بسم الله الرحمن الرحيم
هل اعترفت الدولة بهوية الأمة حتى يعترف حزب التحرير بشرعية الدولة؟! سعيا من الحاقدين للنيل من حزب التحرير، وفي خضم حملة ممنهجة ضده تداول إعلام السلطة في تونس وبعض المتخندقين في عداء الدين فكرة مفادها أن حزب التحرير ينكر الديمقراطية وهو يتنعم بثمارها ولا يعترف بالدولة وهي التي منحته ترخيص العمل القانوني؛ تأليباً للرأي العام وتهيئة له للقبول بحظر نشاط الحزب.
إن القول بتنعم الحزب بثمار الديمقراطية، من كونه في إطار الحريات والتعددية التي يكرسها النظام الديمقراطي حصل الحزب على التأشيرة وبفضلها يمارس أنشطته ويعبر عن مواقفه فبدل أن يقر لها بمعروفها ويثني على جميلها نجد الحزب يشهر حربا لا هوادة فيها ضد الديمقراطية، إن هذا القول كله مغالطات؛ فالديمقراطية التي يمنون علينا فضلها بأن منحتنا ووهبتنا ليس من حقها أن تمنح أو تمنع، فمتى كان للدخيل الغريب الهجين أن يقرر لأهل الدار فيأذن لمن شاء ويمنع من شاء؟! فهذه الديمقراطية وعبيدها دخلاء على البلد وهم وآلهتهم من يجب عليهم الحصول على الإذن لا أن يقتحموا الدور ويتسلطوا في صلف على أهلها. فحزب التحرير نشأ تلبية لحكم الله وفكره وعمله تعبيرا صادقا عن هوية الأمة فهو منها وإليها، ولهذا فليس لأحد فضل على الحزب غير الله عز في علاه، أما الذين يدّعون أن حكومة فلان أو حركة كذا كان لها فضل في حصول الحزب على التأشيرة فهو مردود لأننا ما سعينا لذلك وكنا ولا زلنا نعمل استجابة لأمر الله وطلبا لمرضاته، وثانيا إننا تقدمنا بإعلام وخبر للسلطة لا طلب إذن ولا ترخيص، فما قدمناه كان إعلاما وإحاطة للسلطة بوجودنا كطرف يعمل وينشط لا كطرف ينتظر الإذن للعمل والنشاط. أما النقطة الأهم فهي أن السلطة هي التي لمّحت وأومأت ثمّ صرّحت بأن حزب التحرير لو تقدم للحصول على التأشيرة فلن يكون لديها ما يمنع، وعليه فالسلطة آنذاك هي المستفيدة؛ ذلك أن الحزب كانت أعماله ظاهرة بارزة وكان لها من الضخامة والفخامة ما يجعل الإعلام الداخلي والخارجي يتناولها طوعا أو كرها، وعمله بذلك الزخم دون تأشيرة يعتبر تحديا للدولة واستنقاصاً من هيبتها، فعندما تسند التأشيرة تكون قد حفظت ماء وجهها وأحست ببعض الهيبة والسيادة وطمأنت من وراءها من كون الوضع تحت السيطرة.
أما كون حزب التحرير لا يعترف بالدولة وما يعتري ذلك من نزعة تحريضية فهو ببساطة عدم الإقرار بشرعية الدولة، فالسلطة التي تتمتع بها من حيث التشريع منبتّة عن الأمة وعن دستورها - أي القرآن - فهي تناقض ما يرنو إليه الناس وتتسلط عليهم بتشريع يغضب رب العالمين المشرع الأوحد، أما من حيث التنفيذ فالحكام مغتصبون لإرادة الشعب وإنما وصلوا بإرادة خارجية من خلال التزوير والتدليس والقهر والإكراه، ولكن رغم ذلك فهي أمر واقع ولا يمكن نفي وجودها، فهناك فرق بين نفي الوجود وبين نفي الشرعية. فنحن نتعامل مع هذه الدولة كأمر واقع ولكنه غير شرعي يحتم علينا ديننا أن نعمل جادين لإنكاره وفضحه وتعريته وحض المخلصين من أهل البلد على العمل الجاد لإعادة الأمور إلى نصابها بجعل التشريع لله وحده وإعادة السلطان إلى أهله أي أهل البلد، وعليه فإن مقولة بعض المغرضين وعلى رأسهم السلطة الحاكمة بأن حزب التحرير لا يعترف بالدولة ولا بدستورها ولا برايتها ممّا يخوّل للدولة حق حظر نشاط الحزب، لا يستقيم مع العقل السليم ولا مع مبدئهم العليل - الديمقراطية - فهذا القول يريد أصحابه أن ينشئوا أحزابا معارضة ولكن على مقاسهم أي أحزابا تقر الموجود وتباركه مع بعض الاحترازات والتحفظات وتعمل لإحداث بعض الإصلاحات من خلال التداول على السلطة، أي أحزاباً كرتونية لإضفاء المسحة الديمقراطية والتعددية في الحياة السياسية، وحزب التحرير لا يلعب مثل هذا الدور بل ليس من طبيعته اللعب وإنما يجدّ لإنقاذ الأمة مما تردت فيه من ذلة وانتقاص وتفقير وتقتيل بسبب إغضاب رب العالمين.
فحزب التحرير لا ينكر وجود الدولة من حيث إنها أمر واقع ونحن ننضبط مكرهين لقوانينها ونظمها، ولكن هذا الانضباط والالتزام لا يعني في شيء الإقرار والاعتراف بالشرعية، كما أن عدم الاعتراف بالشرعية لا يعني العصيان والتمرد ودعوة الناس إلى العنف والاقتتال واتخاذ الفوضى والأعمال المادية طريقا لبلوغ الغاية؛ فهذا ليس من منهج المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالمنهج الشرعي للتغيير والذي يعتمده حزب التحرير هو الوصول إلى السلطة عبر إيجاد الرأي العام الذي يشكّل حاضنة للفكرة وللحزب من خلال الصراع الفكري والكفاح السياسي فتتحفّز الفئة الأقوى استجابة لأمر الله ولخيارات الأمة لتضع المبدأ موضع التطبيق، فالدولة اليوم تبنت دستورا مخالفا لكتاب الله مشاقّا لآمال الأمة في الاحتكام إلى شرع الله، فهذه الأخيرة هي التي يجب أن تؤطر على الحق أطرا وتؤصر عليه أصرا حتى تفيء إلى أمر الله، فالحق هو أن ينكر المنكر لا أن ينكر إنكار المنكر، أما موضوع العلم والمزايدة بحب البلد بحبه فالأولى أن يسأل من يتخذ السفارات العدوة مزارات له ومن يوقع الاتفاقيات التي تنتهك حرمة البلد وأهله ومن يتلحفون بالعلم ليخونوه ويبيعوه بالليل والنهار؛ تارة باليورو وأخرى بالدولار، فهؤلاء هم موضع الشبهة والمساءلة لا حزب التحرير الذي يجرم الاستعانة بالأجنبي، والذي يدعو الأمة إلى راية تنهي التفرقة والتشتت؛ فحزب التحرير يرفض العلم كرمز للوطنية المقيتة التي تقسم الأمة الواحدة وتجعلها مزقا وكيانات هزيلة ويدعو المسلمين للتوحد حول راية التوحيد مصداقا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
طارق رافع - تونس
28 من رمــضان 1436
الموافق 2015/07/15م