الكلمة الثانية
هولندا
كيف ظلمت المساواة بين الجنسين الأسرة(مترجمة)
أيتها الأخوات:
قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾.
في هذه الآية من القرآن الكريم، يعلمنا الله سبحانه وتعالى بحكمته الإلهية كيف يكون دور الرجل والمرأة تجاه بعضهما بعضاً - لحماية بعضهما البعض. سبحان الله، كم هذا جميل؟ أليس هذا بالضبط ما يريده أي رجل أو امرأة من الطرف الآخر؟
لكن السؤال الذي يتعين علينا الإجابة عليه هو هل "العدالة بين الجنسين" أو بالأحرى "المساواة بين الجنسين" تحقق هذا الهدف المهم؟ هذا ما سأتطرق إليه في حديثي اليوم إن شاء الله.
أولاً، يجب علينا أن نفهم أن الدعوة إلى العدالة بين الجنسين ليست مجرد دعوة لحصول النساء على نفس الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية مثل الرجال، بل هو جعل الحقوق والأدوار والواجبات للرجال والنساء في الزواج والحياة الأسرية والمجتمع بصفة عامة تحت غطاء "المساواة بين الجنسين" وربط الاختلافات بين الجنسين بالتمييز والظلم أو حتى القمع ضد المرأة. ويقال على سبيل المثال إن الرجال والنساء يجب أن يتشاركوا دور المعيل للأسرة، وكذلك الواجبات المنزلية وتربية الأطفال، مدعين أن هذا يمثل "العدالة بين الجنسين".
على مدى عقود عديدة، دافع مناصرو حقوق المرأة عن المساواة بين الجنسين في إطار السرد القائل بأنها كانت وسيلة للنساء لضمان الاحترام، والسعادة، والزواج الأفضل، والأطفال الأكثر سعادة، فضلاً عن تحقيق التقدم للمجتمعات. فقد روجوا لها باستخدام مصطلحات مغلفة بالسكر مثل "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"العدل بين الجنسين" لإغراء النساء والجمهور العام لاحتضانها وللدول لتكريسها في دساتيرها وقوانينها. ومن ثم، فإن أولئك الذين عارضوا الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وأعادوا تعريف دور الرجل والمرأة في الحياة الأسرية، وصفوا بأنهم متخلفون واتُّهموا بدعم الظلم ضد النساء.
ومع ذلك، فإن غطاء السكر هذا أخفى طعم المرارة، طعم المساواة بين الجنسين، فقد كانت هذه التجربة الخطيرة في الهندسة الاجتماعية واحدة من أكثر القوى تدميراً على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة وتسببت في بؤس لا يوصف للنساء والأطفال والرجال على حد سواء، فضلاً عن توليد مجموعة كبيرة من المشاكل للمجتمعات. والسبب في ذلك هو أن هذا المفهوم الذي يفسد المجتمع يشجع النساء على تحديد حقوقهن وواجباتهن بأنفسهن بغض النظر عما هو الأفضل للنساء والرجال والأطفال والمجتمع ككل. أدى نهجها المتمركز حول المرأة في تنظيم الحياة الأسرية ونظرتها الضيقة القائمة على النوع في حل مشاكل المجتمع إلى الارتباك والخلاف في الحياة الزوجية والمسؤوليات الأبوية، مما تسبب في إهمال حقوق الأطفال ورفاههم، وخفض قيمة الأمومة، وفقدان المرأة القدرة على تحقيق دورها الحيوي كأم وربة للبيت. كتبت دايل أوليري، وهي صحفية ومحاضرة أمريكية، وواحدة من معارضي الفلسفة النسوية، في كتابها "الأجندة النوعية: إعادة تعريف المساواة"، "ادعى مناصرو النسوية تعزيز تقدم المرأة، لكن النسوية قد بدت لي أنها فكرة مشوهة للغاية حول ما يعنيه أن تكوني امرأة، وفكرة أكثر بعداً عما يسمى تقدمًا".
وعلى الرغم من ذلك، فإن العدالة بين الجنسين وفكرتها الأساسية حول المساواة بين الجنسين تنتشران إلى ما هو أبعد من الدول الغربية التي أنشأتها إلى العالم الإسلامي نتيجة للسياسات الاستعمارية وحكم الأنظمة العلمانية والحكومات التي فرضت وروجت وجهة النظر الغربية وقيمها العليا. بما في ذلك حقوق المرأة، على شعوبها من خلال دساتيرها وقوانينها ووسائل الإعلام ونظمها ومبادراتها التعليمية، كما هو مشاهد على سبيل المثال في قانون الأحوال الشخصية التونسي فضلاً عن الدستور الجديد الذي يحدد المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في المجتمع؛ أو كما هو ملاحظ في الحملة المكثفة في العالم العربي لدفع والترويج لفكرة المساواة بين الجنسين من خلال نظام التعليم - ومثالاً على ذلك أن الكتب المدرسية التي تصور النساء كأمهات وزوجات تعتبر الآن قد عفا عليها الزمن وتحتاج للتغيير. كما سمحت هذه الحكومات العلمانية للحركات النسائية القائمة على حقوق المرأة بالعمل بحرية داخل مجتمعاتها، ونشر أفكارها الفاسدة في الأمة الإسلامية. هذا بالإضافة إلى تبني المعاهدات والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تروج بقوة للمساواة بين الجنسين في قوانين وسياسات الدول.
ونتيجة لذلك، تبنى كثيرون في الأمة الإسلامية المساواة بين الجنسين والأفكار النسوية الأخرى، معتقدين أنها ستؤدي إلى احترام وتقدم المرأة في البلاد الإسلامية، وكذلك رفع مجتمعاتهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. لقد أعادوا تشكيل رؤيتنا حول نجاح المرأة المسلمة بكونها امرأة مستقلة مالياً عن زوجها، وتشارك في أدواره وواجباته، ولديها مهنة ناجحة، بدلاً من أن تكون خادمةً ناجحةً لربها سبحانه وتعالى، والذي يتضمن كونها زوجةً وأماً ناجحةً. ونتيجة لذلك، نشأت شكوك وكراهية بين الكثيرين في الأمة الإسلامية تجاه الأسرة الإسلامية والأحكام الاجتماعية مثل قوامة الذكور، وإطاعة المرأة للزوج، ودورها الأساسي كربة بيت ومربية للأطفال، وتعدد الزوجات، وأحكام الطلاق، وأحكام الميراث. اتُهمت هذه الأحكام الشرعية بتفضيل الرجال على النساء أو التعبير عن عبودية المرأة للرجال بسبب الاختلافات بين الجنسين، بدلاً من الاعتراف بأن تلك الاختلافات كانت انعكاسًا لاعتراف الإسلام بالاختلافات النوعية بين الجنسين، وبالتالي وسيلةً لتنظيم الحياة الأسرية، والمجتمع بفعالية.
وقد روّج مسلمون آخرون للمساواة بين الجنسين باستخدام حجة كاذبة بأن الإسلام يؤيدها، كما نشاهد اليوم ما يسمى بـ"النسويات الإسلاميات" اللواتي يدعون لإعادة تفسير النصوص الإسلامية من خلال منظور المساواة بين الجنسين - مثل هذه الأحكام الإسلامية حول الميراث والطلاق والأدوار والحقوق الزوجية بأن تكون "متساوية" للرجال والنساء.
ولكن، حقيقةً، فشل المسلمون الذين تبنوا وأيدوا قصة العدالة الجندرية، في فهم أن مفاهيم الحركة النسوية، بما في ذلك المساواة بين الجنسين، التي تدعو إلى فكرة أن المرأة يجب أن تحدد حقوقها وأدوارها في الحياة، تتناقض بشكل أساسي مع العقيدة الإسلامية. لأنه في الإسلام، لا يحدد الرجال والنساء حقوقهم وأدوارهم وواجباتهم على أساس المساواة أو على أساس رغباتهم الخاصة ولكن على أساس أحكام الله سبحانه وتعالى وحده. قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا﴾. بالإضافة إلى ذلك، ينص الإسلام على بعض الاختلافات الواضحة في الأدوار والواجبات والحقوق للرجال والنساء داخل الأسرة والمجتمع. قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾. وقال رسول الله e: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ...». علاوة على ذلك، فإن المرأة المسلمة لا تقيّم نجاحها من خلال مقارنة نفسها مع الرجل وحقوقه ومسؤولياته، ولكنها تستند إلى الطريقة التي ينظر إليها بها خالقها وفقًا لأدائها لواجباتها التي وصفها لها سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّواْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَىٰ بَعضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكتَسَبنَ وَسـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمًا﴾.
وقد فشل هؤلاء المسلمون الذين اعتنقوا أفكار الحركة النسوية في إدراك أن مفاهيمها قد نتجت نتيجة التجارب التاريخية للظلم والقمع وغياب الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية الأساسية التي مرت بها النساء في الدول الغربية بسبب العيش تحت خلل نظام علماني من صنع الإنسان - تاريخ وخبرة لا يشترك فيها الإسلام والحكم الإسلامي. لكن الأهم من ذلك، أن المسلمين الذين تبنوا قصة العدالة بين الجنسين، فشلوا في فهم حقيقة حجم الدمار الاجتماعي الذي تسببه المساواة بين الجنسين والمفاهيم النسوية الأخرى في بنية الأسرة، للنساء والأطفال والمجتمع ككل.
(1) انخفاض في معدلات الزواج وفجوة في أعداد المواليد في الأمم وزيادة العلاقات خارج نطاق الزواج
أولاً، خلقت الحركة النسوية والمساواة بين الجنسين كرهًا للزواج بين العديد من النساء باعتبار كونه هيكلًا قمعيًا كان أكثر فائدة للرجل من المرأة، وحيث إنها كزوجة، فهي مستعبدة من زوجها. كما أدى ذلك إلى أن العديد من النساء ينظرن إلى وضعهن كزوجة وكأم كدور من الدرجة الثانية، أقل شأنا من السعي وراء مهنتهن ووظيفتهن... وقد أدى كل هذا إلى قيام العديد من النساء بتأجيل أو رفض الزواج أو الأمومة مما تسبب في انخفاض معدلات الزواج والولادة و"الفجوة بين الأطفال" في الدول التي يوجد بها عدد أقل من الناس لرعاية السكان المسنين. بالإضافة إلى ذلك، دفع تحفيز الحركات النسوية للحرية الجنسية إلى زيادة كبيرة في العلاقات خارج نطاق الزواج بما في ذلك الزنا، والتي كانت السبب الرئيسي لوباء الزواج المحطم الذي أدى إلى ظهور أعداد لا حصر لها من الأطفال في عائلات مشتتة ولظهور أعداد أكبر من الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج، وبالتالي زيادة في حالات الإجهاض داخل الدول، مما يسبب الكثير من الألم والبؤس.
(2) الفوضى والصراع في الزواج
ثانيا، تسببت النسوية والمساواة بين الجنسين في إحداث الفوضى والخلافات حول المسؤوليات الزوجية والأبوية بسبب تآكل الأدوار والواجبات المحددة بوضوح داخل الزواج بالنسبة للرجل والمرأة فيما يتعلق بإعالة الأسرة والأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. ومن ثم، أصبحت المنافسة تهيمن على العلاقة بين الجنسين حول الأدوار والمسؤوليات بدلاً من الاتحاد المتجانس حيث يفي الزوج والزوجة بالتزاماتهما الزوجية والأسرية المحددة والمكملة. كما أصبح الزواج ميدان معركة حول الخيارات والحقوق الشخصية بدلاً من كونه رابطة ألفة يحددها الحب والرحمة ومسؤوليات الزوجين تجاه بعضهما البعض. علاوةً على ذلك، فمع وجود العديد من الرجال والنساء الذين يعملون في كثير من الأحيان في وظائف طويلة ومتطلبة، فإن هناك وقتاً وطاقة أقل في إنجاح الزواج، مما أدى إلى إضعاف الرابطة الزوجية. على سبيل المثال، خلال استطلاع أجراه مركز أبحاث بيو في أمريكا ونُشر عام 2013، قال نصف البالغين الذين شملهم الاستطلاع إن تزايد أعداد النساء العاملات جعل إنجاح الزواج أمراً أكثر صعوبة.
(3) الضغط على النساء للعمل
ثالثًا، إن قصة "المساواة بين الجنسين" النسوية بأن دور الرجال والنساء في الحياة يجب أن يكون متماثلاً وأن قيمة المرأة تأتي من العمل والاستقلال المالي عن الرجال، قد خلقت مجتمعات حيث لم يعد العمل لدى النساء خياراً ولكنه المتوقع منها. هذا هو الحال، حتى إن الأمهات غير المتزوجات يتحملن وحدهن مسؤولية رعاية وتربية أطفالهن. ولذلك، غالباً ما تُجبر النساء على تبني دور الرجل كمعيل لأسرهن، ويصبحن عبيداً للسوق، حتى لو رغبن في البقاء في المنزل ورعاية أطفالهن. في عام 2013، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالًا تحت عنوان: "إن زيادة "الأمهات المعيلات" يعتبر أقل فوزًا للمساواة مما يبدو عليه"، حيث استشهد المقال بإحصاءات من تقرير صادر عن مركز أبحاث بيو أنه في 40٪ من إجمالي الأسر الأمريكية التي لديها أطفال، فإن الأمهات هي المعيل الوحيد أو الأساسي. ووصف المقال كيف أن غالبية الـ40٪ - الثلث - كن أمهات عازبات، وكثير منهن يناضلن من أجل تحمل مسؤوليات الرعاية المنزلية ومسؤوليات رعاية الأطفال. وقد صرح المقال بالقول: "بالنسبة للأمهات غير المتزوجات، على وجه الخصوص، يبدو واقع كونهن المعيل الأساسي وكأنه أقل انتصارًا للنسوية بسبب ما يعانينه من الإرهاق، وعدم الحصول على الدعم الكافي والتشويه الواسع".
وقد أدى ارتباط نجاح المرأة بحصولها على عمل أيضاً إلى تأخير العديد من النساء أو تجنبهن إنجاب الأطفال من أجل الحصول على عمل ناجح، أو حتى الاحتفاظ بوظيفة. وبالتالي، فإن النسوية والمساواة بين الجنسين قد حرمت العديد من النساء من الأمومة، وحرمت الأمم من جيل مستقبلي قوي يتمتع بالسكان! وعلاوةً على ذلك، فإن فكرة أن العمل سيجلب للمرأة مكانةً أعلى في المجتمع وأمناً اقتصادياً كان وهماً، لأن العديد من النساء دخلن وظائف منخفضة الأجر، وذات نوعية رديئة، ووظائف استغلالية في كثير من الأحيان.
(4) إهمال حقوق الأطفال
رابعاً: دفعت الحملة النسوية الأمهات إلى أماكن العمل باسم المساواة بين الجنسين مما أضعف دورهن الحيوي كأمهات كما وتجاهلت احتياجات الأطفال. فمع وجود كلا الوالدين كمعيلين، فقد أثر ذلك سلباً على قدرة العديد من الأهل على تربية أطفالهم بشكل فعال. ففي دراسة استطلاعية أجريت في مركز بيو للأبحاث عام 2013 في أمريكا، قال 75٪ من البالغين إن العدد المتزايد للنساء العاملات جعل من الصعب على الأهل تربية أطفالهم. تصف البروفيسور مارثا ألبرتسون فينمان، أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في النظرية القانونية النسوية، إنشاء أسرة ذات أبوين، بأنها "مؤسسة ليس لها وكيل متاح"، بينما بريندا ألموند، أستاذة الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية ومؤلفة كتاب "العائلة الممزقة"، كتبت أنه بالنسبة لغالبية الأمهات العاملات، يتعين عليهن قبول "حتمية غياب كلا الوالدين من المنزل طوال يوم العمل". كما أنه وبسبب ضيق الوقت الذي تقضيه الأمهات العاملات في رعاية أطفالهن يتم إلقاء اللوم عليهن من قبل الكثيرين على أنه أحد الأسباب التي أدت لمستويات كبيرة من السلوك الجانح وغير الاجتماعي بين الشباب الذي ابتلي به العديد من المجتمعات اليوم، وكذلك يؤثر على الصحة العقلية والأداء التعليمي للأطفال.
(5) أصبحت حياة النساء مرهقة
خامساً: أدى ارتفاع الضغوطات على النساء اللاتي يضطررن إلى الصراع بين ضغوطات العمل وبين مسؤوليات الحياة المنزلية والعائلية إلى ارتفاع ملحوظ في حالات القلق والاكتئاب لدى النساء. وجدت دراسة أجريت في 30 دولة أوروبية من قبل الكلية الأوروبية لعلم الجهاز العصبي والنسيج، ونشرت في عام 2011، أن الاكتئاب بين النساء في أوروبا قد تضاعف خلال الأربعين سنة الماضية بسبب "العبء الهائل" المتمثل في الاضطرار إلى التوفيق بين الواجبات الأسرية ومتطلبات العمل. كما أنه في عام 2009، ذكر المركز الوطني لمعلومات الخدمة الصحية في بريطانيا أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة النساء اللواتي يتم إصابتهن بالإجهاد الشديد بسبب ضغوطات الحفاظ على الوظيفة وتربية الأطفال ورعاية الوالدين المسنين. لذلك فإن الدعوة إلى المساواة بين الجنسين أصبحت شكلاً من أشكال الظلم، حيث تحول حلم "احصلي على كل شيء أيتها المرأة" إلى كابوس "افعلي كل شيء أيتها المرأة"، حيث عانت من ضغوطات كونها ربة المنزل والمعيلة له على حد سواء مع عواقب لا مفر منها. وهذا أبعد ما يكون عن كونه جنة العدل والإنصاف للمرأة.
(6) أصبحت الأمومة دون قيمة
وأخيرًا، كان الترويج النسوي لواجبات النساء المنزليّة وتربية الأطفال على أنها بمثابة إهدار لمواهبهنّ وأنهن كنّ يعانين من تحقيق إمكاناتهن الحقيقيّة في المجتمع، وأنّ التوظيف والعمل الوظيفي هو ما يعطي المرأة القيمة والاحترام والنجاح والتمكين. مما أثر سلباً على رؤية المجتمع للأهمية الحيوية لدور الأمومة. واتُهم أولئك الذين أيدوا فكرة الدور الأساسي للمرأة بصفتها زوجة وأماً بتحقير النساء واعتبارهن "آلات لإنجاب الأطفال". هذا على الرغم من حقيقة أن الرعاية الناجحة للطفل وتربيته هي واحدة من أكثر الأصول قيمة في المجتمع. ونتيجة لذلك، أصبحت الأمهات اللواتي يربين أطفالهن رعايا من الدرجة الثانية وغير محترمات، وجعلتهن يشعرن بالخجل كما لو كن يخنَّ فكرة "تحرير المرأة" ولا يساهمن بشكل كامل في المجتمع. كان يُنظر إلى حياتهن على أنها تفتقر إلى الأهداف، وكثيراً ما كانت تعتبر كطبقة أدنى وغير متعلمة وأقل مهارة وأقل نجاحاً وأقل قيمة للمجتمع. ومن ثم، وبجعل أدوار الرجال وواجباتهم هي المعيار الذهبي، أدت الدعوة لتحقيق المساواة بين الجنسين إلى النقيض تماماً من فكرة تمكين المرأة. وقد تسببت في خفض قيمة المرأة بل وحتى ازدراء طبيعتها البيولوجية الفريدة ونوعيتها الحصرية كحامل للجنس البشري، مما قلل قيمتهن كنساء.
وفي الختام أيتها الأخوات:
إن المساواة بين الجنسين مفهوم متصدع ومسبب للتآكل الاجتماعي، أدى إلى إلحاق ضرر لا حد له بالوئام ووحدة الحياة الأسرية فضلاً عن رفاه الأطفال. وتجاهل الطبيعة البيولوجية للنساء بوصفهن حاملات للجنس البشري، محاولاً دفع هذا جانباً باعتباره لا أهمية له، في حين إنه ينبغي أن يكون عاملاً محورياً في تحديد الأدوار والحقوق داخل الزواج والحياة الأسرية بالنسبة للجنسين. كما رفض فكرة كون الأم هي المحور المركزي في حياة الطفل. بالإضافة إلى ذلك، خلق التنافس والصراع بين الرجال والنساء بدلاً من التعاون وحماية وتأييد بعضهم بعضا كما أمر الله سبحانه وتعالى في الآية القرآنية في بداية حديثي. ومن ثم، فإن فكرة تحديد المرأة لحقوقها وأدوارها لا تحررها من الظلم بل تعرضها لأشكال مختلفة من الظلم والبؤس؛ لأن هذا المنظور النسوي الفردي الضيق المتمثل في النظر دائمًا إلى ما هو أفضل لرغبات المرأة ومصالحها غالبًا ما يتجاهل ما هو الأفضل للزواج والأطفال والحياة الأسرية الهادئة والمجتمع ككل.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المساواة بين الجنسين والعدالة بين الجنسين - هذه الفكرة الأجنبية غير الإسلامية - لا تزال تُعرض على البلاد الإسلامية من خلال المزيد من القوانين والسياسات والبرامج، كمفهوم سيزيد من مكانة المرأة. بالتأكيد كمسلمين، بدلاً من تكرار التجارب الاجتماعية الأجنبية الفاشلة، يجب علينا أن نتبنى ونتمسك بديننا وقيمنا وقوانيننا ونظامنا الإسلامي الإلهي الذي لديه نهج سليم ومُجرب لتنظيم أدوار وواجبات وحقوق الرجال والنساء في أكثر الطرق سلاسة، وكذلك إيجاد وحدات عائلية متناغمة وقوية. لقد قدم الإسلام إجابات وإرشادات مفصلة لكل أمر في حياتنا. لذلك، يجب علينا التوجه نحو ديننا لحل المشاكل العديدة التي تواجهها النساء والأطفال والعائلات اليوم. قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾.
ياسمين مالك
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير