رسالة الشيخ المحدث عبد الرزاق المهدي إلى شباب تونس :
إخواني الكرام نحن بين العهد المدني والعهد المكي
نصيحة صادقة هادفة إلى جيل الشباب التقي الصالح المتحمس في بلاد تونس الحبيبة الذين أحبهم والكثير منهم يحبونني. أقول وكما هو معلوم وواضح: الجهاد الآن إنما هو في سورية وفلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان. وبلاد تونس بلاد دعوة ونصح ونشر للعلم والخير لا أحد من العلماء والدعاة من التونسيين وغيرهم في الداخل والخارج إلا وهو يقول ذلك. فنحن نعيش بين حالين: العهد المدني: و هو أن الدعوة بالحكمة والموعظة في أحسن مراحلها. فغير ممنوع ان تدعو بهذه الطريقة في عامة بلاد العالم حتى في نييورك وموسكو فهذه فرصة يجب ان نغتنمها.
والحال الثاني العهد المكي: وذلك إذا نظرنا إلى القوة نجد أننا في أدنى المراتب فنحن في أضعف مرحلة من مراحل العهد المكي فأهم عوامل القوة اجتماع الكلمة والصناعة الحربية. اما الاول فدليله قوله تعالى: ( هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم....) ودليل الثاني قوله تعالى): وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة....) فالمسلمون غير مجتمعين ابدا ولا يحسنون صنع الصواريخ والطائرات
إذن عاملا القوة مفقودان بالكلية. والان نذكر مقارنة بين الحاضر والماضي: ففي العهد المكي كان عليه السلام يحميه بنو هاشم وهم على الشرك وابو بكر كان يحميه زيد بن الدَّثِنة والامثلة كثيرة أما الان فمن حمل راية القاعدة أو راية تطبيق الشريعة فمن يحميه؟ الجواب: لا احد يحميه على وجه البسيطة حتى السعودية التي تطبق الشريعة لو لجأ إليها لنكلت به وربما أعدمته او سلمته لأمريكا أو روسيا أو بريطانيا!! ولقد أثبتت التجارب المتكررة أن إقامة الشريعة غير ممكن في هذه الظروف بسبب ضعف المسلمين خاصة أهل التوحيد وقوة الكافرين والمنافقين الإيرانيين.
نذكر أمثلة على ذلك: حاول الاخوان في الشام عام 80 إقامة دولة إسلامية تحكم بالشريعة. وبعد ذلك محاولة في الجزائر ثم في أفغانستان ثم الشيشان ثم الصومال والعراق والشام ومالي وكل ذلك لم ينجح أبدا بل عاد عكسا على الدعوة والدعاة فلا يوجد نشاط دعوي في هذه الدول وفي أحسن الاحوال النشاط ضمن ترتيب من الاستخبارات في هذه الدول وغيرها حتى السعودية كما أخبرنا بعض الاخوة لا يسمح لشيخ بإلقاء درس في مسجد إلا بعد موافقات ربما تمتد لشهرين وأكثر وربما جاءت مع الرفض إلا ان يكون من جماعة السلطة.
أيها الشباب التونسي الصادق! عاشت تونس بعد الثورة حوالي السنتين العصر الذهبي في الفسح للدعوة فالفسح كان بطريقة لا نظير لها على وجه البسيطة لكن لم نستغلها بما فيه الكفاية وبسبب كيد العلمانيين مع بعض الاخطاء لبعض الشباب المتحمس بدأ التضييق فتحولنا الآن ـ إن صح التعبيرـ إلى العصر الفضي في مجال الدعوة وهو إن بقي ففيه خير كثير وهو مقبول. لذلك لا نحب أن نفقده من خلال تآمر الأعداء وخطأ بعض الشباب لنتحول إلى العصر البرونزي ثم الحديدي كفانا تجارب فالنبي عليه الصلاة والسلام هو المعلم الاول وقد صبر وصبّر أصحابه فكلما ثار البعض ليكسر الاصنام والاوثان سكّنه وهدأه ويقول لهم: غني لم أومر بالقتال. ولما جاء أهل المدينة وبايعوه وتهيأت الظروف قامت الدولة دون قطرة دم واحدة ومن أول محاولة.
لنذكر عبرة الصومال فقط: لما خرجت امريكا من الصومال كان ترتيب تسلم حزب اسلامي الحكم لكن واضح انه تبقى الاحكام الوضعية. ونشطت الدعوة وتحجبت المراة الصومالية والناس في المساجد وفي حال لا بأس بها. فثار شباب يريدون تطبيق الشريعة فكان ما كان وقعت البلاد في حروب وقتل وتدمير ودخل عسكر الحبشة وغيرهم بالنيابة عن الامريكيين وجعلوا يغتصبون النساء العفيفات وحصلت المجاعة الكبرى فلا سمح الغرب للخليجيين بإغاثتهم ولا استطاع شباب المحاكم ان يغيثوهم فمات الرجال والاطفال جوعا فلا شباب المحاكم الاسلامية حكموا ولا الشريعة قامت. والعجب ان المنافقين الفرس يستغلون ذلك فلقد شيعوا ما يزيد على مليون صومالي وملايين في نيجيريا وينشطون!!!
وقصة مالي قريبة العهد فهذه الدروس كافية. فلا يجوز لمسلم أن يقوم بعمل يعلم أنه سيتسبب بدخول عساكر الكفار إلى بلاد الإسلام بل هو حرام ولو فعل سيسأل عن ذلك يوم القيامة. فقدوتنا في ذلك وأسوتنا هو رسول الله عليه الصلاة والسلام.
فعلينا باتباع منهج النبي عليه الصلاة والسلام من خلال قراءة السيرة قراءة موضوعية تحليلية قراءة دقيقة هادفة فعند ذلك يكون النجاح والفلاح بارك الله فيكم والسلام عليكم.
https://www.facebook.com/kays.khyari/posts/521142714619211تعقيب على هذه الرسالة:
قبل انطلاق الانتفاضات في تونس و غيرها من البلدان الاسلامية و التي أدت الى سقوط رؤوس الأنظمة في تلك الدول، كان عديد من المشايخ و العلماء يثبطون من عزيمة الشعوب و يقولون لهم انهم غير قادرين على فعل شيئ ضد حكامهم، فيأمرون المسلمين بعدم الخروج على الحاكم و بوجوب طاعته ولو حكم بالكفر و ظلم و طغى. ...... و كثير من المشايخ حرموا حتى المظاهرات. و لكن شاء الله ان الشعوب، وخصوصا منهم الشباب المسلم، لم تكثرت لدعوات أولئك المشايخ، و الا لما زال بن علي و لا مبارك و لا انطلقت ثورة سوريا! و هاهم المشايخ الان بعد ان ركبوا موجة الثورات يعملون من جديد للتثبيط من إرادة و عزيمة المسلمين، .... بدلا من ان يوجهوها لتكمل نجاح ثورتها بتحكيم شرع الله في البلاد!
فاذا دعى الشيخ عبد الرزاق المهدي لعدم استعمال القوة و العنف ضد الأنظمة، و الالتزام بمقارعتها بالوسائل الغير المادية، اي مكافحتها سياسيا و فكريا و بالمظاهرات و الاحتجاجات السلمية، فهذا مقبول و هو عين الصواب، و هو ما قام به الرسول في مكة، ..... اما ان يقول لهم "....... أما الان فمن حمل راية 'القاعدة' أو راية تطبيق الشريعة فمن يحميه؟ ...." فهذا كلام غير مقبول و فيه تثبيط للعزيمة و دعوة لقبول المنكر و السكوت عليه، و فيه طلب بعدم الامر بالمعروف ....
اتستحيي يا شيخ عبد الرزاق المهدي من رفع راية تطبيق الشريعة، في حين ان العلمانيين، ورغم قلتهم، يجهرون بعدائهم لشريعة الله، و بولائهم للغرب؟
انت الذي يدعوا لاتباع منهج الرسول صلى الله عليه و سلم، أكان الرسول هكذا ضعيفا و مستحييا في دعوته للإسلام في مكة؟ لا، حاشى لله ان يكون الرسول كذلك، بل كان يصدع بالحق و هو بمكة لم تكن له قوة مادية و كانوا أصحابه يعدبون و يقتلون، .... فالرسول كان صريحا في ما يدعوا اليه مند اول يوم، فلم يكن يمارن الكفار و يهادنهم، و لم يكن يكتم الحق الذي ابلغه الله اياه، بل كان يجهر بالحق كله، و قام باعظم الاعمال السياسية، فحاججهم و ناقشهم و بين فساد أفكارهم و عقيدتهم، و كان يقول صراحة بانه جاء بالإسلام ليسود به العالم و يحكم به الناس .... {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حين جائت قريش تفاوضه ان يكف عن تسفيه دينهم و آلهتهم: "أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم؟" فقال أبو جهل: لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قولوا لا إله إلا الله".
و اما فيما يخص ما ذكره الشيخ عبد الرزاق المهدي من رفع راية 'القاعدة'، فهذا قول لا يقوله الا العلمانيون الجاهلون بدين الله و سنة رسوله، و ما كنا نحسب ان شيخا يقول بهذا القول و هو يعلم ان راية العقاب التي يحملها المسلمون هي راية الرسول صلى الله عليه وسلم: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ، وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ». وفي رواية عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: «كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ تُسَمَّى الْعُقَابَ»..... أتطلب من المسلمين ان يستحييوا من رفع راية العقاب، راية رسولهم؟ وذلك ارضاءا للعلمانيين و اسيادهم في الغرب؟ كان الاولى على المشايخ ان يبينوا للمسلمين العار و الخزي في حمل رايات الاستعمار بألوانها و شعارها "الوطنية" النثنة و التي لا تمت للمسلمين و للاسلام بصلة، و التي فيها توطيد لفرقة المسلمين الى دويلات هزيلة ضعيفة سهل على الغرب اليسيطرة عليها و امتصاص خيراتها .......
البطولة و المروءة والإنصاف والحكمة .... هو حين يقول المرء الحق في المكان و الزمان الذي تكون فيه الحاجة ماسة لكلمة الحق، وحين يكون الحق يكلف ما يكلف من تضحيات! وليس من المروءة و التقوى من شيئ حين يقول المرء كلمة حق لما يصبح مسموحا النطق بها ....! والخيانة لله ورسوله حين يقول المرء بما يتودد به الى الطغاة اصحاب السلطة، فيقول بما يهدأهم به و يرضيهم .....!
فلعل الكثير من المشايخ لم يتعلموا من درس الانتفاضات التي انطلقت في البلدان العربية، حيث لفظتهم الشعوب وتركتهم وفتاويهم المثبطة وراء ظهورهم، ..... فانطلقت و سبقتهم "بسنوات ضوئية" في اتخاد مواقف المروءة و البطولة و في تحويل مجرى التاريخ ..... ومن لم يعي بان الوقت حان لتحول التاريخ ..... سينتهي في مزبلة التاريخ ......