خطر اللعب بورقة الحركات الإسلامية المعتدلة إبعاد الحكم بالإسلام
أبو العز عبد الله عبد الرحمن- السودان*إن الأمة الإسلامية اليوم لم تتحرر من ربقة الاستعمار بعد، ولكنها بإذن الله ستحقق قريباً وعد الله سبحانه وتعالى وبشرى نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكي يتم التحرير لا بد أن تنعتق الأمة من هيمنة الغرب الكافر، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً! نعم، فالغرب يستعمر الأمة في كل شيء، وسياسته هذه لا يمكن إخفاؤها لا فعلاً ولا قولاً!
فهذا فرانك كارلوتشي وهو رئيس مجموعة كارلايل الأميركية العملاقة، وآخر وزير دفاع في إدارة رونالد ريغان، ومستشار الأمن القومي الأميركي ومن المقربين بشدة إلى وزير الدفاع السابق «رامسفيلد» يقول قبل الحرب الاستعمارية على العراق: «إن الذين يسألون عما إذا كانت لدينا استراتيجية عُليا يصح لهم أن يعرفوا أن لدينا استراتيجية عُليا، وأن هذه الحرب القادمة خطوة على طريقها». ثم يستطرد «كارلوتشي» «وفقًا لتقرير صدر فيما بعد عن مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك» «لدينا استراتيجية عُليا غاية في البساطة، نحن نريد في المنطقة نظمًا موالية لنا، لا تقاوم إرادتنا، ثم إننا نريد ثروات هذه المنطقة بغير منازع، ونريد ضمانًا نهائيًا لأمن (إسرائيل) لأنها الصديق الوحيد الذي يمكننا الاعتماد عليه في هذه المنطقة!».
ورغم هذا التكالب على الأمة الإسلامية العظيمة وفي هذا الظرف الحرج الذي تمر به، بدت بوادر تتلمس بها الأمة طريق الانعتاق من هذه الهيمنة. والغرب بقيادة أميركا يعلم علم اليقين أن الأمة اكتفت من زيف الأنظمة التي يدعمها الغرب نفسه، بل ويعلم أن الأمة ما أضحت ترضى عن الإسلام بديلاً؛ لذلك قامت مجموعة من المراكز البحثية (مراكز البحوث في أميركا وغيرها وهي مسؤولة عن تقديم النصح والبدائل المناسبة للسياسات الأميركية والغربية عموماً) باقتراح تقديم أنظمة تابعة للغرب، تظهر وكأنها بديلة وتلبس ثوب الإسلام؛ وذلك ليسرق الغرب بواسطتها تململ الأمة وثوراتها المرتقبة والتي أصبحت حقيقة ماثلة اليوم، ولتبعد الأمة عن النهضة الحقيقية التي ترجوها بتطبيق الإسلام كاملاً. وقد أكدت تصريحات الساسة الغربيين على تبنِّي هذه الخطط.
ولكن الذي يجب التنبه له أن الغرب بمؤسساته وساسته ما كان ليلجأ لذلك إلا لوجود رأي عام قوي للإسلام لدى الأمة الإسلامية؛ لذلك كان القصد الأساس هو خداع هذه الأمة الكريمة حتى تتقهقر سنوات أخرى عن النهضة الحقيقية وتتأخر بإقامة أنظمة ترفع شعار الإسلام وتحكم بأنظمة الغرب وتوالي الغرب كما في السابق ولكن بثوب جديد.
ويمكن فيما يلي عرض بعض من هذه الخطط:
1- تحت عنوان «السياسة الخارجية الأميركية والتجديد الإسلامي» أصدر معهد السلام الأميركي «United States Institute of Peace USIP»
دراسة في 2006م حول دور الولايات المتحدة في وضع إطار يساهم في تحديد طبيعة المناقشات والجدل الدائر الآن داخل المجتمعات في البلاد الإسلامية بين ما يسمى بالتيارات السلفية الأصولية وتيار التجديد الإسلامي.
تقول الدراسة إن حركة التجديد الإسلامي تحمل فرصة ذهبية لتحسين سمعة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي ووضعها في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن دعم الإصلاح ومواجهة الفكر المتطرف عن طريق التعاون مع حركة التجديد الإسلامي يعطي جهود دعم الإصلاح التي تبذلها الولايات المتحدة مصداقية كبيرة. وتمثل هذه الخطة بديلًا مثاليًا للخيارات الأخرى مثل سياسات تغيير الأنظمة، والتعاون الأمني مع الحكومات الاستبدادية، أو دعم الديمقراطية من خلال مفاهيم غربية علمانية غريبة عن الثقافة السياسية في العالم الإسلامي.
وتؤكد الدراسة أنه لا شك في أن الترابط بين الإسلام والسياسة أمر واقع، يجب أن تتقبله الولايات المتحدة عاجلًا أو (أم) آجلًا. ولكن التساؤل يبقى: أي رؤية إسلامية ستنتصر في الصراع الجاري بين التطرف والتجديد، رؤية التشدد والتعصب الديني أم رؤية التسامح والمساواة والتطور؟ هذا صراع يمكن أن يحسم لصالح الرؤية الأخيرة إن ساندت السياسة الأميركية مؤيدي التجديد الإسلامي .
وطرحت دراسة معهد السلام الأميركي هذه عدة توصيات لترميم السياسة الأميركية تجاه العالم الإسلامي ومواجهة ما وصفته بخطر التطرف الديني، وتتمثل أهم نقاطها في:
• إنشاء منظمة مستقلة تحت اسم «المؤسسة الإسلامية العالمية» لتعزيز السلام والتنمية والرخاء والانفتاح في المجتمعات والدول الإسلامية.
• توفير منح خاصة للجماعات الأميركية لدعم البحوث والدراسات التي تبرز الأعمال والأفكار «الإسلامية التحديثية».
• مشاركة الأحزاب الإسلامية على أساس معياري، وتركيز الحوار على القضايا السياسية المهمة مثل حرية الرأي والتعبير، وحقوق المرأة والأقليات، بدلًا من الانشغال الزائد بمسألة الانتخابات الحرة.
• التأكيد على ضرورة الإصلاحات المعنية بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والدينية الهامة.
• إعادة صياغة هيكل وجهود برامج كل من الدبلوماسية العامة ودعم الديمقراطية والمعونات لتحسين وضع حركة الإصلاح والتجديد الإسلامي.
• النظر في دعم المؤسسات الخيرية ذات الهوية الدينية التي من الممكن أن تساعد على تقوية الاعتدال الديني بالعالم الإسلامي.
وفي عام 2007م أصدر المعهد نفسه دراسة حول «الإسلام المعتدل» عنوانها «دمج الإسلاميين وتعزيز الديمقراطية: تقييم أولي». وهي عبارة عن محاولة أولية لتقييم الجهود الأميركية المبذولة في إطار تعزيز ودعم الديمقراطية في البلدان العربية.
وهنا تقرر الدراسة ابتداءً أن معركة الولايات المتحدة مع تيارات العنف والتطرف لابد وأن تتم من خلال دعم وتقوية عمليات التحول الديمقراطي في العالم العربي، حتى وإن أدى ذلك إلى صعود الإسلاميين «المعتدلين»، بل تؤكد الدراسة على ضرورة دعم هؤلاء الإسلاميين باعتبارهم حائط الدفاع الأول في مواجهة المتطرفين والمتشددين؛ لذلك تطالب الدراسة بضرورة استمرار الولايات المتحدة في دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط، وتعزيز دمج الإسلاميين في الحياة السياسية الغربية.
2- مؤسسة راند Corporation RAND التي تأسست عام 1948م، في حقل السياسة الخارجية كان اهتمامها في البداية منصبًا على الاتحاد السوفياتي، ولكن بعد ذلك وسعت دائرة اهتمامها لتشمل مناطق أخرى من العالم. نصف عملها يتركز حول الدفاع والأمن القومي، والنصف الآخر حول السياسات في قضايا محلية في الحقول الاجتماعية والاقتصادية. انطلق مشروعها من حاجة وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) أن ينشأ مركز دراسات يعمل على خدمة التوجهات الدفاعية الأميركية. ويعمل في استشارات لبعض مشروعات هذه المؤسسة مستشار الأمن القومي السابق سكو كرفت، وثلاثة من وزراء الدفاع الأميركيين السابقين، وهم هارولد براون، فرانك كارلوتشي، ووليام بيري. وتجسد راند نموذجًا واضحًا ومباشرًا في البحوث التعاقدية أو (مقاولي الحكومات) مع وزارة الدفاع الأميركية.
أعدت شارلي بينارد- الباحثة بمؤسسة (راند) للدراسات دراسة نُشرت عام 2004م- تصنف فيها «الإسلام السياسي» إلى أشكال متعددة، كان أهمها «الإسلام المعتدل».
وفي عام 2007م أصدرت مؤسسة (راند) دراسة شاملة حول «بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي» شارك فيها أربعة باحثين في مقدمتهم شارلي بينارد وأنجل رابسا ولويل شوارتز وبيتر سكيل.
وتنطلق الدراسة من فرضية أساسية مفادها أن الصراع مع العالم الإسلامي هو بالأساس «صراع أفكار»، وأن التحدي الرئيسي الذي يواجه الغرب يكمن فيما إذا كان العالم الإسلامي سوف يقف في مواجهة المد الجهادي الأصولي، أم أنه سيقع ضحية للعنف وعدم التسامح. وقد قامت هذه الفرضية الغربية على عاملين أساسيين: «أولهما أنه على الرغم من ضآلة حجم الإسلاميين الراديكاليين في العالم الإسلامي، إلا أنهم الأكثر نفوذًا وتأثيرًا ووصولًا لكل بقعة يسكنها الإسلام سواء في أوروبا أم أميركا الشمالية. وثانيهما ضعف التيارات الإسلامية المعتدلة والليبرالية والتي لا يوجد لديها شبكات واسعة حول العالم كتلك التي يملكها الأصوليون».
وانطلاقاً من هذه الفرضية فإن الخيط الرئيسي في الدراسة يصب في «ضرورة قيام الولايات المتحدة بتوفير المساندة للإسلاميين المعتدلين من خلال بناء شبكات واسعة وتقديم الدعم المادي والمعنوي لهم لبناء حائط صد في مواجهة الشبكات الأصولية».
وقالت الدراسة إن صناع السياسة في أميركا يواجهون ثلاثة تحديات رئيسية تختلف كليًا عما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة: أولها، يتعلق بصعوبة الاختيار بين استراتيجيتي الدفاع أو الهجوم، فالبعض فضل اللجوء للاستراتيجية الهجومية من أجل خلخلة النظم الشيوعية في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي السابق، من خلال خلق شبكات داخلية لمهاجمة كافة الحكومات الشيوعية. في حين اعتقد البعض الأخر ضرورة اللجوء للاستراتيجية الدفاعية من خلال اعتماد استراتيجية «الاحتواء» من خلال دعم الحكومات الديمقراطية في أوروبا الغربية وآسيا وأميركا اللاتينية.
التحدي الثاني يتمثل في كيفية حفاظ الحلفاء المحليين على مصداقيتهم أمام شعوبهم بسبب ارتباطهم بالولايات المتحدة، ولذا فقد حاولوا وضع مسافة واضحة بين أنشطتهم وعلاقتهم بواشنطن.
أما التحدي الثالث فيتمثل في شكل وبنية التحالف الذي يمكن بناؤه في مواجهة الشيوعية، هل يتم من خلال العلاقة مع الاشتراكيين السابقين الذين تحولوا ضد الشيوعية، ولكنهم أيضًا ينتقدون السياسة الخارجية الأميركية، أم يتم بالبحث عن شركاء آخرين؟ وفي النهاية لجأت الولايات المتحدة إلى بناء تحالف كبير يضم جميع من ينتقد الأيديولوجية الشيوعية، لذا تم تأسيس ما يطلق عليه «كونجرس الحرية الثقافية».
وتشير الدراسة إلى أن أهم الشركاء «المحتملين» في مواجهة من وصفته بـ«الإسلام الراديكالي» هم المسلمون الليبراليون والعلمانيون الذين يؤمنون بقيم الليبرالية الغربية وأسلوب الحياة في المجتمعات الغربية الحديثة. «والذين يمكن من خلالهم محاربة الأيديولوجية الإسلامية المتشددة والراديكالية، ويمكن أن يكون لهم دور مؤثر في حرب الأفكار». إذًا هذه بعض صفات المسلمين المعتدلين حسب الرؤية الغربية «ليبراليون وعلمانيون»، ومعروف أن كلتا الصفتين جزء من الثقافة الغربية.
بيد أن الدراسة تؤكد على أنه لابد من توفير كافة مصادر التمويل التي تمكن هؤلاء المعتدلين من نشر أفكارهم وحصد مؤيدين وأنصار لهم داخل المجتمعات الإسلامية، وتوفير الدعم السياسي من خلال الضغط على الحكومات السلطوية للسماح لهم بالتحرك بحرية ودون قيود.
3- تتناول ورقة العمل التي قدمتها الباحثة كريستينا كاوش ونشرتها مؤسسة فريدي للعلاقات الدولية والحوار الخارجي في إطار ما تنشره من مواضيع حول العالم العربي والإسلامي على موقعها، مسألة الحوار المباشر بين الإسلاميين المعتدلين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (المنطقة العربية) وحكومات دول الاتحاد الأوروبي، وقد اعتمدت الدراسة على حوارات سرية، ولم تكشف عن مصادرها، جرت بين ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وسياسيين إسلاميين حول علاقاتهم وارتباطاتهم وسياساتهم.تقول الباحثة كريستينا كاوش: «إن الحوار المباشر مع الحركات السياسية الإسلامية عمومًا كان أمرًا محظورًا على حكومات دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن السنوات الأخيرة أثبتت قصور هذه المقاربة التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي والقاضية بالتعاون مع الحكام وتجاهل التواصل مع الحركات الإسلامية ولو من بعيد، بهدف ضمان الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والدفاع عن مصالح دول الاتحاد الاستراتيجية فيها».
فالأوروبيون بالرغم من إدراكهم لما تتمتّع به هذه الحركات من ثقل شعبي وسياسي، إلا أنهم لا يشعرون بالاطمئنان تجاهها ولا يثقون بنواياها وأهدافها، ويخشون من عواقب الانخراط في حوار مباشر معها، كي لا يُثيروا شكوك وغضب الحكومات العربية التي تربطهم بها صداقات وصلات تعاون وثيق في مختلف المجالات الحيوية.
ولكن هذا لم يمنع من ظهور تناقضات عدة في هذا الشأن، حيث تبدلت المواقف وأخذ الأوروبيون يبحثون عن سياسات بديلة للتعامل مع ما يسمونهم بالإسلاميين «المعتدلين».
والحقيقة أن هناك ضرورة لانتهاج سياسات بديلة قد تدفع واضعي السياسات الأوروبية إلى تغيير مواقفهم من الإسلاميين المعتدلين، مع العلم أن الحوافز لإعادة توجيه مسار سياسات الاتحاد الأوروبي في المنطقة قليلة، ويعتبر منع التطرف جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب، بل إن فكرة الحوار بين الاتحاد الأوروبي والقوى الإسلامية نشأت في الأصل لأسباب أمنية.
ويرى الاتحاد الأوروبي بأن الوسيلة الوحيدة لتحقيق الاستقرار في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي الضغط على الحركات الإسلامية من الداخل، وغالبًا ما وصفوا «بالاعتدال» الأحزاب الإسلامية التي تتطلع إلى الحكم عبر المسار الديمقراطي ولها دور فاعل في التأثير والتغيير.
وترى الدراسة أن اندماج بعض الجماعات الإسلامية «المعتدلة» في السياسة الوطنية ونمو طاقاتها وحصولها على دعم واسع من المجتمع، وكذا نجاح بعضها في الانتخابات، أهّلها لتصبح محاوراً سياسياً على قدر من الأهمية.
4- في صحيفة الشرق الأوسط 18 فبراير2011 العدد 11770، نُشِرت مقالة بعنوان: «مستقبل مصر ديمقراطية» لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة (كونداليزا رايس) ذكرت فيه ما يلي: «والخطوة الأكثر أهمية الآن هي التعبير عن الثقة في مستقبل مصر الديمقراطية. والمصريون ليسوا إيرانيين، والثورة المصرية لا تشبه الثورة الإسلامية الإيرانية التي اندلعت عام 1979م. والمؤسسات المصرية، أقوى وعلمانيتها أعمق. ومن الوارد أن يشارك الإخوان المسلمون بإرادة الشعب في انتخابات حرة ونزيهة. ويجب أن يتم إجبارهم على الدفاع عن رؤيتهم لمصر. ولكن هل يسعى الإخوان المسلمون لفرض حكم الشريعة الإسلامية؟ وهل ينوون توفير مستقبل للتفجيرات الانتحارية والمقاومة العنيفة لإسرائيل؟ وهل سيستخدمون إيران كنموذج سياسي أم سيستخدمون نموذج «القاعدة»؟ وهل ستوفر مصر وظائف عمل لشعبها؟ وهل يتوقعون تحسين الظروف المعيشية للمصريين المنفصلين عن المجتمع الدولي عبر سياسات مصممة لزعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط؟».
وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في 24/2/2011 أن الإدارة الأميركية لن تعارض وصول جماعة الإخوان المسلمين المصرية للسلطة ما دامت تنبذ العنف وتلتزم الديمقراطية وحقوق كل أبناء المجتمع. وأضافت أنه ينبغي أن تضمن القوانين في مصر أنها ديمقراطية حقيقية.