من يكتب مناهج التعليم لأولادنا؟ وماذا يزرع فيهم؟ 5ىسبتمبر 2015، دعاء عمر.
اليوم السابع: وضع “مجلس الكنائس” في مناهج التاريخ الثانوي، وإعلان من وزارة التربية والتعليم بالسماح للكنائس المصرية للمساهمة في وضع المناهج التعليمية.
وبدورها تحذف الموضوعات الإسلامية التي ليست بهواهم وتضرهم أوتحسِن صورة الإسلام؛ ليبقوا صورته مشوهة وغامضة في عقول الأطفال المسلمين.
لنتوقف عند هذا الخبر ونأتي ببداية وضع المناهج التي أوصلتنا لهذا الخبر.
البداية والهدف:
في سنة 1882 م وقف جلادستون -رئيس وزراء بريطانيا- ممسكا بنسخة من المصحف وقال:
“إنه ما دام هذا الكتاب باقياً في أيدي المصريين، فلن يستقر لنا قرار في تلك البلاد”.فكان الأزهر هو المستهدف لأنه معقل العقيدة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وهو من مصادر الوحدة الإسلامية، ولكن لن يفعلوها بنفس طريقة الفرنسيين في الاحتلال الفرنسي بمداهمة الجامع الأزهر واستحلاله بخيولهم، فهكذا سيظهرون عدائهم الواضح وينبهوا أذهان المصريين لما يحدق بعقيدتهم، ورأوا أيضاً أن مدارس التبشير تمارسه بطريقة مباشرة تؤدي إلى عكس المطلوب؛ إذ تنبه المصريين للخطر وتزيدهم استمساكاً بدينهم الإسلام، لذلك لجأ الاحتلال إلى فعل بطئ لكنه مضمون المفعول ” Slow but sure” كما ينتهجون هذا في جميع سياستهم.
مستر دنلوب وسياسته التعليمية:
عندما اشتكى المبشرين الإنجليز من “اللورد كرومر” بالتضييق عليهم، قال لهم:”أنتم تخطفون الأطفال من الشوارع لتنصروهم و هذا يؤدى إلى إثارة الناس، ولكنني اتفقت مع (مستر دانلوب) خريج كلية اللاهوت البريطانية لكى يضع منهج تعليمى يؤدي إلى جميع أهدافكم، وتم تعيين “القس دانلوب” مستشاراً لوزارة التربية و التعليم و ترك الأزهر ولم يتعرض له ظاهرياً، جاءوا بـ”دنلوب” القسيس ليضع سياسة التعليم المصرية، وينزع هذا المصحف من أيديهم، وكان أول ما فعله:
•فتح مدارس ابتدائية “حكومية” تعلم العلوم المدنية واللغة الإنجليزية، تُخرج موظفين يعملون فى الدواوين التي يحتلها الإنجليز. وفي البداية قوبلت هذه المدارس بالاستهجان من الناس؛ لتهميشها دراسة الدين، ولكن كان في المقابل طالب الازهر يتخرج بعد 20 سنة دراسة و لا يجد عمل إلا بصعوبة كمقيم شعائر بمسجد وبمرتب 120 قرش، فكانت الناس تفضل إدخال أولادها “مدارس دانلوب” و تهجر الأزهر، وأصبح مَن يدخل الأزهر طبقة الفقراء العاجزون عن دفع مصاريف هذه المدارس.
ولم يكن المتخرجون في تلك المدارس متعلمون ولكنهم كتبة لا يعرفون شيئاً غير تلقي الأوامر من المدير الإنجليزي، لأن المدارس كان هدفها تخرج العديد من العبيد وتحويل الناس عن الأزهر وتعاليم دينهم ليضلوا.
•يُدرَس المقرر في صورة واحدة من كتاب واحد؛ ليحدوا من تفكير الطلاب وتُقتل ملكة الإبتكار والإبداع عندهم، غير أن مدارسهم في انجلترا –في نفس الوقت- تربي تلاميذهم على حب الإطلاع وتحث قدرتهم على الإختراع، ويمتحنوهم فيما استفادوا لا فيما حفظوه عن ظهر قلب؛ لتنبه أذهانهم وتجعل لهم القدرة على حل كل ما هو جديد عليهم والإبداع فيه.
•الناظر الإنجليزي تلفه القداسة والرهبة، يسري في نفوسهم الرعب كأنه إله يعبد، وهذه طريقة فعالة ليست للتربية ولكن لزرع العبودية في نفوس التلاميذ.
•يتعلم التلاميذ أن مصر بلد متأخر لأنه زراعي، وأن أوروبا بلاد متقدمة صناعية وفيها الفحم والحديد، هذه المدارس التي لا تعلم القرآن ولا الدين، إلا مجموعة محفوظات جامدة متقطعة يسهل نسيانها، وما هي إلا أشياء تضر ولا تنفع. وأصبح الدين لا يدخل في المجموع فلا يهتم به الطلبة وأهلهم (مادة نجاح فقط).
•وتُوضع حصص القرآن والدين في نهاية اليوم الدراسي، يكون قد ملً وكلً التلاميذ، وتسرب منهم مًن تسرب إلى بيوتهم؛ ليرتبط تعلم الدين بالملل والعجز والضعف فينفروا منه ولا يقبوا عليه في حصصهم أو حياتهم الأخرى.
برغم أن مدارس التبشير كانت تبدأ يومها بالصلاة في كنيسة المدرسة والدعاء المسيحي –بما في ذلك التلاميذ المسلمون-، وتدرس حصص الدين صباحاً وبواسطة أمهر المدرسين الشباب وخارج الفصول، ووسط الموسيقى التي تبهج الطلبة بل، وتتعدى ذلك إلى أن يتم تدريس الدين المسيحي أثناء لعب الأطفال حتى تترسخ الفكرة عندهم بدون جهد؛ ليربطوا دينهم بالنشاط والتطلع للحياة المشرقة.
التاريخ الإسلامي واللغة العربية في سياسة دنلوب:
توسعت سياسة دنلوب، فأنشأ بضع مدارس ثانوية لها سياسة التعليم ذاتها، ولا تدرس شيئاً عن حقيقة الإسلام.
فالتاريخ الإسلامي كان:
1- أن الإسلام نزل في قوم وثنيين يعبدون الأصنام، ويئدون البنات، فدعاهم لعبادة الله وحده ونهاهم عن وأد البنات وصور الجاهلية، ودعاهم للدعوة والغزوات التي انتهت بانتشار الإسلام، وبذلك فرغت مهمة الإسلام؛ لأنه لم يعد هناك وثنيين ولا مًن يئد البنات.
أما الإسلام كقوة حاكمة ونظام يحكم البشرية من جميع أطرافها، وكحضارة امتدت لآلاف من السنين، كتنظيم اجتماعي واقتصادي، كحركة علمية أضاءت وجه الأرض، كل هذا لا يُذكر وإنما هو مجموعة العبادات التي يؤديها الإنسان ليكون قد أتم حق الإسلام، أو الشبهات وما يدور حولها.
2- يركز على دور الإسلام السياسي ويهتم بدراسة تاريخ الفساد فى الحكم و المعارك الجانبية بين الأمراء “وكان من فساد بعض أمراء الدول مادة دسمة لهم”، يركز على الفتوحات الإسلامية ويصفها على أنها معارك من أجل بسط النفوذ و ليس من أجل تحرير البشر من استعباد الحكام لهم، ولا يركز على تاريخ علماء الإسلام ودورهم فى الاجتهاد، وكيف أنهم كانوا يعيشون و يتعاملون بالشريعة، وما أصابهم من رخاء بسبب تمسكهم بشريعتهم ويخفى كيف كانوا يعاملون من هم على غير دينهم بالقسط، والأمان الذي يلقوه في كنف الدولة الإسلامية.
وكذلك يُخفي التاريخ الاستعماري الغربي واستعباد البشر ونقلهم إلى أمريكا مكبلين وفي أقفاص واستغلال ثرواتهم وإذلالهم، وطمس هويتهم. وبدراسة هذا التاريخ المشوه لا يجد الطالب ما يدعوه للفخر بتاريخه الإسلامي ولا يعرف كيف عاش المسلمين الأوائل فيقلدهم ويحتذى بهم.
وفي مقابل كل هذا، كان يدرسون لهم أوروبا الحضارة، والقوة، والعلم، والعدالة، والحرية، والتقدم، باختصار هي العملاق الذي لا يقهر، ولم يكن هذا كل شئ في سياسة دنلوب.
•فقد كان يتقاضى مدرس (التاريخ واللغة الإنجليزية والرياضيات وكل المواد المدنية) 12 جنيهاً في الشهر وهي ثروة زهيدة تساوي الرخاء من ثروات وأراضي وبيوت، ومكانة اجتماعية يحظى بها في المجتمع، أما مدرس (اللغة العربية) الذي يعمل معه فى نفس المدرسة وبنفس عدد الحصص ويزيد يتقاضى راتبه 4 جنيهات في الشهر، فتنزل مكانته الاجتماعية والاقتصادية ولا يتسنى له الحياة الكريمة، ويعيش في جو من الفقر والذل والمهانة؛ ليرتبط تعلم اللغة بمدرسها وترسخ كراهية اللغة وتعلمها، فحين يراه التلاميذ، سيقولون تلقائياً:”أفٍ، هذا مدرس اللغة العربية! “.
لأن اللغة العربية كانت “وما تزال” مرتبطة بالإسلام في نفوس المسلمين الناطقين بها أو غير الناطقين بها، فلابد من تحقيرها والزراية بها، حتى يتنقل هذا التحقير إلى ما يرتبط بالدين وكل معانيه. وبدأت إشاعة سهولة الإنجليزية عن العربية وبدأ الأهل والأطفال يشتكون من صعوبة العربية. وأصبح المتنبي و البحتري و الشعر العربى مادة تخلف، فى حين شكسبير ودانتى مادة للتفاخر. بل أيضاً إدعاء أن العلم الحديث يرتبط باللغة الانجليزية ولا يمكن ترجمته إلى العربية؛ لأنها لغة قديمة، ولأن العلم يتطور بسرعة، وأدى ذلك لانصراف الأجيال عن لغة القرآن بل عن القرآن نفسه.
•ولا يكتفي بذلك بل إن المتميزين من المدرسين يتم ابتعاثهم إلى انجلترا؛ حتى يتم صبغ ما تبقى فيهم من بعض العادات الإسلامية، ويعود المدرس من الخارج وهو أكثر ملكية من الملك نفسه، فيذدري أبناء جلدته، ويستحقر عاداتهم الإسلامية، ويترقى حتى يصل إلى وزير معارف أو إعلام، أمثال: (طه حسين، نوال السعداوي، سهير القلماوي، سعد إبراهيم، وفرج فودة،)”إلى يومنا هذا”، والأسوأ أن مَن يتم تعيينه في المناصب العليا فى الأزهر هم مَن تعلموا في الخارج حتى يتم ضمان تلويث الأزهر شخصياً ولكن في خفاء. وهذا ما أراده “اللورد كرومر” وتم له ذلك.
ومن هذا كان التعليم يُدعى “تعليم القادرين” إلى أن خرج الإنجليز من مصر، وجاء “محمد نجيب” وكانت فترته قصيرة، امتلئت بالأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصراعات بين الضباط الأحرار أنفسهم على الزعامة، وانتهت باستبعاد محمد نجيب نفسه؛ لهذا لم تشهد فترته تغيراً كبيراً في سياسة التعليم سوى إنشاء عدد من المدارس الإبتدائية والثانوية وبقي الحال كما هو إلى أن تولى:
“جمال عبد الناصر” وسياسته التهميشية لشباب الجامعة :
وبدأ يحتوي الطلاب الجامعيين؛ لأنهم كانوا قنبلة موقوتة بسبب الفراغ السياسي من إلغاء الأحزاب، فهو لا يريد أن يخرجوا من تحت سيطرته حتى لا يصبحوا مصدر إزعاج له، وتمثل ذلك في:
•انشأ الجامعات الإقليمية ليتباعد الطلاب فيما بينهم، حيث أن أي حدث يحدث في الجامعة (مظاهرات-اعتقالات) سينتقل إلى بقية الشعب من خلال أبنائهم.
•وبالنسبة للتعليم الثانوي: فقد أدرك أن هؤلاء الشباب عجينة طيّعة يمكن تشكيلها واستغلالها لمصلحة النظام عن طريق:
أ- ضمهم لتنظيم الثورة أياً كان مسماه من خلال أنشطة (الجوالة- منظمة الشباب- الكشافة).
ب- التوسع في إنشاء المدارس الثانوية في القرى، وتنويع المدارس بين المدارس التجارية والفنية والصناعية؛ لتخرج شباب صغير السن يتعين في الجهاز الإداري للدولة ومصانع القطاع العام، وذلك ليشغلهم عن السياسة إلى تأسيس أسرة جديدة.
وهكذا كان التعليم والمناهج لا تمثل لأي حكومة إشكالية سوى استخدام المناهج لتحسين صورة النظام.
وزارة التربية والتعليم ووضع المناهج:
وزارة التربية والتعليم المسؤولة عن اتخاذ القرارات الخاصة بنظام التعليم وذلك بمعاونة 3 مراكز هي: المركز القومي لتطوير المناهج، والمركز القومي للبحوث التربوية، والمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، ولكل مركز من هذه المراكز محور التركيز الخاص به لصياغة سياسات التعليم مع اللجان الأخرى على مستوى الدولة.
فإذا تأملت مليَّاً في التعليم الآن، ستجده بنفس النظام الإنجليزي والمنهجية التي وضعها دنلوب، فكل نظام يأتي لا يغير إلا من عدد سنوات التعليم في المرحلة الابتدائية، وإضافة اللغة الإنجليزية على الصف الأول الابتدائي، إلى آخره من التغييرات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، بتغيير المناهج بما يرتضوه ويخدم فكرتهم إما بتزوير التاريخ وتحريفه أو إلغائه جملةً، كما فعلوا بإلغاء بعض الفصول في “قصة عقبة نافع” المقررة على الصف الأول الإعدادي، وتحريف في أغلب شخصيات الدولة الإسلامية ومنهم “صلاح الدين الأيوبي”. وكلها من ثمار سياسة دنلوب، فتارةً يقولون على نهج التعليم الفرنسي، وتارة التعليم الأمريكي، تتغير أنظمة التعليم وظاهرها لكن الجوهر يظل كما هو والهدف المنشود من هذا النظام باقٍ كما أراده “دنلوب” واللورد “كرومر”.
______________________________________________________________________
التعليق:
مقال مميز فعلاً جزى الله كاتبته والموقع الذي نشره عن المسلمين خيراً. وما يميزه ربط قضية المناهج التعليمية الفاسدة بالنظام الحاكم الذي يسمح للغزو الفكري الغربي الإستعماري بأن يسيطر على المسلمين.