حين التطرق لثورة الشام، كثيرا ما يتم الحديث عن "تخاذل الغرب" لثوار الشام و منع تسليحهم.... وفيما يلي محاولة لتصحيح مفهوم التخاذل و الرد على كل من يستعمل هذا المصطلح في غير محله:
1) أولا، التخاذل لا يكون الا ممن يجب عليه النصرة و المساعدة، ولم يقم بذلك، كالانظمة في البلدان الاسلامية و جيوشها، و الامة الاسلامية بصفة عامة، افرادها و جماعاتها، و علماءها و دعاتها بصفة خاصة! فهؤلاء هم من يجب على المسلمين لومهم و التوجه بالخطاب اليهم لينصروا إخوانهم في الدين ! .... اما الغرب فليس مسؤولا عن المسلمين، و ليس له ان يكون كذلك. و من قال من المسلمين بتخاذل الغرب لهم، فهو سلم ضمنيا بوصاية الغرب عليه، و رضي بسيادته عليه، و الله يقول: {وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}. و الرسول حين تكلم عن الخذلان، حدده في خذلان المسلم لأخيه المسلم، لما عليه من واجب اتجاهه: {ما من امرئ مسلم يخذل امرءاً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه؛ إلاّ خذله الله في موضع يحب فيه نصرته, وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عرضه, وتنتهك فيه حرمته؛ إلاّ نصره الله في موضع يحب فيه نصرته}. وقال صلى الله عليه و سلم: “المسلم أخو المسلم لايظلمه ، ولا يخذله ، ولايسلمه”. وقال الله: {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر}الآية. {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}الآية.
2) انه لمن العجب، و انه لمن السداجة و السخرية، حين ترى كثيرا من المسلمين يتوجهون بخطابات اللوم للغرب و عتابه على عدم تقديمه "المساعدة" لهم، و كانه من البدهيات و من الواجب ان يحل الغرب مشاكلهم و يواسيهم في مصائبهم و يدافع عنهم و يطعمهم و يسقيهم و يداويهم و يسلحهم ….. و كأن الغرب أباهم او أمهم. و كانهم عبيدا له لا حول و لاقوة لهم .... و هذا رغم ان الطفل الصغير يعلم علم اليقين، و بالادلة الملموسة القطعية، ان الغرب لا يتربص بالمسلمين الا شرا ! فكفاكم يا مسلمين بكاءا عند الغرب، و الاستنجاد به ….. فلن يجدي بكائكم شيئا. و اذا قدم لكم الغرب بعض الفتات فانه و لاشك يحصل على أضعاف مضاعفة مقابل ذلك! تعطونها للغرب من مالكم و من خيراتكم و من دمكم و حريتكم و من عرضكم و كرامتكم و من سيادتكم و انسانيتكم و من دينكم!! فماذا بقي لكم، وماذا بقي منكم، بعد ان تعطوه كل ذلك!!؟؟؟ فانتم ساعتها: “…. غثاء كغثاء السيل….”.
قال عبد الله بن عمر: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول ما أطيبك وأطيب ريحك ما أعظمك وأعظم حرمتك والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وأن نظن به إلا خيرا”. و روي عَنْ عَلِيٍّ انه قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلا صَرْفٌ …….”). فالرسول يبين هنا عظمة حرمة دم المسلم و عرضه و ماله (ولو كان المسلم افقر فقراء هم و اضعف ضعفائهم)، و بين الرسول بان هذه الحرمة لا يضمنها للمسلم و لا يحافظ عليها و يحميها و يدود عنها الا جماعة المسلمين انفسهم (أمتهم)، و دولتهم… و لعل الكل يعرف غزوة بني قنيقاع التي حرَّك لها رسول الله جيشا كاملا من أجل أن امرأة واحدة تعدى عليها يهود بني قنيقاع و كشفوا عورتها، فكان ان قضى الرسول على بني قنيقاع! كذلك يعلم الكل رد فعل الخليفة المعتصم حين انتصر لامراة مسلمة اعتدي عليها بالعمورية، فحرك جيشا كبيرا من اجلها، و فتح العمورية !!! و الأمثلة كثيرة من مواقف العز للمسلمين حين كانت لهم دولة و كان يقودهم رجال احرار و ليس الرويبضة! فاين جيوش المسلمين اليوم و حكامهم من تلك المواقف الرجولية، و تلك الغيرة على أعراض المسلمين !؟ فليس الغرب الذي سيرد للمسلمين عزتهم، بل الغرب يسعى بكل قواه و جهده ليبقيهم أذلة ضعفاء مقسمين، يعبث بهم و بدمهم و بعرضهم و بخيراتهم كيف يشاء! فلا عزة لكم ايها المسلمون الا بالله ثم باعتمادكم على المسلمين فقط! {أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا}الآية. و قال عمر بن الخطاب : “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله”….. فكفاكم كفاكم ايها المسلمون استنجادا بالكفار و بكاءا عندهم ……
|