سعى تنظيم الدولة منذ إعلان زعيمه السابق “أبو بكر البغدادي” تحويل الجماعة من مسمى “دولة إسلامية” إلى “دولة خلافة”، صيف العام 2014، إلى التوسع، وزيادة عدد فروعه في شتى أنحاء الأرض.
الامتداد وزيادة الفروع التي أعلن عنها التنظيم في فترته الذهبية (2014-2017)، شملت الشرق الأوسط، وشمال ووسط أفريقيا، وجنوب وشرق آسيا، وأجزاء من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، وكان طبيعيا أن يلامس هذا التوسع تنظيم القاعدة بشكل مباشر، إذ إن جل من بايع التنظيم في المناطق المذكورة كان ينتمي لتنظيم القاعدة، أو لجماعات موالية فكريا له.
الخلافات بين التنظيمين، التي ابتدأت بالجدل حول شرعية بيعة البغدادي لزعيم “القاعدة” أيمن الظواهري، ثم تطورت لاحقا لإيجاد “داعش” أخطاء منهجية لدى التنظيم الذي أسسه أسامة بن لادن، قبل أن يدخل الطرفان في حرب علنية مع تكفير “القاعدة” من قبل “داعش”، انتقلت مؤخرا إلى أفريقيا، لكن بوتيرة أقل.
خسر تنظيم الدولة في العامين الماضين مكانته في سوريا والعراق، وباتت جهوده منصبة على سيناء، ودول أفريقية، وهي التي يتواجد فيها تنظيم القاعدة بشكل كبير.
أماكن وعوامل الانتشار
ينتشر التنظيمان، لا سيما “داعش”، في بعض دول الساحل الأفريقي (مالي، بوركينا فاسو، النيجر، نيجيريا، تشاد)، إضافة إلى الصومال، والكاميرون، ودول وسط وجنوب شرق أفريقيا (الكونغو، موزمبيق).
انتشار التنظيمات الجهادية في الساحل الأفريقي تحديدا جاء لتوفر عدة عوامل، أبرزها انعدام الأمن على الحدود الممتدة بين الدول، إضافة إلى ارتفاع نسبة الفقر، والتصحر، وشح المياه، والخلافات القبلية في تلك المناطق على الزراعة، وهو ما جعل الفرصة سانحة للتنظيمات الجهادية بالظهور وفرض اسم لها.
وجود الجماعات الجهادية بدأ مطلع تسعينات القرن الماضي، خلال الحرب الأهلية في الجزائر، عبر جماعة “الجيا” -الجماعة الإسلامية المسلحة-، التي انشقت عنها “الجماعة السلفية للدعوة والقتال”.
التشكيلات المتفرعة للقاعدة والمرتبطة بجماعات جهادية عربية في شمال أفريقيا، أوجدت موطئ قدم لها في دول أفريقية أخرى، لا سيما صحراء مالي.
ونجحت هذه الجماعات باستقطاب مجموعات قبلية من عدة أعراق، كان آخرها تحالف “نصرة الإسلام” المحسوب على “القاعدة”.
“القاعدة أخطر”
أحد القادة الغربيين للعمليات الخاصة بأفريقيا، قال إن تنظيم القاعدة أخطر من “داعش" ، حيث أوضح في جلسة حوارية أعدها “معهد انتربرايز” للدراسات، إن تنظيم القاعدة يعمل باستراتيجيته طويلة الأمد، ويشكل خطرا أكبر على الغرب وحلفائهم في المنطقة الأفريقية.
وقال إن “داعش أكثر عنفا، ووضوحا هذا صحيح، لكن القاعدة تهديدها أعمق، وهي أكثر إثارة للقلق، ولديها قدرة كبيرة على الصبر، وتعلمت خلال 20 سنة مضت أن تصبح منظومة مرنة”.
أكثر ما يثير القلق استراتيجية “القاعدة” الجديدة، التي تحرص على عدم لفت الانتباه إلى خلاياها، وهو الأمر الذي تعلمته من أخطاء تنظيم الدولة، الذي انكشفت جل خلاياه في العالم؛ نظرا لدفعهم إلى تنفيذ عمليات.
على سبيل المثال، يقول أحد خبراء مكافحة الارهاب إن الاستقرار النسبي في نهر جوبا، جنوبي الصومال، جعل لحركة الشباب التابعة للقاعدة ملاذا آمنا، ودفعها لزيادة تسليحها وتمويلها، ولكن بشكل بعيد عن أعين أجهزة الاستخبارات.
القاعدة تعتمد في تمويلها، بحسب الخبراء، بشكل كبير على الفديات، إذ تختطف طلبة وموظفين في مالي، وبوركينا فاسو، وغيرهما.
كما دخلت مؤخرا على خط استخراج المعادن، لا سيما الذهب، وبيعها بطرق غير مشروعة، وبرغم أن البعض يرى ذلك تجارة غير ناجعة، إلا أن التنظيم أدخل لخزينته مليارات الدولارات منها.
لماذا أفريقيا؟
عند سؤاله عن سبب تفضيل التنظيمين الجهاديين الأبرز في العالم لقارة أفريقيا، قال الخبير فى مكافحة الارهاب : “توفر ملاذا آمنا لهما، ففي هذه القارة يمكنهم تثبيت أقدامهم على الأرض”.
وتابع: “يعملون على تطوير وسائلهم القتالية، لتكون حينها أفريقيا نقطة انطلاق نحو تحقيق أهداف أخرى (هجمات ضخمة على غرار 11 سبتمبر)”.
بالنسبة لتنظيم الدولة، فبعد الضربات المتتالية التي مني بها في الأعوام الثلاثة الماضية، بدأ بالتوسع نحو الصحراء الكبرى في الغرب.
ما وصل التنظيم إلى مالي وشمال نيجيريا، وشرقا نحو تنزانيا وموزمبيق التي سيطر على ميناء فيها، بمدينة كابو ديلغادو.
الحركات الأخرى
منذ بروز تشكيلات لتنظيم القاعدة في شمال أفريقيا قبل نحو عقدين، لم تتوقف الانشقاقات عن التنظيم، وإنشاء جماعات أخرى مثل “التوحيد والجهاد”، التي انشقت بحجة الاختلاف مع قادتها الجزائريين، في مقدمتهم “أبو مصعب عبد الودود”، واسمه الحقيقي عبد المالك دروكدال (قُتل في مالي يونيو الماضي).
المختلف في هذه الانشقاقات عن الحرب مع تنظيم الدولة هي ندرة حدوث اشتباكات بين الجماعات المنشقة وتنظيم القاعدة.
في المقابل، شهدت الساحة الأفريقية عديد من الاندماجات بين الجماعات المنتمية فكريا لتنظيم القاعدة، كما حصل مع جماعة “المرابطون” التي تشكلت باندماج جماعتي “الملثمون” مع "التوحيد والجهاد".
وفي العام 2017، ظهر قادة “المرابطون” في عملية اندماج جديدة ضمت “جبهة تحرير ماسينا”، وحركة "أنصار الدين".
“جبهة تحرير ماسينا”، و”أنصار الإسلام”، وغيرهما، تعرّف نفسها بأنها جماعات محلية ثورية، وترفض أن يتم وسمها بالإرهاب.
ورغم ذلك، يقول الخبير فى شئون مكافحة الارهاب إن نظرة الغرب الحقيقية لهذه المجموعات هي أنها تابعة لتنظيم “القاعدة” أو تتبنى فكره.
وعلل ذلك بالقول إن الكثير من عناصر هذه المجموعات يعرفون عن أنفسهم بأنهم من “القاعدة”، كما يضع بعضهم على هواتفه صور أسامة بن لادن.
إلا أن الباحثة فى شئون الارهاب رفضت تصريحات خبير مكافحة الارهاب ، قائلة إن “أعضاء هذه الحركات لا يؤمنون بفكرة الجهاد العالمي، وبعضهم يعتبرون أنفسهم حركة ثورية محلية.
وقالت إنه لا توجد استراتيجية واضحة للغرب في أفريقيا، ولا يتم العمل بطرق منهجية واضحة.
فيما رد خبير مكافحة الارهاب بالقول إن هذه الخطوة تأتي لوقف أطماع الصين في أفريقيا، ولتنشئة علاقات وطيدة مع من يعتبرهم الغرب حلفاء له.
يشار إلى أن فرنسا هي من تقود الحملة ضد الجهاديين في أفريقيا، وهو الأمر الذي لم ينفه خبير مكافحة الارهاب، بيد أنه أعرب عن أمله بمزيد من التشارك من أجل صد التنظيمين.
المصدر:
https://alsiasi.com/