"الباك سبور" امتحان أم احتفال؟ تعيش معاهدنا هذه الأيام على وقع الباك سبور ويعيش تلامذتنا على أنغام "دخلاته" فما جدوى هذه الظاهرة الجديدة وماذا يجني من ورائها أبناؤنا؟ ولم لا توقف الدولة مثل هذه المهازل؟
لقد تحول امتحان "الباك سبور" إلى عرس يشترك في إقامته الولي والتلميذ والمؤسسة. فالتلميذ يمضي وقتًا هو في أمس الحاجة إليه لإكمال البرنامج أو مراجعة الدروس في التفكير في الزي الرياضي والشعار الذي سيوشحه به، وفي "الدخلة" وما يرافقها من تحضيرات ورسومات، ويأتي اليوم المشهود، فتجد الفتيات مصطفات أمام قاعات الحلاقة حتى تكتمل الصورة، فهل أن هذا الامتحان هو تقييم لمهارات بناتنا الرياضية أم استعراض لمفاتنهن الجمالية؟
زد على ذلك انعدام المصداقية في التقييم، فالكل يعلم عقلية "نفرحوا بيهم باش يفرحوا بصغارنا" أي نكرم لجنة التقييم لتكون سخية في إسناد الأعداد.
ويُنهي أبناؤنا امتحانهم ولكن الاحتفال لا ينتهي و(كل قدير وقدرو) فالبعض يكتفي باحتساء مشروب، والبعض الآخر يجوب الشوارع باعتماد وسائل نقل متنوعة، وما قد ينجر عن ذلك من حوادث، لكن ما يلفت النظر أكثر هو "الدخلة"، هذه الظاهرة الجديدة التي ابتُدِعت وعجزت السلطة عن تأطيرها طيلة هذه العشرية، لكن هل حقًا أنها عجزت أم أنها لم تشأ لأن من وراء مثل هذه الظواهر هدفًا تسعى إلى تحقيقه ألا وهو تمييع الشباب وتتفيهه وتضييعه وصَرْفه عن قضاياه المصيرية وأهمّها دينه، فلا يهمّ إن صاحبت هذه "الدخلة" مظاهر لا أخلاقية، تخالف إسلامنا من اختلاط وتراقص وشرب خمر، أو شعارات سخيفة وصور مبتذلة ومائعة تعكس فراغ المنظومة التربوية.
رغم كل ما سبق ذكره، ورغم مطالبة البعض بإلغاء هذه الظاهرة أو تأطيرها، إلا أن الإعلام ظل ساكتًا ولم تُفتَح أبواق الدعاية إلا عندما انقلب السحر على الساحر، وظهرت الشعارات التي تنم عن إعمال للعقل، عندما عكست لافتات أبنائنا وعيهم بقضايا أمتهم. عندها فقط تحررت الأقلام المأجورة والقنوات المسعورة لتلفّق التّهم وتبحث في هذه الظاهرة: فرأى البعض أن هذه الشعارات تعكس أزمةً حقيقيةً لدى أبنائنا. كيف لا وجرعات السموم التي يقع بثها من كل حدب وصوب، في الإعلام وفي التعليم لم تُـؤْت أكلها بل كان مفعولها عكسيًا، إذ أقلقهم وعي تلامذتنا بتلاعب كل من الوزارة والنقابة بهم حين كتبوا "تاجرتم بالعلم وأنتم عليه مُؤَمّنون فخنتم الأمانة وما هكذا المربي يكون" وأرعبتهم شعارات مثل "كيف نؤمن بأن فلسطين ستُحرّر يوما ورؤساؤنا مؤجّرون" ومثل "إلا رسول الله". وما أثار سخطهم هو رفع راية التوحيد، إذ أدى ذلك إلى إيقاف بعض التلاميذ. شباب يتّقد حيويةً ونشاطًا، عُمل على إهدار طاقاته وتوجيهها التوجيه الذي رُسم لها لإغراقه في الضياع والتفاهة والميوعة، أُريد لشبابنا ألا يفكر وألا ينقد، ولكن الحقيقة هي أن هذه الأمة حية، نابض في قلبها إيمانُها وكامن في وجدانها إسلامُها . لقد خابوا وخاب مسعاهم، فالشفاء قد دبّ في هذه الأمة، وإن شاء الله سوف تتعافى وتنهض من جديد لتُحطّم كل الأباطيل وتُعْلِيَ كلمة الحق رغم كيد الكائدين ومكر الحاقدين. يقول الله تعالى ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
زينة الصامت - تونس
10 من رجب 1436
الموافق 2015/04/29م