بقلم: محمد ع. ـ الكويت
الخلافة والإمامة كلمتان وردتا في آيات كريمة وأحاديث صحيحة، وهما بمعنى واحد، فلا يجب أن يلتزم هذا اللفظ بعينه وإنما الواجب التزام مدلوله وهو أنها رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وأما كلمة أمير المؤمنين، وأمارة المؤمنين، فإنها وردت أيضاً بنفس المعنى والمدلول.
هذا شأن الألفاظ ومدلولاتها، وأما شأن الحركات الإسلامية وما يقتضيه العمل السياسي بصدد هذه الألفاظ ومدلولاتها فإنه لا بد لها من تتبنى الواحدة منها ألفاظاً معينة للمدلولات المحددة، وإلا افتقدت البلورة والوضوح فالألفاظ الثلاثة (الخلافة وإمامة وأمارة المؤمنين) طالما تحمل نفس المدلول الشرعي عند الحديث عن نظام الحكم في الإسلام: فهل الأخذ بها وتبنيها كلها معاً للدلالة على نفس المعنى هو الأفضل والأولى من أل التحديد والوضوح والبلورة أم الأخذ والتبني لأحدهما؟ ثم ما دامت كلمة الخلافة هي الأكثر وضوحاً وتحديداً في مدلولها اللغوي والشرعي وفي واقعها التاريخي من الكلمتين الأخريين، وخاصة كلمة إمامة التي لحقها ما لحقها من تأثير المذهبية بين المسلمين حتى ابتعدت عن بعض جوانب المدلول المشار إليه، كما أنها أي الإمامة، من الألفاظ المشتركة مع إمامة الصلاة، بينما كلمتا خلافة وأمارة مؤمنين احتفظتا بالمدلول المذكور دون أي تأثر مذهبي بغض النظر عن سلامة التطبيق على مدى العصور الإسلامية ـ ما دام الأمر كذلك فإن استخدام وتبني إما كلمة خلافة أو أمارة مؤمنين هو الأولى. ولكن لما كانت كلمة خلافة هي التي صح ورودها في الحديث الشريف لوصف عصر الخلفاء الراشدين عندما قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضوا عليها بالنواجذ» مع أنهم في الواقع التاريخي اختلفت تسمياتهم بين خليفة وأمير مؤمنين وخليفة وإمام، على التوالي، فقد حسم هذا الحديث أولية استخدامها على غيرها، ولا سيما أن اللغة والواقع الذهني تسيران هذا التسمية وتعطيان من يحملها ميزة يتميز بها النظام الإسلامي في الحكم على غيره من النظم القائمة سواء على الوراثة أو الاستبداد أو غيرهما…
هذا من حيث التسمية، وأما من حيث واقع هذه التسمية ومدلولها فإنها كما أسلفنا رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. فمن أين جاء المدلول وهل إقامة هذه الرئاسة واجبة على المسلمين جميعاً؟ وكيف تتحقق إقامتها؟
أما من حيث مصدر هذا المدلول فلنا من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقواعد الشرعية خير جواب، أما الكتاب الكريم فيقول تعالى فيه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الآية، مؤكداً كلمة خلافة واستخلاف على الناس جميعاً لمن يؤمن بالله ويلتزم بعمل الصالحات التي يقتضيها هذا الإيمان، كما يؤكد أن السلطان والحكم في الأرض للامة الإسلامية، ما دامت على هذا الإيمان تنيب عنها من يحكمها، كما فعلت فور انتقال الرسول عليه السلام إلى جوار ربه، وطيلة العهود الإسلامية، بغض النظر عن سلامة التطبيق.
كما يقول تعالى فيه: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ) ويقول: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) مما يشكل خطاباً في الآيتين وإن وجّه للرسول عليه السلام إلا أنه ليس خاصاً به بل عام لجميع المسلمين مما يفرض عليهم أن يحكموا بما أنزل الله، كما حكم خلفاؤه الراشدون المهديون من بعده، وكما حكم من بعدهم الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنهم أجمعين. وهذا يفرض على المسلمين إقامة حكم الإسلام في الأرض، أي إقامة الخليفة الذي يحكم بالإسلام وإقامة الخلافة التي تطبق الشرع الإسلامي وتحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم.
كما يقول تعالى فيه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) وهذا الأمر بطاعة ولي الأمر، وولي الأمر هو الحاكم الذي يحكم وفقاً للكتاب (طاعة الله) والسنة (طاعة الرسول)، هذا الأمر بطاعته يفرض وجوده، ويجعل أمر إيجاده واجباً، لأنه لا يمكن أن يفرض سبحانه طاعة غير موجود أو من وجوده مندوب وليس واجباً، ولا سيما أن وجود ولي الأمر هو الذي يؤدي لإقامة أحكام الشرع الإسلامي في الأرض وإن عدم وجوده يؤدي إلى تضييع الشرع الإسلامي من الأرض.
فمن هذه الآيات، وأمثالها، جاء الاستدلال الأول على مدلول كلمة الخلافة، من أنها رئاسة عامة للمسلمين، عندما يبايعون وينتخبون نيابة عنهم من يحكمهم بكتاب الله وسنة رسوله في هذه الدنيا ويحملون بقيادته الدعوة الإسلامية إلى الناس كافة: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)؛ كما جاء من هذه الآيات وأمثالها الاستدلال الأول على وجوب إقامة هذه الرئاسة على المسلمين جميعاً، وبالطريقة التي حددها الرسول عليه الصلاة والسلام، بغض النظر عن اختلاف الوسائل والأساليب تبعاً للتطور المادي الذي يسره الله للعقل البشري على مدار التاريخ الإنساني.
وننتقل الآن للسنة المطهرة لنرى ما فيها من نصوص بشأن ما نحن عليه، فنجده صلى الله عليه وسلم يقول: «من خلع يداً من طاعة الله لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» موجباً بهذا القول على كل مسلم أن تكون في عنقه بيعة لخليفة، أي موجباً وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده، وهذا لا يعني إلا وجوب إعادة الخلاف للأرض، إذا ذهب كما هي حال المسلمين اليوم ونصب خليفة، إذا خلا منصب الخلافة من الخليفة الواجب البيعة كما هي الحال أيضاً. وفي هذا النص النبوي الكريم تحديد لطريقة نصب الخليفة، ألا وهي البيعة من المسلمين، كما فعلوا مع الخلفاء الراشدين، واجمع على ذلك الصحابة، وحرص على العمل به كل الخلفاء طيلة عهود الخلاف، بغض النظر عن سوء التطبيق في بعض الأحيان.
كما نجده عليه السلام يقول: «سيليكم بعدي ولاة، فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن احسنوا فلكم، وإن أساؤوا فلكم وعليهم» وبهذا أيضاً أوجب عليه الصلاة والسلام طاعة من يخلفه في ولاية أمور المسلمين في كل ما يوافق الحق وعدم الطاعة فيما لا يوافق الحق: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، ومدلول وجوب طاعة ولي الأمر والخليفة بعد الرسول عليه السلام يقتضي وجوب وجود هذا الخليفة وإقامة هذه الخلافة. كما أن في هذا الحديث إشارة إلى أن من بين خلفاء المسلمين من سيكون براً وفيهم من سيكون فاجراً، ولكن الطاعة في كل الأحوال واجبة في كل ما يرضي الله ويلتزم بكتابه وسنة رسوله.
كما نجده صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الإمام جُنّة، يُقاتل من ورائه ويتقى به» مؤكداً عليه السلام أن الخليفة، كما رجّحنا التسمية، ضمانة لتطبيق الشرع واستمرار تطبيقه، وبفقدانه يضيع التطبيق ويتوقف القتال في سبيل الله، وفي هذا دلالة على وجوب وجود الخليفة وإقامة الخلافة وإلا ضاع التطبيق وضاع الجهاد، وفي ما نحن فيه، أمة الإسلام، أكبر شاهد ودليل.
كما نجده عليه الصلاة والسلام يقول: «كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم» وبهذا يوجب عليه السلام طاعة الخليفة الذي تحققت له البيعة قبل غيره عند التنازع على الخلافة كما يزداد لدينا الاطمئنان لترجيح تسمية من يتولى حكم المسلمين بالخلفاء. ولتسمية النظام بالخلافة، كما يوجب العمل لإقامة الخلافة كلما ضاعت لأن الأمر بالبيعة يوجب وجود من يبايع، كما يوجب الرسول عليه السلام البيعة طريقة لنصب الخليفة وعقداً للطاعة الدائمة يلتزم من كل مسلم للخليفة ما دام على طاعة الله كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، “أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم”.
كما نجده عليه السلام يقول: «من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات مميتة جاهلية» مؤكداً عليه السلام تحريم خروج المسلم من سلطان الإسلام وحكمه بأن يخلق البيعة التي أعطاها للخليفة ما دام على الحق مهما لحقهُ من مكروه… موجباً عليه السلام إقامة سلطان الإسلام وحكمه والبقاء في ظله، وفي ذلك إيجاب لتنصيب خليفة على المسلمين.
كما نجده عليه الصلاة والسلام يقول: «ومن بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمره قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». ويقول: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» فيأمر عليه السلام بطاعة الإمام، أي الخليفة، موجباً إقامته وتنصيبه بالبيعة، كما يأمر بقتال من ينازعه الخلافة بعد أن استقرت له البيعة، موجباً دوام إيجاده ووجوده خليفة واحداً لا يتعدد للمسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها.
فمن هذه الأحاديث النبوية الشريفة وأمثالها جاء الاستدلال الثاني على مدلول كلمة الخلافة المار ذكره، وعلى وجوب إقامة هذه الخلافة، وعلى وجوب أن تكون البيعة هي طريقة التنصيب.
وننتقل الآن إلى إجماع الصحابة لنرى ما أجمعوا عليه بصدد موضوعنا، فنجدهم رضوان الله عليهم أجمعين قد أجمعوا على إقامة خليفة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم فكان أبو بكر رضي الله عنه، وكان عمر رضي الله عنه، وكان عثمان رضي الله عنه، وكان علي رضي الله عنه، وأخّروا دفن الرسول عليه الصلاة والسلام عقب وفاته، منشغلين بنصب خليفة له مع أن الدفن فرض، مما يدل على أن نصب الخليفة أوجب من دفن الميت حتى لو كان هذا الميت هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضل الخلق أجمعين.
كما أجمعوا على وجوب نصب الخليفة بالرغم من اختلافهم على الشخص الذي يكون خليفة، كما أجمعوا على وجوب أن تكون البيعة طريقة لتنصيب الخليفة، وفي مواقف الإجماع العديدة هذه لهم رضوان الله عليهم الدليل الثالث على أن الخلافة، ليس غير، هي نظام الحكم في الإسلام، وأنها واجبة الإقامة وأن البيعة هي طريقة تنصيب الخليفة.
وننتقل أخيراً إلى موضع الاستدلال الرابع من القواعد الشرعية، فنجد القاعدة الأولى تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) مؤكدة أن واجب إقامة وتطبيق الشرع الإسلامي في الأرض وحمل دعوة الإسلام للناس كافة لا يتم إلا بإقامة الخليفة والخلافة، وهما جماع الواجبات فكانت هذه الإقامة واجبة لأنه لا يتم وجود واجبات التطبيق والحمل إلا بها.
كما نجد القاعدة الثانية تقول: (أمر الإمام نافذ ظاهراً وباطناً) والثالثة تقول: (أمر الإمام يرفع الخلاف) مؤكدتان وجوب إقامة الخلافة والخليفة حتى ينفذ أمره في حياة المسلمين الظاهرة في أفعالهم والباطنة في نفوسهم، وحتى يحسم أي خلاف أو اختلاف يقع بينهم، وذلك بما يتبناه من حكم شرعي لمسألة الخلاف.. كيف لا والخلاف في الرأي الذي قد يتعقد ويتضاعف أثره هو من طبيعة البشر، مسلمين وغير مسلمين، كما أشارت النصوص السابقة، ولا بد حتى تستقيم أمور المسلمين ويتجنبوا ما وقع بينهم من قتال لاختلاف الرأي، أو ما يمكن أن يقع، من أن تصبح طاعتهم للخليفة وولي الأمر سجية من سجاياهم الملازمة لتصرفاتهم وأعمالهم في الظاهر، ولقلوبهم ونفوسهم في الباطن، ما دام هذا الخليفة على الحق، مهما صدر منه من تصرفات يكرهها فرد أو أفراد.
وأما القاعدة الأخرى التي تقول: (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم) والتي تكملها القاعدة المقابلة لها: (الأصل في الأفعال التقيد بالأحكام الشرعية) فإنهما تؤكدان أن الأشياء غير الأفعال، وأن الشرع عندما نص على تحريم أشياء من مآكل ومشارب وملابس وغيرها قد أباح الأشياء المادية الأخرى، فكان النص محدداً تحريم بعض الأشياء وسامحاً أو محللاً كل الأشياء الأخرى، وكان هذا التحريم المحدود هو الاستثناء بينما الإباحة الشاملة هي الأصل والأساس هذا بالنسبة للأشياء أما بالنسبة للأفعال والتصرفات فقد استقلت بالنص عليها في القاعدة الأخرى وأشار إليها عليه السلام في حديثه: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» مما يجعل طبيعة نظرة الشارع إليها تختلف عن نظرته إلى الأشياء، أي أن الأصل فيها ليس الإباحة كالأشياء والاستثناء هو التحريم بعد النص على المستثنى، وإنما الأصل فيها التقيد والالتزام بالأحكام الشرعية بحيث لا يقدم مسلم على فعل أو تصرف إلا بعد أن يعرف الحكم الشرعي بحقه أحلال أم حرام أم مندوب أم مكروه أم مباح؟ وعند تطبيق هاتين القاعدتين على الأمر الذي نحن بصدده، وهو إقامة الخلافة والخليفة لا نجده شيئاً لنجعل الأصل فيه الإباحة وإنما هو فعل، بل جماع الأفعال في حق الإسلام وتطبيقه وحمل دعوته، فيكون الأصل فيه التقيد بالحكم الشرعي، والحكم الشرعي ـ كما أسلفنا ـ أكثر من واضح وبيِّن في وجوب إقامة الخلافة والخليفة بهذا الاسم، على الترجيح، وبهذا النظام على الجزم والتأكيد، وإذا حصل أن اقدم كائن من كان، فرداً أو جماعة، على فعل غير هذا ففعله مردود عند الله ورسوله، وهل إقامة الخلافة التي بدونها لا يطبق شرع الله ولا تحمل دعوة الإسلام لكافة البشر بطريقة الجهاد إلا أهم فعل وأخطر عمل؟ وهل العمل لإقامة الخليفة والخلافة، وهو جماع الواجبات، في أحزاب سياسية إسلامية، والتي بدونها لا يتحقق العمل السياسي الواجب، إلا أهم فعل وأخطر عمل لا بد من التزام الشرع فيه؟! فكيف سمح له من سمح بالخلط بين قاعدة الأشياء وقاعدة الأفعال، فوقع في ما وقع من الخطأ عندما قال بإباحة الأفعال كجعل نظام الحكم في الإسلام جمهورياً، ولمدة محدودة، بدلاً من نظام الخلافة، ومن طاعة الخليفة دون تحديد مدة، مع أنه فعل وليس شيئاً؟! وكيف زعم من زعم بأن نظام الخلافة كان مجرد سابقة تاريخية وكأنه شيء وليس فعلاً، ولا جماع الأفعال؟
وأما القاعدة الشرعية: (لا اجتهاد في موضع النص) فإنها تشير إلى أن النصوص من مصدري الشريعة الإسلامية من كتاب وسنة إما نصوص صريحة قطعية الدلالة ولا تسمح بالاجتهاد، مثل قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، وإما نصوص ظنية الدلالة وتسمح بالاجتهاد وتعدد الافهام لها مثل قوله تعالى: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)، وهذه القاعدة تؤكد بأن كل الأحكام المتعددة المستنبطة باجتهاد صحيح من النصوص الظنية الدلالة هي أحكام إسلامية، ولن يستطيع أحد أن يزعم لنفسه أن اجتهاده هو حكم الإسلام دون غيره وان اجتهاد غيره هو حكم الإسلام دون غيره وأن اجتهاد غيره هو حكم الكفر بل الكل حكم إسلامي، وشتان بين حكم الإسلام، الذي لا حكم غيره في الإسلام ولمسألة معينة، كنظام الخلافة، بغض النظر عن التسمية في ظنية للفظة، وإباحة تعدد الأحزاب الإسلامية، بغض النظر عن أسمائها، وبين الحكم الإسلامي الذي يتعدد في المسألة الواحدة.
وعليه فلا مجال للقول بالرجوع إلى مقاصد الشريعة أو مصالح الناس، بغض النظر عن اختلاف علماء الأصول في اعتمادها كأدلة للأحكام وإن كان أكثرهم يصر على أنهما ليسا في ذاتهما وإنما لاستناد كل منهما إلى أصل في الشريعة، فلا مجال للرجوع لذلك ما دام القول بنظام الخلافة وتعدد الأحزاب السياسية الإسلامية يستند إلى نصوص شرعية سواء كانت قطعية الدلالة أو ظنيتها.