمسين الماضية (الأمم المتحدة والوكالة المركزية للتعبئة العامة)؛ وفي لبنان، زادت بنسبه 55% بين عامي 2000 و2013 (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة)؛ وفي تركيا زادت الصدمة بنسبة 82% بين عامي 2006 و2016 (المديرية العامة للسجلات والإحصاءات الجنائية).

الضغط على المرأة في العمل:

وقد أدت رواية الحركات النسوية للمساواة بين الجنسين إلى أن تكون أدوار الرجل والمرأة في الحياة متماثلة، وأن تكون قيمة المرأة في العمل والاستقلال المالي عن الرجل، قد خلقت مجتمعات لم يعد أمام المرأة فيها خيار إلا العمل، ولكن من المتوقع أن تعود للضغوط الاجتماعية أو الاقتصادية. وهذا هو الحال حتى وإن كانت الأمهات العازبات يتحملن وحدهن المسؤولية عن رعاية أطفالهن وتنشئتهم. وقد تفاقمت هذه الحالة بفعل النظم الرأسمالية والاشتراكية داخل الدول التي تعتبر المرأة أداة لتوليد المزيد من الثروة للأمة. ولذلك، كثيرا ما تجبر النساء على تبني دور الرجل كمعيل لأسرهن، ويصبحن عبيدا للسوق، حتى ولو كن يرغبن في البقاء في المنزل والاعتناء بأطفالهن. ويبلغ معدل توظيف الأمهات المتزوجات في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، نحو 65%، وتشكل النساء ما يقرب من نصف (47%) القوة العاملة الأمريكية (إحصاءات مركز بيو للأبحاث عام 2011).

وفي 2013، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالا بعنوان "ارتفاع نسبة الأمهات المعيلات هو أقل مكسب للمساواة مما يبدو عليه". واستشهدت اللجنة بإحصاءات مستمدة من تقرير لمركز بيو للأبحاث يفيد بأنه في 40% من جميع الأسر المعيشية الأمريكية التي لديها أطفال، فإن الأمهات هن المعيلات الوحيدات أو الرئيسيات. وكانت حصة 11% فقط في 1960. ووصفت هذه المادة كيف أن الغالبية 40% - أي ثلثيهم - أمهات عازبات، والعديد منهم كانوا يكافحون مهمة الأعباء المنزلية ومسؤوليات رعاية الطفل، مثل إعداد الوجبات العائلية أو الحصول على وقت للعب مع الأطفال، مع العمل الطويل ساعات. وذكر أنه "بالنسبة للأمهات العازبات، على وجه الخصوص، فإن واقع وضع المعيل الرئيسي لا يشعر بأنه انتصار نسوي أقل من مجرد كونه مثقلا بالأعباء ومدعوما بالدعم وموصوما بصورة واسعة". الكاتبة الإنجليزية والنسوية فاي ويلدون اعترفت أيضا بأن الحركة النسائية قد أضرت النساء لأن البعض يعانون بسبب الاضطرار إلى العمل الآن عندما لا يريدون، وكونها الأم الآن من الصعب بسبب هذا الضغط الهائل. وذكرت "أن الحركة النسائية جعلتنا جميعا نخرج إلى العمل وجعلتنا نكسب رزقنا لنحصل على لقمة العيش، ولم يعد أجر الرجل، بسبب الحركات النسوية قادراً على إعالة الأسرة، ولذلك يتعين على المرأة أن تعمل وهو أمر متعب للغاية".

كما أن الدفاع عن المساواة بين الجنسين والمحافظة عليها داخل المجتمعات، وتكافؤ نجاح المرأة في العمل أديا أيضا إلى تأخير الكثير من النساء أو تجنبهن إنجاب أطفال من أجل السعي إلى الحصول على مهنة ناجحة، أو حتى الاحتفاظ بوظيفة. وهناك الآن عدد كبير من النساء أكثر من أي وقت مضى، وخاصة في الغرب، حيث يواجهن ويعانين من حالات الحمل عالية الخطر بإنجاب طفلهن الأول في سن الأربعين أو بعد ذلك خوفا من مواجهة "عقوبة الخصوبة" - أي انخفاض في دخلهن أو فقدان حياتهن المهنية لأخذ وقت لديهم لتربية الأطفال. وبالنسبة لكثير من النساء، فإن تأخير إنجاب الأطفال إلى مثل هذا العمر المتأخر يعني في كثير من الأحيان خسارة في الأطفال بسبب انخفاض معدلات الخصوبة، وزيادة حالات الإجهاض أو المضاعفات المتصلة بالحمل. وقد تسبب كل هذا في الكثير من الحزن للنساء فضلا عن المساهمة في الأزمة السكانية "فجوة الأطفال" في العديد من البلدان الأوروبية بسبب انخفاض معدل المواليد.

ولذلك قامت الحركات النسوية والمساواة بين الجنسين بخيانة العديد من النساء بحرمانهن من الأمومة، والأمم من جيل المستقبل القوي والمكتظ بالسكان! وتجاهل تعريفها لتمكين المرأة باعتباره استقلالا اقتصاديا ودعوتها إلى "التمثيل المتساوي للمرأة في قوى العمل" بتجاهل حقيقة حياة المرأة التي تشمل الحمل والولادة والتمريض وغير ذلك من المسؤوليات العامة للأمومة التي تؤثر على مشاركة المرأة في مكان العمل.

وعلاوة على ذلك، فإن الفكرة القائلة إن العمالة ستجلب للمرأة مكانة أعلى في المجتمع والأمن الاقتصادي كانت وهماً، لأن العديد من النساء دخلن إلى وظائف منخفضة الأجر وذات نوعية رديئة، وغالبا ما تكون وظائف استغلالية - وهو وضع لا يزال مستمراً حتى اليوم. وبالإضافة إلى ذلك، كثيرا ما تتآكل نسبة كبيرة من راتب الأم العاملة بسبب ارتفاع تكاليف رعاية الأطفال. ومن هنا كانت الوعود التي أعلنتها سياسات المساواة بين الجنسين التي ضحت النساء بها بالأمومة والوقت الثمين مع أطفالهن، إيمانا منهن أن هذا من شأنه أن يرفع من مكانتهن، حتى إنه لم يحقق أي تقدم في المجال الاقتصادي لحياتهن. لم تكن أعداد كبيرة من النساء أكثر رخاء أو أفضل حالا، بل كانوا يعملون ببساطة على أن يدفعوا للآخرين لرعاية أطفالهم وتربيتهم من أجل تغذية الاقتصاد ودعمه.

وفيما يتعلق بذلك، من المهم أن نفهم أن حملة الدول لدفع النساء إلى الخروج من بيوتهن وإلى مكان العمل لم تكن لها أصلها في "تحرير المرأة" أو في تحسين نوعية حياتهن أو حتى مستوى معيشتهن. بل كان هدف الحكومات الرأسمالية الغربية، التي ولدت من تأمين المكاسب الاقتصادية للبلاد. وهذا البرنامج الرأسمالي المتمثل في السعي إلى زيادة عمالة النساء، من أجل المصالح المالية بدلا من تحسين أوضاع النساء، يتجسد في كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون التي ذكرت في كلمة ألقتها في مؤتمر في بيرو في عام 2012 بعنوان "السلطة: المرأة بوصفها محركا للنمو والدمج الاجتماعي" أن "القيود المفروضة على المشاركة الاقتصادية للمرأة تكلفنا كميات هائلة من النمو الاقتصادي والدخل في كل منطقة من مناطق العالم. ففي منطقة آسيا والمحيط الهادئ على سبيل المثال، فإنها تزيد عن 40 مليار دولار سنويا في الناتج المحلي الإجمالي كل عام". ولذلك، فإن "النظام الرأسمالي" يستغل لغة الحركة النسوية والمساواة، ويروج لروايات مثل "تمكين المرأة من خلال العمل"، لتحقيق منفعة مالية محضة. ولم يكن هذا السرد سوى أكاذيب من الرأسمالية والنسوية التي خدعت المرأة بالأمومة، وسلبت الأطفال حقوقهم، وتحملت ثمنا باهظا على رفاهية المرأة والمجتمع بصفة عامة. إنها علامة أيديولوجية تضع بانتظام وباستمرار خلق الثروة فوق الاحتياجات والقيم الإنسانية المهمة الأخرى.

إهمال حقوق الأطفال:

أدت الحملة النسوية لدفع الأمهات إلى أماكن العمل باسم المساواة بين الجنسين وإلى إقصاء النساء عن أداء دورهن الحيوي كأمهات وتجاهل احتياجات أطفالهن، مما أدى إلى إهمال حقوقهم. فمع كون كلا الوالدان يذهبان للعمل، فقد أثر ذلك على قدرة العديد منهم لتربية الأطفال بشكل فعال مع عواقب العمل التي لا مفر منها. في الواقع، وفي الاستطلاع نفسه الذي ذكر سابقاً استطلاع 2013 لمركز بيو للأبحاث في أمريكا، فقد قال ما يقرب من ثلاثة أرباع البالغين إن الأعداد المتزايدة من النساء العاملات جعلت من الصعب على الأهل تربية الأطفال، بينما ذكر أكثر من نصف المنتسبين للاستطلاع أن الأطفال أفضل - مع الأمهات اللواتي لا يشغلن وظائف ويكونون في المنزل طوال الوقت.

حتى إن مارثا ألبيرتسون فينمان - الفيلسوفة السياسية الأمريكية، وأستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة إيموري في أمريكا وواحدة من أكثر الشخصيات المؤثرة في النظرية القانونية النسوية - تصف الليبرالية النسوية التي عملت على مساواة الأم مع الأب، وفضلت استخدام مصطلح "الوالدين" كأمومة "معدلة"، وكانت النتيجة إنشاء الأسرة ذات الوالدين، وهي "مؤسسة مع احتمالية عدم وجود راعٍ لها". تقول بريندا ألموند، أستاذة الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية في جامعة هال في بريطانيا، ومؤلفة كتاب "الأسرة المفتتة"، إنه بالنسبة لغالبية الأمهات العاملات، يتعين عليهن قبول "حتمية غياب كلا الوالدين من المنزل طوال يوم العمل، وعدم القدرة المالية على توفير بديل في المنزل. إن الحركة النسوية في كل من أمريكا وأوروبا قد أساءت إلى الغالبية العظمى من نساء الطبقة العاملة في عدم تقدير هذه الحقيقة أو تسجيل تداعياتها".

في بريطانيا، حوالي ثلاثة أرباع الأمهات اللواتي لديهن أطفال يحتاجون للإعالة (4.9 مليون أم) يذهبن إلى العمل. يعكس هذا الرقم ارتفاعًا بمقدار مليون مرة على مدار العقدين الماضيين (مكتب الإحصائيات القومية لعام 2017 "ONS") ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحكومات البريطانية المتعاقبة - العمال والمحافظون على حد سواء - والتي تشجع بشدة النساء اللواتي لديهن أطفال صغار إلى العودة إلى سوق الوظائف، بمساعدة إعطائهن ٣٠ ﺳﺎﻋﺔ حرة في اﻷﺳﺒﻮع لرﻋﺎﻳـﺔ اﻷﻃﻔـﺎل. حتى إن ثلثي النساء اللواتي لديهن أطفال في سن الثالثة أو الرابعة يذهبن للعمل (ONS). ووفقاً لمكتب الإحصاءات الوطني، فإن ما يقرب من 70٪ من الأمهات العازبات يعملن أيضاً، وما يقرب من نصف الأمهات العازبات اللاتي لديهن طفل دون الثالثة من العمر يعملن أيضاً. في أمريكا، ما يقرب من 70٪ من الأمهات اللاتي لديهن أطفال دون سن السادسة هن في مجال العمل (المكتب المرجعي للسكان).

وعلاوة على ذلك، في العديد من البلدان، تُجبر النساء بسبب المال للسفر إلى الخارج للعمل، تاركين أطفالهن وراءهن. على سبيل المثال، في عام 2016، أصدرت اللجنة الإندونيسية لحماية الطفل (2016) بيانات كشفت عن أن ملايين الأطفال الدارجين تركوا في إندونيسيا من قبل الأمهات العاملات في الخارج. هناك 11.2 مليون طفل إندونيسي اليوم محرومون من رعاية أمهاتهم بسبب عملهن في الخارج، في حين أظهرت بيانات اليونيسف لعام 2008 أن حوالي 6 ملايين طفل في الفلبين قد تم التخلي عنهم بسبب كون أمهاتهم قد هاجرن للعمل. وقد أدى كل ذلك إلى شعور العديد من النساء بذنب كبير وبالقلق بسبب عدم وجود وقت يقضينهن مع أطفالهن - وهو ثمن باهظ يجب عليهن دفعه مقابل "التجربة الرأسمالية للمساواة بين الجنسين". ومرة أخرى، فهذا أبعد ما يكون عن تجربة تحرر أو علامة تقدم للنساء!

كما أن هذا الوقت القصير الذي تقضيه الأمهات العاملات في رعاية أبنائهن يصفه الكثيرون بأنه أحد الأسباب التي تؤدي لهذه المستويات المرتفعة من السلوك الإجرامي والمعادي للمجتمع من قبل طبقة الشباب، حيث تعاني العديد من المجتمعات اليوم من هذه المشكلة، وكذلك يؤثر على الصحة العقلية والأداء التعليمي للأطفال. في عام 2011، نشرت اليونيسف تقريراً حذرت فيه من أن الآباء البريطانيين كانوا يحتجزون أطفالهم في دائرةٍ من "الاستهلاك الإجباري" حيث يمطرون أطفالهم بالألعاب والملابس المصممة بدلاً من قضاء وقت ممتع معهم، وألقى التقرير باللوم على ذلك بسبب مساهمته في زيادة أعمال الشغب والنهب واسعة النطاق والتي سيطرت على بريطانيا في العام نفسه. وفي السويد أكثر من 90٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 شهراً إلى 5 سنوات يذهبون لمراكز الرعاية كالحضانات وغيرها. وقد تم التكريه بفكرة "البقاء في المنزل للأمهات"، بما في ذلك من خلال نظام ضريبي يعاقب النساء مالياً إذا رغبن في أن يكن مقدمات الرعاية الأولية والأساسية لأطفالهن. وقد تم اعتبار ذلك من الأسباب التي أدت إلى ارتفاع المشاكل النفسية والسلوكية والتعليمية بين الأطفال والشباب في السويد. إن المدارس السويدية من بين أعلى المدارس بالنسبة لمستويات التغيب عن المدرسة، والاضطرابات الدراسية، وأسوأ مشاكل الانضباط في أوروبا. ومرةً أخرى، فهذا بالكاد علامة على التقدم!

وبالتالي، فإن هذه السنوات من سياسات المساواة بين الجنسين من قبل هذه الحكومات من أجل "تحقيق المساواة" بين الرجال والنساء في القوى العاملة قد قوضت الأمومة وأجبرت الأمهات فعليًا على تسليم أطفالهن إلى مراكز الرعاية من أجل العمل، مما أدى إلى تربية الغرباء لأطفالهن، بدلاً من والديهم. وعلاوةً على ذلك، تدفع العديد من الأمهات تكاليف باهظةً وجزءًا كبيراً من رواتبهن لرعاية أطفالهن. وبالتالي فإنهن سيعملن بشكل مكثف من أجل تحمل تكاليف الدفع للآخرين لتربية أطفالهن، في كثير من الأحيان مقابل فائدة اقتصادية ضئيلة للغاية لأسرهم، ومع العلم أن أفضل مراكز الرعاية ستكون في المرتبة الثانية مقارنةً بالرعاية التي يحصل عليها الطفل من أمه في المنزل. من المفترض أن رؤية بريطانيا، "كوكب 50-50 بحلول عام 2030: تصعيد المساواة بين الجنسين"، والتي تطلب من الحكومات التمسك بالتزامات وطنية لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة، ستحقق أكثر من ذلك فيما يتعلق بإهمال الأطفال لحقوقهم، والحزن والألم بالنسبة للمرأة، والآثار الضارة على المجتمع.

حياة النساء أصبحت مجهدة:

إن المفهوم اللامنطقي للمساواة بين الجنسين في المساواة بين كائنين، بطبيعتهما مختلفين جسدياً، كما ويجبر النساء على تبني أدوار الرجال، قد أصبح هو بذاته نوعاً من الاضطهاد عليهن. ويرجع ذلك إلى أنه قد عمل على تجاهلها وتقويضها وتقليل قيمتها كونها الشخص الذي يتحمل مسؤولية الأطفال، وهي مقدمة الرعاية الأولية للأطفال، وكذلك المتحملة للمسؤولية الرئيسية عن الأعمال المنزلية. كما جعلها تضطر للنضال بين ضغوطات العمل ومسؤوليات الحياة المنزلية والأسرية مما أدى لارتفاع كبير في حالات الإجهاد والاضطرابات الاكتئابية لدى النساء. في دراسة أجريت في 30 دولة أوروبية، وتم نشرها عام 2011 من قبل الكلية الأوروبية لطب الأعصاب، وجد الباحثون أن الاكتئاب بين النساء في أوروبا قد تضاعف خلال الأربعين سنة الماضية بسبب "العبء الهائل" المتمثل في الاضطرار إلى التوفيق بين واجبات الأسرة ومطالب العمل. في عام 2009، ذكر المركز الوطني لمعلومات الخدمات الصحية في بريطانيا أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في عدد النساء اللواتي يتم معالجتهن من الإجهاد الشديد بسبب ضغوط الحفاظ على الوظيفة وتربية الأطفال ورعاية الوالدين المسنين. وفي عام 2015، أظهرت الأرقام الصادرة عن مسؤول الصحة والسلامة في بريطانيا أن النساء في منتصف العمر في بريطانيا أكثر عرضة بنسبة 70٪ تقريبًا للمعاناة من الإجهاد والقلق المتعلق بالعمل مقارنة بالرجال في العمر نفسه. وكشفت الدراسة أيضًا أن حالات الإجهاد والقلق المتعلقة بالعمل بين النساء في أواخر الثلاثينات وحتى الأربعينات قد ازدادت بنسبة الثلث تقريبًا في 4 سنوات. كما أن هذه المستويات المرتفعة من الإجهاد والقلق بين النساء العاملات تُعزى أيضاً إلى ضغوط ممارسة المهنة، والأطفال، وكثيراً ما يرعين والديهن المسنين. صرحت الدكتورة جوديث موهرينج، وهي طبيبة نفسية قيادية مقرها في العيادة البريطانية المعروفة لرعاية الدير في وسط لندن، أن الارتفاع الكبير في حالات الإجهاد في مكان العمل بين النساء في الثلاثينات والأربعينات يؤكد الضغط على ما يسمى بـ "افعلي كل ذلك".

لذلك فإن الدعوة إلى المساواة بين الجنسين قد مثلت شكلاً من أشكال الظلم، حيث تحول حلم "احصلي على كل شيء أيتها المرأة" إلى كابوس "افعلي كل شيء أيتها المرأة"، حيث عانت من ضغوطات كونها ربة المنزل وكونها المعيلة للمنزل مع العواقب التي لا مفر منها. فهذا أبعد ما يكون عن كونه جنة العدل والإنصاف للمرأة. كتب أحد الصحفيين، كارون كيمب، ذات مرة في مقال نشر في صحيفة الإندبندنت عن كيف أنه لا يمكن للأمهات العاملات الحصول على كل شيء، "للأسف هناك خيط شائع غير مريح يربط بين الأمهات جميعهن. يشعرن أنهن ممزقات، يعتقدن أنهن يخطئن بأمومتهن بطريقة أو بأخرى، ويشعرن وكأنهن يضررن بحياتهن المهنية أو أطفالهن أو شركائهن أو جميع ذلك".

تآكل مسؤولية الرجل عن الأسرة:

إن مساواة النسوية بين أدوار الجنسين وواجباتهم، ومحاولة إزاحة الرجال عن دورهم كرأس للأسرة وحامٍ لها، ودفعها النساء إلى تبني المسؤولية التقليدية للرجل كمعيل للأسرة، كل ذلك أدى إلى تآكل فهم الرجال لدورهم في العائلة. كما أصبحت رؤية المجتمع للأب وموقع الزوج وواجباته في وحدة الأسرة غير محددة، ومشوشة وغامضة. وعلاوة على ذلك، فإن فكرة النسوية المسمومة المتمثلة في أن المرأة ليست بحاجة فعلية إلى الرجال وبأنها تستطيع تلبية جميع احتياجات أطفالها وأسرتها دون الحاجة إلى زوج في حال لزم الأمر، عززت عقلية اللامبالاة عند كثير من الرجال فيما يتعلق بمسؤوليتهم تجاه أسرهم. ورأى كثيرون أن مساهمتهم في رعاية أطفالهم وأسرهم وحمايتهم وصيانتهم ماديا ليست بالأمر المهم، أو أنها ليست أمرا ضروريا، ذلك أن المرأة يمكنها فعل كل شيء. وهذا بالتالي قوّض إحساس الرجال بالمسؤولية بوصفهم الحامي للأسرة والمسؤول عن رعاية شؤونها، مما جعل الكثيرين يتخلون عن أطفالهم ويعفون أنفسهم من إعالة أسرهم. ونتيجة لذلك، تُركت العديد من النساء والأطفال دون أمن أو رعاية مادية؛ وتم التخلي عن الأمهات وتركهن ليدافعن عن أنفسهن، وكثيرا ما ناضلن من أجل الحفاظ على اكتفاء ذاتي مادي، في مجتمعات لم تقدم لهن فيها الدولة أي دعم اقتصادي يذكر. ولذلك تحولت أعداد كبيرة من النساء إلى وظائف استغلالية أو حتى التسول لتوفير قوتهن وقوت أطفالهن.

ولذلك فإنه لمن الغريب أن يُعتبر وصف الإسلام لأدوار الجندر في الحياة الأسرية ظلماً للمرأة، وأن يكون الرجل هو المعيل للعائلة كما أمر الإسلام تخلفا ونقيضا لتحرير المرأة، فيما يُسمى التخلي عنها تحت ستار "المساواة بين الجنسين" أمرا نزيها مثيرا للإعجاب. إنها وجهة نظر غير عقلانية تتجاهل الظلم الحقيقي الواقع على النساء والأطفال من خلال هذا النموذج النسوي.

الانتقاص من شأن الأمومة:

عملت النسوية والرأسمالية يدا بيد لتفكيك الأمومة بشكل منهجي. على سبيل المثال، كتبت نانسي شودورو، وهي عالمة اجتماع أمريكية نسوية، في كتابها المؤثر "إنجاب الأمومة"، "إذا كان هدفنا هو التغلب على التقسيم الجنسي للعمل في المرأة الأم، فنحن بحاجة إلى فهم الآليات التي تنتج ذلك في المقام الأول. يشير حسابي بدقة إلى المكان الذي يجب أن يحدث فيه التدخل. يجب أن تراعي أية استراتيجية للتغيير هدفها التحرر من قيود التنظيم الاجتماعي غير المتكافئ للجنس الحاجة إلى إعادة تنظيم جوهري فيما يتعلق برعاية الأطفال، بحيث يتم تقاسم هذه الرعاية بين الرجال والنساء".

إن الترويج النسوي لفكرة أن واجبات النساء المنزلية وتربيتهن لأطفالهن إهدار لمواهبهن وأن ذلك كله يصرف النساء عن تحقيق ذواتهن الحقيقية داخل المجتمع وتطلعاتهن الحقيقية في الحياة، وادعاء النسوية كذلك بأن الأمومة وحدها لا يمكنها أن تشعر المرأة بتحقيق الذات وأن تحقيق الاحترام الكامل لا يتوافق والتفرغ للمسؤوليات المنزلية وتربية الأطفال، كل ذلك أدى إلى انتقاص من قيمة الأمومة. بالإضافة إلى ذلك، فإن النظرة النسوية التي تفيد بأن التوظيف والعمل الوظيفي هو ما أعطى المرأة القيمة والنجاح والتمكين، وأعطاها دور المعيل فوق دور الأم وربة المنزل، قلل من نظرة المجتمع وتقديره للأهمية الحيوية لدور الأمومة. كما استخدمت لغة مهينة مثل - تسمية النساء بـ "آلات صنع الطفل" - لوصف أولئك الذين أيدوا فكرة الدور الأساسي للمرأة باعتبارها زوجة وأماً. هذا على الرغم من حقيقة أن الرعاية الناجحة للطفل وتربيته هي واحدة من أكثر الأصول قيمة في المجتمع.

ونتيجة لذلك، أصبحت الأمهات اللاتي يقدمن كل وقتهن لأسرهن رعايا من الدرجة الثانية فاقدات للاحترام، بل وأصبحن يشعرن بالخجل كما لو كن يخُنَّ "تحرير المرأة" كونهن لا يساهمن بشكل كامل في المجتمع. وأصبحت مكانة "الأم التي تبقى في المنزل" مرتبطة بحياة لا معنى لها تفتقر إلى الهدف. وقد عُرضت هؤلاء النساء بوصفهن الفئة غير المتعلمة الأدنى شأنا و"النكرات" اللاتي كُنَّ أقل مهارة وأقل نجاحاً وأقل قيمة في المجتمع. إن هذه الآراء تضرب بجذورها في وعي النساء - المسلمات وغير المسلمات - إلى درجة أن العديد من النساء يشعرن اليوم بالحرج بدلاً من الثقة والفخر بأن يطلقن على أنفسهن اسم أمهات بدوام كامل. ومن ثم فإن غريزة المرأة الطبيعية لتكون أما فتعطي وقتا واهتماما نوعيا لرعاية أطفالها وتربيتهم على نحو فعال تحولت إلى أمر مثير للاستياء مشعر بالاضطهاد، ذلك أنها تشعر بالذنب كونها خانت القضية النسائية.

وعلاوة على ذلك، فإن جعل النسوية أدوار الرجل وواجباته وحقوقه معيارا ذهبيا الأصل أن تطمح إليه المرأة، أضعف المرأة حقيقة، بل وكان في بعض الأحيان مزعجًا طبيعتها البيولوجية الفريدة ونوعيتها الحصرية كمنجبة ومحافظة على العرق البشري، ما حطم مكانتها كامرأة. وكانت النتيجة أن هذا النوع من النساء لم يحظين بالتقدير والاحترام الذي حظيت به غيرهن ممن كان لهن دور ومكان حيويان ومميزان جنبا إلى جنب مع الرجال وساهمن في مجتمعاتهن، ما اضطرهن إلى العمل بجدية أكبر من أجل اللحاق بدور ومسؤوليات الرجال، التي كانت "الأرحام" تعيقهن عنها وفقا للمعايير النسوية المشوهة للنجاح. وفي مثل هكذا بيئة، لم يكن من المستغرب أن يخفق العديد من أرباب وأماكن العمل في تقدير أهمية دور المرأة كأم، وبالتالي فشلوا لا محالة في استيعاب مسؤولياتهم الأسرية، وتوقعوا منهن بدلا من ذلك التضحية بواجباتهن تجاه أطفالهن من أجل الحفاظ على وظائفهن. وبذلك، أخفقت النسوية في إدراك أن محاولاتها لمحو تقدير الفروق بين الجنسين ودفع الطبيعة البيولوجية للمرأة جانبا وجعلها غير ذات أهمية، ستؤدي حتما إلى عدم احترام الصفات المميزة للنساء وعدم الاعتراف بطبيعتهن وبالتالي غياب الدعم المقدم لهن لتحقيق أهدافهن الفريدة في ملئهن مكانتهن المميزة في الحفاظ على الجنس البشري. وكان للانتقاص من قيمة الأمومة أثر كبير


ضار على تنشئة الأطفال ما تسبب حتما في مجموعة من المشاكل للمجتمعات.

الخلاصة:

لذلك، فإن النسوية ومُثُلها التي تقول بالمساواة بين الجنسين غير منطقية ومَفسدة اجتماعية تلحق ضرراً كبيراً بالوئام ووحدة الحياة الأسرية فضلاً عن رفاهية الأطفال؛ هذا لأن المنظور النسوي الفردي قصير النظر دائماً ما ينظر إلى ما هو أفضل لرغبات المرأة ومصالحها، وغالباً ما يتجاهل ما هو الأفضل للزواج، والأطفال، والحياة الأسرية الهادئة والمجتمع عموماً. علاوة على ذلك، فإنه لم يقدم حتى حياة عادلة وسعيدة للنساء. وبدلاً من ذلك حملهن على تحمل مسؤوليات إضافية وحرمهن من حق توفير الأموال وتسبب في نزاع في زيجاتهن وخدعهن فيما يتعلق بالأمومة. إن فكرة تعريف المرأة بحقوقها وأدوارها لم تحررها من الظلم بل على العكس عرضتها لأشكال مختلفة من الظلم.

ومن المفارقات أنه في المجتمعات الغربية، أعادت العديد من النسويات تعريف معتقداتهن، سعياً إلى استعادة أهمية الأمومة بعد أن أدركت الضرر الشديد الذي ألحقته الأفكار النسوية ببنية الأسرة والنساء والأطفال، في حين إن الحكومات والمنظمات في البلاد الإسلامية لا تزال مستمرة في اندفاع نحو هذه التجربة الاجتماعية النسوية الكارثية المستوحاة من الغرب. فتراهم يسنون المزيد من القوانين والسياسات على أساس الأفكار النسوية السقيمة ويروجون لها بكثافة بين شعوبهم، مدعين بسخف أنها علامة على التقدم وبأنها ستوفر حياة أفضل للنساء، بدلاً من رفض هذه القائمة المسمومة من المعتقدات صراحة.

إن الواجب الأكيد علينا كمسلمين، بدلاً من تكرار التجارب الاجتماعية الغربية الفاشلة، أن نلتف ونتشبث بالمعتقدات والقيم والقوانين والأحكام الإسلامية التي لها دور سليم مجرب في تنظيم أدوار وواجبات وحقوق الرجال والنساء على أرقى وجه وأعدله، وكذلك في خلق هياكل أسرية متناغمة وقوية. وإنه من أجل ديننا فإننا بحاجة إلى أن ننظر في حل للمشاكل العديدة التي تواجهها النساء والأطفال والعائلات في يومنا هذا.

﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 109]

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post



Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 19th June 2025 - 11:03 PM