منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

 
Reply to this topicStart new topic
> الواجب اتجاه اللاجئين: نصرة أم مخيمات أم طرد؟؟؟
الخلافة خلاصنا
المشاركة Aug 16 2015, 12:03 PM
مشاركة #1


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 4,312
التسجيل: 8-July 15
البلد: فلسطين
رقم العضوية: 2,314



الواجب اتجاه اللاجئين
نصرة أم مخيمات أم طرد؟؟؟
قضية اللاجئين وبالذات المسلمين هذه الأيام قضية كبيرة وبارزة إعلاميا، واغلب اللاجئين إن لم يكن جلهم من المسلمين، وسبب كونهم لاجئين هو تعرضهم للقمع والقتل والقهر والذل والهوان في بلادهم وذلك بسبب غياب الخلافة الإسلامية، مما يضطرهم لترك بلادهم والبحث عن بلاد أخرى تكون أكثر أمانا من بلادهم.
فمن اللاجئين الفلسطينيين واللاجئين السوريين حاليا والبورميين والليبيين وغيرهم، وأمام هذا الأمر لا نجد أي تصرف من حكام المسلمين الحاليين اتجاههم إلا أحد أمرين:
الأول: استضافتهم في مخيمات لا تقي حرا ولا بردا، وليس فيها ابسط مقومات اللجوء والحياة الكريمة، هذا فوق الإذلال الذي يتعرضون له، وهذا فوق وضع شروط من قبل الدولة المستضيفة للاجئين وإلا يتم إرجاعهم ليقوم الحكام الظلمة بقتلهم.
الثاني: هو طردهم وعدم استقبالهم كما يحدث مع اللاجئين البورميين عندما يتم طردهم من قبل حكام اندونيسيا وماليزيا وبنغلادش.
هذا ما يبرع به حكام اليوم، أما واجب النصرة اتجاههم فهذا لا يقوم به حكام اليوم وذلك لسبب بسيط، وهو انهم لا يمثلون المسلمين وإنما يمثلون الغرب الكافر.
فواجب الحاكم المسلم عندما يعلم عن مسلم مضطهد هو النصرة بتحريك الجيوش لقتال من يضطهدون المسلمين، إن وجدت القوة، وإلا يتم استضافتهم ومعاملتهم أفضل معاملة مثل السكان الاصليين لانهم جميعا مسلمون موحدون، ريثما يتم اعداد الجيش لقتال من ظلمهم.
هذا هو الاجراء العملي اتجاه قضية اللاجئين المسلمين وهو تحريك الجيوش ومحاربة الكفار الذين آذوا المسلمين، فصلاح الدين الايوبي والحكام في عصره لم يقيموا مخيمات للاجئين الذي فروا من الصليبيين وانما تم استقبالهم كضيوف اعزاء ريثما تم اعداد القوة للقضاء على الصليبين، والمعتصم لم يقم مخيمات للمسلمين المضطهدين من قبل الروم بل حرك الجيوش وقاتل الصليبيين لصرخة امراة واحدة، وغيره من القصص تبين كيف ان حكام المسلمين عاقبوا من يعتدي على المسلمين ولم يقيموا المخيمات لاستقبالهم فقط كما يحدث اليوم.
لم يكتف حكام اليوم فقط بعدم استقبال اللاجئين وخذلانهم وعدم نصرتهم، بل انهم اقاموا سلاما مع من هجروهم مثل العلاقات التي تقيمها كثير من الحكومات مع يهود، ومثل الجهود التي يبذلها حكام تركيا لانتاج نظام سوري آخر موال لأمريكا، ومثل العلاقات التي ما زالت موجودة حتى اليوم مع حكام بورما من قبل حكومات تدعي انها اسلامية.
ان الحياة الذليلة التي يتعرض لها المسلمون جعلتهم يهاجرون الى بلاد اخوانهم، ولم يلاقوا الحياة الكريمة للاسف، وعندها هاجروا الى البلاد التي تدعي الحرية وهي بلاد اوروبا، ولكنها هي الاخرى ضاقت ذرعا بهم فتركتهم يموتون في عرض البحر، واذلتهم واهانتهم كونهم مسلمين، وبدات هذه الدول الصليبية باجراءات ضد جميع المسلمين في اوروبا حتى لا يكثر عددهم في اوروبا، وهكذا ابدت هذه الدول ايضا انيابها الحاقدة على المسلمين.
ولذلك لا حل لقضية اللاجئين المسلمين الا بازالة عروش حكام اليوم واقامة الخلافة على انقاضهم جميعا بدون استثناء، لانهم عون للكفار وليسو من جنس امة محمد وان تسموا باسمائها وتكلموا لغتها وصلوا مثل صلاتنا.
Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم سلمة
المشاركة Aug 16 2015, 05:23 PM
مشاركة #2


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 2,229
التسجيل: 13-May 12
رقم العضوية: 1,892



https://www.facebook.com/naqed.info/photos/...e=1&theater

بارك الله في كاتب الموضوع وناشره

Go to the top of the page
 
+Quote Post
الخلافة خلاصنا
المشاركة Dec 13 2015, 04:07 PM
مشاركة #3


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 4,312
التسجيل: 8-July 15
البلد: فلسطين
رقم العضوية: 2,314



إلى المهاجرين إلى دول الغرب هروبا من الجحيم الذي يلاقونه

===================
أيها المهاجرون.......

لقد هاجرتم إلى أوروبا وغيرها عبر رحلات سفر غير قانونية عبر البحار، فكان الغرق مصير المئات منكم...

هربتم من بلادكم التي تشهد حروبا وقتلا ودمارا إلى بلاد تظنون الخير فيها...

ولكن هذه البلاد التي رنوتم بأبصاركم اتجاهها هي سبب مآسيكم وهي من صنعت هذا الواقع في بلادكم....

فمنطقة الشرق الأوسط في العالم الإسلامي حكامها عملاء لأوروبا وأمريكا وهم من يقومون بهذه السياسات في بلاد المسلمين لإذلالكم ونهب خيراتكم وتدميركم ومنعكم من التحرر والحكم بالإسلام الذي يخلصكم من هذه الشرور التي تعيشونها.....

نعم حكام أوروبا وأمريكا وغيرهم يدعمون الديكتاتوريات في العالم الإسلامي، وهجرتكم إلى بلاد الغرب هي هجرة إلى من كان السبب في مآسيكم....

وحتى ديمقراطيتهم العفنة وخداعهم لم يدم طويلا، فقد ادعوا أنهم ملجأ للمضطهدين، فإذا بهم يتركونكم تموتون في البحر حتى يقللوا من أعداد المهاجرين وحتى يردعوكم عن الهجرة إليهم والحوادث على ذلك كثيرة...

إن هؤلاء القوم ينظرون إليكم أيها المسلمون على أنكم مصدر تهديد لهم، لذلك تركوكم تموتون في البحار غرقا حتى لا تهاجروا إليهم، لئلا يزداد عدد المسلمين على عدد النصارى...


حتى المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم يتعرضون لكافة أنواع التمييز والعنصرية وهم من يدعون أنهم بلاد الحريات، ففتاة تلبس لباسا محتشما هي إرهابية يجب أن لا ترتاد المدارس، ومئذنة تنادي ب"الله أكبر" تمنع من العلو في بلادهم...

يسيئون لنبيكم ويهاجمون دينكم وكل من يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله

نعم إنهم سبب مصائب المسلمين، وهم رعاة الإرهاب والتطرف، والداعمون الرئيسيون للحكام الحاليين -حكام المسلمين- الذين يمارسون اشد أنواع الظلم بحقكم....

إذن ما الحل أيها المهاجرون؟؟؟!!!!

الحل هو أن تبقوا في بلادكم وتتحملوا الأذى، وتعملوا مع العاملين لإقامة الخلافة التي تخلصكم من حكام المسلمين الحاليين وتنشر العدل في الأرض، وتعمل على نشر الإسلام في بلاد الغرب لتخلص البشرية من ظلمات الرأسمالية المقيتة التي أشقت العالم....

هذا هو الحل ولا حل غيره، والهجرة هي هروب من صبيان الظالمين إلى الظالمين أنفسهم، وهذا كله غير ما ستتعرضون له من فتنة عن دينكم إن وصلتم بلادهم، فبلادهم بلاد الشر والإجرام والفتن عن دين الإسلام، وهم رعاة الإرهابيين والمجرمين في العالم....

فماذا تختارون؟؟؟؟
Go to the top of the page
 
+Quote Post
الخلافة خلاصنا
المشاركة Dec 13 2015, 04:12 PM
مشاركة #4


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 4,312
التسجيل: 8-July 15
البلد: فلسطين
رقم العضوية: 2,314



رابط الموضوع:

https://www.facebook.com/145478009128046/ph...7331941/?type=3

=========================

https://www.facebook.com/145478009128046/ph...3998578/?type=3
Go to the top of the page
 
+Quote Post
الخلافة خلاصنا
المشاركة Oct 15 2016, 06:55 AM
مشاركة #5


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 4,312
التسجيل: 8-July 15
البلد: فلسطين
رقم العضوية: 2,314



بسم الله الرحمن الرحيم


إشكاليةُ هجرةِ المسلمين إلى الغرب
(دوافعُها، خطورتها، تداعياتها) (1)



صالح عبد الرحيم - الجزائر


1- خلفيةُ بروز مشكلةِ الهجرة والإقامةِ في بلاد الغرب.
بسبب ما يلقاه المسلمون اليومَ في بلدانهم على يد حكامهم من قمع وظلمٍ واضطهاد وقهر، وما يكابدون من متاعب وتحدياتٍ معيشية وفقر، وما يجابهون من سوء الأوضاع بسبب انعدام الرعايةِ بعد زوال دولتِهم وانحسار سلطانهم واحتلالِ بلدانهم وتقسيمِ أوطانهم، برزت للوجود مشكلة كبيرة وظاهرة خطيرة، اسمها: هجرة المسلمين إلى بلاد الكفار، إلى أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية وأستراليا وغيرها... وسواء أهاجروا أم هُجِّروا - كما حدث مثلًا لأهل فلسطين قبل وبعد النكبة في 1948م، الذين هُجِّروا إلى أقطار الدنيا كلها – فالأمر هو نفسه على مستوى النتائج والتداعيات. كان المسلمون في السابق (قبل زوال ظل الخلافة) كلما انكسروا على جبهة من الجبهات ضد أعدائهم فروا بدينهم إلى بعض البلاد الإسلاميةِ المنيعة، وهو ما حدث مثلًا للمسلمين في الأندلس قبل قرون عندما جنحوا إلى بلاد المغرب (شمال أفريقيا)، ولإخواننا الشيشان (ومَن جاورهم) في روسيا القيصرية عندما قدموا إلى بلاد الشام والأناضول بعدما تلقت الدولةُ العثمانية ضرباتٍ قاسية على جبهات القتال مع الروس، علمًا أن الضغطَ والاضطهاد في روسيا السوفياتية تواصلَ على المسلمين حتى بعد سقوط الخلافة حين هُجِّر الكثير منهم إلى أماكن شتى إبان الفترة الشيوعية، الستالينية تحديدًا. إلا أنه لما ذهب حكمُ الإسلام عن بلاد الإسلام بعد الحرب العالمية الأولى، وما تلا ذلك من نكبات بعد الحرب العالمية الثانية، حلت بالأمة وبالبلاد الإسلامية ظروف قاسيةٌ لا تطاق، لم تكن معروفةً من قبل، فاستُبيحت الأمةُ من كل جانب، واستُبيح المسلمون في دمائهم وأموالهم، كما استُبيحوا في أرضهم وعرضِهم. فاستفحل الأمرُ وتعقَّدت المشكلةُ وزاد التآمرُ والاضطهاد والإبعاد، وبدأ المسلمون يَشُدُّون الرحالَ إلى بلاد الغرب الكافر فُرادى وجماعاتٍ. ولم يكن ذلك هروبًا مؤقتًا من جحيم البطش الاستعماري والإذلال والقهر، وإنما كان (بتدبيرٍ من الغرب الكافرِ نفسه) مؤامرةً خبيثةً وخطةً محكمةً وهدفًا سياسيًا سيجني منه العدو المتربصُ لاحقاً فوائدَ ومكاسبَ عظيمةً، وهو ما نراه اليومَ من نتائج وخيمةٍ على الأمة، وإفرازاتٍ خطيرة غيرت وجهةَ النظر في الحياة لدى أكثرِ أبناءِ المسلمين (ممن غاد إلى هناك) عبر الاحتواء والاحتكاك والعيش طويلًا في كنف الرأسمالية والعلمانية السافلة، وأجواءِ الحضارة الغربية المناقضِة للإسلام في الكليات وفي الجزئيات!! فلم يكن فتحُ أبواب أوروبا وأميركا وغيرها - لأبناء المسلمين تحديدًا - عملًا إنسانيًا بريئًا، ولم يكن فتحُ أبوابِ الهجرة للمسلمين إلا غرضًا مبدئيًا ذا دوافع سياسيةٍ بامتياز، يجري فيه استقدامُ الكفاءات والأيادي العاملة، وتهجيرُ الأدمغة «المشتغِلة» من أصحاب العلوم والمهارات، ومن الفاعلين سياسيًا والمثقفين والمتعلمين إلى البلاد الغربية من خلال الترشيح ثم القبول، عبر قوانينِ الهجرةِ بالقرعة والانتخابِ، وقوانين اللجوءِ السياسي المدروسةِ والمرتبةِ والمصممةِ بإحكام لاستقطاب ما يلزم الغربَ من الأيادي والعقول، ولم يكن ذلك إلا بهدف توطيد ركائز القوةِ الفكرية والعلميةِ والثقافية والسياسيةِ والاقتصادية في بلاده، وفي نفس الوقت لتثبيت وجودِه وبقائِه في أمة الإسلام أطول ما يمكن. فوُجد جراء ذلك في بلاد الغربِ اليومَ بالتواطؤ مع عملائه في هذه البلاد واقعٌ جديد اسمه الجالية، أو الجاليات. فكان ذلك بمثابة إسفين يدق الأمةَ من جهتين، ويضرب في اتجاهين متضافرين: الأول هو إفراغُ البلاد الإسلامية من الكفاءات في شتى المجالات عبر الهجرةِ الطوعية والقسرية ومغادرةِ الأوطان باتجاه الغرب؛ حتى صار لكل قطر من هذه الأقطار التي صنعها الاستعمارُ في بلاد المسلمين جالية عنده، أي في دولةٍ أو أكثر من دولة، يكثر عددُ أفراد الجالية فيها أو يقل بحسب علاقةِ الدولة ببلاد المسلمين. مثلًا: الجالية الهندية والباكستانية في بريطانيا، الجالية المصرية في أميركا، الجالية الجزائرية في كل من فرنسا وأميركا وكندا، الجالية المغربية في كل من بلجيكا وفرنسا وإسبانيا وأميركا، الجالية التركية في ألمانيا، الجالية اليمنية في أميركا...
وأما الثاني - وربما هو الأخطر - فهو تقويةُ دعائم دولِ الغرب في بلاد الكفر في جميع المجالات، وفي جميع الاتجاهات، وعلى جميع الأصعدة والجبهات!! فكانت النتيجةُ حتمًا ما نراه اليومَ من إسهام المسلمين أنفسِهم في إدامة محنتِهم وتكريسِ سوءِ أوضاعهم بتعزيز هيمنةِ الكفار ونفوذِ الغرب عدوِّهم في بلاد المسلمين، بل وفي العالم أجمع. ثم لم يكن مِن هذه التداعيات الرهيبة والخطيرة بعد استقرار الوضع على هذه الشاكلة بعد عقود من الزمن سوى ما نحن بصدد عرضه ومعالجته في هذه الصفحات، وهو ليس الهجرةَ نفسَها بقدر ما هو نظرة المسلمين اليوم إلى الهجرة بأعداد كبيرة إلى بلاد الغرب، وهو أخطر ما في الأمر، بعدما أصبحت هذه الهجرةُ اليومَ عند جمهرتهم حُلمًا لضمان مستقبلٍ أفضل، وطريقًا لتحسين الوضع المادي، ومخرجًا من دوامة ضغط الواقع المرير، يستهوي النساءَ والرجال إلى حد لا يوصف، وهدفًا يداعب أحلامَ شباب المسلمين على وجه الخصوص! فبات وجودُ المسلمين بعدد معتبٍر وبشكل دائمٍ ومتزايدٍ في بلاد الغرب يَطرح اليومَ إشكاليةً حقيقيةً على فقهاء ومجتهدي هذا الزمان، والمقصود بقولنا «هذا الزمان» هو زمنُ غيابِ الدولةِ الإسلامية أي الخلافة، وزمنُ هيمنةِ الحضارة الغربية.
وليس المقصود بالهجرة التي نحن بصدد النظر فيها (كواقع سياسي نعيشه اليومَ) هو السفرُ إلى خارج البلاد الإسلامية، أو الخروج من دار الإسلام (حال وجودها) إلى دار الكفر لجلب مالٍ أو استقدام سلعةٍ أو تجارةٍ أو تحصيل علمٍ أو خبرةٍ، أو السفرُ بغرض التداوي أو النزهةِ والاستكشافِ أو الاطلاعِ على أعمال وأحوال الشعوب في البلاد المختلفة (مما قد يصب في خدمة الأمة الإسلامية ولو بشكل من الأشكال)، فلذلك ضوابط شرعيةٌ من الفقه معروفةٌ من أيام الدولة الإسلامية الأولى، فلم يكن المسلمون يعيشون بمعزِل عن العالم، وإنما كانوا دائمي الاحتكاك مع غيرهم من الشعوب والأمم في بلادهم وفي بلاد غيرهم. وإنما المقصود هو ما طرأ على حال الأمةِ من انفلاتٍ منذ بضعةِ عقودٍ في موضوع تركِ المسلمين بلادَ المسلمين بغرض الاستقرار والاستيطان في بلاد الكفار من جميع القارات بأعدادٍ متزايدة، بسبب الضغط والقهر الاستعماري الغربي، وهو ما كوَّن في كل بلدٍ غربي جاليةً منهم!! (وهو موضوع هذا المقال).
فنجد مثلًا مما ورد في تشخيص ظاهرةِ الهجرة هذه، وكذا في التفريقِ بين أصناف وبواعث المهاجرين، ما جاء في قول أحد الباحثين في هذا الشأن ضمن مقالٍ بعنوان «الإقامة خارج ديار الإسلام... أحكام وضوابط» ملخصًا عواملَ وملابساتِ ظهورِ مشكلةِ الهجرة وإقامةِ المسلمين في غير بلاد الإسلام، كما يلي:
«الوجود الإسلامي خارج الوطن الإسلامي يتطور سريعًا كمًّا وكيفًا بين من يريد من إقامته هناك استفادةً ظرفيةً عابرةً وبين من يريد الاستقرار، وقد بدأ المسلمون الهجرةَ إلى الدول الغربية بعد منتصف القرن العشرين، جماعاتٍ ووحدانًا، وأُسَرًا وأفرادًا، بسبب ظروفٍ شتى حلت بهم وببلادهم. ولم تكن هجرتهم إلى تلك البلاد، وتكوينُهم بعد ذلك جاليةً (أو جالياتٍ) كبيرةً لها انتشارها وامتدادها، منبثقةً عن تخطيط منهم أو من دولهم، بل كل ذلك كان نتيجة ظروفٍ ألمـَّت بهم أو نكباتٍ حلت ببلادهم. وأيضًا لم تكن بواعثُ تلك الهجرة متحدةً في أهدافها ومسبباتها بل كانت متفاوتة... وَوَجد فقهاءُ الإسلام أنفسَهم أمام ظاهرة لم تكن مألوفةً من قبل، ولا عهد لسلفهم بها. فبدلًا من إقامة المسلمين في بلادهم الإسلامية والتنعم في ظل مجتمع مسلم (أفراده إجمالًا مسلمون)، وهو وإن لم يلتزمْ كلَّ أحكام الشريعةِ الإسلامية في حياته، إلا أنه لم ينحلَّ عن جميع معالمها، إذا بهم - أو بكثير منهم - يُؤثرون الإقامةَ في مجتمع لا يمتُّ إلى الشريعة بصلة، وإن بدا لأول وهلةٍ أنه مجتمع مثالي (في أعينهم)!!
فتحيـَّرت أفهامُ العلماءِ أمام هذه الظاهرة، واختلفت أقوالُهم في بيان الحكم الشرعي... فمن محرِّمٍ للإقامة خارجَ ديار الإسلام، وداعٍ المهاجرين المسلمين للعودة إلى بلدانهم الأصلية، ومن متحمِّسٍ لتوسيع هجرةِ المسلمين وتعميق أثرِها في بلاد الغرب، ومن وقائلٍ آخر بالتوفيق بين التقيد بالثوابت الإسلامية وبين مقتضيات المواطنةِ للمسلمين خارج البلاد الإسلامية، مع ضرورة العملِ بشتى الوسائل لتحصين المسلمين هناك وتقويةِ كيانهم دون إخلال بالأنظمة المرعية، وتحديدِ الثوابت الإسلامية التي يتعرضُ المسلمون خارج البلاد الإسلامية لتغييرها، ورسمِ السبل للحفاظ عليها..» [انتهى كلام الباحث فضل الله ممتاز].
2- النظرة الواقعيةُ للمسألة، وهي رؤيةُ العلماءِ المعاصرين (أي ما بعد ذهابِ الخلافة) ورؤيةُ أصحابِ الإسلام المعتدل!
فيبدو أن أصحاب «الإسلام المعتدل» كانوا سباقين في إعطاء الجوابِ فيما يتعلق بإشكالية وجود عدد كبير من المسلمين – وهم اليوم أجيال - يعيشون منذ عقود بين ظهراني الكفار في الدول الغربية، وذلك فيما أسمَوه فقهَ الجالية أو فقهَ الأقليات الإسلامية. إذ المسألةُ عندهم سهلة ميسورة، يَـحُلُّها لهم الاعتدالُ نفسه، والنظرةُ المقاصدية المصلحيةُ للشريعة، فهم يرون بالمجمل أن على المسلمين الموجودين الآن في بلاد الغرب، خصوصًا الذين خرجوا من البلاد الإسلامية واتجهوا إلى الدول الغربية - فضلًا عن الذين نشؤوا هناك من أبناء الجالية، أو ممن أسلم من أهل تلك البلاد – عليهم أن يندمجوا تمامًا في المجتمعات التي هم فيها، وأن يتعايشوا مع مواطني تلك البلاد كأوروبا وأميركا وأستراليا وكندا وغيرها...مع الفارق أن يتمسكوا هم بدينهم! وأن لا مانع (شرعًا) من البقاء هناك بشكل دائم، خصوصًا بعد ما صاروا أجيالًا ولم يعودوا جيلًا واحدًا. فنجد من كلامهم في هذا الشأن (وذلك بشكل متناغمٍ لافت، لا ينمُّ إلا عن تخطيط مسبق وتدبير مبيَّت من الجهات الفاعلة على الساحة الدولية) أنَّ على المسلمين الذين يعيشون في أية دولةٍ من دول الغرب (أوروبا أو غيرها) أن يكون ولاؤُهم لدولتهم ولوطنهم هناك، وعليهم أن يكونوا أكثرَ وطنيةً من أهلها الأصليين! (قالها مثلًا عبد الفتاح مورو مؤخرًا على الجزيرة هكذا صراحةً). ويرى أصحابُ «الإسلام المعتدل» (الذي هو في الحقيقة نسخةٌ مشوهة من العلمانية، بل هو أساسًا خطةٌ من خطط الغربِ لمحاربة الإسلام) أنَّ على هؤلاء، بل من مصلحتهم، أن يعتبروا أنفسَهم مواطنين من نفس الدرجة، مؤدِّين ما عليهم من واجباتٍ يفرضها الانتماءُ لتلك الدول، ومطالبين بل مدافعين عن حقوقهم وفق قوانين الإقامة والجنسية والمواطنةِ المعمولِ بها في تلك البلدان، بل فارضين أنفسَهم هناك على اعتبار أنهم أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من تلك الأوطان، ومن نسيج تلك المجتمعات التي تدين بالديمقراطية وتعيش في فضاء واسعٍ من الحرية والمساواة بين بني الإنسان، وهو فضاء رحبٌ يسع الجميع، مفقودٌ تمامًا في بلاد المسلمين. كما يضمن في نظرهم التعايشَ والمحافظةَ على الهوية، ويتيح للجميع ممارسةَ الشعائر والتمسكَ بالدين الذي يختاره الإنسان. وذهبوا إلى القول بواجب الانخراط في المنظمات والأحزاب والجمعيات، وفي الحياة السياسية والاقتصادية ضمن القواعد المعمول بها حيث هم؛ وذلك من أجل ضمانِ مصالحِهم عبر التأثير في السياسات والبرامجِ الحكومية في الدول التي هم فيها.
إلا أن أصحابَ منهج الاعتدال لما رأوا أن ذلك ربما يصطدم مع الإسلام في بعض مفاهيمِه وأحكامه (بحسبهم)، عمدوا إلى الطريقة السحرية في عملية التكييفِ والتكيفِ، وهي: تغييرُ خطاب القرآنِ والسنةِ بما يتفق مع روح العصر. والعصر هنا هو زمن العلمانية، التي تحكم الدنيا كلَّها اليوم. فهل يجب أن تتغير الأحكامُ الشرعية («القديمة») لكي تجيبَ على تساؤلات الزمان ومتطلباتِ المكان، وتَحُلَّ إشكاليةَ وجودِ مسلمين تعدادهم بالملايين في بلاد الغرب (بين 6 و 7 ملايين من الجزائر وحدها مثلاً)؟ نعم، بحسب هؤلاء، إنه فقه الجالية أو فقه الأقليات. فكان لازمًا عندهم بالنتيجة أن يخلوَ خطابُ المسلمين في بلاد الغرب تمامًا من أية ألفاظٍ وعباراتٍ تحمل العداءَ (الذي لم يعد في نظرهم عداءً مبدئيًا بل تاريخيًا) وتحملُ معاني شرعيةً من مثل: الكفار، الجهاد، الغرب الكافر، الآخَر، دار الكفر، الغرب عدو المسلمين، القيم الغربية الزائفة، الرأسمالية النتنة، أوروبا الاستعمارية، العلمانية المقيتة، الاقتصاد الربوي، الخليفة، الخلافة... إذ لم يعد معقولًا ولا مقبولًا أصلًا بنظرهم استعمالُ هذه المصطلحات في الأوساط السياسةِ والثقافية والإعلاميةِ هناك في الغرب!!.
ومع أن الذهابَ إلى بلاد الغرب ابتداءً بهدف الاستقرار يطرح أكثرَ من سؤال عند بحث مناط الحكم، بل يثير أكثرَ من شبهة ورأيٍ عند الباحثين، كون الدولة الإسلامية غائبة، فوفق هذه النظرة الوسطيةِ المعتدلة يجوز للمسلم أن يعيش في أي مكان يختاره، طالما أن الأرض أرض الله، وأرض الله واسعة! فله أن يختار أيَّ بلدٍ (في الغرب تحديدًا) ليستقر فيه، خصوصًا وأن جميع البلاد - البلاد الإسلامية أو غيرها – دارُ حرب أو دار كفر، حتى بحسب الاصطلاح الفقهي «القديم» الذي تجاوزه الواقعُ وتجاوزه الزمن، ولم يعد له أي معنى في دنيا اليوم - في نظرهم. أما وقد صار وجود المسلمين واقعًا، وهم اليومَ (في أوروبا وأميركا تحديدًا) بالملايين، فلا بد لوضعهم من علاج في الشريعة. فكان أن انبرى طائفةٌ من أصحاب هذا الاعتدال الزائف والواقعيةِ المميتة إلى إخضاع النصوص وتكييف معانيها مع ما يمليه الظرفُ مكانًا وزمانًا، وما يمليه ضغطُ النظام الدولي الجديد، واستنبطوا فقهًا يفي بغرضهم. فكان أن أفتوا بجملة من الأحكام: منها على سبيل المثال حتميةُ ولزومُ الاندماج والخضوعِ للقانون في تأدية الشعائر كصلاة الجمعة مثلًا، وفي شكلِ اللباس خصوصًا ما تعلق بلباس الفتاةِ والمرأةِ المسلمة في المهجر، والإيفاء بواجبات المواطنةِ كواجب التنديد من قِبَل المسلمين في كل حادثة مما يسميه الغربُ «إرهابًا»، بل وبكل ما يمس بثوابت المجتمعات التي هم فيها (من حرياتٍ وديمقراطية وقيم مجتمعية كالمساواة وحقوق المواطنة وغيرها...) بل أفتوا بواجب تركِ هموم بلادِ المسلمين إلى المسلمين في بلاد المسلمين، أي بعدم نقل ما يسمونه مشاكلَ الشرق الأوسط واهتماماتِ بلدانهم الأصلية لا إلى أوروبا، ولا إلى أميركا، ولا إلى أستراليا، ولا إلى كندا!! وقد رأينا كيف تصرف أبناءُ الجالية في أوروبا مؤخرًا وفرنسا تحديدًا عقب أحداث شارلي أبدو وأحداث باريس الأخيرة ولسان حالهم يقول (رافعين لافتاتٍ): دعونا وشأنـَنا، واتركونا نعيش في هدوء وطمأنينةٍ وبسلام وانسجامٍ مع إخواننا (في الإنسانية) في وطننا الجديد، ولا تحمِّلونا تبعاتِ إسلامِكم وصراعاتِ الشرق الأوسط، فإسلامنا ليس كإسلامكم! (إسلام أوروبي، إسلام أميركي، إسلام فرنسي، إسلام ألماني، بريطاني، بلجيكي،كندي، نمساوي، نرويجي، دنمركي... فلكل بلد همومه الخاصة ومشاكلُه الخاصة واهتماماتُه الخاصة)!! ولأول مرة ربما رأينا لافتاتٍ تُرفع في مسيرات في الشوارع في بعض عواصم البلاد الأوروبية مكتوب عليها: «مسلمون، مسيحيون، يهود، كلنا معًا ضد الإرهاب!!». فهل نجح الكفار في شَرذمَة المسلمين إلى هذا الحد؟؟
وقد سمعنا خطابَ بعض الدعاةِ والخطباء في بعض مساجد تلك البلاد، وقد حمـَّلوا مسؤوليةَ صعودِ أحزابِ اليمينِ المتطرف في أوروبا كالجبهة القومية أو الوطنية في فرنسا، وحزب الفجر الذهبي في اليونان، وحزب التقدم في النرويج، والديمقراطيون السويديون في السويد، وحزب الحرية النمساوي في النمسا، وحزب ألمانيا القومي الديمقراطي في ألمانيا، وحزب الشعب الدنمركي في الدنمرك، وحزب استقلال بريطانيا في بريطانيا (وهو الأقل تطرفًا) وما يماثلها في غيرها من الدول، حمَّلوا صعودَ هذه الأحزابِ إلى التصرفات الهوجاء والأعمال الإرهابية التي يقترفها المسلمون من ذوي النظرة المتشددة تجاه الغربِ بسبب التزمت وسوء فهمِ الإسلام (بحسبهم)!! مع أن هذا غيُر صحيح، فلأميركا والدول المناوئة لأوروبا الموحدة، والمناوئة للاتحاد الأوروبي في الموقف الدولي، دور كبير وفوائدُ ومآربُ في إيجاد قلاقل وتأجيجِ الصراعاتِ الداخلية في البلدان الأوروبية، وفي تصاعد الخطاب اليميني المتطرف تحديدًا. وقد سمعنا أيضًا خطابَ بعض رموزِ الجاليات المسلمةِ والدعاةِ والخطباءِ من أمثال عدنان إبراهيم في فيينا بالنمسا، وبن بية الموريتاني في فرنسا وغيرهم، وخطابَ كثير من أئمة المساجد في العواصم الغربية يدعو صراحةً إلى تبني الفكر الديمقراطي، وإلى قيم المواطنةِ والتوافق والتعايش ونبذ التطرف، ويدعو إلى الانسجام الكاملِ والاندماج التام في تلك المجتمعات بما يمليه واجبُ المواطنة، ولكل دينه وعقيدته!! فكان أن تضاعفت المشكلةُ ليس بسبب وجود «دعاة» (في أوروبا وأميركا) إلى إسلام علماني مخففٍ بنكهة البلد الذي جاؤوا منه فحسب (!!!)، ولكن أيضًا (وفي الوقت نفسه) بسبب تدخلِ حكوماتِ الدول الغربية نفسِها في صناعة خطباء ودعاة على المقاس، يَفُون بغرض تحديدِ نوع الإسلامِ الذي تريده كلُّ دولةٍ من هذه الدول الغربية في داخلها! وبالنتيجة أصبح وجود المسلمين بشكل دائم في بلاد الغرب هاجسًا ومشكلةً كبيرةً تُوظف فكريًا وسياسيًا داخليًا من طرف كل دولةٍ من دول الغرب، كما يجري توظيفُها دوليًا أيضًا. ونحن نسأل: فهل صار وجودهم في الغرب أيضًا مشكلةً تُوظف ضد المسلمين عالميًا وعبئًا جديدًا على الأمة الإسلاميةِ وهي في طريقها إلى النهضة من جديد؟؟ نعم هذا هو الحال! وهذا ما نقوله.
كما يرى أصحابُ «الإسلام المعتدل» أنه يجب على المسلمين عمومًا في تلك البلاد أن يخضعوا لشروط الهجرة أو اللجوءِ التي تحصَّلوا بموجبها على دوام الإقامةِ، أو تمكنوا على أساسها من أخذ جواز السفر أو الجنسية (حسب الحالة)، فالمسلمون عند شروطهم. ثم قالوا: ماذا يقال لأبناء المسلمين وأحفادِ المسلمين الأوائل الذين سافروا إلى الغرب بدوافع مختلفة ولأسباب شتى، ثم انتهى بهم الأمرُ إلى التوطن هناك بشكل دائم؟ هل يُعقل أن تُطلب العودةُ إلى بلاد المسلمين من هؤلاء بعدما استقروا فيها طويلًا أي لعشرات السنين؟ وماذا عن آبائهم وأحفادهم؟؟ وعلى أي اعتبار من جهة العقل أو الشرع؟ بل هل يُعقل أن يُطلب ممن أسلم من أهل تلك البلاد أن يتركوا بلادَهم وأن يدخلوا البلاد الإسلامية، أي أن ينتقلوا من دار كفرٍ إلى دار كفرٍ، فهل يصح هذا الكلام؟ وقالوا أيضًا: كيف إذًا تنتقل الخبراتُ والعلومُ والتكنولوجياتُ والتجاربُ من البلاد المتقدمة إلى بلاد المسلمين (المتخلفة) لولا الهجرة والوقوفُ على أحوال الأمم والشعوب الأخرى وأعمالِهم من أجل استجلابِ علومِهم وصناعاتِهم وإنجازاتهم، والاطلاعِ على سلبياتهم ومساوئهم ومفاسدهم عبر الاحتكاك والتعايشِ والمكوثِ في الغرب لفترات طويلة، أو بالأحرى أطول ما يمكن؟؟
نقول: إن المدقق في أمر هذا الخطاب إزاء هذه المشكلة يجد أن منطلقَ ثقافة الاعتدال كلها هو التسليمُ بالواقع والنظرةُ النفعية الواقعية للأمور، والقفزُ على وجوب وجودِ الدولة في حياة المسلمين. كما يكتشف سريعًا أن أصل الداء عند هؤلاء إنما هو نظرةُ فصل الدين عن الحياة وعن السياسة التي جاءت من الغرب (وباتت تسري كالدم في عروقهم)، فمن تداعيات ذلك أن صار كلُّ شيء في أذهانهم مقلوبًا، سواء فيما تعلق بأفكار الإسلام، أم بفهم الواقع في بلاد المسلمين أم في الغرب، أو بغير ذلك. فصار من غرائب وعجائب تداعياتِ ذلك، هذه النظرةُ المعكوسة لحقيقة الدولةِ ولمفهومِ المجتمع في الإسلام، وهذه النظرةُ الواقعية لأحوال وأوضاع المسلمين عمومًا عبر العالم بعد زوال دولتهم، حيث باتوا يُسلِّمون بواقع سيطرة الكفار، وبميثاق الأمم المتحدة، وحيث صار بالتالي تطبيقُ الإسلام وتنفيذُ أحكام الشرعِ موكولًا عند أصحاب هذا الانبطاح إلى جهود الأفراد وآحادِ الأمة بَدلَ الكيان السياسي الذي على المسلمين إيـجادُه!
ومن أثر ذلك أيضًا، هذا الاضطرارُ إلى الالتواء والتكيُّفِ مع الواقع بعد كل مصيبة تصيب المسلمين، وبعد كل نكبةٍ أو نكسة تَحُل بالأمة بسبب عدمِ الانضباطِ بالشرع، وبسبب فقدان البدائل والمعالجات في زمن غيابِ دولةِ الخلافة، وهو دون شك من تداعيات هذه الرؤية المشوَّهة والمغلوطة لمعنى السياسة ولمعنى الدولة ولمعنى المجتمع. ومن ذلك نظرتـُهم لوجود المسلمين في الغرب، ونظرتـُهم القائلة بلزوم هجرةِ المزيد منهم إلى الغرب! بل إن من تداعيات هذه النظرةِ المصلحية الواقعيةِ للشريعة، أنَّ أصحاب هذه الانهزامية باتوا اليومَ فعلًا خطةً من خطط الغرب في محاربة الإسلام، وأصبحوا أداةً من الأدوات التي يوظفها أعداء الأمة فكريًا وسياسيًا من أجل صرف المسلمين عن استعادة دولتهم وقوتهم.
ونظرًا لما لذلك من صلة بموضوع الهجرة (من حيث ربط العَرَض بأصل الداء)، لا بأس أن نعرج على شيءٍ من ذلك التوظيفِ الفكري السياسي الخطير والتسخيرِ العجيب الذي يستهدف أسسَ الإسلام ومفاهيمَه في العمق، وهو دون شك من محدَثات الأمور. ويتعلق الأمر بما أوجده الغربُ لديهم من نظرة ملتويةٍ مقلوبةٍ لمقاصد أحكام الشريعة الإسلامية، تكاد تُلغي ما جاء به الوحي من عند الله جملةً وتفصيلاً، من حيث إن هذه النظرةَ تُناقض تمامًا ما قصَدَه علماءُ الأصول من سلف الأمةِ في هذا الباب (ليس هذا محل إثباته). مفادُ هذه الرؤية تطويرُ خطاب القرآنِ الكريم لكي يستجيب بحسبهم لمتطلبات العصر ومستلزمات معالجة حالِ المسلمين في هذا الزمان، وتعليلُ شريعةِ الإسلام ومعالجاتِه بالمقاصد والمعاني وفق منهج واقعي منبطحٍ سقيم في «الاستنباط» يجعل للمنفعة والمصلحةِ التي دل عليها العقلُ في هذا العصر - أي في زمن هيمنةِ حضارةِ الغرب ومفاهيمِه على حياة المسلمين - حجِّيةً تكاد تأتي على أحكام الشريعة كلها!
ذلك أن مبنى الشريعة برمتها عند رواد هذا التلاعب والالتواء من المعتدلين هو جلبُ المصالح ودرءُ المفاسد (مع أولوية الثاني على الأول) بما يفيد لزومَ إعادةِ فهم النصوص، ولزومَ إعمالِ الحكمةِ والعقلِ ومبدأِ التدرج سواء في عملية الالتزام وتطبيق الأحكامِ، أو في الدعوة إلى الله بغرض النهوض بواقع الأمة والعودةِ إلى الإسلام!! فبالنظر إلى وجوب مراعاةِ المقاصدِ في تحقيق المصالح ودفع المفاسد، لا يصح بزعمهم ولن يكون من الحكمة بنظرهم حملُ الناس على أحكام الشريعةِ كلها وحقائقِ الإسلام جملةً، لكي لا يدفعوها جملةً فتكون فتنة! فوجب التدرج! فلا يصح ذلك عندهم تحديدًا مع مَن في الغرب مِن أبناء الجالية لأن وضعَهم يتطلب إسلامًا مخففًا؛ لئلا يتركوا الالتزامَ بالأحكام الشرعيةِ (جملةً) بحكم ضغطِ الواقعِ والمحيط في بلاد المهجر، وهو مفسدة!! فذلك فقه الجالية!
. وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ فمن هذا المنطلق أيضًا (جريًا وراء المقاصد!) هم اليومَ بصدد التنازل عن كل الألفاظ والمصطلحات الشرعية في الموروث الفقهي والأصولي، من أجل التأصيل لما يريدونه أن يكون في شريعة المسلمين أصلًا في الاجتهاد والتشريع، أي علمًا موازيًا لعلم أصولِ الفقه («القديم»)، لتُصبح المقاصدُ أصلًا فيه أو علمًا يعضده أو يكون بديلًا عنه يفي بحاجة العصر في «الاستنباط» مبناه أسبقيةُ القيم (« الإنسانية العالمية») على الدين، وهو ما يعني بالنهاية أن التحسين والتقبيحَ في الأفعال مرده إلى جهة العقل – الذي هو مشتركُ البشر جميعاً - قبل الوحي ونصوصِ الشرع. لذلك وجب عندهم تغييرُ خطاب الدين الإسلامي، أي تطويرُ خطابِ القرآن والسنة بما يتفق مع هذه النظرة الإنسانيةِ الحديثة؛ ولهذا سهل عليه إبعادُ كل المفردات الموجودة في أقوال السلف ضمن كتب ومؤلفات الأولين! وهذا في نظرهم هو ما سيجعل خطابَ المسلمين معقولًا ومقبولًا لدى جميع البشر في العالم (أي في عواصم الغرب تحديدًا)، وهو ما سوف يلغي الحواجزَ بين الناس على اختلافهم (وتباين أيديولوجياتهم) ويستهوي الشبابَ في الغرب خصوصًا، ويفتحُ بالتالي الأبوابَ لدعوة الإسلام مستقبلًا من خلال الجاليات والمهاجرين إلى الغرب خاصةً، ويفتح لها آفاقًا جديدةً في العالمين (أي في لندن ونيويورك وطوكيو وباريس)!! وللقارئ أن يتخيل أيَّ إسلامٍ سيصل إلى هؤلاء الغربيين بهذه الطريقة «الحديثة الواعدة» البعيدةِ كل البعد عن طريقة الإسلام الثابتةِ في حمل الدعوة إلى الناس، المتمثلةِ في وجوب حـملِه عن طريق الدولةِ بالدعوة والجهاد في سبيل الله، (نعم) بأساليب وتقنياتِ ووسائلِ ومقتنياتِ وأدواتِ العصر الحديثة المتغيرة دومًا مع المكان والزمان. وله أيضًا أن يتصور مدى ما سيصيب منظومةَ المسلمين الفقهيةَ والقيميةَ واللغويةَ والتشريعيةَ ووجهةَ نظرهم في الحياة جراء هذا النهجِ الجديد الواقعي السقيم الذي يقفز على وجوب وجودِ الدولةِ في حياة المسلمين ووجوب استعادةِ دولةِ الإسلام أولًا، وما سيَلْحَق بهم جراء هذا الطرحِ المشوَّه الحداثي العجيب، الذي يكرس عمليًا في واقع المسلمين (كما في أذهانهم) «تفوقَ» نظرةِ الغربيين وسيطرةَ منظومةِ الرأسماليين وهيمنةَ دُول الكفارِ المستعمرين، ويغيب منه دائمًا وجوبُ إعادة دولةِ الخلافةِ مجسِّدةِ وحدةِ المسلمين، ومَكمنِ قوةِ وعزِّ المؤمنين، وممثـِّلةِ أمةِ الإسلام في العالمين! والله تعالى يقول:
والمدقق في أمر هذا الخطاب يكتشف (أيضًا) سريعًا أن هذه النظرةَ المصلحيةَ المشبوهةَ التي سُلطت على الشريعة الإسلامية (بوحي من الغرب) أصبحت اليومَ تتجاوز خطيئةَ تحريفِ الفقه ومصطلحاته إلى الوقوع في تحريف أصوله، كما باتت بشكل عجيبٍ تَخلط بين الثوابت والمتغيرات، أي بين الأحكام الشرعية من جهة، والوسائل والأساليب من جهة أخرى، لتصبح عندهم كأنها شيء واحد. وباتت بشكل غريبٍ تُجرِّيء عقولَ أصحابها على أصول الشريعة تمامًا كما جرَّأتهم على تفاصيلها (وما زالت)، بل حتى على أحكام الشرع الثابتةِ القطعيةِ منها، وذلك من مِثْلِ ما تعلق بشكل نظامِ الحكم في الإسلام (أي نظامِ الخلافة)، وأحكامِ الردة وأهل الذمة، وأحكام الجهاد في سبيل الله وكيفيةِ حمل الدعوة، ووضعِ المرأة في الإسلام، وأحكامِ نظام الاقتصاد من مثل موارد بيتِ المال كالجزية والخراج، وأحكامِ السياسة الخارجية كأحكام دار الحرب ودار الإسلام ووجوب العيش في دار الإسلام، وما تعلق بنظامِ العقوبات وغير ذلك، وهي أحكام واضحة ثابتةٌ لا تتغير. وباتت هذه المصطلحاتُ لا تَرِد على ألسنتهم البتة. كما باتت هذه المنهجية المخترَعة في «الأخذ من الإسلام» (!!) تُضفي - كما أسلفنا - في ذات الوقت على المصلحة العقلية حجيةً في «استنباط» الأحكام ما أنزل الله بها من سلطان، وما لها في كتابه ولا في سنة رسوله من برهان، وهو ما يُفضي في النهاية إلى جعلِ العقل حَكمًا على الشرع وإلغاءِ الكثير من فقه الأولين وألفاظِه ومصطلحاتِـه بحجة عدم مواكبةِ العصر، أي بحجة تغيُّر الزمان، بل إلى نسف أو إعادةِ النظر في الكثير من مقرَّرات أصول الفقه (القديمة في نظرهم)، بما يتفق مع مفاهيم الغرب عن الحياة التي تجعل المصلحةَ والمنفعةَ كما يراها عقلُ الإنسان الحاضر – أي في زمن هيمنةِ حضارة الغربِ الكافر ووجهةِ نظره في الحياة - مقياسًا في الأعمال وفي التشريع، بحيث لن يصير بعدئذٍ ما يتوصلون إليه من أحكامٍ ومعالجاتٍ أحكامًا شرعيةً البتة! ومن ذلك ما سمي فقه الجالية أو فقه الأقليات.
فَمِن نظرةِ هذه المدرسة السقيمة ظهر اليومَ للمسلمين في كل أنحاء العالم عبر الإعلام الموجَّه وكأنهم أخذوا الرخصةَ من مشايخ المسلمين وعلمائهم ممن برزت أسماؤهم في هذا العصر في مسألة الاستقرار في بلاد الكفار، ولم يكن ذلك في الحقيقة إلا بتدبيرٍ سياسي وترويجٍ إعلامي من الغرب! وصار كأنه لا حرج ولا مشكلة ولا ضير من سفر المسلمِ والمسلمةِ إلى بلاد الغرب للمكوث فيها بشكل دائمٍ، ليس للتعلم أو العلاج أو غيره مما هو ظرفي ومؤقت ومبرر، وإنما للعيش فيها، شريطةَ أن يبقى متمسكًا بدينه!!! نعم يمكنه التمسك بدينه لو كان دينه عقائد وعبادات وأخلاق فقط!.. فهل شريعةُ الإسلام عبادات وأخلاق فحسب؟؟؟ فمن هذا يظهر جليًا أن التأثُّرَ بالأفكار المنبثقة عن العلمانية وعن فكرة فصل الدين عن الحياة وفصل الدين عن السياسة - وهي وجهةُ نظر الغربِ في الحياة قاطبةً - هو ما جعل المسلمين لا يرون تناقضاً بين دوامِ وجودِهم في بلاد الغربِ الرأسمالي العلماني الكافرِ وبين إسلامهم!!

الوعي 258
Go to the top of the page
 
+Quote Post
الخلافة خلاصنا
المشاركة Oct 15 2016, 06:59 AM
مشاركة #6


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 4,312
التسجيل: 8-July 15
البلد: فلسطين
رقم العضوية: 2,314



إشكاليةُ هجرةِ المسلمين إلى الغرب:دوافعُها، خطورتها، تداعياتها (2)

صالح عبد الرحيم - الجزائر

النظرةُ الصحيحة للمسألة: حلُّ الإشكالية يكمنُ في الانضباط بالشرع!
لا شك أن هذه المسألة تحكمها ضوابط شرعية. فلا يصح أبدًا الحكمُ على مسألة الهجرة إلى بلاد الغربِ أو غيرها من خلال الموازنة بين إيجابياتها وسلبياتها من ناحية العقل، أي بين مضارها ومنافعها عقلًا. كما لا يصح النظرُ إليها من خلال فوائدها ونتائجها، إذ هي مسألة شرعية لا بد فيها من حكم شرعي تتحدد بموجبه ضوابُطها والنظرةُ إليها. كما يلزَم أن يعرِفَ المسلمون حكمَها في شريعة الإسلام وما ينبغي إفهامُه لأبنائهم الذين يرغب معظمُهم في اللحاقِ ببعض بلاد الغرب وتحقيقِ حُلمهم، وهو العيش في إحدى دُوله حيث المساواةُ والحريةُ والأخوةُ الإنسانية والعلمُ والرفاهية والتقدمُ والغنى!! فوفق إحصائياتٍ أجريت مؤخرًا في الجزائر مثلًا، نسبة 50% يرغبون في المغادرة، رغم تنوع ثروات البلاد وشساعتها، ولا نخالها تقل عن ذلك في غيرها.
فبينما يذهب الباحثون في مسألة الهجرة إلى آراء تتفاوت (كما أسلفنا) بين مرخِّصٍ بشروط، ومتحمِّسٍ لتوسيع الهجرة وتعميق أثرها في الغرب بحجة أن العالَمَ اليومَ صار كلُّه دارًا واحدةً، أو بحجة أن مصطلحاتِ الفقهِ القديم (دار كفر ودار إسلام) تجاوزها الزمن، وأصبحت لا تنطبق على الحاضر اليوم، بل هي شيء من الماضي، أو بحجة أن الغربَ غربان: غربٌ شعبي نتعايش معه، وغرب رسمي نتحايل عليه لنحاربه، فإننا نذهب إلى درجة اعتبارِ وجودِ المسلمين بين الكفار بهذا الشكل متناقضًا مع التمسك بالدين، بل خطرًا على المسلمين وعلى هويتهم في أرجاء المعمورة أقله الذوبان فرديًا وجماعيًا في منظومة الكفر على مستوى الفكر والمعتقَد فضلًا عن السلوك!! إذ الدين ليس شعائر وعباداتٍ يمكن أداؤها بشكل فردي في البيوت أو في دور العبادة الخاصة بالمسلمين في بلاد الكفار (وربما في الأقبية)، بل هو وجهة نظر في الحياة تقتضي أن يكون المسلمون سادةً في العالم وأمةً واحدة من دون الناس، يعيشون في دولة إسلاميةٍ أي خلافة منيعة تطبق الشريعةَ وتحمل الإسلامَ إلى الناس كافة بالدعوة والجهاد. لذا فإننا نقول: إن من مقتضيات التمسكِ بالدين في هذا الزمان وجودَ المسلمِ حيث يلزم من أجل إعادة دولةِ الخلافة، وهو البلاد الإسلامية. لكن (بالمقابل) ما هي الحلول التي تقدمها هذه النظرةُ المبدئية (والمتشددةُ بنظر المعتدلين) للمسلمين الذين يعيشون الآن بالملايين كواقع مفروضٍ في بلاد الغرب العدو الكافرِ المحاربِ للإسلام إزاء هذه الإشكالية، هذا الغرب نفسه الذي يقتل المسلمين في كل يومٍ وفي كل مكانٍ من بلاد المسلمين، وتعمل دولُه بالليل وبالنهار للحيلولة دون عودةِ دولةِ المسلمين، ويسهر ساستُه على ألا يستيقظ المسلمون من سباتهم على الدوام؟؟ سنجيب على هذا السؤال لاحقًا.
يَسند هذا الرأيَ الذي أوردناه أدلةٌ من الشرع يعتمد عليها (وفي الاستنباط منها) أكثرُ علماء السلف من أمثال أبي حنيفة والشافعي وأحمد والأوزاعي والكاساني والماوردي وابن قدامة وابن تيمية وابن القيم وابن كثير وغيرُهم:
1- الحديث الصحيح عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين». [رواه أبو داود]. والحديث بجميع صيغه واضح في معناه.
2- يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء 97].
قال في التفسير: ففي الآية الكريمة أوجب الله الهجرةَ على المسلمين الذين يقيمون بين ظهراني المشركين ولا يقدرون على إقامة الدين، بشرط المقدرة (على الهجرة). والآية عامة في كل مسلم، فقوله تعالى: ﴿ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ أي ظالمي أنفسهم بترك الهجرة وبارتكاب الحرام بالإقامة بين الكافرين من غير أن يتمكن من أداء واجباته الشرعية، إن كان قادرًا عليها (أي على الهجرة)، لأنه غير معذور. فالهجرة المقصودة هنا هي وجوبُ عودةِ المسلمِ إلى ديار الإسلام، ويُستفاد منه عدمُ جواز البقاءِ في ديار الكفر أو الذهابِ إليها أصلًا من أجل الإقامة فيها على الدوام.
قال الإمام ابن كثير: «نزلت هذه الآية عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة وليس متمكنًا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه مرتكبٌ حرامًا بالإجماع».
فنجد من أقل الأقوال تحذيرًا في هذا الباب قولَ القرطبي في الجامع لأحكام القرآن عند تفسير قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ ... ﴾ حيث قال: فالواجب على الإنسان أن لا يقيم في بلاد الكفر إذا كان عاجزًا عن إظهار دينه، أما إذا كان غيرَ عاجزٍ وليس له مأوى غير هذه البلدة فإنه لا بأس إن شاء الله. ولكن ما معنى إظهار الدين وإقامة الدين؟؟
فمن هذه النصوص ومعانيها يتبين أن كلَّ هذه الأقوال التي وردت من فقهاء السلف إنما وردت حالَ وجود دار الإسلام، وحالَ وجودِ دولةِ المسلمين ومَنعَتهم، أي حالَ نفاذِ أمرِهم بين الدول وقوةِ شوكتهم بين الأمم، فهل في حالة الاستضعافِ اليومَ بانتفاء وجودِ دار الإسلام بالكلية، حيث لا سلطان ولا أمان للمسلمين في بلادهم فضلًا عن غيرها، هل في ذلك حجة للقائلين باستواء الديار في العالم كله، وبالتالي بِجواز المكوثِ حيثما اختار المسلمُ من بلاد الكفار أو المسلمين على السواء، إذ لا فرق؟
ولا شك أن الصوابَ في ذلك هو أن بقاءَ المسلمين في بلاد المسلمين من أجل تحويلها من دار كفرٍ إلى دار إسلامٍ، حالَ عدمِ وجودِ الدولة الإسلامية – كما هي الحال الآن - يكون في هذه الحالة أوجب. فمن زاوية وجوب العمل لتغيير أوضاع المسلمين بإقامة الخلافة (وعدم حصول الكفاية بمن يعمل الآن) وجب تناولُ موضوع الهجرة هذا. وذلك أن الذي تحول بعد زوال الخلافة إنما هو دار الإسلام، التي صارت دارَ كفرٍ بذهاب حكم الإسلام وظلِّ الخلافة عنها، مع بقائها بلادًا إسلاميةً، أما التي كانت بالأصل دارَ كفرٍ (كألمانيا أو إنكلترا مثلًا) فإنها بقيت دارَ كفرٍ كما كانت. فلا بد (شرعًا) من العمل على تحويل بلاد المسلمين (أولًا) إلى دار إسلامٍ كما كانت، وذلك بإعادة إقامةِ الدولة واستئنافِ الحياة الإسلامية (فيها ولابد). وهذه هي النقطة الجوهرية والأساسية في المسألة، إذ لا يحل للمسلمين البقاءُ أكثر من ثلاثة أيام من دون خليفة، أي من دون دولة، فمن هذه الزاوية وهذا المنطلق كانت أولى البلاد بعملية التغيير وبالعمل من أجل إقامة الدولة الإسلامية هي البلاد الإسلامية (والبلاد العربية تحديدًا، وذلك للاعتبار اللغوي ليس إلا، كون اللغة العربية نزل بها القرآنُ، ونطقت بها السنةُ، فهي جزءٌ لا يتجزأ من الإسلام، ولا يمكن أداؤه إلا بها). وهل يقدر المسلمون في بلاد الغرب اليومَ على إقامة الدين وإظهاره على الوجه الصحيح كما يلزم شرعًا، ومن ذلك (وهو أقله) إظهار الشعائر وتطبيقُ أحكامه والدعوةُ إليه؟؟
والدليل على ذلك أيضًا أن المسلمين ممن يعيش خارجَ ديار الإسلام أي حال وجودِ الدولة، وَلايةُ دولةِ المسلمين عليهم منقوصةٌ، فليس لهم على دولة الخلافة حمايةٌ ولا نُصرةٌ في حالاتٍ معينة، بدليل قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾[الأنفال 72].
والولاية (بفتح الواو وكسرها) معناها النصرة والحماية. ومعنى الآية من التفسير: إن الذين آمنوا أي صدَّقوا اللهَ ورسولَه وعمِلوا بشرعه، وهاجروا إلى دار الإسلام، أو بلدٍ يتمكنون فيه من عبادة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله بالمال والنفس، والذين أَنزَلوا المهاجرين في دورهم، وواسَوْهم بأموالهم، ونصروا دينَ الله، أولئك بعضهم نُصراء بعض. أما الذين آمنوا ولم يهاجروا من دار الكفر (إلى دار الإسلام) فلستم مكلفين بحمايتهم ونصرتهم حتى يهاجروا، وإن وقع عليهم ظلمٌ من الكفار فطلبوا نصرتَكم فاستجيبوا لهم، إلا على قوم بينكم وبينهم عهد مؤكَّدٌ لم ينقضوه. والله بصير بأعمالكم، بجزي كلًا على قدر نيته وعمله. إلا أن بعض المفسرين قالوا: إن قوله تعالى ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾ معناه فلا إرث بينكم وبينهم ولا نصيب لهم في الغنيمة حتى يهاجروا، وهو منسوخ بقوله في نفس الآية ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾ وبآخر السورة. ففي جميع الحالات عند جمهور المفسرين أُمرَ المسلمون - كدولة - ألا يستجيبوا لهم في حمايتهم ونُصرتهم (حين وقوع ظلمٍ من الكفار عليهم) حالَ وجودِ عهدٍ بين دولةِ المسلمين وبين الكيانِ الذي هم فيه، وذلك بسبب عدم الهجرةِ منه إلى حيث الأمانُ والمنعةُ وهو دارُ الإسلام.
نقول: ولا شك أن من يعيش اليومَ من المسلمين في إحدى دول الغرب (ويستوطنها) - وحالُ المسلمين في بلادهم فضلًا عن غيرها أعجزُ وأضعفُ ما يمكن بسبب غيابِ دولتهم – يكونون أكثرَ عرضةً لجميع أنواع الافتراس، ومنه القتلُ والتنكيلُ والتوظيفُ الفكري والسياسي أفرادًا وجماعاتٍ، حتى لو حملوا جنسيةَ أو جوازَ سفرِ الدولةِ التي هم فيها. فلا يقولَنَّ أحدُهم إني أميركي أو كندي أو فرنسي أو بريطاني أو فنلندي أو بلجيكي أو دنمركي، أو أسترالي، فقد تُسحب منهم المواطنة (الجنسيةُ أو جواز السفر) جميعًا في أية محطةٍ من محطات صراعِ الغربِ مع المسلمين بسبب إسلامهم، رغم النقص الذي فيه بسبب وجودِهم ومكوثهم بين الكفار، والذي سيسميه ساسةُ الغرب حينئذٍ إرهابًا، فيُطرَدون ولو بالشبهة كإرهابيين إلى البلاد التي جاؤوا منها أول مرة، أو بالأحرى إلى التي جاء منها آباؤهُم أو أجدادهُم، أي إلى بلاد المسلمين! وهو ما نراه اليومَ يحدث بالفعل.
وفوق ذلك، فإنه إذا كانت هناك دار إسلام، فإن الاستيطانَ في دار الكفر لمن وجبت عليه الهجرةُ هو حرام قطعًا. كما أن الاستيطان في دار الكفر يجعل المسلمَ من أهل دار الكفر، فتطبق عليه أحكام دارِ الكفر من حيث العلاقات مع الدولة الإسلامية، ومن حيث العلاقات بغيره من الأفراد، وهذا من الشريعة معلوم. فمثلًا: لا يُقام عليه الحد، ولا تُستوفى منه الزكاةُ، ولا يرث غيرَه ممن هو في دار الإسلام، ولا تجب له النفقةُ على من هو في دار الإسلام ممن تجب عليه له لو كان في دار الإسلام، وغير ذلك من الأحكام الشرعية... كما أن المسلمَ لو استوطن دارَ الكفر وجاء لدار الإسلام للتجارة مثلًا أو للتداوي أو لطلب العلم أو لزيارة أقاربه أو للنزهة أو لأي غرض، وأقام في دار الإسلام يومًا أو شهرًا أو سنةً أو أكثر ولكنه لم يحمل تابعيةَ الدولةِ الإسلامية بل استمر في حمله تابعيةَ دار الكفر (أي كان يستوطن دارَ الكفر)، فتطبق في حقه أحكامُ المستأمِن، فلا يدخل دارَ الإسلام إلا بأمان أي إلا بإذنٍ من الدولة، فالموضوع ليس الإقامة الظرفية والمؤقتة مهما طالت وإنما هو في الاستيطان وحمل التابعية. وكذلك من كان يحمل تابعيةَ دولة المسلمين وذهب مؤقتًا لدار الكفر لغرض ما فإنه (ولو طالت مدة مكوثه) يُعتبر من أهل دار الإسلام، وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم. فكل بلادٍ غير دار الإسلام تعتبر دارَ حربٍ، وتأخذ أحكامَ دار الحرب، والمسلم والكافر (ممن يستوطنها) في ذلك سواء، سوى أن المسلمَ في حال فتحِها عنوةً لا يُقتل ولا تؤخذ أمواله غنائم. كما أن من استوطن دارَ الإسلام (أي مَن يحمل التابعية) تُطبق عليه أحكام دار الإسلام، والمسلم والذمي في ذلك سواء.
فمن أجل بلورةِ هذه المسألةِ وإيضاح أهميةِ وجودِ الدولة في حياة المسلمين، وعدمِ جواز الانشغالِ عنها بغيرها حتى تقوم، كان لا بد من التقديم بالآتي لكمال البيان وتمام التوضيح:
عندما أدرك الغربُ الرأسمالي الاستعماريُّ الكافر الحاقدُ سرَّ قوةِ المسلمين، وأيقن أنها إنما تكمن في قوة عقيدةِ الإسلام، وفي قوة أفكارِ الإسلام، عمد منذ أمد بعيدٍ إلى عملية قلبِ المفاهيم عن كل شيء في أذهانهم، وهي عملية خطيرةٌ للغاية، وتكاد تكون أعظمَ نجاحٍ له في صراعه مع الأمة الإسلامية على الإطلاق، ما أدى فيما بعدُ إلى قهرهم سياسيًا بإزالة دولتهم وتقسيم بلادهم، وعسكريًا واقتصاديًا باحتلالهم واقتسام ثرواتهم! وأخطر ما في الأمر أنه أوجد مِن بين المسلمين - إلى اليوم - مَن يحمل خليطًا عجيبًا من ثقافته وبضاعته، يروج لها على أساس أنها هي الإسلام، أو أنها من الإسلام، أو أنها لا تتناقض مع الإسلام.
ومن أثر ذلك الخليط الفكري العجيبِ، وما تلاه من سقوط سياسي رهيب، غيابُ وجوب إعادةِ دولة الخلافةِ إلى الوجود من خطابِ أكثرِ من ينشد عودةَ الأمة إلى دينها اليوم من أصحاب المنابر والأقلام من الدعاة والمصلحين والوعاظ والمرشدين والكتاب والمفكرين!! هذه الدولة التي تجمع المسلمين - وجوبًا كما يأمر دينـُهم - في كيان سياسي واحدٍ يجسد حقيقةَ المجتمعِ الإسلامي، ويجسد حقيقةً وحدةَ الأمة كما كانت من قبلُ، علمًا أن هذه الوحدةَ - كما لا يخفى - هي من أعظم الفروض في الشريعة ولا ريب. وذلك أن الحكمَ بما أنزل الله يشملُ شرعًا نواحي الحياة جميعًا، فلا يكون معنى إقامةِ الدين والعودةِ إلى الإسلام على مستوى الجماعةِ سوى الحكم بما أنزل الله، أي حمل الناس على الالتزام بمقتضى عقيدة التوحيد والعبودية لله عز وجل، وهو تطبيق أحكام الشريعةِ كلها.
ولا يعني ذلك سوى الاحتكامِ إليها في كافة شؤون حياتهم أي رعايتِها وفق نظام الإسلام، ومن ذلك أحكامُ العبادات والأخلاق. ولا يكون البعدُ عن الإسلام على مستوى الجماعةِ والأمةِ – كما هو الحال اليوم - سوى عدم تطبيقِ الشريعة الإسلامية أي عدم وجودِ الدولة الإسلامية.
لذلك وجب إبرازُ خطورةِ خطيئةِ القفزِ على وجوب وجودِ الدولة في حياة المسلمين، وخطورة إسقاطِ وتغييبِ مفهومِ الحكمِ والدولةِ من ماهية وتعريفِ المجتمعِ في أذهان المسلمين، من خلال النظرِ في بعض تداعياتِ ذلك على حاضر الأمةِ ومستقبلها، من مثل التساهل في مسألة هجرةِ المسلمين إلى غير البلاد الإسلامية - والبلاد الرأسمالية تحديدًا - والإقامةِ فيها بين الكفار من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم، وهو دون شك غيض من فيض من المصائب الكبيرةِ والتداعيات المتشعبةِ والخطيرة، التي يكتسي النظرُ فيها أو في بعضها (إذ لا يمكن عدها ولا حصرها) أهميةً بالغةً من حيث علاقة ذلك بكيفية معالجةِ واقع المسلمين بعدما وصل حالُهم إلى ما هو مشاهدٌ اليومَ من انحطاطٍ وهبوط، وانكسارٍ وسقوط، بعدما تسنَّى لقوى الكفر والطغيانِ في الغرب – بعد القضاء على دولة الخلافة الإسلامية عَقِب الحربِ العالمية الأولى - السيطرةُ التامةُ عالميًا على الساحة الفكرية والثقافية والإعلامية، والهيمنة الكاملةُ على الحياة الدوليةِ سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
ففي جميع الحالات لا يتسنى مطلقًا بحكم الواقع المشاهَدِ أن يَزعمَ مَن يسافر من المهاجرين إلى بلاد الغربِ أو غيرِها من أجل الإقامة الدائمة هناك أنه سيبقى متمسكًا بدينه، ومنه (ولو بزعمه) أن يحمل الدعوةَ الإسلاميةَ هناك من أجل إقامةِ الدولة الإسلامية وتغييرِ أوضاع المسلمين في بلاد المسلمين! فلا يتأتى لهم في جميع الحالات أن يحملوا دعوةَ الإسلام في تلك البلاد على الوجه الصحيح لا بوصفهم أفرادًا ولا بوصفهم أُسَرًا مسلمةً هناك ولا أحزابًا ولا جماعاتٍ، خصوصًا وأن خَلفِيةَ المغادرة إلى تلك البلاد وبواعثَها ودوافعَها لم تكن أصلًا على العموم وفي الغالب إلا إحدى حالاتٍ أربع (استقراءً):
أولًا: طلبُ الدنيا بسبب اعتناقِ العلمانية وعشقِ نمط الغربيين في الحياة (وهو معظم الحالات).
ثانيًا: النأيُ بالنفس بسبب ضعفِ الانتماء وقلةِ أو سوء الأداءِ داخل البلاد الإسلامية، والتنصل من المسؤولية تجاه الإسلام والأمة الإسلامية.
ثالثًا: الهروبُ من مشاكل المسلمين في بلادهم بسبب الظلمِ السياسي والاقتصادي وسوءِ الرعاية.
رابعًا: الفرارُ من التعذيبِ والقهرِ أو الموت. وكذا الإبعادُ أو التعرض لسحب المواطنة أو الجنسية (من طرف الحكام العملاء لنفس الغرب الذي يفرون إليه!).
يحدث ذلك عادةً في أكثر الحالات بعد نكبة أو مصيبة تحل ببعض البلاد الإسلامية بفعل الصراع فيها وبفعل تدخل الغرب الكافر نفسِه (كما حصل لأهلنا في فلسطين في 1948م أو في العراق عقب غزوه واحتلاله في2003م، أو كما يحصل الآن لأهلنا في الشام بإخراجهم من ديارهم وتفرقِهم في الأمصار وذهابِهم إلى أوروبا وغيرها بفعل الصراع في تلك البلاد). وبالمجمل فإن خَلفِية المغادرة إلى بلاد الغرب ليست في الغالب إلا لجوءًا سياسيًا أو طلبًا للأمان أو طلبًا لحياةٍ ماديةٍ أفضل ولو بالحد الأدنى– فلا يحدث ذلك في الغالب إلا والمسلمون في أضعف الحالات وأشدها انكسارًا (نفسيًا وماديًا على الأقل)، وهو الشاهد في الموضوع (!!)، إذ يكون المهاجرُ بوصفه فردًا في أكثر الأوضاع قابليةً لطمس هويته وأفضلها جاهزيةً للتوظيف الفكري والسياسي (ضد أمته) بالنسبة للدولة الغربية الراعية التي تستقبله (وأسرتَه)، وهذا مشاهد ملموس. كما لا يتسنى أيضًا شرعًا للأفراد حملُ الدعوة الإسلامية في المجتمعات الغربية إلا جزئيًا فيما هو من الاحتكاك مع الغربيين على مستوى الأفراد أو المنظمات (بشكل محدود) لا غير، إذ الكيفيةُ الشرعيةُ في حمل الإسلام إلى غير المسلمين في المجتمعات والشعوب والدول الأخرى هي الجهاد في سبيل الله، تقوم به وتتولى أعباءه الدولة. والخلاصةُ في هذا الشأن أنه كما أنه لا عزة للمسلمين بدون الخلافة، فإنه لا جماعةَ ولا إسلام على مستوى الأمة بدون دولةٍ تحكِّم الشريعةَ وتطبق الإسلام! فما معنى إذًا أن يتمسك المسلمون بدينهم وهم في الغرب كأفراد تحت سيادة الكفر والكفار الغربيين؟؟!!


الوعي 259
Go to the top of the page
 
+Quote Post
الخلافة خلاصنا
المشاركة Nov 15 2016, 04:47 PM
مشاركة #7


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الأعضاء
المشاركات: 4,312
التسجيل: 8-July 15
البلد: فلسطين
رقم العضوية: 2,314



إشكاليةُ هجرةِ المسلمين إلى الغرب (دوافعُها، خطورتها، تداعياتها) (3)

صالح عبد الرحيم – الجزائر


4- ثغرةٌ في ثقافة المسلمين لا بدَّ من سدِّها


يُضاف إلى ذلك كله مشكلةٌ جزئيةٌ هي وجودُ شباب الدعوة في المهجر. أي وجودُ حَـمَلة عبء إقامةِ دولة الخلافةِ في بلاد المسلمين في المهجر، وهي ثغرة لا بد من سدها. فإذا كانت الهجرة إلى بلاد الكفار من أجل الاستيطان والعيش فيها على الدوام تصطدم – في حق المسلمين عمومًا – مع كونهم مسلمين، وذلك من حيث إن مَن سافر منهم للعيش مع الكفار على الدوام يكون بلسان الحال قد قرر أنه ليس معنيًا بعملية التغيير ولا بقضايا وهموم المسلمين وعلى رأسها إعادة الخلافة (إلا استثناءً)، فإن مكوثَ المسلمين من حـملة الدعوة في بلاد الإسلامِ من أجل إقامة الدولة يكون أوجب. فالصواب أنه يجب أن لا يكونوا خارجَ البلاد الإسلامية إلا استثناءً، وهي حالات ثلاثة لا غير. علمًا أن هؤلاء هم مَن عزم وقرر أن يكون حارسًا أمينًا للإسلام. وإنا لا نرى ذلك إلا عزمًا صادقًا على التلبس بعملية التغيير في بلاد المسلمين، أي على العمل حيث يلزم لمعالجة قضيةِ المسلمين الأولى في هذا الزمان، وهي استئناف الحياةِ الإسلاميةِ بإقامة الخلافة. وبما أن القضية هي استئناف الحياة الإسلامية فمعنى ذلك أن المقصود بالعمل (من حيث المكان) إنما هو حتمًا البلاد الإسلامية، وذلك من أجل تحويلها إلى دار إسلام بإعادة الخلافة فيها (أولًا)، وهي البلاد التي كانت محكومةً بالإسلام، ثم زال عنها حكمُ الإسلام بعد ذهاب دولة الخلافة، وهي ليست لندن وباريس فضلًا عن أماكن أبعد؟؟ فمن زاوية وجوب التلبس بالعمل لتغيير واقع الأمة – لا من غيرها من الزوايا – يجب النظرُ لموضوع الهجرة الذي نحن بصدد معالجته الآن.


أما الحالات الثلاثة الاستثنائية التي قد تبرر وجودَ المسلمين في غير البلاد الإسلامية فهي:


1- وجود عابرٌ ظرفي مؤقت في بلاد الكفار من أجل تعلمٍ أو طلب علاجٍ أو استقدامِ بضاعةٍ أو بيعِها (في بلاد الغرب مثلًا) أو استرزاق مؤقت أو غير ذلك مما ذُكر آنفًا من أحكامٍ ضَبط بها فقهاءُ السلف شروطَ السفر وهجرةِ المسلمين إلى غير البلاد الإسلامية (أو الخروج من دارِ الإسلام حال وجودها). وهو ما نراه ينطبق عليهم اليومَ أيضًا رغم انتفاء وجود دار الإسلام، بحكم أن المنطلقَ لاستئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولةِ الإسلام وتحويلِ الدار من دار كفرٍ إلى دار إسلامٍ – وهو الأمر الذي له الأولوية العظمى في حياة المسلمين اليومَ – يجب أن يكون البلادَ الإسلاميةَ ولابد، وهذا معروف عند حمـَلة الدعوة. علمًا أن الأولويةَ في كل ذلك (أي في وِجهة السفر إذا كان ولابد) هي حتمًا البلاد الإسلامية المختلفة إن كان ذلك ممكنًا (باعتبار الغرض من السفر). ونعيد هنا ذكرَ بعضِ ما من أجله قد يذهب المسلمُ: جلبُ مالٍ أو استقدامُ سلعةٍ أو تجارةٍ أو تحصيلُ علمٍ أو خبرةٍ، أو السفرُ بغرض التداوي أو النزهة أو الاستكشافِ أو الاطلاعِ على أعمال وأحوالِ الشعوب وإنجازاتهم في البلاد المختلفة (مما قد يصب في خدمة الأمةِ الإسلامية ولو بشكل من الأشكال)، فلذلك ضوابطُ شرعية من الفقه معروفةٌ من أيام الدولة الإسلامية الأولى، فلم يكن المسلمون يعيشون بمعزِلٍ عن العالم، وإنما كانوا دائمي الاحتكاك مع غيرهم من الشعوب والأمم في بلادهم وفي بلاد غيرهم. وهذا الوجود الظرفي العابر لا يعتبر أصلًا من معنى ما نحن بصدد معالجته، وهو ليس من الهجرة المقصودةِ في هذا الموضوع أصلًا.


2- الهروبُ من الموت أو التنكيل والبطش من الحكام الظلَمَة، أي من الظلم الشديد الذي قد يُفضي إلى الهلاك، مع الأولوية دائمًا (في الوِجهة) للبلاد الإسلامية الأخرى وهي واسعة، فيصح عندئذ أن يغير المسلم موطنَه – ولو إلى بلاد الكفار – مع اصطحاب نية الرجوع إلى البلاد الإسلامية متى انتفت الحاجةُ (وليس شرطًا أن يعود إلى السودان مَن ذهب من السودان مثلًا، فيمكن أن يعود إلى غيرها من بلاد المسلمين). وهنا نفتح قوسًا لنقول: يجب ألا يخفى على حَمَلة الدعوة أن من بين أساليب الكفار في تثبيت أركان حكم عملائهم لإدامة قبضتهم على بلدان المسلمين، قسوةُ الحكام العملاء للاستعمار على شعوبهم، وتحديدًا على حَمَلة الدعوة ممن يكافحونهم ويناوئونهم سياسيًا، وذلك بغرض دفع الفاعلين سياسيًا (وحتى المثقفين والمتعلمين من أبناء الأمة عمومًا) إلى طلب اللجوء في أية دولةٍ من دُول الغربيين (حيث الحريات وحقوق الإنسان!!)، وبذلك يتم احتضانهم وتحييدهم وبالتالي احتواؤهم وإبعادهم عن ساحات الصراع، ولربما يجري بعد ذلك كسبُ عقولهم وقلوبهم بإطالة مكوثهم بينهم، ولنا من هؤلاء أمثلةٌ كثيرة من المسلمين نترفع عن ذكرها ممن كانوا أو مكثوا طويلًا – أو هم اليومَ – في معظم العواصم في الغرب بين ظهراني أعداء الله ورسوله من الكفار الغربيين.


3- التكليف من القائمين على الدعوة لغرض يقتضيه حملُ الدعوة. فقد يُكلَّف شخصٌ أو أشخاصٌ للمكوث أيامًا أو أشهرًا أو سنواتٍ من أجل القيام بمهمات معينة (لا ندخل في تفاصيلها)، وهذا هو من قبيل من يُعينهم وليُّ الأمر وهو الخليفة بوصفه الحاكم الشرعي في دولة المسلمين للقيام بمهمات كسفراء أو خبراء أو مبعوثين أو غيرِ ذلك في غير دار الإسلام، فيقاس عليه.


فهذه ضوابط نطرحها بين أيدي حمَلَة الدعوة من أجل إدراك خطورة المسألة. إلا أن ما نريد الإشارةَ إليه تحديدًا هو أنه ينبغي الصدع للأمة عمومًا بالحكم الشرعي في هذه المسألة الخطيرة بما يفند الانفلاتَ في هذا الشأن الخطير، ثم أن يجريَ التـزامُ المسلمين وشبابِ الدعوةِ تحديدًا بالبقاء والعيشِ في البلاد الإسلامية والمكوثِ فيها مهما كانت الظروف. فالعزيمة من أحكام الوضع في وضع هؤلاء، أي المسلمين عمومًا ومنهم خاصةً مَن تلبس بالعمل الجاد لإقامة فرض الخلافة في بلاد المسلمين، هو العيش في بلاد المسلمين، والرخصةُ هي المغادرةُ والهجرةُ ضمن شروط، وهي الحالات الثلاثة المذكورةُ لا غير.


بقي أن نشير إلى عدةِ أمور ومسائل أهمها:


1- إنه لا يُستفاد من هجرة المسلمين أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحبشة في بداية الدعوةِ في مكة جوازُ الإقامة عند الكفار اليومَ في أوروبا وأميركا وكندا وأستراليا، كما قد يزعم من يريدها تبريرًا لبقائه في الغرب! ذلك أنه لم يكن هنالك دار إسلام ولا بلاد إسلامية وقتئذٍ، فضلًا عن كون فرارِهم إلى الحبشة كان ظرفيًا بسبب بطش كفارِ قريش فيدخل في الاستثناء الثاني، كونهم اصطحبوا معهم نيةَ اللحاق بالرسول فور حصولِ التمكين، وهذا ما كان.


2- يَسقُط كذلك مع هذا البيان قولُ من يُسقِط الأحكامَ الشرعيةَ التي تُجيز التعيينَ أو التكليفَ من قِبل دولةِ الخلافة (حال وجودها) أي من قِبل الحاكم الشرعيِّ في الإسلام للسفراء والممثلين والخبراء والدبلوماسيين وغيرهم من أصحاب الإذن بالسفر إلى خارج البلاد الإسلامية كطلاب العلم أو جالبي الخبرات، على الدول الوطنية العميلة الحالية، فيجيزون بذلك بقاءَهم في بلاد الكفار والعيشَ فيها بناءً على طاعة ولي الأمر، وهي زلة ولاشك، كون هذه الكيانات التي هي صنيعةُ الغرب الاستعماري (هي وحكامها) فاقدة للشرعية في الشريعة الإسلامية.


3- الأصل في بلاد المسلمين هو أن تكون زاخرةً بكل ما يرغب فيه البشرُ من الخيرات والخبرات، والعلومِ في شتى المجالات، فيكون الأصل إذًا هو مجيء غيرِ المسلمين إلينا من أجل العلاج والتعلم والخبرةِ والتجارة والصناعة، وشراءِ الغذاء والسلاح وغير ذلك، وليس العكس! فإذا رأوا ما عندنا من حضارة ومدنيةٍ رغبوا في الإسلام وأقبلوا عليه وصاروا منا وأقاموا بيننا! فنسأل الله أن يَلطُف بحالنا!


4- نشأ عند مَن تلبس بالعمل من أجل استئناف الحياة الإسلامية حتميةُ إبراز الفرق بين مصطلح «البلاد الإسلامية» ومصطلح «دار الإسلام» (الموجودين في الفقه منذ نشأة دولةِ المسلمين)، فصار لابد من التذكير بمعاني هذه المصطلحاتِ الدقيقة كما يلي:


المصطلح الأول: البلادُ الإسلامية (ومنها البلاد العربية)، ويقابلها في المعنى غيُرها، أي بلاد الكفار. وهي – أي البلاد الإسلامية – كلُّ أرض حكمها الإسلام يومًا وجرى فيها تطبيقُ الشريعة وتنصيبُ حكامها من قبل خليفةِ المسلمين، سواء فتحت عنوةً أو صلحًا. ومنها أيضًا البلادُ التي أسلم أهلها عليها فضُمَّت إلى بلاد المسلمين وحُكمت بالإسلام. ويبقى اعتبارُها كذلك حتى لو تحولت إلى دار كفر، أي حتى (مثلًا) لو استردها الكفار منهم بغزو أو احتلالٍ أو تقسيم أو غيره، كفلسطين والهند واليونان والأندلس وقبرص وبلاد البلقان كلها وجنوب السودان وأرض الشيشان وأجزاء كبيرة من بلاد الصين وغيرها.


المصطلح الثاني: دارُ الإسلام وما يقابلها أي دار الحرب أو دار الكفر. وهنا في تعريف دار الإسلام ودار الكفر (أو دار الحرب) لا بد من وقفة:


قال ابن القيم : قال الجمهور: دارُ الإسلام هي التي نزلها المسلمون وجرت عليها أحكامُ الإسلام، وما لم تجرِ عليه أحكامُ الإسلام لم يكن دارَ إسلام وإن لاصقها، فهذه الطائف قريبة إلى مكة جدًا ولم تصر دارَ إسلام بفتح مكة.


ومما ذكر علاء الدين الكاساني (الحنفي ت 587هـ) معللًا قولَ القاضي أبو يوسف (ت 182هـ) ومحمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ) كما ذكر السَّرَخْسي (الحنفي ت 286هـ)، قولُه: إن كلَّ دارٍ مضافةٌ إما إلى الإسلام وإما إلى الكفر، وإنما تضاف الدارُ إلى الإسلام إذا طُبقت فيها أحكامُه، وتُضاف إلى الكفر إذا طبقت فيها أحكامُه، كما تقول الجنة دار السلام والنار دار البوار لوجود السلامة في الجنة والبوار في النار، ولأن ظهورَ الإسلام أو الكفرِ بظهور أحكامهما. فجعل الكاساني مناطَ الحكمِ على الدار هو نوع الأحكام المطبقةِ فيها.


وقال ابن قدامة الحنبلي (ت: 620هـ): ومتى ارتد أهلُ بلدٍ وجرت فيه أحكامُهم صاروا دارَ حربٍ في اغتنام أموالهم وسبي ذراريهم الحادثين بعد الردة، وعلى الإمام قتالهم، فإن أبا بكر الصديق قاتل أهلَ الردة بجماعة الصحابةِ ولأن الله تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه، وهؤلاء أحقهم بالقتال؛ لأن تركَهم ربما أغرى أمثالَهم بالتشبه بهم والارتدادِ معهم فيكثر الضررُ بهم. وإذا قاتلهم قُتل من قُدِر عليه ويُتبع مدبرُهم ويُجهَز على جريحهم وتُغنم أموالهُم، وبهذا قال الشافعي.


فيُفهم من مجمل هذه الأقوال ما قاله غيرُ واحد من علماء السلف من غير هؤلاء المذكورين أعلاه، وهو أن يجريَ فيها تحكيمُ شريعةِ الإسلام مع تحقُّقِ الأمان بسلطانِ المسلمين لتكون دارَ إسلامٍ، وإلا فلا. فكل البلاد غير دار الإسلام تعتبر دار حرب، وتأخذ أحكامَ دار الحرب (وهناك من زاد حالة خاصة، وهي دار العهد، وهو أن نكفَّ عن قتالهم لاعتباراتٍ معينة مدةً محدودةً من الزمن مقابل عوض أو بدونه، فهي من معنى دارِ الحرب).


أما أكثرُ الفقهاء المعاصرين فهم يرون (كما جاء على لسان أحد الباحثين) أن بلادَ المسلمين تتفاوت اليومَ في اعتبارها دار إسلام أو لا!! فالقليلُ منها يحتكم إلى الشريعة الإسلامية في أكثر تشريعاته. وأكثرُها يحصر التزامَه بالأحكام الشرعية في مسائل الأحوال الشخصية منها (أي في علاقات الزواج والطلاق والميراث… لا غير). وهناك عدد آخر ولو كان قليلًا يرفض (!) الخضوعَ للأحكام الشرعية حتى في مجال الأحوال الشخصية، وبالتالي فإن دار الإسلام بالمعنى الفقهي المعروف (من الفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية) لا تنطبق على كثير من الدول القائمة اليوم في البلاد الإسلامية. لكن هناك ميل من بعض الفقهاء (من المعاصرين) إلى اعتبار جميعِ البلاد الإسلامية وهي البلادُ التي تقطنها أكثريةٌ إسلامية دارَ إسلام، بحيث يجب في نظر هؤلاء إنزالُ أحكامِ دارِ الإسلام عليها، مع السعي لدى الحكامِ إلى تطبيق جميع الأحكام الشرعية!! وانطلاقًا من هذا الواقع فإن الحكامَ في هذه الدول هم الذين من شأنهم أن يحددوا دارَ الحرب أو دار العهد!! وقد اتفق جميع حكام المسلمين بعد دخولهم في مواثيق الأمم المتحدة على اعتبار العالَمِ كلِّه دارَ سلمٍ واعتبارِ دولِ العالَمِ كلِّها دولًا معاهِدةً وليست دارَ حربٍ!! (نقول: وهذا دون شك مرفوض شرعًا، وهو انبطاح كامل أمام سطوة وهيمنةِ المنظومة الرأسماليةِ الغربية على العالم).


وأما رأيُ (مدرسة) يوسف القرضاوي، وهو من بين الآراء التي يُراد لها أن تكون الأكثر شعبيةً وانتشارًا، فإنه يتمثل في أن كل بلادِ الدنيا بالنسبة للمسلمين هي اليومَ بلادُ دعوة، والفقهاء يقسمون العالم إلى «أمة الدعوة» و«أمة الإجابة» وكل العالم يُعتبر أمةَ محمد ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )، فهو جاء يخاطب العالمين جميعًا، فبعضهم استجاب له وهذه أمةُ الإجابة، وبعضهم لا زال في مرحلة الدعوةِ وهذه أمةُ الدعوة، ودارُ هذه البلاد (أي التي لم يَستجب أهلُها) هي دارُ دعوةِ من غير كلام! (وهكذا نرى كيف تختفي عند أصحاب هذه المدرسة كلُّ المصطلحات الشرعية).


إلا أنه عند مباشرة العمل من أجل الانطلاق بالدعوة والارتكاز وإقامة الدولةِ، كان لا بد من أن يُتخذ بعضُ البلاد الإسلامية (غيرِ المحتلة) مجالًا لتركيز العمل، وذلك باعتبار مدى وجودِ العمل وكثافته وقوةِ التفاعل فيه، وباعتبار وجود المقوماتِ وإمكانية قيام كيانِ الدولة وتمكُّنها وضمانِ حياتها واستمرارها في هذه الرقعة في البداية – ولو بضم بعضها إلى ما يجاورها من أقطار – بحيث يتحقق بها جميعًا إمكانيةُ الارتكاز حقيقةً وقيامُ كيان المسلمين أي دولة الخلافة واستمرارُها (ثم الانطلاق في ضم البلاد الإسلامية الأخرى). فيجري في كل قطرٍ من هذه الرقعة حملُ الدعوة بتمامه، ومنه أعمال النصرة. علمًا أنه لا يتأتى الكفاح السياسي في غير البلاد الإسلامية ولا طلبُ النصرة في بلاد الكفار (كألمانيا أو السويد أو إنكلترا مثلًا) وذلك من باب أولى.


5- والسؤال المـُحيِّر هو: كيف هو وضع المسلمين ممن وُلد ونشأ في الغرب، أو ممن اعتنق الإسلامَ من أهل تلك البلاد، وتحديدًا مَن صار منهم مدركًا لقضية المسلمين في هذا الزمان وواعيًا على وجوب العملِ لإقامة الدولةِ واستئنافِ الحياة الإسلاميةِ في بلاد المسلمين، بعدما صار المسلمون أجيالًا في بلاد الكفار وواقعًا مفروضًا؟؟ فهل يُطلب من هؤلاء أيضًا أن يكونوا في البلاد الإسلامية على سبيل الوجوب؟ والجواب على ذلك أنه لا يصح أبدًا أن يرضخ أو يستسلم حمَلةُ الدعوة لواقعٍ فرضه الكفارُ على المسلمين، وقد ثبت أن الهجرةَ – كظاهرةٍ سياسيةٍ وبالشكل الذي نتحدث عنه تحديدًا – إنما هو من تخطيط دولِ الغرب في ضرب الإسلام والمسلمين!! فلا يصح مطلقًا أن تتحمل الدعوةُ تبعاتِ واقع وجودِ هذه الجاليات من المسلمين في بلاد الكفار بهذا الشكل، ولا أن تُكيَّـفَ النظرةُ لقضية الهجرةِ فضلًا عن أن تُكيَّـف أعمالُ الدعوة وعمليةُ التغيير بحسب واقع وأوضاع المهاجرين في الغرب. فيجب الصدعُ منهم (أي من حَمَلة الدعوة) للمسلمين جميعًا في أقطار الدنيا بالحكم الشرعي – مهما كانت الظروف – في مسألة الهجرةِ إلى بلاد الكفار ابتداءً، أو مسألةِ البقاء فيها، مُبيِّنين خطورتَها ومصائبَها ونتائجَها وتداعياتِها، كما يجب أن يدرك مَنْ يختار من المسلمين أن يعيش بشكل دائمٍ في بلاد الغرب (أصليًا كان أو مهاجرًا) أن واجبَ العمل لإعادة حكم الإسلامِ في بلاد المسلمين – وهو الفرض الأعظم في هذا الزمان – يتناقضُ مع وجوده في بلاد الغرب مستوطنًا بهذا الشكل، إلا أن يكون من أصحاب الأعذار المقبولة والمسوغاتِ الشرعية وهم على العموم كما أسلفنا: إما مَن غلبهم القهرُ في بلاد المسلمين أي ظلمُ الحكام وبطشُهم إلى حد الاضطرار الملجئ، بعد استنفاذ إمكانياتِ التحول إلى بعض البلاد الإسلامية الأخرى، وإما مَن هم من أهل الرخصة في البقاء والمكوث ولو لسنواتٍ وهم أصحابُ المهمات ممن تم تكليفهم من قِبل صاحب الصلاحية في أمر الدعوة وفق الأحكام الشرعية ذاتِ الصلة. وهم الذين يجب عليهم جميعًا بعدئذٍ (هؤلاء وأولئك) القيامُ بتكاليف الدعوةِ وتحملُ أعبائها حيثما وُجدوا، ومِن ذلك تَوعيةُ المسلمين (سياسيًا) على ما يُراد بهم وبأمتهم وتثقيفُهم بالإسلام في بلاد المهجر، ومن ذلك أيضًا تحذيرُهم من عواقب طول مكوثهم بين الكفار، ومن الذوبانِ والانخراطِ في حياة الغربيين ومِن كل ما يجب الحذرُ منه في بلاد الغُربة والمهجر. وعليهم خصوصًا تهيئةُ الأجواء في تلك البلاد للفاتحين القادمين لا محالة. فمن معنى الأمانةِ في حراسة الإسلام وبذلِ الجهدِ في سبيل تحقيق الغايةِ المطلوبة، التي هي استئنافُ الحياة الإسلامية، وإقامةُ دولةِ الخلافة، أن يكون المسلم حيث يلزم شرعًا. أما مَن يختار منهم أن يعيش في بلاد الغرب (أو غير البلاد الإسلامية عمومًا) مِن غير مبررٍ أو رخصةٍ فيجب أن يُعلمَ ويُفهَّمَ أنه ولا شك في غير المكان الذي يرتضيه الإسلامُ ويقتضيه حملُ الدعوة الإسلامية. فبهذه الطريقة يجري ضبطُ العمل وتكثيفُه وتركيزُه في المكان المطلوبِ شرعًا حتى تقومَ الدولةُ حيث يجب أن تقوم، فتُحل المعضلةُ عندئذٍ من أساسها، وتُضبط المسألةُ حينئذٍ (وجوبًا) بتنفيذ أحكامِ السياسةِ الخارجيةِ في شريعة الإسلام، الذي يعلو ولا يعلى عليه.


6- انخراطُ المسلمين في دول الغرب تجاوز مخالطةَ الكفار في مأكلهم وملبسهم ومشاركتَهم في أمور حياتهم، كما تجاوز الدخولَ في الأحزاب السياسية والمنظمات المجتمعية، بل وصل إلى انضمامهم إلى جيوش تلك الدول، التي في كثير من الأحيان يُطلب منها مهام قذرة في بلاد المسلمين، كما هو حاصل الآن في أميركا وغيرها، فهل يتناقض في هذه الحالة إسلامُهم مع ولائهم لأوطانهم ومع انتمائِهم لدولهم تلك؟ بالتأكيد نعم.


7- لا يخفى على سياسي متابعٍ أن العالم يسير هذه الأيام نحو عودة دولة المسلمين بوتيرة أسرع من ذي قبل، وهذا ربما هو العامل الأبرز في تفسير احتدام صراع الغرب مع الأمة الإسلامية إلى الحد الذي نراه اليومَ في بلاد المسلمين. فهل سيكون وجودُ هؤلاء المسلمين واستقرارهم (كجاليات) في بلاد الغرب – أي في دول عدوةٍ للمسلمين – عاملًا مساعدًا لتقوية ركائزِ الدولة عند قيامها في بلاد المسلمين (كما قد يتصور البعض)؟؟ نقول: بل لا يخفى على عاقل متابعٍ مدركٍ لما حوله من أوضاع الأمةِ ولأحوال المهاجرين في الغرب ما قد يلحق الأمةَ الإسلاميةَ من ضرر قد يأتي – بل يأتي حتمًا – من وجود هذه الجاليات المختلفةِ التصوراتِ والتوجهاتِ واستقرارِها في بلاد الغرب، أقله تغيرُ وجهةِ نظرِ أفرادها في الحياة وأكثره ربما فقدانهم أنفسَهم وخسرانهم أهليهم بالارتداد عن الدين (وذلك هو الخسران المبين)، وانعكاس ذلك على الأمة من حيث توظيفهم من قِبل الدول الكبرى في صراعها مع المسلمين. وقد رأينا كيف جرى توظيفُ النخب السياسيةِ والثقافية والزعاماتِ التي كانت موجودةً في الغرب وتربَّتْ طوال العقود الماضيةِ في أحضانه (من قادة ورموز الحركات العلمانية والليبرالية وحتى الإسلامية والوطنية وغيرها…) خلال «الثورات العربية» الأخيرة (في تونس ومصر وليبيا وغيرها..) وقبل ذلك في العراق، وكيف جاء بها الغربُ في اللحظات المناسبة وألقى بها في الأوساط السياسيةِ في كل البلاد المنتفضةِ والثائرةِ على الأوضاع السيئة التي أوجدها الغرب نفسُه، لتتصدر المشهدَ السياسي في تلك البلدان، بغرض حرف مسار الثورات من أجل استمرار المحافظة على مصالحه وتحقيق مآربه عبر القفز على مطالب الشعوبِ المسلمة بتوجيه الأحداثِ واحتواء الصراعات. ولا شك أن هذه الزعامات كانت مهيَّـأةً ومتهيِّئةً لمثل هذه الأدوار من خلال رصد التحولات في تلك البلدان بهدف ركوب المطالب وتوجيه التحركات وإجهاض الثورات. وأعضاء الائتلاف السوري مثال واضح في هذا الشأن.


أما أفراد الجاليات المسلمةِ في الغرب عمومًا، فإنه لا يخفى على أحد دخولُ أكثرهم في حالة لا توصف من الضياع السلوكي والانهزامِ الثقافي والتبعيةِ الحضارية، وانفصالُهم عن الأمة فكرًا وشعورًا، وانحيازُهم سياسيًا إلى مواقف دولِ الغربِ في قضايا الأمةِ الإسلامية، ومنها وأهمها على الإطلاق عودة الخلافة، وهو محور الصراع مع الغرب اليوم، وانعكاسُ ذلك على البلاد الإسلامية نفسِها فكريًا وسياسيًا، بل واقتصاديًا أيضًا، وذلك بحكم أن هذه الجاليات – التي لا تكاد تحمِل من هموم الأمة شيئًا – تعيش «مستقرةً» بـ»أمان وعهد» الكفار وفق نمط الغربيين بين أظهر غيرِ المسلمين تحت سلطة الكافرين والمشركين من ملحدين وعلمانيين، كون أبنائها يحملون (كواقع مفروض) تابعيةَ أو جنسياتِ تلك الدول الغربية، وهو ما يحمل في حد ذاته علاماتِ استفهامٍ كبيرة من ناحية الشرع (ليس هذا محل النظر فيه)، ويغيب عنهم تمامًا إلا من رحم الله وجوبُ استئنافِ الحياة الإسلامية ووجوبُ العيشِ وفق شريعة الإسلام في ظل دولةٍ تطبق الإسلامَ، فضلًا عن وجوبِ حمله إلى جميع أنحاء العالم بالطريقة الشرعية وهي الدعوة والجهاد في سبيل الله، الذي تتولاه الجيوش في الدولة. فكيف سيكون إذًا موقفهم عند قيام دولة الخلافة وبعد قيامها، وكيف سيكون موقفُ الغربيين وساستِهم منهم، وهم الذين لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمةً؟؟ وهم – أي المهاجرون – في نفس الوقت عرضةٌ لجميع أنواع الضغوطاتِ والتوظيفاتِ بما يخدم دولَ الكفار المستعمرين! فيوجد بينهم اليومَ من يرفض صراحةً بل ويعترض عن بعد – أي وهو موجود في الغرب – على تحكيم الشريعة الإسلامية هنا في بلاد المسلمين (فضلًا عن غيرها)، وذلك بالدعوة إلى العلمانية والديمقراطيةِ وإبعاد الدين عن الدولة ومدَنيةِ الدولةِ، فهل يكون مَنْ هذا حالُه مسلمًا (؟)، والله تعالى يقول: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) [النساء 65].


ومع كل هذا البيان فإننا ندرك أنه لا حل لمشكلة بل معضلة الهجرةِ على أرض الواقع إلا بإقامة الدولةِ في بلاد المسلمين على أساس الإسلام. ولو أن المسلمين اشتغلوا بالسياسة في بلادهم، انطلاقًا من دينهم وعلى أساس هويتهم، لقامت دولـتُهم ولزالت مِـحنتُهم.


قال تعالى: ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ) [الحج 40]


والحمد لله رب العالميـن.



الوعي 360
Go to the top of the page
 
+Quote Post

Reply to this topicStart new topic
2 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (2 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 18th July 2025 - 03:04 PM