﴿الحُرِّيات﴾
الحرية لغةً: الْحُرّْ: هو الخالص من الشوائب، ويقال ذَهَبٌ حُرّ أي لا نحاس فيه، وفرس حُرّ أي عتيق الأصل، ورجل حُرّ أي خالص من الرِّق أو هو الكريم، والجمع أحرار وحرائر.
والحُرِّية: الخلوص من الشوائب أو الرِّق.
وعرَّف الجرجاني في تعريفاته الحرية بقوله: {الحرية في اصطلاح أهل الحقيقة: الخروج عن رِق الكائنات وتقطع جميع العلائق والأغيار وهي على مراتب، حرية العامة عن رِق الشهوات، وحرية الخاصة عن رِق المرادات لغناء إراداتهم في إرادات الحق، وحرية خاصة الخاصة عن رِق الرسوم والآثار لانمحاقهم في تجلي نور الأنوار}.
والحرية في الإسلام هي ضِدَّ العُبودية وهي لا تساوي أو تقابل الحريات في النظام الديمقراطي وهو نظام كفر وهو الذي نريد بحثه، لأن البحث في الحريات العامة ليس بحث الحرية التي هي ضد العبودية، ولا هو بحث في الحرية مطلقاً.
فالإسـلام ليس نـظاماً دينياً فحسب، بل هو مـبدأ ودين فـي آن واحد، أما كَوْنه مبدأ فإن العقيدة الإسلامية هي ﴿لا إله إلا الله﴾ هي القيادة الفكرية وهي أساس الحياة وهي التي تُعَيِّن وجهة النظر في الحياة، وعنها تنبثق أنظمة الحياة، وأما كَوْنه نظاماً فإنه جاء بأحكام شرعية قد انبثقت من المبدأ، لذلك فهو مبدأ ونظام دين ومنه الدولة، فأحكام الشرع جاءت مقيدة للإنسان أي إنسان سواء أكان مسلماً أو غير مسلم، فالمسلم مقيد بعقيدته فلا يصح له أن يعتقد ما يشاء، والإنسان الذي يعيش تحت ظل الإسلام وليس بمسلم فهو مقيد بأحكام الشرع كلها، فيجب السير حسب أحكام الشرع، فالإنسان أي إنسان ليس حراً مطلقاً من أي قيد، بل هو مقيد بأحكام الشرع.
أما الرأسمالية والتي تعتبر الحريات الأساس الذي انبثقت عنه حقوق الإنسان فإنها تنادي بتأمين أربع حريات للفرد وهي حرية العقيدة وحرية الرأي وحرية التملك والحرية الشخصية، وهذه الحريات هي أُسُّ البلاء في المجتمعات الرأسمالية التي تحولت بسببها إلى غابات وحوش يأكل القوي فيها الضعيف، وينحدر فيها الإنسان إلى درك الحيوان نتيجة لإطلاق العنان لغرائزه وحاجاته.
فالناس في المجتمعات الرأسمالية أشبه بالبهائم، هـمّهم التمتع بأكبر قسط من المتع الجسدية، الأمر الذي يعتبره المبدأ الرأسمالي قمة السعادة، رغم أن الحقيقة هي أن هذه المجتمعات لا تعرف للسعادة طعماً، بل يعمها الشقاء والإضطراب والقلق الدائم.
هذه الحريات الأربع الأساسية التي يدعو لها المبدأ الرأسمالي وما زال، والتي تطبقها الدول بل ويصف الرأسماليون مبدأهم بها أحياناً فيقولون {المبدأ الحر}.
وهذه الحريات الأربع مناقضة للإسلام بالكامل ولا يجوز قبولها أو الدعوة إليها، وهي التي تدعو لها أمريكا كما يدعو لها ويتباهى بها حكام المسلمين ومن حولهم من المحسوبين على الإسلام إلى جانب المضبوعين بثقافة الغرب والـمُضَلَلين من السذج وغيرهم ممن يدَّعون أنهم يحملون الإسلام دعوة للناس ويطرحون الفكر الرأسمالي مثل حرية الإعتقاد على قاعدة أن الإسلام سبق الأنظمة الحالية إلى الحريات وأن قاعدة ذلك آية ﴿لا إكراه في الدين﴾ وهي التي لا تشير لا من قريب ولا من بعيد على موضوع حرية الإعتقاد ولا ندري هل هؤلاء لا يعلمون معنى هذه الآية فنعدهم مع الجهلة أم أن الأمر ليس كذلك، خاصةً وأنهم يدَّعون حمل الإسلام دعوة للناس على حد زعمهم، أو ممن يتمترسون خلف شهادات عُليا حصلوا عليها من بعض الجامعات وبعض الوسائل والظروف، وهو ما يجعلنا ننحى منحىً آخر في الحكم عليهم بأنهم ليسوا من الجهلة، بل هم من فئات أخرى.
إن من يدعو من المسلمين إلى هذه الحريات فهو إما جاهل وهو الذي لا يدرك تناقض إعلان حقوق الإنسان مع الإسلام وهذا إن كان معذوراً سابقاً فلا عذر له الآن بعد هذا البيان، وإما فاجر وهو الذي يدرك تناقض هذا الإعلان مع الإسلام ولكنه يدعو لها عصياناً وفسقاً، وإما كافر وهو الذي يعلم هذه الحقوق الواردة في إعلان حقوق الإنسان ويعلم مناقضتها للإسلام وأنها منبثقة عن عقيدة فصل الدين عن الحياة التي هي عقيدة كفر ويدعو لها على هذا الأساس فإنه كافر دون أدنى شك أو ريب لأنه والحالة هذه لا يعتنق عقيدة الإسلام.
وإعلان حقوق الإنسان هذا كان أول ما ظهر عندما نادت به الثورة الأمريكية سنة 1779مـ ثم تبعتها في ذلك الثورة الفرنسية سنة 1789مـ ثم وضعته في دستورها سنة 1791مـ ثم تبنته سائر الدول الأوربية في القرن التاسع عشر، غير أنه بقي شأن داخلي لكل دولة، وتحول إلى شرعة دولية سنة 1948مـ حين صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ثم صدر العهد الدولي بشأن حقوق الإنسان المدنية والسياسية سنة 1961مـ والذي أُلحق بالإعلان السابق، ثم أُلحق به سنة 1966مـ ما سمي {العهد الدولي بشأن حقوق الإنسان الإقتصادية والثقافية والإجتماعية}.
إلا أن هذه الشرعة بقيت دون عمل بها حتى سنة 1993مـ أي عند تفرد المبدأ الرأسمالي في العالم بعد سقوط المبدأ الشيوعي، وذلك عندما صدر إعلان فـَينّـا سنة 1993مـ والذي سمي {إعلان فـيَنّـا للمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان} والذي أوصت مجموعة العمل فيه بالتأكيد على عالمية حقوق الإنسان وتطبيقها بالتساوي على مختلف الأنماط الثقافية والقانونية، ورفض الإدِّعاء بأن هذه الحقوق تتباين بين مجتمع وآخر، وهذا يعني بكل صراحة رفض أخذ الإسلام بعين الإعتبار عند تطبيقه على المسلمين وفي بلادهم.
وللتأكيد على حقوق الإنسان كشرعة دولية اتخذتها أمريكا ركيزة من ركائز سياستها الخارجية وذلك أيام كارتر، وصارت الخارجية الأمريكية منذ ذلك الحين تُصدر تقريراً سنوياً حول تقيد الدول الأخرى بتطبيق هذه الحقوق ومن ذلك ربطها بين مبيع القمح الأمريكي للإتحاد السوفييتي وبين السماح بهجرة اليهود في الإتحاد السوفييتي إلى فلسطين، كما اتخذت أمريكا حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في هاييتي والآن في العراق.............، كما هو حال السياسة الخارجية الأمريكية بوجه عام فهي سياسة انتقائية تجاه دول العالم، فتغض الطرف عن هذه الحقوق مثلاً في دولة يهود وأوربا، وتكتفي بالتنديد في بعض الدول مثل إيران والسعودية، وتتدخل في غيرها كما حصل في أفغانستان والعراق، وترفض التدخل كما في أوزبكستان.
إن الأصل في رفض إعلان حقوق الإنسان من قِبَل المسلمين هو كوْنها من المبدأ الرأسمالي بعقيدته الفاسدة وكونها تعبيراً عن نظرة هذا المبدأ للفرد والمجتمع، وأنها بفضل الحريات الأربع والتي نادت بها فعقيدة هذا المبدأ وكل الأفكار التابعة له أو المبنية عليه تتناقض مع الإسلام جملة وتفصيلاً، ويجب على المسلمين نبذها والتصدي لها.
إن الذي سمح أو شجع على تطبيق نظام الحريات على المسلمين وفي بلادهم وهو نظام كفر يخالف الإسلام مخالفة صريحة، إن الذي شجع على ذلك وسمح به هو غياب الإسلام في هذه الأيام عن الساحة السياسية للعالم أجمع والمسلمين خاصة، وكذلك وجود أنظمة وقوانين ودساتير اعتبرت قواعد لهذا النظام وغيره من أنظمة الكفر التي لو وُجِدَ الإسلام في الساحة العالمية كمبدأ مُطبق في جميع نواحي الحياة لما كان لكل هذه الأنظمة الفاسدة من وجود.
إن من أبرز هذه الأنظمة والقوانين ما تصدره الأمم المتحدة من تشريعات تُلزم بها كافة الدول المنتسبة إليها، ولكن مُحاسبة كل دولة تتم حسب قوتها وواقعها وفاعليتها في المسرح الدولي.
إن الأمم المتحدة قد انبثقت عنها إضافة إلى التشريعات التي ذكرناها هيئات تُعْنى بجوانب محددة مُتخصصة، تقوم بتطبيق ما أفرزه النظام الغربي المنبثق عن الرأسمالية، مثل اليونيسيف واليونسكو وهما منظمتان تهتمان بحماية الطفل والثقافة، وهاتان المنظمتان تعملان في مجالات التربية والتعليم وتلزمان الدول المنتسبة لها بتطبيق ما يرونه مناسباً حسب تشريعاتهم وهي تشريعات كفر وأنظمة كفر قائمة على العداء للإسلام والمسلمين والتي صارت فيما بعد قواعد لدساتير الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين بعد أن أَلْغوا نظام الإسلام.
وكمثال على هذه القوانين الدولية نورد بعض النصوص الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:-
المادة 18: {لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية التعبير عن ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنها بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة}.
المادة 19: {لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقييد بالحدود الجغرافية}.
ويشرح كتاب المدنيات الصادر عن مركز البحوث والدراسات الفلسطينية هذه المواد فيقول:-
{......... ويكمن جوهر هذه الحرية في الإصرار على حق الإنسان الفرد في حرية اعتناق وتكوين أية آراء وأفكار ومعتقدات يرى أنها صحيحة ومناسبة وتقود إلى حياة أفضل وأرخى للبشر وحرية التعبير عنها ........... وإذا فكر الإنسان وبقي الأمر بينه وبين نفسه فإنه لن يكون بوسع أي إنسان أن يعرف ذلك.
فالإقرار بحرية الإعتقاد يعني الإقرار بحق الآخرين في اعتناق المعتقدات التي يرونها مناسبة ويستند مبدأ حرية العقيدة على مبدأ حرية الفكر وبدون حرية الفكر لا يكون إبداع ولا تقدم ولا تطور علمي وتكنولوجي .......... وفي التاريخ البشري بما في ذلك التاريخ العربي أمثلة عديدة على تدخل مؤسسات أو مجموعات متنفذة أو حكام لحجب أفكار ومعتقدات معينة ومعاقبة أصحابها بالنفي أو القتل أو السجن أو النبذ، وهذا ما حصل مع الفارابي وابن حنبل وسقراط وغاليلو ........ إن رفض مبدأ حرية الإعتقاد والفكر نظرة محافظة تخشى التقدم والتغيير والإختلاف والتنوع وترفض التعددية الفكرية والسياسية والتنظيمية والفلسفية والعقائدية.
إن المجتمع الديمقراطي هو المجتمع الذي يتمتع فيه المواطنون بحرية الرأي والفكر والمعتقد والذي يُمَكِّن من وجود أو تنمية المنابر الحرة والمؤسسات التي تشجع البحث وحرية البحث ......... إن جميع الحريات تفقد قيمتها إذا لم تتمكن من التعبير عن الرأي ووجهة النظر .......... وتقترن حرية التعبير حينما نص عليها إعلان حقوق الإنسان بحرية الصحافة}. انتهى اقتباس الكتاب.
إن الناظر لهذه المواد وغيرها وشروحها الواردة في هذا الكتاب المذكور أعلاه، لا يجد صعوبة في الحكم عليها بأنها مخالفة للإسلام في جملتها وتفصيلاتها.
والمصيبة في ذلك أن هذه التشريعات والقوانين الدولية صارت أُسُـساً لتشـريع الحريات فِي دساتير الأنظمة الحاكمة فِي بلاد المسلمين وخاصة النواحي التعليمية والعمالية والإجتماعية، ويظهر ذلك جلياً في مناهج التعليم ومدى مخالفتها أو رفضها لنظام الإسلام، وذلك بعدما قام مُشَـرِعوا اليوم بتشـريع هذه القوانين بدل الأنظمة الإسلامية بدعاوى كثيرة منها التغير بالأزمنة، ومنها مسايرة العصـر الحاضر وقابلية الإسلام للتطور والإنفتاح والعَصْرَنَة حتى ظهر هؤلاء المشرعون وكأنهم أقدر على تشريع أنظمة تخدم مصالح الناس وأعدل فيما بينهم من الذي خلقهم ويعرف مصالحهم وما يصلح لهم.
ومن الأمثلة القائمة أمامنا في هذا الباب قانون السلطة الفلسطينية والدستور المقترح لدولة فلسطين، حيث أن فيها ما يتصل أو قُل ما ينبثق عن هذه التشريعات الدولية السالفة الذكر.
ونقتطف هنا من كتاب المدنيات السالف الذكر من إعلان الإستقلال الفلسطيني ما نصه:-
{إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتُصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ............... إن المدنية التي تعني تنظيم علاقات الأفراد والمجموعات داخل المجتمع هي الخيار الحضاري الذي يواجهه شعبنا البطل بدلاً من عنجهية الإحتلال وآلام التشرد والإبعاد ومختلف أشكال القهر ........ وتعلن دولة فلسطين إلتزامها بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان ............}.
ومن الأمور التي يكفلها الدستور، المادة 5: {ضمان حرية الرأي والتعبير بما في ذلك الحق في اعتناق الآراء دون مُضايقة والتعبير عنها ونقلها إلى الآخرين وتلقي المعلومات عنها}.
ومن الجوانب المتعلقة بالنساء نورد بعض النصوص:-
المادة 2: ضرورة الإعتناء بالنواحي الصحية المتعلقة بالمرأة كونها وبسبب تركيبتها الجسمية ووظيفتها البيولوجية المتعلقة بالحمل والولادة أكثر حاجة لمثل هذه العناية ........ الإجهاض - عدم الإنجاب .......... .
من المادة 19 من مشروع القانون الأساسي للسلطة: {لا مساس بحرية الرأي ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون}.
ومن مشروع الدستور للدولة الفلسطينية المقترح:-
المادة 26: {للمرأة شخصيتها القانونية وذمتها المالية المستقلة ولها ذات الحقوق والحريات التي للرجل وعليها ذات الواجبات}.
المادة 43: {حرية العقيدة وممارسة شعائر العبادة مكفولة وفقاً لأحكام الدستور}.
المادة 44 ، نفس مادة 19 من القانون الأساسي للسلطة الذي ذكرناه سابقاً.
إن ما أثبتناه من قوانين وتشريعات ليس حصراً لكل ما جاء في هذا الموضوع ولكن كمثال أو أمثلة للتدليل على الأساس الذي قامت عليه هذه التشريعات، ومن يتفحص الدساتير والقوانين والأنظمة يجد الكثير.
ويظهر ذلك جلياً في المناهج التدريسية التي قام على وضعها مجموعات من أصحاب الشهادات الذين ينتسبون لهذه الأمة انتساباً شكلياً وهم قد تربوا في أحضان اليونسكو واليونيسيف ومؤسسات دولية أخرى مشابهة أو شقيقة لها حتى صارت لديهم الإمكانات لوضع مناهج مدرسية لا نقول مبنية على قوانين الأمم المتحدة وتشريعاتها ومنظماتها، بل وبكل ثقة نقول إن معظم هذه المواد نقلت نصاً وأُثبتت في الكتب المدرسية وبكل صراحة بعناوينها الحقيقية مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل سنة 1989مـ وكذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهو بذلك لم يكتفوا بنثر بعض هذه الأفكار في الكتب المدرسية بل وضعوا مواد هذه الإتفاقيات مفصلة في ذيل بعض الكتب كما هو حاصل مثلاً في كتاب التربية المدنية للصف التاسع.
إن واضعي هذه المناهج لم يكونوا بريـئين من تهمة التشريع بغير ما أنزل الله وخصوصاً أنهم يعلمون مدى مخالفة هذه التشريعات للإسلام، فكما ورد في إعلان الإستقلال الفلسطيني بأن الديمقراطية هي خيار حضاري للشعب الفلسطيني، وهذا يعني أن على الفلسطينيين من أجل التقدم أن يختاروا الديمقراطية لتحقيق ذلك، وهذا يعني ترك الإسلام {لتعارض الواقع بين الإسلام والديمقراطية} إلا في أذهان الملوثين والمضبوعين بالثقافة الغربية الرأسمالية وإفرازاتها.
وبتفصيل بسيط لبعض المناهج المدرسية نرى إثبات ما ذكرناه، ولنأخذ مثالاً لذلك كتاب التربية الإسلامية والتربية المدنية للصف التاسع، ونرى فيه موضوع الحريات والأسس والقوانين التي وُضِعَت فيها وكيف أنها أُخِذت وبُنِيَت على قوانين وتشريعات المنظمات الدولية {الكافرة}.
إن موضوع الحريات في كتاب التربية الإسلامية لم يتم الدخول فيه بشكل مباشر، بل تم التدرج في تناوله حتى يخفى على من ليس عنده معرفة بما يخططه الكافر المستعمر لنا ولديننا ولبلادنا، سواء أكان ذلك بطريقة مباشرة أو عن طريق عملائه من الحكام، ولكن الخطر الأعظم هو عملاؤه الفكريين الذين يبثون سمومه بداعي الحرص على الإسلام ومن خلال طرح يرى فيه البعض بأنه نابع عن حرص على الإسلام والمسلمين، ففي كتاب التربية الإسلامية كانت البداية في الجزء الثاني صفحة 7 حيث تم بحث الحوار في القرآن الكريم وهو مدخل خبيث خاصة وأن الحوار المطروح في هذه الأيام هو مطلب غربي، واستجاب له نخبة من علماء السلاطين، لأن العلماء الأتقياء الذين لديهم الوعي الكافي عن ما يخططه الغرب رفضوا هذا الحوار لأنه لم يقم على أساس شرعي، أي لدعوة الكفار إلى الإسلام وإقناعهم بأن عقيدة الإسلام هي الصحيحة السليمة بل كان الحوار من أهدافه التقريب بين الأديان حتى الوصول إلى دين يُقِرُ له الجميع ويدينون به وهو ما يفرغ الإسلام من قوته ويساوي بينه وبين غيره من الديانات سواء التي أصلها سماوي أم لا، وبهذه المناسبة نذكر قول أحدهم ؟؟؟؟؟!!!!!!! قبل أكثر من ستين عاماً في رؤياه للمجتمع المصـري فيقول: {نطالب اليهود والنصارى أن يُربوا أبناءهم على التوراة والإنجيل لأن المجتمع المتدين يخلو من النزاعات} أي أن المسلمين واليهود والنصارى إذا تمسكوا بأديانهم لم يكن هناك صراع بينهم لأن ذلك يشكل مجتمعاً متديناً، فهل وعى هذا ما يقول وما مدى مخالفة قوله للإسلام، كذلك في أيامنا هذه ظهر من يقول بالحوار مع اليهود والنصارى تحت مسمى عقلاء الغرب وعقلاء اليهود، وعلى أُسس منها:-
1- الإتفاق بين الأديان على محاربة الفساد والإلحاد.
2- كسر روح العداء التي زرعتها الحروب الصليبية ........ فانظر هل هذا هو الحوار الذي سمح به ديننا وحضَّ عليه.
نعود لكتابنا: يذكر الكتاب الحوار وأهميته في النقطة الثالثة ما نصه: {الحوار يُقرب بين المختلفين ويجعل كل طرف منهم يفهم حقيقة ما يقوله الآخر}.
ويقول في ذكره لآداب الحوار {إن الحوار يجب أن يستند إلى المنطق السليم والأدلة الصحيحة} تُرى فما هو المنطق وهل هو دليل، كذلك يقول: {أن يُقصد بالحوار الوصول إلى الحقيقة بعيداً عن التعصب للرأي} فهل التمسك بالإسلام تعصب وخاصة أنهم في هذه الأيام يُسمّون المسلمين مُتعصبين، كذلك يُطالب بإفساح المجال للمخالف أن يُعبر عن رأيه وهذه كلمة فضفاضة خاصة وأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يقول بأن من حق الإنسان أن يُعبر عن رأيه بشتى الوسائل دون إعاقة.
ثم يتقدم الكتاب في الموضوع بشكل أعمق فيتكلم عن العلم فيربط بين العلم والإيمان حيث يقول صفحة 70: {ولذا ينبغي أن يقترن العلم بالإيمان ليكون هادياً للإنسان ومنيراً لدربه يمده بالقيم الرفيعة والأخلاق السامية ...... ولا يمكن أن يتعارض الإسلام والعلم فلا تعارض بين نصوص الكتاب والسنة الصحيحة وبين الحقائق العلمية الثابتة}.
إن هذا الموضوع هو مدخل خبيث آخر وهو الربط بين العلم والإيمان وهو الموضوع الذي يُحاول البعض تفسير العلمانية على أنها إيمان وعلم ويظهر ذلك جلياً عند ذكر الكتاب صفحة 71 تحت باب نشاط : {أكتب مقالة عن العلمانية من حيث تعريفها ونشأتها وموقف الإسلام منها}.
إن مثل هذا النشاط يُري أن تعريف العلمانية الذي يريدونه هو الذي لا يتعارض مع الإسلام وهو ما ذكروه سابقاً {العلم والإيمان}، كذلك من أين لطالب لم يبلغ خمسة عشر عاماً من عمره أن يعرف عن العلمانية شيء إلا أن يذهب لصاحب هذا الفكر فيستزيد منه خاصة وأن مثل هذا النشاط المطلوب يقترن بعلامات مدرسية لتشجيع الطلاب على المعرفة المرجوة، ولزخرفة هذا الفكر وردت هذه العبارة {لم يشهد تاريخ المسلمين صراعاً بين العلم والدين كما شهد تاريخ أوروبا}.
وبعد أن قدّموا لطلابنا عـن موضوع الحوار ثم عن العلمانية انتقلوا إلى موضوع التشـريع فبدأوا كعادتهم بتقديم يخطف الأبصار الضعيفة ويستوعب العقول المغطاة بالجهل ويستعطف المخلصين البسطاء فقالوا: {تطبيق الشريعة الإسلامية يحقق العدل والمساواة وإن ترسيخ مبدأ السيادة للشرع يجعل من الدولة الإسلامية دولة ذات قانون ونظام تخضع كل تصرفاتها وشؤونها للشريعة الإسلامية ...... وأي خلاف في الدولة الإسلامية يكون حله بالرجوع إلى الشرع الإسلامي الذي لا يُحابي أحداً ولا يظلم أحداً ولا يُفرّق .... فالجميع سواسية .........}، ثم ينتقلون إلى دور السلطة التشريعية في الدولة الإسلامية فيقولون: {السلطة التشريعية هي التي تضع الأنظمة اللازمة لإدارة شؤون الدولة ويكون ذلك في نطاق القواعد العامة التي دلَّ عليها الشرع فالأمور التي ليس فيها نصٌ شرعي تكون متروكة للإجتهاد ..... والإسلام لا يرفض مبدأ قيام سلطة تشريعية وإنما يجعل صلاحيات هذه السلطة مقيدة بالإلتزام بالأحكام الشرعية ..... فالإسلام أكد على مفاهيم وقيم أساسية ثابتة في الحياة السياسية في المجتمع الإسلامي كالعدل والشورى، وتَرَكَ للناس أن يجتهدوا في إطارها استجابة للظروف المتغيرة بما يُلائم العصر}.
إن ما ذكر في موضوع التشريع تظهر فيه تناقضات كثيرة، ففلسطين التزمت حسب دستورها المقترح بأنظمة الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها، وهذه لها قوانين تتعارض مع الإسلام فأيهما الْمُنَفذ، كذلك يقولون إن المجلس التشريعي يشرّع قوانين شرعية، فإذا كانت أحكام الشرع موجودة فماذا يُشـرّع المجلس التشريعي، كذلك يقولون إن الشورى مُلْزمة وهي حق للأمة يحب على الإمام أن يُشاور الأمة، لو شرعت الأمة بممثليها غير الإسلام فمن يُنَفذ؟!
إن هذا مدخل خبيث أُريد به الدخول إلى التشريع بغير ما أنزل الله وهو ما يظهر لنا بعد قليل في موضوع حقوق الإنسان صفحة 84 حيث ورد أن أهم حقوق الإنسان:-
الحق في المساواة: وهذه كلمة مطاطة يمكن إدخال مواضيع شتى تحتها خاصة وأن قوانين الأمم المتحدة والهيئات المنبثقة عنها مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومؤسسة حماية الطفل وحقوق المرأة وغير ذلك وهذه الهيئات لها قوانين مُلْزمة للدول الملتزمة بها ومنها فلسطين، وهي التي تساوي في كل الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل وهذا مُخالف للإسلام، أن كلّ ما بُحِثَ سابقاً هو مُقدمة للدخول في موضوع الحريات حيث ورد صفحة 86:-
{الحرية الدينية: أعلن الإسلام أن التدين يقوم على الإقناع والبرهان لا على الإكراه والخوف} وقد ظهر تفسير ذلك في الإعلان العالمي كما سبق وذكرنا في المادة 18-19 وشروحها السابقة.
وذكـر كـذلك ضوابط الحرية فقال صفحة 87 {حـرية التصـرف مُقيدة بعدم إلحاق الأذى والضـرر بالآخرين} إن هذا الضابط فقط يُعارض الإسلام فعلى ذلك يحق للإنسان أن يتصرف ما يشاء فيما يتعلق بذاته دون التقيد بأي شرع ما دام لا يؤذي غيره؟
إذا كان كتاب التربية الإسلامية وهو الذي كان الواجب أن يكون وُضع من أجل مساعدة أبنائنا على فهم دينهم وما يطلبه منهم ربهم، إذا كان هذا الكتاب قد حدث فيه من التشويهات ما رأينا في خلال فترة بسيطة، فكيف التشويه والتحريف بعد مدة أطول وظروف أخرى.
إن الكافر المستعمر يدفع بنا برغبة منه وإصرار وقبول منا وخنوع، وقد يكون عند بعضنا قناعة نحو الهاوية، هاوية عذاب الله والبعد عن أحكامه وأوامره، وهو ما يؤدي في الدنيا إلى ذلّنا وهواننا على الناس فيأخذوا بلادنا وينهبوا ثرواتنا ويستحلوا دماءنا ويستبيحوا مقدساتنا وأعراضنا وهو ما يحصل الآن دون حِراكٍ منا لأن علماءنا علماء سوء وحكامنا حكام فجور وشبابنا في طريق الهاوية منحدرون فنسأل الله العافية.
أما كتاب التربية المدنية ففيه:-
بدأ مؤلفو هذا الكتاب بداية متدرجة كما حصل في الكتاب السابق ففي صفحة 2 ورد ما يلي:-
{تعلمنا في السنوات السابقة الكثير عن قضايا المجتمع المدني وعرفنا أن المجتمع المدني السليم هو مجتمع يقوم على مبادئ الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية والحزبية وعرفنا أن الدولة بوجود مجتمع مدني قوي هي دولة مؤسسات تطبق القانون وتهتم بحقوق الإنسان وأن المواطن في المجتمع المدني يعرف حقوقه وواجباته ويحترم حقوق الآخرين وسيادة القانون ومن أهم قيم المجتمع المدني احترام كرامة الإنسان وقبول الآخر واحترام التعددية}.
إن مثل هذه النصوص نرى شرحها وتفسيرها في إعلان حقوق الإنسان حيث نفهم منه أن المجتمع السليم هو الذي يقوم على مبادئ الديمقراطية، وهل هذا يعني إلا رفض المجتمع الإسلامي لأنه ليس سليماً ولا يقوم على مبادئ الديمقراطية.
وهل التعددية السياسية وقبول الآخر تعني غير القبول بالأحزاب والأفكار الغريبة عن ديننا وقبولها في مجتمعنا كرأي له أحزابه ويجب عدم التعرض له حسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك حسب مادة 12 من مسودة الدستور الفلسطيني {النظام السياسي الفلسطيني ديمقراطي نيابي برلماني يقوم على التعددية الحزبية السياسية ويكفل للمواطن هذه الحقوق والحريات دون تمييز} صفحة 7.
وورد في صفحة 6 {.... ولم يعد مقبولاً فرض رأي الأغلبية السياسية أو الثقافية أو الدينية أو العرقية على الأقلية}.
صفحة 22 {من حقي كمواطن فلسطيني أن أنتمي إلى أي حزب سياسي وأن أشارك في تحقيق أهداف هذا الحزب}.
صفحة 27 {يشكل الوعي بحقوق الإنسان أساساً للوعي بقيم الديمقراطية، إن الممارسة اليومية لحقوق الإنسان والدفاع عن حقوقنا وحقوق الآخرين أهم ما يجب أن نسعى إليه من أجل الوصول إلى مجتمع ديمقراطي يشعر أبناؤه بالإنتماء إليه}.
صفحة 28 {تقسم حقوق الإنسان إلى مجالين رئيسيين هما:.... الحقوق الفردية ومنها الحق في حرية الرأي والتعبير}.
صفحة 29 {من الحقوق السياسية والمدنية ... الحق في حرية الفكر والحق في حرية التعبير}.
صفحة 37 {إنتهاكات حقوق الإنسان التي تُعاني منها النساء دون الرجال:- الزواج المبكر؛ فهل يعني هذا إلا أن الشرع انتهك حقوق الإنسان، .................. تُطالب الأمم المتحدة جميع الدول التي صادقت على الإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان بـِ :- 2- إلغاء أية بنود قانونية تتعارض مع نصوص أو روح الإتفاقية}. أي (إلغاء الإسلام وأحكامه).
مما تقدم نرى أن كل هذه التشريعات من أجل تطبيقها وأخذها فلا بد من إلغاء جميع القوانين الإسلامية السائدة لأنه لا يمكن تطبيق قانونيْن على حالة واحدة وهو ما طالبت به الأمم المتحدة كما ظهر صفحة 38.
إن أطفالنا ليسوا بحاجة لمعرفة بنود قوانين وتشريعات الأمم المتحدة بل هم بحاجة لفهم أحكام الإسلام حتى يعزّوا في الدنيا ويفوزوا بالآخرة، ولكن الطغاة من الحكام المسيَّرين من أسيادهم والملعونين من العلماء الخاضعين بما أُشربوه من الفكر الغربي يقفون سدّاً منيعاً في سبيل ذلك، ولكن الأمل بالله بالتغيير الأكيد والثقة به حقيقة وواقعة وتصديق وعده عقيدة ثابتة وما علينا إلا العمل لذلك.
أما الآن فإلى بعض المواد من الملاحق المرفقة في الكتاب من التشريعات الدولية والتي لسنا بحاجة لها فكيف بأطفالنا، إلا إن كان ذلك من أجل أخذها والتمتع بها بما فيها من انفلات وعدم انضباط.
من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:-
مادة 2 : لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز من أي نوع ولا سيّما التمييز بسبب العنصر أو اللون.
مادة 18 + 19 : ذكرت سابقاً.
مادة 21 : (م) إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم ........ .
إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
مادة 1 : لأغراض هذه الإتفاقية يعني مصطلح التمييز ضد المرأة أي تفرقة أو استبعاد أو تمييز يتم على أساس الجنس.
مادة 2 : إدماج الدول في دساتيرها الوطنية مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة.
مادة 5
أ) تغيير الأنماط الإجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية.
الجزء الثالث
مادة 1 : (جـ) .......... تشجيع التعليم المختلط وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف ولا سيّما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكثيف أساليب التعليم.
الجزء الرابع
مادة 16 : تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج ......... على أساس المساواة بين الرجل والمرأة.
أ – نفس الحق في عقد الزواج. (تُرى هل تدفع مهراً).
ب – نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه.
هـ - الحق في تحديد عدد أطفالها.
إتفاقية حقوق الطفل 1981
إن القول بالحريات يعني التحلل من كل نظام والتحلل من كل قيْد وهذا يعني الفوضى لذلك يجب القضاء على الفوضى ونُعيد الناس بنظام معين وهو الشـرع، لذلك فالواجب يقضـي بمحاربة الحُريات والمحافظة على النظام فإنه لا حياة بغير نظام ولا عيْش بدون قيود وضوابط، فالحُريات تعني الفوضى والشرع والإنقياد له والإنضباط بأحكامه يعني الحياة المستقرة والإنسان إذا حُرر من كل قيْد عاش في الفوضى، لذلك يجب أن لا تبقى فكرة الحُريات بل يجب أن تُحارب ويُقضى عليها وعلى جميع الأنظمة التي هي من صُنْع البشر، ويجب أن يبقى الإسلام ونظامه الذي هو من عند الله ويجب أن يسود، والذي إن ساد فلا حُرية ولا حُريات بل الكل عبيدٌ لله مُقيدون بشرع الله فبقاء الحُريات يعني ترك الإسلام أو إهماله أو عدم العمل به وهو لا يجوز كُليّة بل يجب أن يبقى الإسلام ويسود حتى يعم الخير البلاد والعباد.
تم بحمد الله