إلى من يقبل بالمساومة بين الحق والباطل ... للإسلام أيديولوجية ثابتة، وكل فكرة فيه لها طريقة محددة من جنسها تُدرك من خلال الأدلة الشرعية ، وطريقة إيجاد الاسلام في الحياة هي الدولة ، والرسول سعى لإيجادها طيلة دعوته في مكة إلى أن أقامها في المدينة ، ولمّا كان الاسلام عقيدة موافقة لفطرة الانسان موصلة لسعادته ، بإجابتها عن تساؤلات الانسان حول غاية وجوده ، وتقريرها لحقيقة يوم الحساب الذي يثاب فيه الصالح ويعاقب المفسد ، لمّا كان ذلك اندفع الناس لاعتناق الإسلام حتى في غياب الدولة التي تمثل الاسلام عمليا وتطبقه واقعا محسوسا ، لذا كان لزاما أن تسقط كل الحركات والأحزاب التي لا تمثل الإسلام من أعين الناس ، وبقيت الأحزاب الاسلامية محط أنظار الناس وآمالهم ، وأدركت هذه الأحزاب أن وجودها واستمرارها مرهونٌ بتأييد الناس لهم فحرصت لذلك على رضا الناس عنهم حتى لا تسقط برامجهم وتغيب شرعيتهم ، ولكن غياب وعي الناس الصحيح عن أفكار الاسلام الأساسية المتعلقة بالعقيدة والخلافة والجهاد والأخوة الإسلامية ، و عدم رسوخ أفكار الإسلام وأحكامه ومعالجاته لدى الناس أعطى هذه الحركات فسحة من أمرها بالنسبة لبرامجها وخططها التي تعدها لنهضة المجتمع ما دامت هذه البرامج والأفكار تُغطى بشعار الاسلام وتتزين ببعض النصوص المفهومة بشكل مغلوط كآية الشورة " وأمرهم شورى بينهم" للاستدلال على صحة منهجهم وطريقتهم كالآراء التي تنسب للاسلام زورا وبهتانا كحوار الأديان ومشاركة العلمانيين في الحكم و التعددية السياسية والحريات والديموقراطية التي ليست نظاما للشورى أصلا ولكنها نظام حكم قائم على الغاء تحكيم شرع الله في علاقات الناس ، واستبدالها بالأحكام التي توافق عليها أغلبية البشر ، وظلت هكذا حتى خرجت على كثير من أحكام الاسلام القطعية ،واستُثمرت هذه الميكافيلية القائمة على فقه الواقع والموازنات من قبل الغرب فكان ما كان من وصول أحزاب وحركات اسلامية فارغ مضمونها من أحكام الاسلام ، فسقطت وفشلت هذه الاحزاب وكان ذلك طبيعيا لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول " إن الله لا ينصر بهذا الدين إلا من أحاطه من جميع جوانبه" ما ينبغي فهمه الان وادراكه ادراكا جازما هو أن نصوص الكتاب والسنة لا تسمح بمشاركة العلمانيين في الحكم ولا تقبل بالمساومة والمزج بين الحق والباطل وازالة الفواصل بين الاسلام والكفر ، وكذلك لا تقبل بالاسلام المجزء ، بل إن أحكام الله كلها صالحة للتطبيق على كل البشر ولا يجوز ان نأخذ البعض ونترك البعض ، وهذه هي أيديولوجية الاسلام المحددة التي لا تتغير وأستدل على ذلك ببعض النصوص التي أرجوا وعيها جيدا وفهمها ودراستها وتدريسها لإبنائنا ، حتى تنفض الأمة عن كاهلها غبار هذه الأحزاب والحركات المتصفة بخاصية الميوعة ، وتدرك الأمة ما يريدها منها ربها سبحانه وتعالى فلا تعطي سلطانها الا لمن يستحقه يقول سبحانه وتعالى مخاطبا رسوله "وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ" ويقول أيضا مخاطبا رسوله "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" ويقول أيضا { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد * وَلاَ أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلاَ أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } ويقول أيضا مخاطبا رسوله " ( ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ( 74 ) إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ( 75 ) ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " ويقول أيضا مخاطبا رسوله " وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ" و سيرة الرسول يظهر فيها الكثير من المواقف رفض فيها استلام الحكم المنقوص و لم يجامل أو يُداهن ، ولم يقبل المساومة على الحكم ولم يتنازل عن أي حكم شرعي سواءا بالتهديد من قريش أو التعذيب أو الدعاوة المضادة أو المقاطعة أو حتى الاغراءات لما عرضوا عليه الملك وأجمل النساء ، واستمر على دعوته يسفه أحلامهم ويعيب آلهتهم ، ويدعوا لله سبحانه هو وأصحابه ثابتا مستموتا متسهينا بكل الصعوبات في سبيل إعلاء كلمة الله .
|