الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هناك عدد من الحقائق الواضحة والتي يجب أن لا تغيب عن أذهاننا وهي:
لم يستطع نظام العمالة والإجرام، وحلف اللئام الذي يدعمه يوماً أن يتقدّموا شبراً على الأرض بقوّتهم العسكرية، وإنما حصّلوا جميع المناطق بالهُدن والمصالحات.
اتخذت الدول التي تكيد لثورة الشام ذريعة حقن الدماء وتحقيق الأمن، لتسويق الهدن والمصالحات مع نظام العمالة والإجرام.
ام الروس ونظام السفاح بشار ومن يدعمه، بخيانة كل الوعود، والتنكر لكل شروط المصالحات التي لم تحقن دمًا، ولم تصن عرضًا ولم تحفظ كرامةً ولا أرضًا.
كل الدول الضامنة لاتفاقات خفض التصعيد والمصالحات شريكة في جريمة التآمر على أهل الشام، وإن اختلفت الأدوار والأوصاف.
إن قادة المنظومة الفصائلية وشرعيّيهم الذين جعلوا المصلحة العقلية لهم إلهاً، يحللون ما حرم الله على أساسها، هم -بغض النظر عن نواياهم- شركاء في جريمة حرف ثورة الشام عن أهدافها وتخليها عن ثوابتها، وفقدانها لبوصلتها، وتسليمهم قرار الثورة لأعدائها والمتآمرين عليها، حتى وصل بنا الحال إلى ما لا يخفى على أحد من تراجع وانحسار.
اتفاق سوتشي بين الحقيقة والتطبيل:
إن حقيقة اتفاق سوتشي ليس كما يُروج المطبلون لتركيا، المخدوعون بسياسة سلطانها، ولا كما يتوهم الحالمون المخدوعون، بأنها نصرٌ عظيم، وفتحٌ مبين، حفِظَ الدماءَ، وأنقذ إدلب وما حولها من الدمار والخراب، بل هو نعش يُراد أن يُحمل فيه ما تبقى من جسد الثورة، بعد القضاء عليه، إلى مثواه الأخير كما يُخطط الأعداء والمتآمرون علينا، حتى يعلنوا احتفالهم الكبير بالقضاء على ثورة الشام والمخلصين من أبنائها، الذين ثاروا على نظام العمالة والإجرام، وعلى ما خلفه من رأسمالية عفنة ونظام دولي مجرم، وتطلعوا إلى تطبيق شرع ربهم وإقامة دولة عزهم، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
إن اختلاف طريقة القضاء على ثورة الشام واستبدال الأعمال السياسية بالأعمال العسكرية؛ لن يُغيّر من حقيقة سعي الجميع لتحقيق نفس النتيجة وإن اختلفت الطريقة والأساليب، وإذا كانت الغاية التي اتفق عليها الجميع هي موت ثورتنا والقضاء على آخر نفَس فيها؛ فمن الغباء أن نُصفّق لمن يحاول خنقنا بدعوى أنه أرحم بنا من الذي يحاول سحقنا بآلته العسكرية الفتاكة، ومن العار أن نُطبل ونصفق ونمتدح من يلف حبل الموت حول أعناقنا؛ بدعوى أنه أفضل ممن يريد قتلنا بطائراته وصواريخه، فالقتل هو القتل مهما اختلفت أساليبه وطرائقه.
سوتشي هو كأس الموت الذي يُراد لنا أن نتجرعه مبتسمين، وهو حبل المشنقة التي يراد أن نسير نحوه فرحين ونحن نتغنى بأمجاد قاتلنا العظيم.
أليس تسليمنا لتحصيناتنا في الخطوط الأولى؛ والتي بذلنا من أجل إقامتها الجهود والأموال والدماء، هو بمثابة تجرع السم القاتل.
وهل سحب السلاح الثقيل من نصف المحرر باتفاقٍ سياسي يُعتبر ذكاءً من الضامن التركي ونصراً لثورتنا؛ أم هو حبل موت يلتف حول أعناقنا؟!!!.
هل تسليم الطرقات الدولية (حلب-حماه) و(حلب-اللاذقية) ليُشرف عليها نظام الإجرام والروس والأتراك؛ مصلحةٌ للثورة أم مقتلة لها؟!!!، وهل يرضى نظام سفاح دمشق ومن يدعمه أن يُشارك الثوار بالإشراف على الطرقات الدولية التي تحت سيطرته.
وهل وجود المنطقة العازلة [15 -20 كلم على طول خطوط الرباط]؛ التي تفصل مناطق الثوار عن مناطق نظام الإجرام؛ ليتوقف عندها الجهاد؛ وتتفرغ بعدها الفصائل للاقتتال؛ الذي تُدق طبولُه وتنعق غربانُه؛ هو نصرٌ عظيمٌ أم شرٌ مستطير؟؟!!!.
وهل القضاءُ على فكرة إسقاطِ النظام؛ وشعارِ (الموت ولا المذلة)؛ الذي صدحت به حناجر أهل الشام نابعا من قناعتها، ليحل محله الرضى بعيش الذل والهوان والعودة إلى حظيرة نظام القتل والإجرام ليحكمنا بالكفر؛ ويسوسنا بالظلم والانتقام، هو فرج نُهلل له؛ أم عيش ذلٍّ وهوان نرتضي أن نحيا بظله؟؟!!!.
أمَا علم المروجون لهذا الاتفاق؛ وما يتضمنه من بنود وأفكار؛ أنَّه يهدف إلى فصل المجاهدين المخلصين عن حاضنتهم الشعبية؛ وتهيئة هذه الحاضنة للوقوع في مستنقع اليأس والاستسلام؛ وبذلك يفقد الثائرون سندهم الطبيعي؛ فيسهل اجتثاثهم والقضاء عليهم، فهل هناك أخطر على الثورة وأبنائها من ذلك الخطر الداهم؟؟!!!.
ولكن الكثيرين يتساءلون عن سبب تحول طبول الحرب التي كانت تُقرع إلى ما نتج عن سوتشي من مقررات منها "مناطق منزوعة السلاح" وإعطاء تركيا الدور الأبرز في إدلب وما حولها، وسنركز على الوضع الداخلي أكثر من الوضع الدولي، حيث تريد أمريكا فرض الحل السياسي على طريقتها، واستخدام إطالة الأزمة لترويض الناس؛ والضغط على الروس من خلال إطالة أزمتهم في سورية، حتى تتوصل أمريكا لإزالة القواعد الروسية من سوريا.
أما بالنسبة للوضع داخلياً:
فقبل انعقاد مؤتمر (سوتشي) أظهر كثيرٌ من الناس استعدادهم للمعركة القادمة؛ وأنها -بإذن الله- ستكون حاسمة تقلب الطاولة؛ وما بعدها لن يكون كما قبلها، وقد برز ذلك في مشاركة الناس في تحصين نقاط الرباط؛ وفي المظاهرات التي خرجت بالآلاف تصرُّ على إسقاط النظام.
هذا النَفَس الثوري والاستعداد للتضحية؛ جعل (أمريكا وروسيا وتركيا) يُدركون أن شنّ معركةٍ جديدة سيكون حماقة يرتكبها الدب الروسي؛ فتشتعل الثورة والجهاد من جديد؛ وتنقلب الطاولة عليهم، خاصة وقد ظهر أن هناك حاضنة شعبية للثورة يجب عزلها عن المجاهدين، وهكذا وجدت تلك الدول أن نزع السلاح من نقاط الرباط؛ و"تليين دفاعات إدلب"؛ خيرٌ من حربٍ طائشةٍ قد تقلب الطاولة، فتحوِّل معركة إدلب من معركة للقضاء على آخر أنفاس الثورة إلى معركة بدء التحرير باتجاه دمشق، و يلخص ما سبق قول أحد المسؤولين الروس: "اتفاق سوتشي يهدف لتليين دفاعات إدلب".
ويحقّ لأهل الشام بعد كل ذلك أن يتساءلوا: هل وقف قائدٌ من قادة الفصائل يوماً مسائلاً (الحليف التركي المزعوم) عن خروقات اتفاق أستانة وتهجير الناس من ديارهم؟؟!!! .
يحق لهم أن يسألوا لماذا سقطت مناطق خفض التصعيد واحدة تلو الأخرى؟؟؟؛ والضامن إما مشاركٌ في قتلنا أو مباركٌ لهذه المشاركة.
يحقّ لأهل الشام أيضاً أن يَسألوا (القادة): ماذا بشأن أصابعكم التي قلتم إنها ستبقى على الزناد؟؟!!! ألم تتعهدوا منذ [اتفاق وقف إطلاق النار والهدنة الشاملة في 29-12-2016] أن "أصابعكم ستبقى على الزناد"؟؟؟، فهل لا زالت على الزناد؟ أم أن "الخدر" قد أصابها فقررتم معالجة ذلك بتوجيه بنادقكم باتجاه صدور إخوانكم؟!!!.
هذا واقع الحال وأس الداء فكيف يكون العلاج والدواء:
قطع العلاقات مع الدول المتآمر سواء تلك التي تدعي صداقتنا أو تلك التي تجاهر بعداوتنا.
إدراك مدى الإمكانيات التي نملكها؛ والوعي على ضعف أعدائنا؛ وعدم الوقوع في اليأس وفيما يروج له أعداؤنا من أن الثورة انتهت ونظام السفاح قد انتصر، والإيمان بأننا نأوي إلى ركن متين عندما نتوكل على الله وحده.
الاعتبار والاتعاظ بحوادث التاريخ القديمة والحديثة؛ وتذكر ما حلَّ ببغداد من دمار بعد الاستسلام للتتار، وما حلَّ بأهل "سربرنيتشا" من قتل واغتصاب من قبل الصرب الأشرار؛ عندما وثقوا بوعود الأمم المتحدة وقواتها الدولية ورضوا أن يسلموا أسلحتهم لهم؛ ليُسلموهم بعد ذلك للصرب يُمعنون بهم ذبحا واغتصابا.
رفض كل الحلول التي يطرحها علينا الآخرون؛ حيث يتم تخييرنا بين طريقتين للقضاء علينا وعلى ثورتنا، إما القصف والقتل والتدمير؛ أو الاستسلام والخنوع والرضا بالعودة إلى حظيرة نظام الطاغية من جديد.
إيماننا أن الحل الصحيح يكون منبثقا من عقيدتنا؛ وهو ما يُوجبه علينا ربنا من العمل؛ معتمدين عليه متبعين ما أمرنا به؛ غايتنا بعد التوكل على الله نصرة دينه، وإعلاء كلمته؛ والعمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لن يصلح أمرنا إلا بما صلح به أمر أسلافنا؛ وذلك باعتصامنا بحبل الله كما اعتصم من قبلنا ليؤلف الله بين قلوبنا ويوحد كلمتنا ويمن علينا بالنصر والتمكين؛ وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله، ونحقق خلاصنا الحقيقي ونعود من التيه والضياع الذي أوصلنا إليه اعتمادنا على غير الله؛ ومحاولتنا إرضاء غيره من شرق وغرب، اتبعنا سبيلهم واستضأنا بنارهم، فأضلونا عن سبيل الهدى والرشاد؛ وأوردونا المهالك.
لن تجتمع كلمتنا ولن يتوحد صفنا؛ إلا إذا تبنينا المشروع الذي ينبثق من عقيدتنا "مشروع الخلافة الثانية على منهاج النبوة"، فلنجدد عهدنا صادقين مع الله؛ ولنضع أيدينا بأيدي إخواننا العاملين من أجل نصرة دينه وحملة مشروعه؛ ولنكن يدًا واحدةً وإخوةً في الله، نعمل متكاتفين كالبيان المرصوص؛ ليس فقط من أجل الدفاع عن إدلب والرضا بعيش الذل والهوان؛ بل نعمل من أجل نصرة دين الله؛ وتحكيم شرع الله؛ وإقامة دولة الإسلام بعد إسقاط نظام القتل والإجرام.
قال تعالى
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير ولاية سوريا
أسامة أبو زيد الشامي