بسم الله الرحمن الرحيم
علماء السلطان: التنازل بيد والدليل بالأخرى!﴿غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُوا﴾
إن عقلية الانبطاح والتنازل أصبحت منهاجا ودستورا سياسيا لدى العديد من العلماء الذين يدعمون السلطان بإرادتهم بقناعة منهم، ومن جزء ليس بقليل من العلماء الذين لا يدعمونه بإرادتهم وإنما يخافون بطشه وتنكيله ويرغبون في عيشة رغيدة.
أما من يدعمون الحاكم ويحبونه ويؤازرونه فأولئك من جنده وملئه وهم يده وعينه وقدمه، وهؤلاء ليسوا بالخطيرين، أو قل إن خطرهم قليل، فهؤلاء باتوا معلومين لدى الأمة، والأمة تكرههم وتناصبهم العداء وتعتبرهم من علماء السلطان الموالين له ولأعدائها.
أما العلماء الذين يخشون الحكام والذين سايروهم اتقاء بطشهم وحفاظا على عائلاتهم ومصالحهم ومستقبلهم ولأجل حياة رغيدة، فهم خطيرون جدا؛ ذلك أن الأمة تعتبرهم منها وهم يعتبرون أنفسهم منها، لكنهم يضعون قدما في قصر الحاكم والأخرى في حضن أمتهم، ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء﴾! فهذا القسم من العلماء هم المنافقون الذين يكون بإحدى يديهم التنازل والخنوع وبالأخرى الدليل من النصوص لإباحة الحرمات والتنازل.
يحلفون بالله إنهم حريصون على الأمة وعلى مصالحها ولكنهم متعقلون وحكيمون ومرنون للتيسير على الأمة، ولأنهم أعلم بمصالحها كما قال الذين بنوا مسجد الضرار ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ وبكل هذه الحجج لووا أعناق النصوص وغيروا الدين وأنشأوا منظومة لا يستهان بها من أحكام التنازل والتهافت والانبطاح ﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾.
وبهذا كله أصبح بيع فلسطين صلح الحديبية، والوقوف بيد الحكام ودعمهم، إصلاحا لذات البين! وصار أكل الربا تيسيرا على الفقراء وإنعاشا لوضعهم الاقتصادي! والجلوس والتعاون مع المعتدين سياسة وريادة ومكرا ودهاء!!
﴿أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ﴾؟! ألم يسمعوا قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللَّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً﴾؟! ألا يرتدعون؟ ألا يسمعون قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾؟!
الله الله في أنفسكم يا علماء المسلمين، إن أعداء الأمة الكافرين وحكامكم في كفة والأمة في كفة أخرى وبينهما فتق لا يمكن رتقه بل لا يجب رتقه، فالله قد أعلن الحرب والعداء على من يعادونه ومن يتولون عن أمره. فاختاروا وانحازوا ولا تتذبذبوا ولا ترجفوا في الأرض، ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾، أيها العلماء: لا تتولوا مدبرين، أيها العلماء: ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾، أيها العلماء: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ﴾ فالله الله في أنفسكم، الله الله في أمتكم.
أما القسم الآخر من العلماء، فهم العلماء الربانيون، الذين لم يخشوا إلا الله واعتبروا الأمة كلها عائلتهم وكلها أعراضهم وكلها أبناءهم وآباءهم ونساءهم، فهؤلاء العلماء كما وصفهم الله ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً﴾، هؤلاء ليسوا مكان البحث هنا لأنهم يُبحثون في مقام أسمى وأعلى، فهم يبحثون في عليين والفردوس الأعلى وفي تاريخ الأمة الأبيض وبين عظام الأمة والشامخين منها وفيها. اللهم احشرنا معهم ولا تحرمنا أجورهم.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. فرج ممدوح