راجي العقابي اسم اظنه مستعار لكاتب قلم لطالما نزلت له مقالات على اذاعة المكتب الاعلامي لحزب التحرير ومقالاته تتسم بالوضوح والتعليق السياسي الذي يدل على ما تتمع به شخصية وعقلية الكاتب من ابداع وتوظيف للكلمات لينتج منها مقالا يندر مثله في زمن التناقض الا من رحم الله
الطريق الرابع هو اسم مقاله الاخير والذي ينطلق فيه من فكرة زرعها في عقلها معلمه من الصغر كيف ان القائد الناجح يستعد لكل الاحتمالات في الحرب من البر والبحر والجو وايضا يختلق ان هناك امرا رابعا لا يعرفه والعدو يعرفه يستعد له لكن الكاتب وجد الطريق الرابع بعدما كبر وكأني به اليوم ينادي بالمعلم اني وجدت الطريق الرابع يا معلمي .... اترككم مع المقال
الطريق الرابع
(القائد الناجح يستعد من الطريق الرابع)
بهذه الكلمات نقش أستاذي نصيحةً على جدار الذاكرة حين كنا نتجهز لامتحانات المرحلة الإعدادية، ومفاد النصيحة أن العدو إذا ما أراد مهاجمتنا فإنه لن يهاجمنا إلا من إحدى ثلاث منافذ : البر أو البحر أو الجو والقائد الناجح هو الذي يفترض "افتراضًا" أن هناك طريق رابع سيولده العدو لينفذ منه إلينا، فيتجهز هذا القائد من الطريق الرابع المفترض افتراضًا ..
ومدار العقل والمنطق والحقيقة يقول أنه ليس من منافذ إلا هذه الثلاثة ... ومن أتمَّ استعداده منها فكأني به قد أقام ما عليه من واجبات الاستعداد .. وافتراض الطريق الرابع التي سيبتدعها العدو هو محض افتراض الغاية منه الدلالة على شدة الاستعداد وتمام الإعداد
ولكن ..
في عصرنا هذا الذي سادته التناقضات وكانت مضادات الفطرة هي صاحبة الكلمة، تبيّن لنا أن هناك طريقًا رابعًا يغزونا منه الأعداء ليس هو بالبر .. ولا بالبحر .. ولا بالجو ..
وقبل الإفصاح عنه صراحة دعونا ننتخب من ذاكرة أمتنا مشاهد عدة :
أولًا : منظمة التحرير الفلسطينية منظمة أنشأها أصحابها تحت شعار المقاومة المسلحة للصهيوني المحتل حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني، ومع تقافز المتغيرات في معادلة التحرير، نجد أن منظمة التحرير أصبحت تنتهج السلام كخيار استراتيجي، وتقزم كامل التراب الفلسطيني ليصبح مجرد محافظات ممزقة على بقايا أرض أسموها الضفة الغربية وقطاع غزة، فلما رأوا أن التسمية طويلة فجملة (بقايا الضفة الغربية وقطاع غزة) تتكون من خمس كلماتٍ ولا تليق بالمحافل الدولية، فقد قرروا أن يستبدلوها بتسمية أخرى تتمثل في كلمة (حدود 67)
والسؤال هنا : من الذي انتصر ؟ اسرائيل أم منظمة التحرير ؟ الإجابة أوضح من تكلف الإفصاح عنها ..
ثانيًا : حركة حماس حركة إسلامية انتهجت المقاومة المسلحة للصهيوني المحتل حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، ومع تقافز المتغيرات في معادلة المقاومة نجد أنها أصبحت تنتهج "المقاومة الشعبية" كخيار أمثل لاسترداد الحق المغصوب، وذلك بعد أن تقزمت المسافة بين بحرهم ونهرهم لتصبح مجرد بقايا أرض أسموها الضفة الغربية وقطاع غزة، فلما ثقلت على ألسنتهم جملة (بقايا الضفة الغربية وقطاع غزة) حيث أنها لا تليق بمقاييس لحاهم الشائبة، قرروا أن يتبنوا لها تسمية جديدة تتمثل في كلمة (حدود 67)
والسؤال هنا : من الذي انتصر ؟ اسرائيل أم حماس ؟ الإجابة أوضح من تكلف الإفصاح عنها ..
والآن .. من منكم اكتشف الطريق الرابع ؟ يبدو أن البعض يحتاج مثالًا ثالثًا ، فخذوه إذن ..
الجيش السوري .. ما وظيفته ؟ حماية البلاد وتوفير الأمن والاستقرار لها، طيب .. ما الذي يفعله اليوم الجيش السوري ؟ يترك الجولان يتدفأ في أحضان إسرائيل .. وينتزع أطفال حمص ودرعا وبابا عمرو من أحضان أمهاتهم ليذبحهم كما تذبح الشياه ثم يذبح أمهاتهم وآبائهم أما ذبح الأجداد والشيوخ فيقدم كهدايا على طاولة المذبح !!!
والآن .. هل أدركتم الطريق الرابع ؟
إنهم ساساتنا الذين ارتضوا التبعية للعدو بشكل صريح ووقح، أو أولئك الذين ارتضوا إذعانًا خجولًا لمتغيرات السياسة الدولية ولمصالح الحركة فلم يتجرأوا على الجهر بكلمة حق لصالح شعب ينحر بأكمله !!
وفي النهاية .. يغزونا عدونا من هذا الطريق دونما تكلف عناء تسيير جيوش بحرية أو برية أو جوية ..
فالأمر لا يعدو كونه جملة مصالحٍ حركية أو سياسية أو حتى شخصية تتم مقايضتها بأمور أخرى لنجد أن عدونا يقبع على فراش نومنا يشاركنا فيه، أو على تلفازنا يؤمّنا فيه، وربما وجدناه في مساجدنا يتلمس بيده طريق حنانٍ على رأس طفلٍ يتيم قـُـتـِـل أبوه في معركةٍ بأفغانستان واستشهد عمه على أرض العراق ومات جده كبدًا حينما اغتصبوا أخته في حرب 67 !!!
لكم هي كلماتك صحبحة وصادقة أستاذي الكريم، فعلًا .. القائد الناجح لا بد أن يستعد من الطريق الرابع
ولا يسعني في مقام الموت هذا إلا أن أقول لأمة الإسلام المكلومة .. لن تنتصروا حتى تسدوا على العدو أهم طرقه إليكم، إنهم الخونة من الحكام، أو المتآمرون من الساسة، أو المنافقون من علماء السوء، أو أنصاف الملتحين من انتسبوا إلى الإسلام بقلوبهم بينما تصافح أيديهم الخونة ويأخذونهم بالأحضان ..
يرحم الله أستاذي هذا حيًا كان أو ميتًا .. فقد علمني من غير ما يقصد أن عودة أمتي إلى سابق مجدها لن يكون إلا إن استعدت من الطريق الرابع، ولكنني آنذاك كنت أقل فهمًا من أن أعي أبعاد كلمة أستاذي .. واحتاج الأمر مني إلى آلاف وآلاف وآلاف من الشهداء والمغتصبات والمشردين كي أدرك هذه الحقيقة، وختام القول:
العاقل من اتعظ بغيره .. فاجعلوني إخواني محل عظتكم، ولا تقعوا فيما وقعت فيه.
أقول هذا وأستغفر الله أولاً وآخرًا .. والسلام عليكم
راجي العقابي - غزة 26 – 02 – 2012
|