منتدى الناقد الإعلامي

السلام عليكم , للمشاركة اختر ( دخول | تسجيل )



ملتيميديا

مقتطفات فيديو من انتاج الشبكة

2 الصفحات V  < 1 2  
Reply to this topicStart new topic
> القسم النسائي: حملة ومؤتمر عالمي بعنوان:" "الأسرة: التحدّيات والمعالجات الإسلامية"
أم حنين
المشاركة Nov 5 2018, 10:23 PM
مشاركة #21


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35






الكلمة الثانية


هولندا

كيف ظلمت المساواة بين الجنسين الأسرة


(مترجمة)


أيتها الأخوات:


قال الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾.


في هذه الآية من القرآن الكريم، يعلمنا الله سبحانه وتعالى بحكمته الإلهية كيف يكون دور الرجل والمرأة تجاه بعضهما بعضاً - لحماية بعضهما البعض. سبحان الله، كم هذا جميل؟ أليس هذا بالضبط ما يريده أي رجل أو امرأة من الطرف الآخر؟


لكن السؤال الذي يتعين علينا الإجابة عليه هو هل "العدالة بين الجنسين" أو بالأحرى "المساواة بين الجنسين" تحقق هذا الهدف المهم؟ هذا ما سأتطرق إليه في حديثي اليوم إن شاء الله.


أولاً، يجب علينا أن نفهم أن الدعوة إلى العدالة بين الجنسين ليست مجرد دعوة لحصول النساء على نفس الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية مثل الرجال، بل هو جعل الحقوق والأدوار والواجبات للرجال والنساء في الزواج والحياة الأسرية والمجتمع بصفة عامة تحت غطاء "المساواة بين الجنسين" وربط الاختلافات بين الجنسين بالتمييز والظلم أو حتى القمع ضد المرأة. ويقال على سبيل المثال إن الرجال والنساء يجب أن يتشاركوا دور المعيل للأسرة، وكذلك الواجبات المنزلية وتربية الأطفال، مدعين أن هذا يمثل "العدالة بين الجنسين".
على مدى عقود عديدة، دافع مناصرو حقوق المرأة عن المساواة بين الجنسين في إطار السرد القائل بأنها كانت وسيلة للنساء لضمان الاحترام، والسعادة، والزواج الأفضل، والأطفال الأكثر سعادة، فضلاً عن تحقيق التقدم للمجتمعات. فقد روجوا لها باستخدام مصطلحات مغلفة بالسكر مثل "تمكين المرأة" و"حقوق المرأة" و"العدل بين الجنسين" لإغراء النساء والجمهور العام لاحتضانها وللدول لتكريسها في دساتيرها وقوانينها. ومن ثم، فإن أولئك الذين عارضوا الدعوة إلى المساواة بين الجنسين وأعادوا تعريف دور الرجل والمرأة في الحياة الأسرية، وصفوا بأنهم متخلفون واتُّهموا بدعم الظلم ضد النساء.


ومع ذلك، فإن غطاء السكر هذا أخفى طعم المرارة، طعم المساواة بين الجنسين، فقد كانت هذه التجربة الخطيرة في الهندسة الاجتماعية واحدة من أكثر القوى تدميراً على الزواج والأمومة ووحدة الأسرة وتسببت في بؤس لا يوصف للنساء والأطفال والرجال على حد سواء، فضلاً عن توليد مجموعة كبيرة من المشاكل للمجتمعات. والسبب في ذلك هو أن هذا المفهوم الذي يفسد المجتمع يشجع النساء على تحديد حقوقهن وواجباتهن بأنفسهن بغض النظر عما هو الأفضل للنساء والرجال والأطفال والمجتمع ككل. أدى نهجها المتمركز حول المرأة في تنظيم الحياة الأسرية ونظرتها الضيقة القائمة على النوع في حل مشاكل المجتمع إلى الارتباك والخلاف في الحياة الزوجية والمسؤوليات الأبوية، مما تسبب في إهمال حقوق الأطفال ورفاههم، وخفض قيمة الأمومة، وفقدان المرأة القدرة على تحقيق دورها الحيوي كأم وربة للبيت. كتبت دايل أوليري، وهي صحفية ومحاضرة أمريكية، وواحدة من معارضي الفلسفة النسوية، في كتابها "الأجندة النوعية: إعادة تعريف المساواة"، "ادعى مناصرو النسوية تعزيز تقدم المرأة، لكن النسوية قد بدت لي أنها فكرة مشوهة للغاية حول ما يعنيه أن تكوني امرأة، وفكرة أكثر بعداً عما يسمى تقدمًا".


وعلى الرغم من ذلك، فإن العدالة بين الجنسين وفكرتها الأساسية حول المساواة بين الجنسين تنتشران إلى ما هو أبعد من الدول الغربية التي أنشأتها إلى العالم الإسلامي نتيجة للسياسات الاستعمارية وحكم الأنظمة العلمانية والحكومات التي فرضت وروجت وجهة النظر الغربية وقيمها العليا. بما في ذلك حقوق المرأة، على شعوبها من خلال دساتيرها وقوانينها ووسائل الإعلام ونظمها ومبادراتها التعليمية، كما هو مشاهد على سبيل المثال في قانون الأحوال الشخصية التونسي فضلاً عن الدستور الجديد الذي يحدد المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في المجتمع؛ أو كما هو ملاحظ في الحملة المكثفة في العالم العربي لدفع والترويج لفكرة المساواة بين الجنسين من خلال نظام التعليم - ومثالاً على ذلك أن الكتب المدرسية التي تصور النساء كأمهات وزوجات تعتبر الآن قد عفا عليها الزمن وتحتاج للتغيير. كما سمحت هذه الحكومات العلمانية للحركات النسائية القائمة على حقوق المرأة بالعمل بحرية داخل مجتمعاتها، ونشر أفكارها الفاسدة في الأمة الإسلامية. هذا بالإضافة إلى تبني المعاهدات والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تروج بقوة للمساواة بين الجنسين في قوانين وسياسات الدول.


ونتيجة لذلك، تبنى كثيرون في الأمة الإسلامية المساواة بين الجنسين والأفكار النسوية الأخرى، معتقدين أنها ستؤدي إلى احترام وتقدم المرأة في البلاد الإسلامية، وكذلك رفع مجتمعاتهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. لقد أعادوا تشكيل رؤيتنا حول نجاح المرأة المسلمة بكونها امرأة مستقلة مالياً عن زوجها، وتشارك في أدواره وواجباته، ولديها مهنة ناجحة، بدلاً من أن تكون خادمةً ناجحةً لربها سبحانه وتعالى، والذي يتضمن كونها زوجةً وأماً ناجحةً. ونتيجة لذلك، نشأت شكوك وكراهية بين الكثيرين في الأمة الإسلامية تجاه الأسرة الإسلامية والأحكام الاجتماعية مثل قوامة الذكور، وإطاعة المرأة للزوج، ودورها الأساسي كربة بيت ومربية للأطفال، وتعدد الزوجات، وأحكام الطلاق، وأحكام الميراث. اتُهمت هذه الأحكام الشرعية بتفضيل الرجال على النساء أو التعبير عن عبودية المرأة للرجال بسبب الاختلافات بين الجنسين، بدلاً من الاعتراف بأن تلك الاختلافات كانت انعكاسًا لاعتراف الإسلام بالاختلافات النوعية بين الجنسين، وبالتالي وسيلةً لتنظيم الحياة الأسرية، والمجتمع بفعالية.


وقد روّج مسلمون آخرون للمساواة بين الجنسين باستخدام حجة كاذبة بأن الإسلام يؤيدها، كما نشاهد اليوم ما يسمى بـ"النسويات الإسلاميات" اللواتي يدعون لإعادة تفسير النصوص الإسلامية من خلال منظور المساواة بين الجنسين - مثل هذه الأحكام الإسلامية حول الميراث والطلاق والأدوار والحقوق الزوجية بأن تكون "متساوية" للرجال والنساء.


ولكن، حقيقةً، فشل المسلمون الذين تبنوا وأيدوا قصة العدالة الجندرية، في فهم أن مفاهيم الحركة النسوية، بما في ذلك المساواة بين الجنسين، التي تدعو إلى فكرة أن المرأة يجب أن تحدد حقوقها وأدوارها في الحياة، تتناقض بشكل أساسي مع العقيدة الإسلامية. لأنه في الإسلام، لا يحدد الرجال والنساء حقوقهم وأدوارهم وواجباتهم على أساس المساواة أو على أساس رغباتهم الخاصة ولكن على أساس أحكام الله سبحانه وتعالى وحده. قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِينًا﴾. بالإضافة إلى ذلك، ينص الإسلام على بعض الاختلافات الواضحة في الأدوار والواجبات والحقوق للرجال والنساء داخل الأسرة والمجتمع. قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾. وقال رسول الله e: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ...». علاوة على ذلك، فإن المرأة المسلمة لا تقيّم نجاحها من خلال مقارنة نفسها مع الرجل وحقوقه ومسؤولياته، ولكنها تستند إلى الطريقة التي ينظر إليها بها خالقها وفقًا لأدائها لواجباتها التي وصفها لها سبحانه وتعالى. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّواْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعضَكُم عَلَىٰ بَعضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكتَسَبنَ وَسـَٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَىءٍ عَلِيمًا﴾.


وقد فشل هؤلاء المسلمون الذين اعتنقوا أفكار الحركة النسوية في إدراك أن مفاهيمها قد نتجت نتيجة التجارب التاريخية للظلم والقمع وغياب الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية الأساسية التي مرت بها النساء في الدول الغربية بسبب العيش تحت خلل نظام علماني من صنع الإنسان - تاريخ وخبرة لا يشترك فيها الإسلام والحكم الإسلامي. لكن الأهم من ذلك، أن المسلمين الذين تبنوا قصة العدالة بين الجنسين، فشلوا في فهم حقيقة حجم الدمار الاجتماعي الذي تسببه المساواة بين الجنسين والمفاهيم النسوية الأخرى في بنية الأسرة، للنساء والأطفال والمجتمع ككل.


(1) انخفاض في معدلات الزواج وفجوة في أعداد المواليد في الأمم وزيادة العلاقات خارج نطاق الزواج


أولاً، خلقت الحركة النسوية والمساواة بين الجنسين كرهًا للزواج بين العديد من النساء باعتبار كونه هيكلًا قمعيًا كان أكثر فائدة للرجل من المرأة، وحيث إنها كزوجة، فهي مستعبدة من زوجها. كما أدى ذلك إلى أن العديد من النساء ينظرن إلى وضعهن كزوجة وكأم كدور من الدرجة الثانية، أقل شأنا من السعي وراء مهنتهن ووظيفتهن... وقد أدى كل هذا إلى قيام العديد من النساء بتأجيل أو رفض الزواج أو الأمومة مما تسبب في انخفاض معدلات الزواج والولادة و"الفجوة بين الأطفال" في الدول التي يوجد بها عدد أقل من الناس لرعاية السكان المسنين. بالإضافة إلى ذلك، دفع تحفيز الحركات النسوية للحرية الجنسية إلى زيادة كبيرة في العلاقات خارج نطاق الزواج بما في ذلك الزنا، والتي كانت السبب الرئيسي لوباء الزواج المحطم الذي أدى إلى ظهور أعداد لا حصر لها من الأطفال في عائلات مشتتة ولظهور أعداد أكبر من الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج، وبالتالي زيادة في حالات الإجهاض داخل الدول، مما يسبب الكثير من الألم والبؤس.


(2) الفوضى والصراع في الزواج


ثانيا، تسببت النسوية والمساواة بين الجنسين في إحداث الفوضى والخلافات حول المسؤوليات الزوجية والأبوية بسبب تآكل الأدوار والواجبات المحددة بوضوح داخل الزواج بالنسبة للرجل والمرأة فيما يتعلق بإعالة الأسرة والأعمال المنزلية ورعاية الأطفال. ومن ثم، أصبحت المنافسة تهيمن على العلاقة بين الجنسين حول الأدوار والمسؤوليات بدلاً من الاتحاد المتجانس حيث يفي الزوج والزوجة بالتزاماتهما الزوجية والأسرية المحددة والمكملة. كما أصبح الزواج ميدان معركة حول الخيارات والحقوق الشخصية بدلاً من كونه رابطة ألفة يحددها الحب والرحمة ومسؤوليات الزوجين تجاه بعضهما البعض. علاوةً على ذلك، فمع وجود العديد من الرجال والنساء الذين يعملون في كثير من الأحيان في وظائف طويلة ومتطلبة، فإن هناك وقتاً وطاقة أقل في إنجاح الزواج، مما أدى إلى إضعاف الرابطة الزوجية. على سبيل المثال، خلال استطلاع أجراه مركز أبحاث بيو في أمريكا ونُشر عام 2013، قال نصف البالغين الذين شملهم الاستطلاع إن تزايد أعداد النساء العاملات جعل إنجاح الزواج أمراً أكثر صعوبة.


(3) الضغط على النساء للعمل


ثالثًا، إن قصة "المساواة بين الجنسين" النسوية بأن دور الرجال والنساء في الحياة يجب أن يكون متماثلاً وأن قيمة المرأة تأتي من العمل والاستقلال المالي عن الرجال، قد خلقت مجتمعات حيث لم يعد العمل لدى النساء خياراً ولكنه المتوقع منها. هذا هو الحال، حتى إن الأمهات غير المتزوجات يتحملن وحدهن مسؤولية رعاية وتربية أطفالهن. ولذلك، غالباً ما تُجبر النساء على تبني دور الرجل كمعيل لأسرهن، ويصبحن عبيداً للسوق، حتى لو رغبن في البقاء في المنزل ورعاية أطفالهن. في عام 2013، نشرت صحيفة الجارديان البريطانية مقالًا تحت عنوان: "إن زيادة "الأمهات المعيلات" يعتبر أقل فوزًا للمساواة مما يبدو عليه"، حيث استشهد المقال بإحصاءات من تقرير صادر عن مركز أبحاث بيو أنه في 40٪ من إجمالي الأسر الأمريكية التي لديها أطفال، فإن الأمهات هي المعيل الوحيد أو الأساسي. ووصف المقال كيف أن غالبية الـ40٪ - الثلث - كن أمهات عازبات، وكثير منهن يناضلن من أجل تحمل مسؤوليات الرعاية المنزلية ومسؤوليات رعاية الأطفال. وقد صرح المقال بالقول: "بالنسبة للأمهات غير المتزوجات، على وجه الخصوص، يبدو واقع كونهن المعيل الأساسي وكأنه أقل انتصارًا للنسوية بسبب ما يعانينه من الإرهاق، وعدم الحصول على الدعم الكافي والتشويه الواسع".


وقد أدى ارتباط نجاح المرأة بحصولها على عمل أيضاً إلى تأخير العديد من النساء أو تجنبهن إنجاب الأطفال من أجل الحصول على عمل ناجح، أو حتى الاحتفاظ بوظيفة. وبالتالي، فإن النسوية والمساواة بين الجنسين قد حرمت العديد من النساء من الأمومة، وحرمت الأمم من جيل مستقبلي قوي يتمتع بالسكان! وعلاوةً على ذلك، فإن فكرة أن العمل سيجلب للمرأة مكانةً أعلى في المجتمع وأمناً اقتصادياً كان وهماً، لأن العديد من النساء دخلن وظائف منخفضة الأجر، وذات نوعية رديئة، ووظائف استغلالية في كثير من الأحيان.


(4) إهمال حقوق الأطفال


رابعاً: دفعت الحملة النسوية الأمهات إلى أماكن العمل باسم المساواة بين الجنسين مما أضعف دورهن الحيوي كأمهات كما وتجاهلت احتياجات الأطفال. فمع وجود كلا الوالدين كمعيلين، فقد أثر ذلك سلباً على قدرة العديد من الأهل على تربية أطفالهم بشكل فعال. ففي دراسة استطلاعية أجريت في مركز بيو للأبحاث عام 2013 في أمريكا، قال 75٪ من البالغين إن العدد المتزايد للنساء العاملات جعل من الصعب على الأهل تربية أطفالهم. تصف البروفيسور مارثا ألبرتسون فينمان، أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في النظرية القانونية النسوية، إنشاء أسرة ذات أبوين، بأنها "مؤسسة ليس لها وكيل متاح"، بينما بريندا ألموند، أستاذة الفلسفة الأخلاقية والاجتماعية ومؤلفة كتاب "العائلة الممزقة"، كتبت أنه بالنسبة لغالبية الأمهات العاملات، يتعين عليهن قبول "حتمية غياب كلا الوالدين من المنزل طوال يوم العمل". كما أنه وبسبب ضيق الوقت الذي تقضيه الأمهات العاملات في رعاية أطفالهن يتم إلقاء اللوم عليهن من قبل الكثيرين على أنه أحد الأسباب التي أدت لمستويات كبيرة من السلوك الجانح وغير الاجتماعي بين الشباب الذي ابتلي به العديد من المجتمعات اليوم، وكذلك يؤثر على الصحة العقلية والأداء التعليمي للأطفال.


(5) أصبحت حياة النساء مرهقة


خامساً: أدى ارتفاع الضغوطات على النساء اللاتي يضطررن إلى الصراع بين ضغوطات العمل وبين مسؤوليات الحياة المنزلية والعائلية إلى ارتفاع ملحوظ في حالات القلق والاكتئاب لدى النساء. وجدت دراسة أجريت في 30 دولة أوروبية من قبل الكلية الأوروبية لعلم الجهاز العصبي والنسيج، ونشرت في عام 2011، أن الاكتئاب بين النساء في أوروبا قد تضاعف خلال الأربعين سنة الماضية بسبب "العبء الهائل" المتمثل في الاضطرار إلى التوفيق بين الواجبات الأسرية ومتطلبات العمل. كما أنه في عام 2009، ذكر المركز الوطني لمعلومات الخدمة الصحية في بريطانيا أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة النساء اللواتي يتم إصابتهن بالإجهاد الشديد بسبب ضغوطات الحفاظ على الوظيفة وتربية الأطفال ورعاية الوالدين المسنين. لذلك فإن الدعوة إلى المساواة بين الجنسين أصبحت شكلاً من أشكال الظلم، حيث تحول حلم "احصلي على كل شيء أيتها المرأة" إلى كابوس "افعلي كل شيء أيتها المرأة"، حيث عانت من ضغوطات كونها ربة المنزل والمعيلة له على حد سواء مع عواقب لا مفر منها. وهذا أبعد ما يكون عن كونه جنة العدل والإنصاف للمرأة.


(6) أصبحت الأمومة دون قيمة


وأخيرًا، كان الترويج النسوي لواجبات النساء المنزليّة وتربية الأطفال على أنها بمثابة إهدار لمواهبهنّ وأنهن كنّ يعانين من تحقيق إمكاناتهن الحقيقيّة في المجتمع، وأنّ التوظيف والعمل الوظيفي هو ما يعطي المرأة القيمة والاحترام والنجاح والتمكين. مما أثر سلباً على رؤية المجتمع للأهمية الحيوية لدور الأمومة. واتُهم أولئك الذين أيدوا فكرة الدور الأساسي للمرأة بصفتها زوجة وأماً بتحقير النساء واعتبارهن "آلات لإنجاب الأطفال". هذا على الرغم من حقيقة أن الرعاية الناجحة للطفل وتربيته هي واحدة من أكثر الأصول قيمة في المجتمع. ونتيجة لذلك، أصبحت الأمهات اللواتي يربين أطفالهن رعايا من الدرجة الثانية وغير محترمات، وجعلتهن يشعرن بالخجل كما لو كن يخنَّ فكرة "تحرير المرأة" ولا يساهمن بشكل كامل في المجتمع. كان يُنظر إلى حياتهن على أنها تفتقر إلى الأهداف، وكثيراً ما كانت تعتبر كطبقة أدنى وغير متعلمة وأقل مهارة وأقل نجاحاً وأقل قيمة للمجتمع. ومن ثم، وبجعل أدوار الرجال وواجباتهم هي المعيار الذهبي، أدت الدعوة لتحقيق المساواة بين الجنسين إلى النقيض تماماً من فكرة تمكين المرأة. وقد تسببت في خفض قيمة المرأة بل وحتى ازدراء طبيعتها البيولوجية الفريدة ونوعيتها الحصرية كحامل للجنس البشري، مما قلل قيمتهن كنساء.


وفي الختام أيتها الأخوات:


إن المساواة بين الجنسين مفهوم متصدع ومسبب للتآكل الاجتماعي، أدى إلى إلحاق ضرر لا حد له بالوئام ووحدة الحياة الأسرية فضلاً عن رفاه الأطفال. وتجاهل الطبيعة البيولوجية للنساء بوصفهن حاملات للجنس البشري، محاولاً دفع هذا جانباً باعتباره لا أهمية له، في حين إنه ينبغي أن يكون عاملاً محورياً في تحديد الأدوار والحقوق داخل الزواج والحياة الأسرية بالنسبة للجنسين. كما رفض فكرة كون الأم هي المحور المركزي في حياة الطفل. بالإضافة إلى ذلك، خلق التنافس والصراع بين الرجال والنساء بدلاً من التعاون وحماية وتأييد بعضهم بعضا كما أمر الله سبحانه وتعالى في الآية القرآنية في بداية حديثي. ومن ثم، فإن فكرة تحديد المرأة لحقوقها وأدوارها لا تحررها من الظلم بل تعرضها لأشكال مختلفة من الظلم والبؤس؛ لأن هذا المنظور النسوي الفردي الضيق المتمثل في النظر دائمًا إلى ما هو أفضل لرغبات المرأة ومصالحها غالبًا ما يتجاهل ما هو الأفضل للزواج والأطفال والحياة الأسرية الهادئة والمجتمع ككل.


وعلى الرغم من ذلك، فإن المساواة بين الجنسين والعدالة بين الجنسين - هذه الفكرة الأجنبية غير الإسلامية - لا تزال تُعرض على البلاد الإسلامية من خلال المزيد من القوانين والسياسات والبرامج، كمفهوم سيزيد من مكانة المرأة. بالتأكيد كمسلمين، بدلاً من تكرار التجارب الاجتماعية الأجنبية الفاشلة، يجب علينا أن نتبنى ونتمسك بديننا وقيمنا وقوانيننا ونظامنا الإسلامي الإلهي الذي لديه نهج سليم ومُجرب لتنظيم أدوار وواجبات وحقوق الرجال والنساء في أكثر الطرق سلاسة، وكذلك إيجاد وحدات عائلية متناغمة وقوية. لقد قدم الإسلام إجابات وإرشادات مفصلة لكل أمر في حياتنا. لذلك، يجب علينا التوجه نحو ديننا لحل المشاكل العديدة التي تواجهها النساء والأطفال والعائلات اليوم. قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾.




ياسمين مالك
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم حنين
المشاركة Nov 5 2018, 10:37 PM
مشاركة #22


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35



الكلمة الثالثة


باكستان

دور الإعلام في تقويض الزواج والحياة الأسرية


(مترجمة)



أخواتي العزيزات، ضيفاتنا المحترمات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته!


إن ما أود التحدث عنه اليوم هو أثر الإعلام على أسرنا. وفي سبيل فهم أبعاد وطبيعة أثره، دعونا نأخذ باكستان مثالا على ذلك.


أوردت التقارير أن حوالي 55.7% من ربات المنازل الباكستانيات يملكن أجهزة تلفاز ملونة، والنسبة الحقيقية هي أعلى من ذلك، حيث إن هذه لا تضمن الأجهزة التي تعرض بالأبيض والأسود؛ ولا تأخذ بالحسبان أن الأسر عادة ما تجتمع معا وتشاهد تلفازا واحدا. كما أنه يُقدر أن حوالي 17% من الباكستانيين يستخدمون الإنترنت، وبالتالي فإن النسبة الحقيقية هي أعلى من ذلك، إذا أخذنا بالحسبان أعداد مرتادي مقاهي الإنترنت.


إن الإحصاءات تعطينا لمحة عن الواقع، والواقع هو أن الإعلام اليوم يؤثر بشكل هائل على العالم الإسلامي بما فيه باكستان. ففي باكستان، حيث ينتشر الفقر، فإن أجهزة التلفزيون وأجهزة الجوال الذكية من وسائل الراحة التي يمتلكها الشعب. وهذه الأجهزة تسمح للصغير والكبير بغض النظر عن خلفيته الطبقية المجتمعية بالدخول إلى عالم الترفيه التلفزيوني والتواصل الإلكتروني، المحلي والعالمي. ففي الخمسة عشر عاماً الأخيرة شهدنا ارتفاعا في إنتاج المجلات التي تستهدف النساء والرجال، خصوصا في سن الشباب. كما أن الصحف أصبحت تمتلك مجلات تختص بأخبار المشاهير وعالم الترفيه.


إن هذه الأشكال المختلفة من الإعلام أصبحت ذات تأثير كبير على مجتمعنا. فسواء بوعي أو بدون وعي، أصبح الناس ينظرون إلى مثل هذه الأخبار للاقتداء بها وأصبحت القيم التي يركز عليها الإعلام أساسا لتصرفاتهم.


وقد ازدادت هذه الحالة منذ أن سمح الجنرال مشرف بازدهار وسائل الإعلام الخاصة، وبزيادة السماح بالوصول إلى قنوات الكابل والأقمار الصناعية، والإنترنت. وخلال هذه الفترة ازدهرت أيضا وسائل الإعلام المطبوعة. وعلى الرغم من امتلاكها من قبل عدد محدود من الناس، فعلى سبيل المثال، هنالك ثلاثة من عمالقة الإعلام في باكستان، كما أن هنالك كثيرا غيرهم متوفرون للعامة بلغة الأوردو وباللغة الإنجليزية. ونتيجة لذلك فإن معظم الشعب يلمسون أثر الإعلام في حياتهم، خصوصا في عائلاتهم وعلى الشباب في باكستان،
فلو ألقينا نظرة على وسائل الإعلام في باكستان، لوجدنا أن هنالك تغيرا واضحا حصل خلال العقدين الأخيرين؛ الأول هو موضوع النقاش الأول في كل مجموعة من الرجال والنساء الذين يهتمون بالأثر على العلاقات الأسرية في مجتمعنا. حيث إن باكستان انتقلت من الأعمال الدرامية التي كان فيها ممنوعا على الممثلين غير المحارم من لمس بعضهم، إلى الأعمال الدرامية التي يتفاعل فيها الممثلون بحرية حسب رغباتهم للتعبير عن الفن ولعرض واقع الحياة الزوجية. حيث إن الممثلين والممثلات أصبحوا هم نجوم الإعلام، يضاهون الممثلين الغربيين، فأصبحوا يدخلون في علاقات خارج إطار الزواج حيث يعترفون بما يدعونه "بالحب" لبعضهم البعض. والحدود الواضحة قديما، والتي أتت من تأثير ديننا علينا، تم استبدالها تحت مسمى الحداثة والحرية والفن.


فمثل هذه الأعمال الدرامية والأفلام هدفت إلى ضرب القيم والمبادئ الإسلامية لدى المشاهدين في البلاد الإسلامية، بما في ذلك آراءهم وتوقعاتهم من الزواج والحياة الزوجية وفقا للأفكار الغربية التحررية مثل مفهوم الحرية الجنسية واستخدام هذه الأفكار غير الإسلامية كأساس لمبادئنا في العلاقات، مقللين من شأن الزواج ومقوضين هدوء ووحدة بناء الأسرة. فنمط الحياة والأفكار التحررية الغربية هذه يتم الترويج لها في مجتمعاتنا كأمر طبيعي وعادي، وهذا تم السماح به ودعمه طبعا من قبل حكومات المنطقة وسياساتهم الإعلامية.


فالجنرال مشرف بدأ نمط السماح بالدخول غير المشروط للكابل والأقمار الصناعية في باكستان، مما أتاح للناس الوصول بشكل مفتوح للإعلام الغربي والهندي. ويمكننا رؤية أثر ذلك على مجتمعنا، حيث أصبح هؤلاء الممثلون والممثلات يقتدى بهم وبالقيم التي يتبنونها وطريقة لبسهم ونمط حياتهم الذي صار يعتبر جميلا وعصريا!


ولقد واجهت باكستان من قبل مشكلة تأثير الحضارة الهندية على شعبنا، فمن خلال مفهوم الثقافة الآسيوية، وثقافتنا المشتركة، أثرت عاداتهم كثيرا على منظور الزواج والعلاقات بين الزوج وزوجته والعائلة الممتدة. والمشاكل التي تظهر من هذه العادات والتقاليد غالبا ما تكون موضوعا للعديد من الأعمال الدرامية والبرامج الحوارية. فالصورة النمطية للحماة التي تحكم سيطرتها على حياة ابنها وزوجته بكل مجالات الحياة هي مصدر لا ينضب للتوتر والأسى في العديد من الزيجات، وغالبا ما يتم عرضها من قبل الإعلام في مواقف تراجيدية أو كوميدية. ومع الأسف، فإن الحل الذي يُقترح لتلك المشاكل يأتي عادة من الثقافة الغربية، وليس من الإسلام.


ومن المحزن أن هذا لا يحصل فقط في باكستان، وإنما في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ففي السنة الماضية أعلن وزير الثقافة والسياحة التركي وبكل فخر للبرلمان أن تركيا تحتل المرتبة الثانية في صادرات المسلسلات التلفزونية بعد أمريكا وهي الأولى على مستوى أوروبا.


فكيف لمثل هذا أن يكون مصدرا للفخر والاعتزاز عندما ندرك أن ما تروج له وسائل الإعلام هذه هي العلاقات المحرمة، وتشجع كالمشاهير على الاختلاط بين الرجال والنساء وحتى العلاقات خارج إطار الزواج تحت الشعار الغربي "الحب يتغلب على جميع الصعوبات"؟ كما أنهم روجوا للعري على الشاشة والاختلاط المحرم في العلاقات. حتى إن البعض روج للدعارة والشذوذ الجنسي. فجعلوا من مثل هذه التصرفات أمرا طبيعيا ومقبولا، وجعلوا الدافع الوحيد للعلاقة بين الرجل والمرأة والأساس الوحيد هو "الحب" أو الجنس، وبدعوى الحرية الكاملة، تحرروا من القيود والحدود التي وضعها الإسلام.


وتجعل المسلسلات والأفلام من قصص الحب والرومانسية جذابة للمشاهدين وكأنها دليل عام لهم حول كيفية إقامة العلاقات مع الجنس الآخر، بما فيها التوقعات من الزواج. إلا أن ما يعرضونه هو بعيد كل البعد عن الحقيقة حيث إنهم يعرضون توقعات غير حقيقية تؤدي إلى تكوين نظرة خاطئة لأولئك الذين يسعون إلى الزواج، حيث يكون مفهوم الحياة الزوجية أقرب إلى "رواية خيالية" تقوم على الحب والرومانسية دون الاهتمام بالمسؤوليات المترتبة على الزواج، وما تحمله الحياة من الصعوبات والتحديات.


كما أن الزوج المثالي في هذه الأفلام والمسلسلات يكون وسيما وأنيقا وشابا وغنيا، رجل يقدم الهدايا باستمرار لزوجته. أما الزوجة فتكون جميلة وجذابة وساحرة ومتفرغة دوما للحفلات والنوادي والسفر مع زوجها، حيث إنها لا تتحمل أي مسؤولية في الحياة الزوجية أو الواجبات الأسرية. ونتيجة لذلك، فإن الشباب والشابات الذين يشاهدون مثل هذه الأعمال الدرامية يبحثون عن مثل هذه الصفات في شريك حياتهم توافق المعايير الجسمانية والقدرات المالية التي تعرضها هذه المسلسلات والأفلام عوضا عن النظر إلى دينهم وأخلاقهم حسب ما يدعو إليه الإسلام. إلا أن هؤلاء الشباب والشابات سرعان ما يصطدمون بالواقع والمسؤوليات والواجبات التي تُلقى على عاتقهم بعد الزواج.


إن هذا هو مقدمة للفشل في الحياة الزوجية لأن كل طرف يبحث عن المظهر دون الجوهر، وكل طرف يبحث عن شريك يعيش معه "قصة حب" كما يشاهدونها في الأعمال الدرامية.


إن طريقة التفكير التي طورتها وسائل الإعلام لا تقتصر على أولئك الذين يسعون للزواج بل وصلت إلى المتزوجين أيضا. فمتابعو تلك الأعمال الدرامية وخصوصا النساء، يجدون أن حياتهم رتيبة ويصبحون مهووسين بنمط الحياة الذي تعرضه الأعمال الدرامية، ويطالبون بمعايير غير واقعية أو غير قابلة للتحقيق في الحياة. كل تلك التوقعات غير الواقعية تفتح باب المشاكل المادية، والنزاعات، والخصومات، والتعاسة عندما لا يتوافق شريك الحياة مع معايير الرؤية الوهمية التي صنعتها وسائل الإعلام، والتي قد تقود في النهاية إلى الطلاق.


ففي مقالة نشرتها واحدة من مجلات أوكسفورد الأكاديمية، صحيفة التواصل، (كانون الثاني/يناير 2006)، كتبها البروفيسور كريس سيجرين (دائرة التواصل في جامعة أريزونا)، ذكر فيها أن "أحد التفسيرات لمعدل الطلاق العالي في مجتمعنا هو التركيز على التوقعات المثالية التي تتعلق بالزواج. وتم تسجيل وسائل الإعلام كمصدر أساسي لهذه التوقعات". وقد ركزت وسائل الإعلام على أن الهدف من الزواج هو تحقيق الرغبات والحاجات الشخصية. وهي تعزل الزواج عن المجتمع أو عما هو جيد في العرق البشري. حيث إن استخدام المنهج الفردي يستمر من فكرة الهدف من الزواج إلى كل نواحي الزواج والحياة الزوجية.


كما أن هذه المسلسلات والأفلام تقلل من أهمية وحتى تهاجم الأدوار والمسؤوليات التي عرّفها الإسلام بكل وضوح للزوج والزوجة في محاولة لإعادة تعريف نظرة النساء المسلمات للنجاح وما يحقق لها السعادة. فعلى سبيل المثال، يعرضون حالة النساء لنا من خلال واحدة من هذه الصور: إما أنها ضعيفة ومضطهدة ولا تملك السيطرة على أي شيء وليس لها قيمة في المجتمع، وفي هذه الحالة، فإن دورها يكون إما أماً أو ربة منزل تتم مهاجمتها ولومها على التعاسة التي هي فيها. حيث يتم إظهارها كمضطهدة لم تحقق شيئا من أحلامها وتعاني لأنها امرأة محبوسة في بيتها. فليس لها أي وظيفة سوى الاعتناء بالبيت وتربية الأطفال. وهكذا يزرعون في عقول النساء أن الحل لمشاكلهم يقبع في ثورتهم على هذا الدور كزوجة وامرأة وعلى المسؤوليات المترتبة على ذلك.


أما الصورة الثانية لها، فتكون فيها قادرة على الاستغناء عن الرجال وإدارة علاقاتها وتوفير ما يكفي لحاجاتها واتخاذ قراراتها بنفسها حيث إنها حرة ومستقلة في تصرفاتها، تفعل ما تشاء دون أي قيد. حيث إنها تلقي بكل شيء من شأنه أن يقيد حريتها خلف ظهرها، بما في ذلك الحدود والتشريعات الإسلامية. ويتم إظهار هذه الصورة للمرأة بأنها مثالية ومرغوبة يجب اتباعها أو تحقيقها. ونتيجة لذلك، فإن الاحترام المتبادل بين الزوج وزوجته والتصرفات الخاطئة بحق شريك الحياة أصبحت شائعة في الأسر المسلمة، مما أدى إلى تفكيك أواصر العائلات وإلى الطلاق.


كما أنه وحسب التفكير الغربي فإن الأدوار الجنسية في الزواج والحياة الأسرية لا فرق فيها، والاختلافات بين الرجل والمرأة في واجباتهم غير مسموحة تحت مسمى المساواة بين الجنسين. فالمثل الغربية القائمة على "المساواة بين الجنسين" و"النسوية" يتم ترويجها أيضا من خلال الإعلام في العالم الإسلامي وساهمت في تدمير التوازن في الأدوار والواجبات بين الزوج والزوجة المسلمين، وسلبت من عقولهم مفهوم الرضا والسعادة بالأدوار التي حددها الله سبحانه وتعالى لكل منهما.


وهذه الإنتاجات قامت أيضا بإظهار التصرفات الثائرة من الأطفال تجاه آبائهم بأنها أمر مقبول أو حتى باعث على الاحترام. هذا إضافة إلى تغذية التصرفات المسيئة تجاه أهل الزوج / الزوجة والعائلة الممتدة. كل هذا ساهم في تفكيك العلاقات الأسرية.


والآن دعونا نلقي نظرة على الآثار التدميرية لوسائل التواصل الإلكترونية كالواتس آب، أو تطبيقات الفيسبوك. ففي الوقت الذي تستخدم فيه هذه التطبيقات لتجميع أعضاء الأسرة الذين تفصل بينهم المسافات أو أولئك الذين فقدوا التواصل فيما بينهم مع مرور الزمن، فإنها الآن غالبا ما تسهم في كسر هذه العلاقات؛ فيا له من تناقض تام!! فمع الانتشار الكبير لمواقع التواصل، أصبحت البيوت مفتوحة وذهبت الخصوصية من حياة الأفراد والأسر. فأسرار العديد من البيوت أصبحت مفتوحة، وتفاصيل الحياة الخاصة أصبحت منشورة، مما تسبب بالعديد من المشاكل على المستوى الأسري كالطلاق وتخاصم الأزواج.


فحسب العديد من الدراسات والتقارير، فإن هذه التطبيقات هي المسؤول الأساسي عن معدلات الطلاق العالية. وبإلقاء نظرة على بعض الأرقام يمكن معرفة مدى جدية الأمر. ففي فلسطين، أعلنت المحاكم الشرعية أن نصف حالات الطلاق تحصل قبل حفل الزفاف، ويرجع مختصون الأمر لعدة أسباب، أهمها التواصل الإلكتروني. فحسب إحصاءات تم نشرها في 2016، فإن آخر ثلاث سنوات شهدت ارتفاعا ملحوظا بعدد حالات الطلاق في الأردن والتي تزداد كل سنة بحوالي 1000 حالة عن السنة التي قبلها، مع الأخذ بالاعتبار أن الوسائل الحديثة للتواصل الفيسبوك والواتس آب هما السببان الرئيسيان لارتفاع عدد حالات الطلاق. حيث تشير الدراسات إلى أن مواقع التواصل الإلكتروني تسببت بـ 50% من حالات الطلاق في الإمارات. وقسم الدليل الأسري في الإمارات يقدر أن الخلافات الزوجية زادت بحوالي 5000 حالة في 2015، ما يعادل ارتفاعا بنسبة 50-60% والتي تتعلق بالمواقع الإلكترونية، حيث انتهت 1000 حالة منها بالطلاق.


إن هذه الإحصاءات والأرقام المخيفة تظهر كيف أن هذه المواقع والتطبيقات على الأجهزة الذكية أججت الخلافات الأسرية لأولئك الذين سمحوا لها بتملك حياتهم. وإن هذا الإدمان من شأنه أن يوقع الآباء بالفشل في واجباتهم تجاه أطفالهم في التعليم والتوجيه وتوفير الاهتمام الكافي لهم لسماعهم والاستماع للمشاكل التي تواجههم والتي قد تودي بهم إلى مخاطر جمة وتدفعهم إلى تصرفات خاطئة.


أما فيما يخص الأزواج، فإن الإدمان سيقود إلى الإهمال وسوء التواصل فيما بينهم والفشل في أداء واجباتهم تجاه بعضهم البعض؛ حيث إنه يوسع من الهوة بينهم ويزيد من وتيرة المشاكل في الزواج.


ومن جهة أخرى، فإن هنالك المواقع والتطبيقات التي تسهل العلاقات خارج إطار الزواج بين الرجال والنساء، وفي غياب مخافة الله سبحانه وتعالى، فإنها تقود إلى معدلات عالية من الخيانة وهي واحدة من الأسباب الرئيسية للطلاق حسب ما تظهره سجلات المحاكم.


إن هذه فقط قمة الجبل الجليدي للأفكار الهدامة والسامة التي تروجها وسائل الإعلام لأبناء وبنات المسلمين، والتي تسعى لنشر الفساد في الأمة بزرع المفاهيم الغربية وتبديد المفاهيم الإسلامية، وذلك من خلال عرض نمط الحياة الغربي كنمط استثنائي يجب اتباعه. ولا يجب أن ننسى أن الحكومات الغربية تفرض سيطرتها على البلاد الإسلامية باستخدام وسائل الإعلام. فهي أداة استعمارية مهمة!!


ولهذا يجب علينا أن نقف ضد هذا التأثير الإعلامي والفساد واللاأخلاقية التي يروج لها، سواء في المسلسلات أو الأفلام أو الأغاني، أو التواصل الإلكتروني. فعلينا أن نتصرف بحزم وحذر وعلينا أن لا ندع أبناء وبنات المسلمين لقمة سائغة لأفواههم. ونحن لهذا ندعو جميع المسلمين بأخذ دورهم في رعاية أسرهم وحمايتها من كل الفساد والسموم التي يبثونها. حيث قال تعالى في سورة التحريم الآية 6: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾


كما علينا محاسبة الحكومات في العالم الإسلامي على دورها في دعم وجود وانتشار مثل تلك الوسائل الإعلامية في بلاد المسلمين. يجب علينا أن نرفع صوتنا ضد هذا الخضوع للقوى الغربية والتبعية لسياساتهم. ليحمي الله سبحانه وتعالى هذه الأمة من شرورهم وليرفعها عاليا، اللهم آمين.



سارة فيروز
عضو حزب التحرير / ولاية باكستان



Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم حنين
المشاركة Nov 6 2018, 08:49 PM
مشاركة #23


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35






الكلمة الرابعة


تونس

العنف الأسري: الأسباب وسبل الوقاية من منظور إسلامي




بسم الله الرحمن الرحيم، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين،


من الطبيعيّ أن يستهجن أيّ مسلم مصطلح العنف الأسري باعتبار أنّ الأصل أن تكون البيئة الأسريّة آمنة للأفراد المنضوين تحت ظلّ هذه المؤسسة الاجتماعية وأن يكون الانسجام والتّفاهم والودّ المتبادل هو الرّابط بين أفرادها. غير أن انتشار هذه الظاهرة في العالم خاصة الغربي منه أدّى إلى انتقال العدوى ومسبّباتها إلى العالم الإسلامي. وقد أجرت منظمة الصحة العالمية سنة 2013 تحليلاً بالاشتراك مع كلية لندن للتصحّح وطب المناطق المدارية ومجلس البحوث الطبية على أساس البيانات الواردة من أكثر من 80 بلداً، وتبيّن من التحليل أن ثلث النساء تقريباً (30%) من إجمالي نساء العالم اللواتي يقمن علاقات قد تعرضن للعنف الجسدي و/ أو الجنسي على يد عشرائهن. كما تصل نسبة جرائم قتل النساء التي يرتكبها شركاؤهنّ إلى 38% على الصعيد العالمي.


وفي هذا الإطار، تعدّدت البروتوكولات والاتفاقيات الدّوليّة والقوانين والتّشريعات المحلّية والمبادرات والنّدوات وورشات العمل والدّورات التدريبيّة والتّحسيسيّة والملتقيات المنعقدة تحت إشراف وزاري ومنظمات حكومية وغير حكوميّة وجمعيّات حقوقيّة ومنظّمات نسويّة وغيرها من الهياكل بهدف تطويق ظاهرة العنف الأسري. وقد استندت الأمم المتّحدة على المبادئ الفضفاضة المُضمّنة بصكوكها الدّوليّة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدّوليين الخاصّين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقيّتي حقوق الطّفل والقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة لفرض الإعلانات والقرارات المنبثقة عن مختلف لجانها وجعل توصياتها إلزاميّة في دول العالم الإسلامي. ومن الدّهاء أن ربطت الجمعية العامة للأمم المتحدة العنف الأسري مباشرة بالعنف الموجّه ضدّ النّساء فشدّدت على الدّول لاتّباع كلّ الوسائل الممكنة للقضاء عليه ومساندة الأبحاث وجمع البيانات وتصنيف الإحصائيات المرتبطة بتفشي مختلف أشكال العنف ضد المرأة، وخصوصا ذات العلاقة بالعنف الأسري، وتشجيع البحوث التي تتناول أسباب هذا العنف وطبيعته وخطورته وتبعاته، ومدى فعالية التدابير التي تُتّخذ لدرئه وحماية من تتعرض له.


وهذا ما حدث بالفعل في أغلب البلاد الإسلاميّة حيث جرى العمل على إنجاز دراسات تُعنى برصد حالات العنف ضدّ المرأة ومنها العنف الأسري ونشرها بكثافة على وسائل الإعلام لتكون مسوّغا لقوانين وتشريعات تتماشى مع المقتضيات والمعايير الدّوليّة.


ففي تونس على سبيل المثال، أُصدرت مجلّة للأحوال الشخصيّة سنة 1956 وشملت أحكاما تتعلّق ببعض شؤون الأسرة وقد اعتبرها الكثيرون مكسبا للمرأة أعلى من مكانتها وميّزها عن بقيّة نساء العالم العربي. وقد نُقّحت هذه المجلّة سنة 1993 ليُستبدل الفصل 23 الذي ينصّ على واجب طاعة الزوجة لزوجها فيما يأمرها به ليصبح: "على كل واحد من الزوجين أن يعامل الآخر بالمعروف ويحسن عشرته ويتجنّب إلحاق الضرر به". كما انطلق الاحتفال لأوّل مرّة سنة 2006 باليوم الدولي للقضاء على العنف ضدّ المرأة ثمّ تمّ سنة 2007 إعلان تبني استراتيجية وطنية لمكافحة السلوكيات العنيفة داخل الأسرة والمجتمع تشرف على تنفيذها وزارة شؤون المرأة والأسرة بمشاركة مختلف الهياكل العمومية والجمعياتية والأوساط الإعلامية... وبالرّغم من ذلك أبرز أوّل مسح قام به الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري (منشأة عموميّة تابعة لوزارة الصحّة) في نطاق برنامج التعاون بين الديوان والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية سنة 2010 حول العنف ضدّ المرأة من خلال عينة ممثلة للمجتمع التونسي تتكوّن من 3873 امرأة ضمن الشريحة العمريّة المتراوحة بين 18 و64 سنة، أبرز أن المحيط الأسري هو أكثر الأماكن التي تتعرض فيها المرأة للعنف بشتّى أنواعه وأنّ الشريك الحميم (الزوج، الخطيب، الصديق) هو الذي يمارس العنف المادي في 47.2% من الحالات، والعنف النفسي في 68.5% من الحالات، والعنف الجنسي في 78.2% من الحالات، والعنف الاقتصادي في 77.9% من الحالات. وعلّلّ حقوقيّون وخبراء ومختصّون ذلك بوجود فشل قانوني في معالجة ظاهرة العنف في تونس. فتمّ العمل على تمرير القانون المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة الذي تمّت المصادقة عليه يوم 26 تموز/يوليو 2017 والذي دخل حيز التنفيذ منذ 15 شباط/فبراير 2018 بضغط من منظّمات "المجتمع المدني" والمنظّمات النّسوية على أساس أن هذا القانون سيضمن حماية ضحايا العنف وخصوصا العنف الأسري. وقد اعتبر البعض هذا القانون ثورة تشريعيّة فهو يمكّن حسب زعمهم أوّلا: من الوقاية من العنف، وثانيا: حماية المرأة الضحية، وثالثا: تجريم العنف، ومن ثمّ رابعا: التكفل بالنساء ضحايا العنف.


وفي مصر، بالرّغم من أنّ هناك التزاماً دستورياً (المادّة 11 من الدّستور المصري) بحماية الدّولة للمرأة من كلّ أشكال العنف إلاّ أنّ الدّراسات الصّادرة عن المركز القومي للبحوث بمصر أشارت أن العنف الأسري هو أكثر أشكال الممارسات العنيفة في المجتمع المصري، سواء أكانت أمًا أم زوجة أم ابنة، وقد أظهرت نتائج مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الإنساني في مصر الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن نسبة العنف الزوجي لا يستهان بها، حيث تعرضت حوالي 46% من النساء في مصر (الفئة العمرية المتراوحة بين 17 و64 سنة) واللّواتي سبق لهن الزواج، لأحد أشكال العنف من قبل الزوج سواء أكان عنفا نفسيا أم بدنيا أم جنسيا.


وفي تركيا وفقا لاستطلاع أجرته جامعة تركية مهمة سنة 2009، تعاني حوالي 42% من النساء فوق سن الـ15 سنة و47% من نساء المناطق الريفية من العنف البدني والجنسي على أيدي الأزواج أو شركائهن في مرحلة ما من حياتهن، بالرّغم من تصدّر تركيا قائمة البلدان التي تقدم آليات مدنية للحماية من العنف الأسري بإقرار قانون حماية الأسرة رقم 4320 لعام 1998 والمنقّح سنة 2007 والذي يقرّ نظام حماية بموجبه يتقدم الشّخص المتعرض لأذى من قبل أحد أفراد الأسرة طالما كانوا تحت سقف واحد، رجلا كان أم امرأة، بطلب رفع دعوى قضائية بصفة مباشرة أو عن طريق النائب العام للحصول على حكم من محكمة الأسرة. هذا إضافة إلى قانون البلديات الذي يقضي بدعم كل بلدية يبلغ عدد سكانها 50000 نسمة بمآوى للنساء والأطفال لمواجهة العنف الأسري.


وما هذه النّسب إلا دليل على قصور الترسانة القانونية في مختلف البلاد الإسلامية عن معالجة الأسباب الحقيقيّة المؤدية إلى العنف الأسري وتقديم الآليّات المناسبة للحيلولة دون تفشي هذه الظاهرة. ويعود ذلك بالأساس إلى التلبيس على مفهوم العنف الأسري الذي تعدّى معناه الظّاهري - كونه الإيذاء المسلّط على الأطفال أو الزوجين أو المسنين أو أحد الأفراد الآخرين من الأسرة من قبل أحد المقيمين فيها - واقترن أساسا بالعنف المبني على أساس التمييز بين الجنسين، أي تم التطرق إليه من زاوية عدم تحقيق المساواة بين الجنسين وفق مقاربة النوع الإنساني. وبذلك تمّ تصنيف أحكام الشريعة الإسلاميّة المتعلّقة بالنّظام الاجتماعي، والتي تخالف مفاهيمهم العلمانية والليبرالية وخاصّة فكرة الحريات والمساواة، في خانة العنف الأسري باعتبارها تقرّ، حسب رأي الهيئات والمنظّمات الدّولية والحقوقيّة، بعلويّة الرّجل وسيطرته وتفرّده بالتّدبير داخل الأسرة، في حين تُصادر حق المرأة في تمتّعها بالحقوق نفسها باعتبار أن لها الواجبات نفسها حسب تعبيرهم. وبالتّالي تم التّرويج أن الموروث الإسلامي يشرعن لبيئة ذكوريّة بحتة تهمّش المرأة وتحقّرها وتعنّفها اقتصاديّا؛ ويعلّلون ذلك مثلا بقوامة الرّجل عليها وارتباطها؛ مادّيا به أو حرمانها من نصيب متساوٍ من الميراث معه، ومعنويّا من مثل حكم تعدّد الزّوجات أو كون الطّلاق بيد الرّجل، وجنسيّا من خلال إتيانها دون رغبة منها، أو تبكير الزّواج... إلى غير ذلك من الادّعاءات المغرضة التي تشوّش الفهم النّقي لهذه الأحكام الإسلاميّة وتضلّل الأسس التي بُنيت عليها. ولذلك كان البند الرّابع من إعلان القضاء على العنف ضد المرأة (كانون اﻷوّل/ديسمبر 1993) صريحا يدعو إلى إدانة العنف ضدّ المرأة وعدم تذرّع الدّول بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية للتنصّل من التزامها بالقضاء عليه، وفي ذلك مجاهرة بالتّخلّي عن القيم الأخلاقيّة والمرجعيّة الإسلاميّة.


ولا ننسى في ذلك دور التيّار النّسوي والمفكّرين العلمانيين الذين يعتبرون العنف الموجّه ضدّ المرأة نتاج لسياسة التمييز المسلّطة عليها وافتقارها إلى القوّة والسّيطرة داخل الأسرة، إضافة إلى الأعراف المجتمعيّة والدّينيّة التي تقيّد حرياتها وتحدّ من خياراتها في الحياة وفرصها في المجتمع. فيصوّرون بأن طاعتها لزوجها ضعف وانهزام وكونه هو ربّ العائلة إقصاء لها عن صنع القرار، ويشيطنون بعض الأحكام الإسلاميّة التي فيها إباحةٌ للضرب الخفيف في الحالات القصوى (نشوز المرأة) ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا﴾ [النساء: 34]، وتحريمٌ للزّنا والإجهاض، وزواجها من غير مسلم، وسفرها دون محرم، وحثٌّ على دفع المهر، ووجوب ارتداء اللباس الشرعي وعدم إبداء المرأة زينتها للرّجال الأجانب واختلاطها بهم دون حاجة يقرّها الشرع، وضرورة استئذان زوجها قبل الخروج، وولاية الرّجل ونسب المولود إلى الأب، وشهادة الرجل بشهادة امرأتين... وغيرها من الأحكام الأخرى التي يدّعون أنّها عطّلت دور المرأة في الأسرة والمجتمع وأساءت لها وأرست هيكليّة في علاقات القوى بين المرأة والرجل وبالتّالي كان من الضروري استبدال كل هذه المفاهيم بما يناسب مصطلحاتهم من مساواة وحرّية وتمكين كحلول لسدّ الفروق بين الجنسين! ولكن المتأمّل والمتدبّر في النّصوص الشرعيّة يعلم يقينا أن الإسلام لم ينظر إلى المرأة والرّجل من منظور تفاضليّ؛ فلم يميّز بينهما حتى يسوّي ولم يظلم أحدهما حتّى يعدل، بل لم يطرح معيار التمييز بين الجنسين أو المساواة بينهما قط وإنّما وزّع المشرّع الأدوار ونوّعها بطريقة منصفة وعادلة وفق نظرة متناسقة تتفق مع فطرتهما وخاصّياتهما وطبيعة كليهما.


لذا كان لزاما علينا كمسلمين رفض كل هذه الدّعاوى وإنكارها لأن كلّ هذه الأسباب المغلوطة إنّما هي حجج واهية هدفها إيهامنا بأنّ تنامي العنف الأسري مردّه الأحكام الشرعية الإسلاميّة بغية تجريد المسلم من عقيدته واعتناقه أفكار الغرب المنبثقة من العقيدة الرّأسمالية.


والأحرى لمن أراد تقديم حلول لمشكلة العنف الأسري أن يعيد التفكير ويؤسس لرؤية مستنيرة من خلال بحث معمّق ومتمعّن في الأسباب الجذريّة المؤدّية إليه ويعالجها، ونذكر منها:


- إفراز تبنّي القيم التحررية الليبرالية والمفاهيم غير الإسلاميّة لعقليّات متفلّتة من الضّوابط تبني العلاقة بين المرأة والرجل على أساس الهوى والرّغبات وتُقصي مفهوم المحاسبة أمام الخالق، وهو ما كرّس النّزعة الفرديّة وعزّز الأنانيّة وولّد سلوكيّات عدائيّة بسبب تضارب المصالح نتج عنها شقاق في الأسرة وتنافر وتصدّع في العلاقات بين أفرادها. هذا إضافة إلى ما تروّج له هذه الحرّيات من تحقيق أكبر قدر من المتعة الشّخصيّة والنّشوة، ولو ارتبطت بممارسة الرّذيلة ومعاقرة الكحول والإدمان على المخدّرات، مع العلم أن أثر ذلك لا يقتصر على المدمن فحسب بل يتجاوزه ليدفع به مزاجه المتقلّب وعدم القدرة على التّحكم في تصرّفاته إلى إيذاء أقرب النّاس إليه. كما أنّ إطلاق العنان لهذه الحرّيات يؤدّي إلى انعدام الثّقة بين الزّوجين والغيرة غير المحكمة وجوّ من الاستفزاز، ما يؤدّي آليّا إلى حلول لغة العنف كردّة فعل.


- الحطّ من مكانة المرأة والتّقليل من قيمتها في المجتمع من خلال امتهانها وتبضيعها فلم تخلُ الإعلانات التّجاريّة من تصوير امرأة شبة عارية على غلافها أو عرض جسدها بجانب البضاعة المراد تسويقها أو استغلال أنوثتها في المحلاّت والنّوادي والمقاهي... وما فرض هذه النّظرة الاقتصاديّة الجشعة للمرأة وممارسة الضّغوطات عليها بحجّة مجاراة الرّجل والاستقلال مادّيا عنه إلاّ تعنيف واحتقار لها بسلبها قيمتها الإنسانيّة وتحميلها ما لا تطيق وتشجيع لها على السّير في درب الفجور والفحشاء. هذا إضافة إلى الممارسات والعادات البالية والتّقاليد المتوارثة الخاطئة في بعض المناطق والتي لا تمتّ للإسلام بصلة وتهضم أبسط حقوق المرأة من مثل منعها من التعليم أو حرمانها حقّها من الإدلاء برأيها أو تزويجها دون رضاها أو حرمانها من الميراث وغير ذلك من سلوكيات تصوّر أنّ تسلّط الرّجل في قيادته لأسرته هو مقياس يبين مقدار رجولته ويحقّ له فعل أي شيء مباحا كان أم حراما مع إرغام المرأة على تقبّل ذلك كونه رجل الأسرة ممّا يخلق بيئة مليئة بالعنف في التّعامل؛


- عدم وجود تصوّر واضح للحقوق والواجبات المنوطة بكلّ طرف في المؤسّسة الزّوجية وغياب نظام توزيعٍ للأدوار الموكلة إلى كلّ شخص فيها وتداخل المهامّ من شأنه خلق جوّ من التوتّر والمشاحنة. والافتقار إلى حلول ناجعة لإرساء التوازن العائلي من شأنه أن يجعل الخلاف دائميّا؛


ومن فضل الله على الإنسان أنّه وضع حدودا ومقوّمات للعلاقة الأسريّة فكانت بمثابة إجراءات وقائيّة أحاطت الأسرة المسلمة بسياج من الحصانة ضدّ العنف الأسري، وممّا أرشد إليه الإسلام لخلق بيئة أسرية آمنة:


- بناء التّقوى في نفوس الأفراد، فمن بلغ ذلك أدرك الواجب المترتّب عليه وراقب ربّه في السرّ والنّجوى، وقد قال رَسُول اللهِ e: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم). وهذا الحديث دليل على عظم المسؤولية على كل من ولي رعية عامّة وعلى الرجل مع أهل بيته خاصّة بأن يحفظ حقّهم ويؤدّي ما له عليهم ويحسن معاملة زوجته وأولاده. وكذلك المرأة راعية في بيتها ومسؤولة عن رعيّتها. والتّقوى هي الضابطة في مواقع الميول والعواطف والشهوات التي تمرّ بها العلاقات الأسريّة فبها يتذكّر الفرد أنّه مخلوق لخالق وعبد له؛ يشقى بمخالفته أوامره ويسعد إن اتّبع المنهجَ السَّليم الحق.


- تصحيح وجهة النّظر إلى المرأة من منظور إسلامي وغرس المكانة المميّزة والمقام العليّ اللذين خصّ الله تعالى ورسوله الأكرم e بهما المرأة. ومن ذلك أن جعل e الإحسان إلى الزوجة والعيال وذوي الرّحم والأقارب من أفضل الأعمال والقربات، وفاعله من خيرة الناس فقال e: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِه، وَأَنَا مِنْ خَيْرِكُمْ لأَهْلِي» (صحيح التّرمذي وابن ماجه). وقد أولى الإسلام المرأة عناية خاصّة منذ ولادتها فجعل حسن تربيتها ورعايتها باباً يُدخل والديها الجنّة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ‏قال: ‏قال رسول الله‏‏ e: «مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها -يعني الذكَر- أدخلَه اللهُ بها الجنة». (رواه أحمد، وصححه الحاكم). وإذا كبرت فهي المصونة، يرعاها وليّها ويغار عليها ويحميها من أيّ أذى، وإذا تزوجت فهي المعززة المكرمة وجب على زوجها الإحسان إليها وحسن معاشرتها والرّفق بها، قال اللّه تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النّساء: 19[، كما أوصى الرّسول بهنّ خيرا فقال عليه أفضل الصّلاة والسّلام: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» (رواه ابن ماجه). ودعا إلى عدم بغض الزّوجة والغضّ عن مساوئها والنّظر إلى محاسنها حتّى يصفو العيش «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» (رواه مسلم). كما نهى سيّد الخلق عن ضربها لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إذ قال e: «لَا يَجْلِدُ أحدُكم امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا في آخِرِ الْيَوْمِ» (رواه البخاري). أمّا إذا كانت أمّاً فقد اقترن برّها بحق الله تعالى وعقوقها والإساءة إليها بالشرك به، فقال الله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]، كما أوصى نبيّنا الكريم بحسن صحبتها فقال أمّك... ثم أمّك... ثم أمّك... ثم أبوك، تكريماً واعترافاً بحقها.


- تحريم جنسنة المرأة ومحاربة النَّظرة الدُّونيّة لها على أنّها مجرّد جسدٍ وسِلعةٍ ومنع اعتبارها متاعاً جنسياً متاحاً وحمايتها من التبذل والامتهان، ولذلك وجب تقيّد المرأة باللباس الشرعي وحرم تبرّجها أمام غير المحارم من الرّجال؛


- تنظيم العلاقة بين الرّجل والمرأة وتحريم الخلوة واختلاط النساء مع غير المحارم للحيلولة دون وجود أجواء خاصّة يمكن أن يترتّب عنها علاقات غير شرعيّة أو سلوكيّات مريبة من شأنها تأجيج الغيرة وإثارة الشّك وخلخلة الثّقة واللجوء إلى العنف. كما أوجب الإسلام على المؤمنين والمؤمنات غضّ البصر وحفظ الفرج ليكونا أمرين ثابتين يؤسسان لعلاقة سليمة بين الرّجل والمرأة أساسها الاحترام والعيش المشترك وليس نظرة الذكورة والأنوثة؛


- إدارة الأسرة بطريقة ناجعة من خلال تنظيم الأدوار داخلها وتوزيعها بتناغم يضمن عدم تداخلها وضرورة الوعي بواجبات وحقوق كلّ فرد فيها، وإدراك عظم المسؤوليّة الملقاة عليه وإبداء الاستعداد لتحمّلها مع ترك باب التشاور وأخذ الرّأي مفتوحا، ما يحدّ من إمكانيّة نشوب خلافات ونزاعات تزعزع أمان الأسرة؛


- إرساء ثلاثيّة الحياة الزّوجيّة: سكن ومودّة ورحمة، يقول اللّه تعالى ﴿ومِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾ [الروم: 21]. فالزّوجة ملاذ الرّجل يركن ويطمئنّ إليها وهي بالمثل تطمئنّ إليه. وهو إن أحبَّها وَدَّها، وإن كرهها رحمها ولم يظلمها. ومن المهمّ كذلك ترسيخ الفهم الصّحيح لولاية الرّجل وأنّها من تمام نعمة الله على الزّوجة خاصّة والعائلة عامّة. إذ بموجبها يُفوّض للرّجل القيام بمهمّتين عظيمتين: الرّعاية بما يصلح شأن أسرته من جهة الإنفاق والتدبير والحفظ والصيانة والحماية بتوفير الأمان لأفراد عائلته وكفّ الأذى عنهم، فهو ملزم بالدّفاع عنهم إلزاما يصل إلى حدّ بذل النّفس، يقول النبي e: «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (رواه الترمذي).


- إباحة الطّلاق وإن كان أبغض الحلال فقد جعله الإسلام حلاّ لإنهاء حالة التوتر العائلي ووسيلة لافتراق الزّوجين بالمعروف إذا انعدم الوفاق، والطّلاق يقتضي تخلية سبيلٍ بإحسان من غير جفاء أو اعتداء بعد إخفاق جميع محاولات الإصلاح، وحين تستحيل إمكانيّة مواصلة العيش بين الزّوجين.


وفي الختام، نقول إنّ الخالق سبحانه أعلم بما خلق وهو أعلم بما يصلح لخلقه، وما هاته التشريعات والأحكام الرّبانية إلا هدى ورحمة للنّاس، بها تُحفظ الأسرة المسلمة وتكون في الاتّجاه السّليم. أمّا إذا حدنا عن هذه الأسس القويمة فسيؤدّي ذلك إلى شقاء وتعاسة أفراد الأسرة، رجالا ونساء وأطفالا، وفقدان بوصلة القيادة وتفشّي ظاهرة العنف الأسري واستفحالها وستُشلّ كلّ مقوّمات الحياة التي يحتاجها المرء داخل الأسرة كانعدام الأمان وغياب الرّاحة والطمأنينة وهذا نذير بتفرّقها وتفكّكها. والله عزّ وجلّ يقول: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123].




هاجر اليعقوبي
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير













Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم حنين
المشاركة Nov 6 2018, 08:50 PM
مشاركة #24


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35





الكلمة الخامسة


لبنان

التصدّي للأجندات الدّوليّة والوطنيّة لمناهضة قوانين الأسرة الإسلاميّة



أحييكن بتحية الإسلام، فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته،


قال الله تعالى في كتابه الكريم وبعد بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ﴾ [البقرة: 120]


أخواتي الكريمات:


إنّ ما يسمى بقضية المرأة، هي من القضايا التي يعتمدها الغرب في نشر حضارته ومفاهيمه خاصة في العالم الإسلامي، فوضعوا الأهداف ورسموا الخطط، وحددوا الوسائل، ورصدوا الأموال الطائلة في سبيل فرض نموذجها الديمقراطي الغربي العلماني، والذي ينصبّ على القضاء على الأسرة المسلمة المتماسكة، بهدف خلخلة أركان المجتمع في البلاد الإسلامية وتفتيت الروابط الأسرية والعائلية. وما يتبعه من انتشارٍ للمفاهيم الغربية بكل ما فيها من انحدار في القيم والأخلاق والسلوك كما هي الحال في المجتمعات الغربية، فينهدم المجتمع في بلاد المسلمين وهذا ما يسعون إليه.


وبعد أن كان الغرب يتعمد إلباس مفاهيم الكفر ثوباً إسلامياً لسهولة استساغتها من قبل المسلمين لدسّها في الحياة الإسلامية على أنها من الإسلام، أصبح في الآونة الأخيرة يُظهر حقده الدفين بعلانية وعنجهية ليعلن حربه الشعواء دون مواربة أو تزييف ضد أحكام الدين الإسلامي، فركّز على عناوين مهمة وخطيرة تمهد لتحقيق نصره على أحكام الإسلام، مثل تجديد الدين وتطوير الخطاب الديني وتعديل الأحكام الشرعية لتتوافق حسب زعمهم مع العصرنة والحداثة، وخاصة تلك التي تتعلق بالأسرة المسلمة من خلال تصويب سهامهم السامة نحو المرأة المسلمة ودورها الأصلي وعفتها، لتيقنهم من أهمية دورها في حياة الأسرة والمجتمع. ولتنفيذ خططهم الرامية لضرب الإسلام والقضاء عليه في نفوس المسلمين، كان لا بدّ للوصول للمرأة وإخراجها عن دورها الأساسي من كونها أماً وربة بيت ومنجبة للرجال، التقية الواعية العارفة لدينها وغاية وجودها وصانعة للأبطال.


وتبعا لذلك فقد تبنت أمريكا وما يسمى "بالأمم المتحدة بجمعياتها" هذا الأمر بكل وسائله: فقد عقدت عدة اتفاقيات وإعلانات دولية مثل (الاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة عام 1952) و(إعلان طهران لحقوق المرأة عام 1968م ) و(الإعلان الخاص بالقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو" عام 1979م)، وكذلك عقد سلسلة من المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة من أجل تكريس الاتفاقيات والعمل على تنفيذها وتحقيقها، فكان المؤتمر الأول عام 1975 المسمى (عام المرأة الدولي) والذي عُقد في مكسيكو سيتي داعياً إلى المساواة والتنمية والسلم. ثم مؤتمر كوبنهاجن للمرأة عام 1980م، ومؤتمر نيروبي عام 1985م، ومؤتمر السكان والتنمية الذي عُقد في القاهرة عام 1994م والذي دعا في تقريره إلى إمكانية الحصول على خدمات الصحة الجنسية والتناسلية بما فيها تحديد النسل. ثم مؤتمر بكين عام 1995، ومؤتمر هولندا عام 1999م حيث أباحوا فيهما الشذوذ والإجهاض الآمن وممارسة الزنا تحت مسمى الحرية الجنسية للمراهقين والمراهقات!!


كما انبثق عن هذه المؤتمرات الدولية مؤتمرات إقليمية تُناقش في كل منها مواضيع خاصة بالمرأة مثل: المرأة والإعلام، المرأة والتعليم، المرأة والأسرة، المرأة والتنمية، وتمكين المرأة الاقتصادي، وغيرها من المواضيع الرامية إلى تضليل المرأة التي هي جزء بل أساس وطيد في تكامل الأسرة وتماسكها. ولا ننسى المنظمات المختلفة مثل اليونيسيف واليونسكو واليونيفيم الذين ركزوا على مفهوم "الجندر" الذي هو دعوة صريحة إلى المثلية الجنسية بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة وإلغاء كل الفوارق الخَلقية بينهما حتى البيولوجية منها، منكرين قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾، وكذلك مفهوم الزواج المبكر، ممزوجا بالثقافة الإنجابية مما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة وانتشار الفاحشة والرذيلة...


وطبعا كل هذه المنظمات والجمعيات والمؤتمرات أنفق عليها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة العفو الدولية بسخاء ليس حبا وكرما، بل يظهر السبب في الآية الكريمة: ﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾.


ولو نظرنا أخواتي إلى حال المرأة في بلاد من يدّعون حمل شعلة التحرير لها في عالمنا الإسلامي لرأينا الحالة المزرية التي وصلت إليها المرأة في نظامهم العلماني الديمقراطي، ويظهر ذلك في إحصائيات موثقة لا يتسع المقام هنا لذكرها، وأقتصر على بعض الأمثلة في أمريكا فقط باعتبارها قمة ما يُسمى بالحضارة الغربية حيث 74% من العجائز الفقراء والذين لا مأوى لهم هم من النساء، 85% يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد!! ومن 1980 إلى 1990 كان في أمريكا ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء. ووفقاً للعمل الدولية يُستخدم ما لا يقل عن 100,000 طفل كبغايا كل عام كجزء من الصناعة الأمريكية للاتجار بالجنس والبالغ 9,8 مليار دولار.


ووفقاً لتقرير على CNN في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، بلغ إجمالي عدد الأطفال الذين ولدوا ما مجموعه 249,078 طفلاً رضيعاً للفتيات البالغات من العمر 15 إلى 19 سنة، فها هم لا يهاجمون العلاقات غير الشرعية لهذه الفئة العمرية التي يعتبرونها صغيرة على الزواج المبكر في العالم الإسلامي في بلادهم - رغم ما ينتج عنه من مواليد لقطاء وأمهات عزباوات صغيرات - بينما نراه يتصدر جدول أعمال المنظمات النسوية في بلداننا الإسلامية!!


وبلغت نسبة الأسر بلا زواج 48% عام 2000، ونسبة الآباء الذين لم يتزوجوا 35% والأمهات 42%. مليون من القاصرات في أمريكا يحملن دون زواج و400 ألف منهن يقمن بعملية إجهاض. وأكثر من 50% من الذكور ومليون ونصف مليون امرأة قد مارسوا الشذوذ الجنسي. وهذا غيض من فيض من نتائج ديمقراطيتهم وحرياتهم، حياة الفوضى والانحلال الاجتماعي الذي يعيشونه ويريدون تصديره لنا بكل الوسائل...


فهل هكذا أخواتي الكريمات يكون الارتقاء بالمرأة وبأسرتها؟ أم أن الهدف من وراء هذه المشاريع والاتفاقيات النفاذ إلى حياة المسلمين الاجتماعية وتدمير الأسرة المسلمة بإفساد نساء المسلمين وبالتالي إفساد الجيل المسلم بأكمله؟!!


أظن أن الإجابة واضحة، وللأسف تحقق لهم جزء كبير من أهدافهم وخططهم!! فالمتتبع لأحوال الحياة الاجتماعية في بلاد العالم الإسلامي لا يخفى عليه ما تمر به الأسرة المسلمة من أحوال سيئة بالغة الخطورة، ومن اضطراب وقلق يكاد يلفها من كل جانب من جوانبها...


نعم هذا هو الحال من تحالف واجتماع، وهذا ما عليه الأسرة اليوم من انقسام وضياع، جراء التعديلات القانونية والتدابير السياسية التي طالت حياتنا الأسرية بكل جوانبها ابتداء بالزواج وهو الميثاق الغليظ، وانتهاء بتحديد النسل. ففي مصر أكد الرئيس السيسي في تاريخ 30/9/2017 بضرورة الحفاظ على البنات القاصرات من ظاهرة الزواج مما أدى إلى مسارعة مجلس الشعب بتشريع قانون لحظر الزواج قبل سن 18 سنة، كما دعت منظمة العدل والتنمية - وهي منظمة أهلية تعمل وفقاً لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتشريعات حقوق الإنسان الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة - إلى إصدار تشريعات صارمة لرفع سن الزواج للذكور والإناث إلى 20 عاماً بالإضافة إلى إصدار قانون لتجريم الزواج المبكر وتجريم زواج القاصرات أو الزواج العرفي، ولمواجهة ما يسمونه خطر الزيادة السكانية في مصر وزيادة معدل المواليد اقترحت هذه المنظمة الأهلية إصدار قانون وتشريع يمنع الأسرة من إنجاب أكثر من طفلين لمدة 10 سنوات مع عدم حصول الطفل الثالث على الدعم أو مجانية التعليم. بينما الشرع حثّ على الزواج للتكاثر والتناسل وزيادة النوع البشري لقول رسول الله e «تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُبَاهٍ بِكُمُ الأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».


أما في تونس فقد عمدت وزارة المرأة والأسرة إلى رفع التحفظات على اتفاقية سيداو المخالفة لكثير من الأحكام الشرعية المعلومة في الدين بالضرورة. فأصدرت قانونا يبيح للمسلمة الزواج من غير المسلم بينما الشرع يحرم هذا الزواج في نص واضح وصريح لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ حتى أحكام النفقة لم تسلم منهم فأصدر القضاء حكماً استثنائياً يلزم أمّاً بالتكفل بنفقة أبنائها بعد طلاقها من زوجها كمساهمة منها في الإنفاق على أبنائها الذين في حضانة طليقها!! بينما الشرع لم يوجب على المرأة النفقة حتى لو كانت قادرة عليها، وأوجبها على وليها من الرجال، وتلك النفقة حق للمرأة على الرجل لا منّة، تأخذها عزيزة كريمة، قال تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 7] وقال سبحانه: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾. هذا بالإضافة إلى منع تعدد الزوجات وإعطاء القانون الحق للمرأة في تطليق الزوج بدون سبب معتبر شرعاً...


أما في السودان فتعتبر قضايا النفقة من أكثر القضايا انتشاراً في المحاكم السودانية إذ يصل عددها إلى 70 قضية نفقة في اليوم وذلك لافتقار قانون الأحوال الشخصية السوداني لسنة 1991 والقائم على غير أساس الإسلام، على مواد ملزمة تيسر تحصيل النفقة من الزوج وبالتالي معاناة حقيقية تعيشها المطلقة مع أولادها.


وفي الأردن تم إيجاد المجلس الأعلى للسكان والهدف منه الحدّ من التوالد والتناسل بتحديد النسل والعقم وذلك بحجة تحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان وربط الفقر والبطالة بالنمو الأسري، في حين إنه صدر تقرير رسمي عام 2004 يشير إلى أن نسبة الإنجابية بلغت عام 1976 (7,4) بينما وصلت مؤخرا إلى (2,1) والبطالة والفقر وعجز الموازنة السنوية في ازدياد، وما الحراك الشعبي والنقابي الذي حصل مؤخراً إلا خير دليل على خطأ ربطهم زيادة معدل الولادات بتأزم الوضع الاقتصادي, وذلك لتضليل الرأي العام وحرف بوصلته عن محاسبة الدولة لأنها هي من أنتجت هذا الواقع المزري بسبب تطبيق الرؤية الاقتصادية الرأسمالية في بلاد المسلمين!!


أما في تركيا فقد اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة ألقاها خلال مشاركته في فعالية نظمتها وزارة الأسرة بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، أنه من الضروري تحديث أحكام الإسلام مشيراً إلى أنه لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكام صدرت قبل 14 و15 قرناً، وتطبيق الإسلام يختلف بحسب المكان والزمان والظروف وهنا يكمن جمال الإسلام حسب رأيه!! وهذا ما عكسته قوانين الزواج في البلاد والتي تجري في محاكم مدنية بالإضافة إلى إلغاء تعدد الزوجات بشكل رسمي منذ عام 1926. بينما الشرع أجاز تعدد الزوجات لقوله تعالى ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾.


إذن أخواتي.. اجتمعت إملاءات المنظمات الغربية مع عمالة الحكومات والأنظمة، وانضباع العديد بالحركات والجمعيات النسوية التي ما وجدت إلا للإفساد.. فكانت النتيجة برامج ومشاريع تنادي بتحرير المرأة ومساواتها مع الرجل، بالإضافة إلى تعديلات قانونية تعمل على اجتثاث ما بقي من الإسلام في العلاقات الأسرية، بل تشويه القوانين الربانية في نظر المسلمين جميعاً. حيث بدأت هذه الأنظمة العميلة بتحقيق ما انتهت إليه الاتفاقيات الدولية وأشغلوا المرأة المسلمة بقضايا أوهموها أنها مفصلية وجوهرية لرفع الظلم عنها بعد أن أوهموها بأن هذا الظلم الواقع عليها آتٍ من أحكام الإسلام. فسنوا القوانين التي تهاجم حدود الله ليصبح الزنا مباحا، وحرّفوا أحكام الله في الطلاق والميراث وتعدد الزوجات والاختلاط، وتغيير الزواج الشرعي إلى زواج مدني، وأباحوا زواج المسلمة بكافر، وللمسلم أن يتزوج أخته بالرضاع، بالإضافة إلى التلاعب بعدة الطلاق الشرعية، وتجريم الزواج المبكر ومحاربته باعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان يعاقب عليه القانون، وأيضاً تشجيع المرأة الحامل على الإجهاض وتناول حبوب منع الحمل، انتهاء باتخاذ إجراءات لتنفيذ سياسة تحديد النسل لخفض نسبة النمو المرتفعة في الولادات والتي باتت تؤرق الغرب بشكل فظيع. بالإضافة إلى غياب المودة والرحمة والسكينة بين الزوجين، وطاعة الأبناء لأهلهم، وصلة الرحم بين العائلة الواحدة، هذا بالإضافة إلى النتائج السلبية لهذه الأحوال السيئة من طلاق وتمزيق للأسرة الواحدة وتشتت أفرادها وغيرها من المشاكل كاجتياح الاختلاط حياة المسلمين، وامتلاء بيوت العجزة والمسنين بكبار السن، وانتشار النساء الكاسيات العاريات المتبرجات... الخ. أي باختصار، إن المتتبع لأحوال الأسرة المسلمة يرى أن الفساد قد عمَّ وطمَّ، وظهر بشكل جليّ علني، إذ أصبحت العائلة الواحدة خليطاً من أفكار إسلامية وأخرى غربية، وفي أكثر الأحيان تكون الغلبة لأفكار الكفر بغياب المربية الأم، بينما تنزوي أفكار الإسلام ومفاهيمه في زاوية الغربة عن أفرادها. قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.


أخواتي الكريمات:


إن ما ذكرناه يعزز ما نحاول تبيانه أنه من المستغرب بل ومن المستهجن أن نفهم أن هذه المؤتمرات والاتفاقيات والتي في ظاهرها تدخل ضمن مشاريع التنمية وتمكين المرأة بينما فعليا هي ضمن محاولات الغرب الحثيثة لحرف المرأة المسلمة عن مسارها الذي رسمه لها خالق الكون والإنسان والحياة، وليوغلوا بإفساد الأسرة المسلمة المترابطة والقائمة على أحكام ربها. إذ لم يعد يخفى على كل متمعن في مواد وبنود تلك الاتفاقيات الدولية أنها وُضعت وسُنّت فقط لاجتثاث أحكام الإسلام من حياة المسلمين وخاصة فيما يتعلق بنظام حياتهم الاجتماعي وهو الذي بقي إلى حد ما يحتفظ ببعض أحكام الدين الحنيف. وللتأكيد فقد نصت المادة 2 من اتفاقية سيداو على "إبطال القوانين والأعراف دون استثناء لتلك التي تقوم على أساس ديني واستبدالها بقوانين دولية". وأيضاً المادة 4 من الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة سنة 1993 أنه "ينبغي للدول أن تُدين العنف ضد المرأة، فلا تتذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبارات دينية بالتنصل من التزامها بالقضاء عليه، وينبغي لها أن تتبع بكل الوسائل الممكنة ودون تأخير سياسة تهدف إلى القضاء على العنف ضد المرأة".


وهكذا نرى أخواتي الكريمات كيف يتم تصوير أن كل ما تطمح إليه المرأة من أمن وأمان ورفع للظلم عنها، لا يمكن تحقيقه إلّا بإزالة عقبة الدين، إشارة منهم إلى الدين الإسلامي وذلك لأنه لا يوجد دين ينظم حياة البشرية جمعاء إلا الدين الإسلامي. وبالتالي هم يسعون إلى استبدال الاتفاقيات الدولية وبنودها بالأحكام الشرعية التي تدّعي اهتمامها بالمرأة وشؤون حياتها وأسرتها.


نخلص من هذا كله إلى القول بأن كل المبادرات التي تُطرح اليوم والمؤتمرات التي عُقدت وستعقد، ما هي إلا مناورات غربية صليبية للتعمية والمغالطة، ومصيرها الفشل إن شاء الله ما دام هناك عقول وقلوب وعيون ساهرة متبصرة وواعية. حيث إنه يجب القضاء على مثل هذه الحضارة وعلى شرورها، لأنها لم تسبب إلّا الشقاء والعنت للبشرية جمعاء وليس للمرأة فقط، فهم في الجانب الروحي ضائعون، وفي الجانب الأخلاقي غاية في الانحطاط، وفي الحياة الاجتماعية كل التفكك والانهيار، فلا أسر ولا عائلات ولا أنساب، وغير ذلك من الآثار السلبية لهذه الحضارة على أصحابها، والتي ذكرنا جزءا بسيطا منها إذ لا مجال لذكرها كلها والوقوف عليها...


فلنعمل على أن لا يستمروا في هذا التدمير سواء على أيديهم أو أيدي دعاة التغريب والتخريب. وهذا يكون إذا بقيت الأمة الإسلامية متمسكة بثوابتها الإيمانية وبخطوطها الحمراء، فنحن مسلمون، ووجب أن تكون زاوية النظر للأمور صغيرها وكبيرها من زاوية العقيدة الإسلامية فقط، لنرى ماذا أمرنا الإسلام وبين لنا من أحكام فنتبعها ونعمل بها.. فهم يعملون بكل جهد للحيلولة دون النهضة الصحيحة التي لن تكون إلا على يد جيل واعٍ لدينه مدركٍ أنه لن يتحقق الخير والعزة والازدهار إلا بدولة إسلامية تحكم بشرع الله وأحكامه...


وعلينا نحن كنساء مسلمات بأن نحارب أي دعوة علمانية بثوب إسلامي وأي مقررات دولية تعبث في جميع شؤون حياتنا، وعلينا أن نزن هذه الدعوات الزائفة والمنظمات المفسدة التي تتبناها بميزان الشرع والدين الحنيف لكي لا ننزلق وأسرنا في المنزلقات الخطيرة. قال تعالى ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ وقال سبحانه: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى﴾..


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




رنا مصطفى
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم حنين
المشاركة Nov 6 2018, 08:51 PM
مشاركة #25


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35








الكلمة السادسة



تركيا

إنقاذ الأسرة من خلال النظام الاجتماعي الإسلامي


(مترجمة)




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أيتها الأخوات العزيزات


عندما يقول رب العالمين، ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، يسأل رب العالمين أيضا، ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة: 36]. إن السبب في كون المجتمعات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المجتمعات في البلاد الإسلامية، تكافح أزمة تؤثر على الانسجام ووحدة الحياة الزوجية والأسرية هو هذه الأنظمة الأنانية والعاجزة والناقصة والمفسدة التي صنعها الإنسان، التي تنتج من العقول الضالة.


"الأسرة هي جوهر المجتمع وأساسه". يتكون المجتمع والأسرة من النساء والرجال. وبالتالي، فلـ"إنقاذ الأسرة"، نحن بحاجة إلى نظام ينظم العلاقة بين الرجال والنساء بفعالية بطريقة مفيدة ومثمرة للمجتمع ما يضمن تعاونًا صحيًا بين الجنسين في أنشطة الحياة مع ضمان حماية الوحدات العائلية القوية. كما ينبغي أن يكون نظامًا ينظم حقوق وأدوار وواجبات كل فرد من أفراد الأسرة بشكل فعال بحيث تتكامل جميع المسؤوليات بعضها مع بعض، ما يضمن وحدة الأسرة القوية ومكانًا للهدوء والسعادة والراحة. هذا النظام هو بلا شك النظام الاجتماعي في الإسلام الذي يقوم فقط على القوانين الإلهية، التي أتت لمنع الفساد الذي يتولد عن العقل البشري العاجز والمحدود.


إن عواقب عدم وجود نظام اجتماعي مع قوانين وأنظمة متشعبة متعددة. أدت العلاقات الحرة بين الرجال والنساء إلى الفوضى ومشاكل هائلة، مثل الارتفاع الكبير في العلاقات خارج نطاق الزواج ما أدى إلى انهيار الأسر. عدد لا يحصى من الأطفال الذين ولدوا لا يعرفون آباءهم؛ هذا غير أوبئة الحمل في سن المراهقة والأمراض المنقولة جنسيا إضافة إلى مئات الآلاف من الأمهات العازبات اللواتي يكافحن من أجل تربية أطفالهن بمفردهن؛ ومستويات مروعة من الاغتصاب والجرائم الجنسية الأخرى ضد المرأة. بالإضافة إلى ذلك، أدت محاولات "مساواة" حقوق الرجال والنساء وأدوارهم وواجباتهم بموجب المفهوم الخاطئ "للمساواة بين الجنسين"، والبدائية وعدم الوضوح في مسؤوليات الجنسين، إلى الارتباك والتنافس والخلاف بين الزوج والزوجة في الحياة الزوجية والأسرية، ما ساهم بشكل كبير أيضا في تسونامي المشاكل العائلية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلاد الإسلامية.


لا ترى الأيديولوجيات والأنظمة الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية المهيمنة اليوم الحاجة إلى تنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة. فالرأسمالية ترفض الأحكام والقوانين التي تنظم الاجتماع بين الجنسين، معتقدة خطأً أن هذا مقيد للمجتمع، وتتبنى بدلاً من ذلك أن المجتمع لا بد وأن يقوم على الحريات وبخاصة الحرية الشخصية، وتكرس إشباع الرغبات الفردية الأنانية، مثل المادية، وقيم المتعة والأنانية. غالباً ما يعتبر الأفراد داخل المجتمعات التي تقوم على الثقافة الرأسمالية بأن الزواج وإنجاب الأطفال يشكلان عائقاً أمام مصالحهم المادية وغرائزهم. أما فيما يتعلق بالأيديولوجيات الشيوعية والاشتراكية فهم لم ينكروا وجود الخالق فحسب وإنما نظروا إلى الإنسان المخلوق على أنه كأي مادة في الطبيعة. تابعت الصين الشيوعية سياسة "طفل واحد لأسرة واحدة" لأكثر من 35 عامًا، خوفًا من عدم القدرة على توفير الاحتياجات الغذائية والاحتياجات المادية الأخرى للسكان المتزايدين في سعي منها إلى تحقيق التنمية والتقدم من خلال إخصاء شعبها. في الواقع، كل من سياسات الاستزراع الرأسمالي وكذلك سياسات الإخصاء الشيوعي لم تؤد إلا إلى شيخوخة السكان وتزايد المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. كل قوانينهم كان لها تأثير سلبي على مؤسسة الزواج والأسرة. ومع غياب الأحكام السليمة، أصبح الكائن البشري الذي يعيش تحت هذه الأيديولوجيات خنزيراً غينيا لوجهات النظر والقوانين وأنماط الحياة المتغيرة باستمرار.


في المقابل، كان الإسلام الطريقة الوحيدة للحياة والمبدأ الفريد الذي يمتلك نظاما اجتماعيا شاملا يجسد مجموعة كاملة من القيم والقوانين والحدود التي تنظم بفعالية العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع وتنظم واجباتهما الزوجية والأسرية لإيجاد وحدات عائلية قوية ومتجانسة والحفاظ عليها. يقوم هذا النظام الاجتماعي الإسلامي على العقيدة الإسلامية ويهدف إلى تنظيم الاجتماع بين الرجل والمرأة لتحقيق التعاون بين الجنسين في المجتمع وإيجاد بيئة منتجة ومفيدة وآمنة فيها يتم حماية كرامة الرجال والنساء على حد سواء ما يوجد حياة زوجية متينة وعائلات مطمئنة.


لا يتحقق التعاون الصحي بين الرجال والنساء من خلال السماح لهم بالتفاعل بحرية ولا عن طريق فصل النساء عن المجتمع. بل يتم تحقيقه من خلال تطبيق مجموعة من القوانين والأحكام التي تستند إلى النظرة الصحيحة بغريزة النوع والتي توجه الجانب الجنسي للعلاقة التي يمكن أن تنشأ بين الرجل والمرأة للزواج فقط. ويستند النظام الاجتماعي الإسلامي إلى وجهة النظر الصحيحة هذه - وهي وجهة نظر تجسد الطهارة والصلاح والعفة التي تضمن التعاون الصحي بين الجنسين وتحمي وحدة الأسرة، وبالتالي تؤدي إلى الهدوء والطمأنينة داخل المجتمعات وتضمن استمرار الجنس البشري.


في المجتمعات الرأسمالية أو الشيوعية أو الاشتراكية الليبرالية، وكذلك الثقافات الشرقية غير الإسلامية، تركز العلاقة بين الرجل والمرأة على العنصر الجنسي وجانب المتعة بدلاً من الغاية الصحيحة لغريزة النوع التي تحافظ على الجنس البشري. هذه المجتمعات تعتبر تحفيز الرغبات الجنسية أمرا لا غنى عنه. ومن ثم، فإنهم يبتكرون عمدا ويعرضون مختلف الوقائع والوسائل والمواد التي تثير الأفكار الجنسية في مجتمعاتهم من أجل إثارة الغريزة الجنسية عند الرجال والنساء. وبالتالي، فإن الاختلاط الحر في منازلهم، وحدائقهم، وطرقهم، وأحواض السباحة، أو الحفلات، والمواعدة، والنوادي، والأفلام، والموسيقى، والكتب، والمجلات، وما إلى ذلك من الأمور التي تحفز الغريزة الجنسية ما هي إلا نتاج طبيعي أن يكون في هذه المجتمعات المهووسة بعنصر المتعة الذي تقوم عليه العلاقة بين الجنسين. كل هذا شكل عاملا سببيا مهما في "أزمة العائلة" في المجتمعات الليبرالية، والاشتراكية والشيوعية. وبالتالي، يجب أن يكون الحل العقلاني هو استئصال المثيرات التي تؤجج الغريزة الجنسية وتثير الأفكار الجنسية في الحياة العامة، وبدلاً من ذلك توجيه نظرة المجتمع لحقيقة الجانب الجنسي للعلاقة بين الرجل والمرأة: وهو الزواج والإنجاب.


الأخوات العزيزات:


بالنسبة لنا كمسلمين، يجب أن يكون اهتمامنا الحقيقي والمرجع الوحيد لنا هو وجهة النظر الإسلامية. إن علينا كمسلمين أن ننظر إلى غريزة النوع والجانب الجنسي في العلاقات بين الرجل والمرأة في ضوء القرآن والسنة فحسب. ويجب أن نتبنى هذا المنظور الصحيح. عند القيام بذلك سنرى بوضوح أن الآيات القرآنية تثبت أن الغرض من وجود غريزة النوع هو الإنجاب والزواج فقط، في حين إن عنصر المتعة الذي ينشأ عن تحقيق هذه الغريزة أمر طبيعي ولكن يجب أن يقتصر على إطار الزواج وحده. علاوة على ذلك، لا ينبغي أن يكون محور وجهة النظر نحو العلاقة بين الرجل والمرأة. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1] ويقول تعالى أيضا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21] ويقول أيضا سبحانه وتعالى: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَٲجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن أَزوَٲجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ﴾ [النحل: 72]


هذه هي وجهة النظر التي يقوم عليها النظام الاجتماعي الإسلامي، وتنظم أحكامه المختلفة العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل فعال، بحيث يقتصر إطلاق الرغبات الجنسية وإشباع الجانب الجنسي على الزواج وحده. واسمحن لي أن أقدم لكن بعض الأمثلة إن شاء الله:


1- أولاً، يأمر الإسلام كل رجل وكل امرأة بتجنب نظر كل منهما إلى عورة الآخر - أجزاء الجسم التي يحظر عليهم رؤيتها. وجاء الأمر من الله سبحانه وتعالى: ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم﴾ [النور: 30] ثم يقول سبحانه وتعالى مخاطبا النساء: ﴿وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن﴾ [النور: 31] كما يُلزم الإسلام الرجل والمرأة بتجنب نظرة الشهوة وغض البص إذا ما كان الشخص غير الزوج أو الزوجة. وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله e: «لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ»


2- ثانياً، أمر الله سبحانه وتعالى النساء بتغطية أجسادهن بالكامل، باستثناء وجوههن وأيديهن في وجود الرجال غير المحارم (الرجال الذين يمكنهم الزواج بهن). كما أمر سبحانه وتعالى النساء بارتداء الخمار (غطاء الرأس) والجلباب (قطعة واحدة من الملابس الخارجية التي تنسدل إلى الأرض والتي تغطي ملابسهن المنزلية، وزينتهن، وأجسادهن كلها باستثناء وجوههن وأيديهن) عندما يغادرن منازلهن ويخرجن إلى الحياة العامة. قال النبي e: «إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا وَجْهُهَا وَيَدَاهَا إِلَى الْمَفْصِل» (رواه أبو داوود) والله سبحانه وتعالى يقول، ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ [النور: 31] ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الأحزاب: 59]


3- ثالثاً، يحرم الله سبحانه وتعالى على المرأة التزين (التبرج) في حضور غير المحرم، والذي يمكن أن يثير الناحية الجنسية عند الرجال. يقول الله سبحانه وتعالى، ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ [النور: 31]


4- رابعاً، حرم الإسلام خلوة الرجل بالمرأة دون محرم. قال رسول الله e: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ».


5- خامساً، يعلق الإسلام أهمية كبيرة على فصل الرجال والنساء غير المحارم في الحياة الخاصة والعامة، ويحرم اختلاطهم ويسمح لهم بالاجتماع فقط لسبب يقره الشرع كالاجتماع للتجارة والتعليم والتوظيف والعلاج الطبي والأنشطة السياسية، والحفاظ على العلاقات مع الأقارب أو حمل الدعوة الإسلامية. فصل الرسول الرجال عن النساء في الصلاة. وعندما رأى النبي e الرجال والنساء يختلطون أثناء مغادرتهم المسجد، أمرهم بالانفصال، بل وجعل مداخل مختلفة للرجال والنساء في المسجد لضمان هذا الانفصال. روى ‏حمزة بن أبي أسيد الأنصاري‏‏، عن ‏أبيه ‏أنه سمع رسول الله ‏‏e ‏‏يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله e للنساء:‏ ‏«اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ» فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. [رواه أبو داود]. عن ابن عمر قال: قال رسول الله e: «لو تركنا هذا الباب للنساء» [رواه أبو داود] كما أن النبي e نظم أيضا دروسا منفصلة لتعليم الرجال والنساء أحكام الإسلام.


6- وأخيراً، منع الإسلام إشاعة الفاحشة في المجتمع أو النظرة الجنسية للمرأة أو المجتمع - سواء في الإعلانات أو الأعمال الدرامية أو الأفلام أو الكتب أو الموسيقى أو أي وسيلة أخرى! كما أنه أمر بالعفة وحظر أي علاقة جنسية خارج إطار الزواج، وكل ما قد يؤدي إلى ذلك - من مثل احتضان أو إمساك يد أو تقبيل رجال من غير المحارم. كما نص على عقوبات شديدة على العلاقات خارج نطاق الزواج، بما في ذلك عقوبة القتل في حالة الزنا للمحصن.


إلى جانب كل هذا، رغَّب الإسلام بشدة بالزواج وحث عليه، كما حث على الزواج في سن مبكرة ما يضمن إشباع الناحية الجنسية بالطريقة الصحيحة ويمنع الفساد الذي يمكن أن يحدث في المجتمع بسبب التأخير أو النفور من الزواج. قال النبي e، «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء. {رواه البخاري، وابن ماجه، ومسلم}


أيتها الأخوات العزيزات، كل هذا يحافظ على علاقة نقية بين الجنسين، ويضمن التعاون الصحي بينهما، ويحافظ على قدسية الزواج، ويحمي الحياة الأسرية، ويمكّن الرجال والنساء من التركيز بنجاح على هدفهم النهائي في الحياة، وهو إرضاء الله سبحانه وتعالى.


الأخوات العزيزات:


إن النظام الاجتماعي الإسلامي ليس حيوياً في تنظيم العلاقة بين الرجال والنساء في المجتمع بشكل فعال فحسب بل إنه حيوي في تنظيم أدوار وحقوق ومسؤوليات الرجال والنساء بشكل فعال في إطار الزواج ووحدة الأسرة بطريقة تحقق الهدوء في الزواج والانسجام في الحياة الأسرية وبين أفراد الأسرة، بدلاً من الارتباك والنزاعات والانقسام والإهمال فيما يتعلق بحقوق بعضهم البعض. وعلى النقيض من الأنظمة التي وضعها الإنسان، لا يتم تحديد الأدوار والحقوق والواجبات في الإسلام على أساس المساواة بين الجنسين أو حرية الاختيار، ما يخلق نهجًا فرديًا ضارًا للحياة الأسرية، ولا يتم تحديدها كذلك على أساس التقاليد غير الإسلامية التي تحرم المرأة من حقوق وأنشطة معينة يوفرها لها الإسلام. على العكس من ذلك، فإن الزواج الإسلامي وقانون الأسرة يشرعان من قبل الله سبحانه وتعالى وحده، العالم بما هو الأفضل لجميع الأفراد داخل هيكل الأسرة - الرجال والنساء والأطفال والمسنين والأسرة الممتدة على حد سواء. إن حقيقة أن هذه الحقوق والواجبات يتم إقرارها إلهيا في النظام الاجتماعي الإسلامي يوجد في النهاية بُنى أسرية سليمة ومجتمعًا صحيًا بشكل عام كما كان الحال في تاريخنا كأمة.


على سبيل المثال، يصف "الأرستقراطي العثماني" Münevver Ayaşlı Hanımefendi، كاتب عاش ما بين عامي (1906-1999)، ويتتبع تجربته كطفل ولد لعائلة عثمانية (1906) في ظل الحكم الإسلامي للخلافة العثمانية: "لا أعتقد أن جمال ونقاء وإخلاص الحياة الأسرية العثمانية قد وجد في أي مكان آخر، فالحياة العثمانية الإسلامية كانت حياة في قمة الجمال [...] إذا سألتني ما هي الحياة العثمانية، سأجيب على ذلك أنها كانت قصيدة جميلة مزينة بالأزهار".


هذا هو الوضع المرغوب به للعائلة! يجب أن تكون العائلة المسلمة مثل هذه القصيدة الجميلة المنمقة التي تحدث عنها! نشأ الوئام في هذه الحياة الأسرية الشعرية من حقيقة أن مختلف الأدوار والواجبات والحقوق المنصوص عليها في الإسلام للرجال والنساء والأطفال في الزواج والحياة الأسرية كانت مكملة لبعضها البعض. وعلاوة على ذلك، يتم توزيع المسؤوليات الزوجية والأسرية المتميزة على الرجال والنساء وفقا لتنوع طبيعة كل واحد منهم وخصائصه. في هذا البناء الذي ينظمه الله سبحانه وتعالى، الرجل هو الوصي والقوام على الأسرة، في حين إن المرأة هي ربة البيت وراعية الأطفال وعليها واجب طاعة زوجها. ومن ثم، تُعطى حضانة الأطفال للمرأة، بينما يُمنح الرجال في بعض الحالات حصة أكبر من إرث المرأة حيث إنه مسؤول عن النفقة المالية ليس على زوجته وأطفاله فحسب بل أيضاً على كثير من أقاربه من الإناث، فيما ليس على المرأة واجب إنفاق مالها على أسرتها. وبالنظر إلى أن عمل المرأة في المنزل يتطلب قدراً كبيراً من اهتمامها وجهدها ووقتها، فإن الشريعة لم تطلب منها مسؤولية التكسب للأُسرة، بل رفعت هذا العبء عنها وجعلتها واجبا على الرجل... لا تعكس هذه الاختلافات في حقوق وواجبات للنوع الاجتماعي أي تسلسل هرمي أو تفوق للرجل على المرأة. بل هي ببساطة مسؤوليات تضمن أن جميع احتياجات الحياة الأسرية يتم الاهتمام بها بشكل فعال، وحيث يعرف كل فرد من أفراد الأسرة واجباته، وبالتالي تقل النزاعات حول الواجبات، ويتوفر بذلك وسيلة لحل الخلافات بفعالية لمنع التصعيد قدر الإمكان.. وبالتالي، فإن هذه القواعد الإلهية التي تحكم العلاقة بين الزوجين هي أركان الأسرة المسلمة. وعلاوة على ذلك، جعل الله سبحانه وتعالى للرجل والمرأة أجرا عظيما إذا ما أدوا ما عليهم داخل وحدة الأسرة بإخلاص. يقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32]


الأخوات العزيزات:


كان هذا النموذج الإسلامي الناجح لتنظيم الحياة الأسرية هو ما أدى إلى انبهار أولئك من دول أخرى بانسجام حياة العائلة المسلمة. فعلى سبيل المثال، قال إدموندو دي أميكوس، وهو رحالة إيطالي زار أراضي دولة الخلافة في القرن التاسع عشر: "إن التركي لطيف وعادل تجاه عائلته. وهو بصفة عامة أكثر احترامًا للعلاقات العائلية والزوجية من الأوروبيين..." في حين قال لا بارون دوران دي فونتماني، السفير الفرنسي في إسطنبول عام 1856: "الرجال يتصرفون كصديق مهذب جدا لزوجاتهم، واحترامهم لأمهاتهم لا نهائي."


وهكذا أيتها الأخوات العزيزات، يصبح واضحا أنه إذا كنا كمسلمين نرغب في منع تفكك عائلاتنا، وإذا كنا نريد تحقيق النجاح في الدنيا والآخرة، فإن علينا أن نرفض أية ثقافة غربية أو شرقية غير إسلامية وكل ما كان على شاكلتها من القيم وأنماط الحياة في إطار الزيجات والحياة الأسرية والمجتمع ككل. وإن الواجب علينا أن نعيد احتضان القيم والقوانين الإسلامية والنظام الاجتماعي الإسلامي التي تنظم جميعا العلاقة بين الرجل والمرأة بشكل صحيح داخل المجتمع، والتي من شأنها أن تنظم على نحو فعال الزواج وتحافظ على وحدة الأسرة لتحقيق الهدوء والسعادة والطمأنينة التي ننشدها جميعا في أسرنا. هذا هو السبيل لإنقاذ الأسرة من الدمار! والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123-124]




زهرة مالك
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير




Go to the top of the page
 
+Quote Post
Guest_عزت_*
المشاركة Apr 13 2020, 01:29 PM
مشاركة #26





Guests






مجهود مشكور ورائع
Go to the top of the page
 
+Quote Post
أم حنين
المشاركة Apr 20 2020, 10:35 PM
مشاركة #27


أسرة المنتدى
*****

المجموعة: الإداريين
المشاركات: 5,578
التسجيل: 22-September 11
رقم العضوية: 35





بوركت
Go to the top of the page
 
+Quote Post

2 الصفحات V  < 1 2
Reply to this topicStart new topic
1 عدد القراء الحاليين لهذا الموضوع (1 الزوار 0 المتخفين)
0 الأعضاء:

 

RSS نسخة خفيفة الوقت الآن: 2nd November 2024 - 11:20 AM