أعلم أخي محمود أن مهاجمة الاسلام واقع خلقه حقد صليبي في نفوس أزعجها ظهور الاسلام وانتشاره لدى التصارى، وبين المسلمين انبهار بالتقدم العلمي لدى الغرب فعلله اللاهثون وراء سراب بأن التخلف العلمي لديتا زرعه فينا عقيدة الاسلام. حتى أت هؤلاء السخفاء قد أثبتوا فشل ما يزعمونه من حريات في مبدأهم الديموقراطي الرأسمالي.
في زيارتي الأخيره لمدن تفخر بديمقراطية ترى أينما تقلب وجهك نساء كاسيات عاريات يظهرن من عوراتهن أكثر مما يسترن.. حتى تكاد تظن أنهن لبلا لباس يستر أسجادهن خاصة في المسابح والحدائق التي يمارسن بها ما يسمونه ( الحمام الشمسي ) حيث يعرضن أجسادهن العارية لأشعة الشمس الحارقة حتى تكتسب لونا مميزا ... يتم الأمر في الساحات المطنظة وبين التجمعات البشرية دون أي خجل أو حياء . ومن المارة دون أي اعتراض. وفجأة تبرز مسلمة بالنقاب فينبري الجمع رجاءا ونساءا على اظهار الاستنكار والاشمئزاز وشاهدت قبل يومين حالات تم فيها الشتيمة والتقريع بموافقة الجمع الشيطاني المفتخر بالديموقؤاطية العفتة ضاربين عرض الحائط بما يعتبرونه من أهم ما تحتويه ديموقراطيتهم العفنة أقصد ( الحرية الشخصية ).
وفي بلاد المسلمين التي أعمل فيها مشرط سايكس بيكو تقطيعا وتحويلا لمشيخات ودويلات حرص الكافر المستعمر على تجهيل المسلمين لحقيقة دينهم وأحكامه وأعانه عملاء لا يتقون الله منهم قاسم أمين ... كان قاسم يرى أن تربية النساء هي أساس كل شيء، وتؤدي لإقامة المجتمع المصري الصالح وتخرج أجيالا صالحة من البنين والبنات، فعمل على تحرير المرأة المسلمة، وذاعت شهرته وتلقى بالمقابل هجوما كبيرا فاتهمه مهاجميه بالدعوة للانحلال.
كان منذ شبابه مهتما بالصلاح الاجتماعي فأصدر سنة 1898 كتاب "أسباب ونتائج وأخلاق ومواعظ وتبعه بكتاب "تحرير المرأة" نشره عام 1899، بدعم من الشيخ محمد عبده، سعد زغلول وأحمد لطفي السيد الذي ترجمه الإنجليز -أثناء وجودهم في مصر - إلى الإنجليزية ونشروه في الهند والمستعمرات الإسلامية. الذي تحدث فيه عن الحجاب حيث زعم فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة للسفور ليست خروجا عن الدين. وتحدث أيضا عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساسا من أسس الشريعة، وأن لتعدد الزوجات والطلاق حدودا يجب أن يتقيد بها الرجل، ثم دعا لتحرير المرأة لتخرج للمجتمع وتلم بشؤون الحياة. بهذا الكتاب زلزلت مصر وأثيرت ضجة وعاصفة من الاحتجاجات والنقد ورد على قاسم في نفس السنة زعيم الحزب الوطني آنذاك مصطفى كامل حيث هاجمه وربط أفكاره بالاستعمار الإنجليزي، ورد عليه أيضا الاقتصادي المصري محمد طلعت بكتاب "فصل الخطاب في المرأة والحجاب" ومما قاله: "إن رفع الحجاب والاختلاط كلاهما أمنية تتمناها أوروبا" ومحمد فريد وجدي بكتاب "المرأة المسلمة"، ولكن قاسم لم يتزعزع أمام النقاد فواصل يدرس الكتب والمقالات لمدة سنتين ويرد عليهما بكتابه "المرأة الجديدة" عام 1901 ردا على ناقديه، يتضمن أفكار الكتاب الأول نفسها ويستدل على أقواله بأقوال الغربيين. فطالب بإقامة تشريع يكفل للمرأة حقوقها وبحقوق المرأة السياسية وأهداه لصديقه الزعيم سعد زغلول.
ومع د. سفر الحوالي :
استغل قادة الحركة الوطنية -التي كان الإنجليز ينظمونها ويرعونها، وكان على رأسها حزب الوفد الذي كان يتزعمه سعد زغلول - استغلوا قضية المرأة، وتبنى أولئك ما يسمى بتحرير المرأة، فكانت زوجة سعد صفية قد نسبت نفسها إليه، فسمت نفسها صفية زغلول وتركت اسم أبيها، وتبنى امرأة هي التي تسمى رائدة الحركة النسائية -لأنهم وجدوا أن قاسم أمين رجل، ولابد أن تكون الرائدة امرأة- وهذه المرأة هي هدى شعراوي ، فدخلت في حزب الوفد وتبناها سعد زغلول ، وأفسح لها المجال، ومعها المدعوة الأخرى سيزا نبراوي ، ومن هنا بدأت المؤامرة بأيادٍ نسائية.
وعندما قامت الثورة المصرية عام (1919م) -الثورة على الإنجليز كما سميت- كانت ثورةً علمانية حيث كان شعارها: (الدين لله والوطن للجميع) إذ خرج الناس قائلين: يجب أن نخرج جميعاً؛ اليهود والنصارى والمسلمون -واليهود في ذلك الوقت خرجوا علناًَ في مصر ، للتظاهر ضد الاستعمار- فكان ممن خرج وشارك في هذه المؤامرة هدى شعراوي ضمن لجنة الوفد المركزية للسيدات التابعة لحزب الوفد، فكان الظاهر أن هؤلاء السيدات خرجن في مظاهرة ضد الإنجليز، وكانت أغرب مظاهرة من نوعها في العالم الإسلامي، إذ لم يسبق أن خرجت النساء في مثل هذه المظاهرة، والتي كان الغرض منها -كما يزعمون- إعطاء فصرة للمساهمة في تحرير البلد والمشاركة في التنمية بعد ذلك، وبينما هن في المظاهرة أخذن حجابهن الذي كن يلبسنه ورمينه في الميدان وأحرقنه.
وكان كثير ممن خرجن من النساء متحجبات، حتى إن بعضهن كن يلتزمن بغطاء الوجه أيضاً؛ لأن مسألة نزع الحجاب لم تكن قد أخذت بعداً واقعياً، بل كان الحجاب هو الأصل، وكانت المرأة التي تنزع عن وجهها الحجاب ينظر إليها على أنها فاجرة ودنيئة ودنسة، ومن أسرة لا أصل لها ولا قيمة لها... إلى آخر ما يقال.
وحرص سعد زغلول على أن تقام سرادقات ضخمة لاستقباله عند رجوعه من المنفى -كما يسمى- وحين دخل المعسكر، كان النساء متحجبات، فقام بنزع الحجاب عن وجه هدى شعراوي وأمر بقية النساء أن ينزعن الحجاب، فنزعه بعضهن وأخذن يصفقن ويهتفن قائلات: عاش الوطن، وليسقط الإنجليز.
فما علاقة خروج الإنجليز وما علاقة الوطن بهذا التهتك؟! وما علاقة ذلك بالحرية؟! وما علاقة الحركة الوطنية؟! وكيف يقال: إن خدمة الوطن لا تتم إلا بالتبرج والتهتك والتعري، فلو أن امرأة مسلمة قدمت لأمتها خدمة في التعليم -فأمضت العمر كله وهي تعلم- أو في الطب ولكنها محجبة لما ذكرها أحد، ولكن إذا تهتكت وتعرت واشتركت في أفلام، أو في مسابقات فنية، أو في أي شيء مما لا يرضاه الله تعالى، تحدث عنها القاصي والداني واعتبروها رائدة، ورفعت سمعة بلادها، وساهمت في تنمية وطنها... إلى غير ذلك.
ثم بعد ذلك أذن سعد زغلول لأولئك النسوة أن يشكلن لأول مرة في تاريخ الأمة الإسلامية تنظيماً نسائياً، وتشكل هذا التنظيم النسائي، وستعجبون إذا عرفتم أن المكان الذي انطلق منه هذا التنظيم وخرجت منه المظاهرة هو الكنيسة المرقصية -كنيسة القديس مرقص صاحب الإنجيل- إذ اجتمع هؤلاء النسوة التابعات لحزب الوفد وهن مسلمات في الأغلب- في الكنيسة وخرجن يطالبن بترك الحجاب، وبالتحلل منه.
وهذه الأحداث تبين في النهاية الغاية الحقيقية لهذه المؤامرة.
إقتباس