بسم الله الرحمن الرحيم
#جواب_سؤال: تساؤلات في #القياسإلى زاهد طالب نعيم
=======
#السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شيخنا الجليل بارك الله جهودكم وسدد خطاكم وأجزل لكم العطاء وذلل لكم الصعاب وأعزنا بنصرة دينه إنه سميع مجيب الدعاء
الموضوع: تساؤلات في القياس
بداية أعذروني على الإطالة، أعانكم الله على طاعته وجعل صبركم في ميزان حسناتكم
أولا: ورد في جواب السؤال بتاريخ 07/02/2014 م
(أما ملاحظتك حول ما ورد في الكتاب: “وقد ثبت كون القياس دليلاً شرعياً بدليل قطعي، وأدلة ظنية.”، فإن قولك له وجه صحيح، فعلى الرغم من أن الدليل يطلق في الأصول وفي الفقه، ولكن مدلوله مختلف من حيث القطع والظن، ولأن الموضوع هنا هو عن أدلة الأصول، فالأولى أن يقتصر على الدليل القطعي دون الظني، وعليه فالأفضل تصحيحه، وسنصححه إن شاء الله.) انتهى
وقد ورد التصحيح في النسخة المحدثة بتاريخ 16/07/2019 ص322 في موضعين
ولكني لما أكملت الموضوع اعترضتني بعض الجمل التي أشكلت علي الفهم، ولم أستطع التوفيق بينها وبين ما جاء من جديد التصحيح وهي على النحو التالي:
ص323 (فهذه الأحاديث كلها دليل على أن القياس حجة، ووجه الاحتجاج بها أن الرسول ألحق ديْن الله بديْن الآدمي في وجوب القضاء ونفعِه، وهو عين القياس.)
ص325 (فهذه الحوادث لم يُعلم أن هناك منكِراً لها وكانت مشهورة بين الصحابة مع أنها مما يُنكَر، فكان سكوتهم عليها وهي مما لا يسكتون عليه، إجماعاً منهم على كون القياس حجة شرعية.)
ص326 (من ذلك يتبين أن الحديث وإجماع الصحابة وتعليل الرسول لكثير من الأحكام دليل على أن القياس دليل شرعي من الأدلة التي تكون حجة على أن الحكم المستنبَط به حكم شرعي ........ ولهذا لا تكون هذه الأدلة حجة على مطلق القياس، بل هي حجة على القياس الذي تكون العلّة فيه قد دل عليها دليل من الشرع، وهذا هو القياس المعتبَر شرعاً.)
فظهر لي وكأن هذه الثلاث مواضع متعارضة مع ما سبق في الموضعين المشار اليهما أعلاه، أرجو منكم التكرم بتوضيح ما أشكل علي.
ثانياً: ورد في كتاب البحر المحيط للزركشي- كتاب القياس -الباب الثالث في وجوب العمل بالقياس (وَثَانِيهَا: هَلْ دَلَالَةُ السَّمْعِ عَلَيْهِ قَطْعِيَّةٌ أَوْ ظَنِّيَّةٌ؟ وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ، وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَالْآمِدِيَّ.) انتهى وقال أيضاَ في موضع آخر (الثَّالِثُ: إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ: فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: وَقَدْ بَلَغَ التَّوَاتُرُ الْمَعْنَوِيُّ عَنْ الصَّحَابَةِ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَهُوَ قَطْعِيٌّ.) انتهى
فهل من الممكن ان تكون الأدلة السمعية الظنية قد وصلت حد التواتر المعنوي ودليلاً قطعياً على حجية القياس .
ثالثاً: وورد في كتاب الشخصية الجزء الثالث ص323 (فهذه الأحاديث كلها دليل على أن القياس حجة، ووجه الاحتجاج بها أن الرسول ألحق ديْن الله بديْن الآدمي في وجوب القضاء ونفعِه، وهو عين القياس.)
1-فهل القياس الذي قام به الرسول عليه السلام الوارد في الفقرة هو على المعنى اللغوي لتقريب الصورة وتيسير الفهم للسامع أم استخدمه بالمعنى الاصطلاحي وينطبق عليه التعريف الوارد في كتاب الشخصية الجزء الثالث ص321 (فقد عُرّف القياس بأنه إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علّة الحكم عند المثبِت)؟
2-وهل علة القضاء وهي كونها دَين المستفادة من النصوص يقاس عليها، مثل أن يقضي الرجل عن والده الذي مات وهو تارك للصلاة جميع الصلوات المكتوبة التي أعرض عنها والده في حياته قياسأً على قضاء الحج لاشتراكهما في العلة (كونهما دينا)، مع التنويه الى أن العبادات لا تعلل.
3-ولماذا يسمى حج الولد عن والده غير المستطيع قضاء واعتبار الحج ديناً لله ومعلوم أن فرض الحج منوط بالاستطاعة؟
رابعاً: ورد في كتاب الشخصية الجزء الثالث ص336 في شروط الفرع (الرابع: أن لا يكون حكم الفرع منصوصاً عليه، وإلاّ ففيه قياس المنصوص. وليس أحدهما بالقياس على الآخر أوْلى من العكس. ولا يقال إن ترادف الأدلة على المدلول الواحد جائز. لأن هذا إنّما يكون في غير القياس، كأن يثبت الحكم بالكتاب والسنّة وإجماع الصحابة، أمّا القياس فإن الثابت فيه هو العلّة وتعديها لحكم الفرع هو الذي جعل القياس موجوداً فإذا كان هناك نص على حكم في الفرع فالحكم حينئذ يثبت بالنص لا بالعلة فلا محل للقياس.) انتهى، فكيف يكون القياس من الرسول عليه السلام، ومعلوم ن كل ما يصدر عنه عليه السلام يعتبر نصاً شرعياً ينفي القياس، كما أشار الى هذا المعنى الامام الشوكاني في كتابه ارشاد الفحول مجيباً على من يعتبرون الاحاديث دليلاً على حجية القياس (يجاب عن ذلك : بأن هذه الأقيسة صادرة عن الشارع المعصوم ، الذي يقول الله سبحانه فيما جاءنا به عنه إن هو إلا وحي يوحى ويقول في وجوب اتباعه وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وذلك خارج عن محل النزاع ، فإن القياس الذي كلامنا فيه هو قياس من لم يثبت له العصمة ، ولا وجب اتباعه ، ولا كان كلامه وحيا ، بل من جهة نفسه الأمارة ، وبعقله المغلوب بالخطإ ، وقد قدمنا أنه قد وقع الاتفاق على قيام الحجة بالقياسات الصادرة عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - . ) انتهى
خامساً: ورد في كتاب الشخصية الجزء الثالث ص335 (فاستعمال القياس يحتاج إلى فهم دقيق. ولا يجوز القياس لاستنباط حكم إلاّ للمجتهد ولو كان مجتهد المسألة) فكيف ننسب القياس للرسول عليه السلام ولا يجوز في حقه عليه السلام أن يكون مجتهداً.
اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا انك أنت العليم الحكيم، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين) انتهى.
#الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
بداية بارك الله فيك على دعائك الطيب لنا، ونحن كذلك ندعو لك بخير...
إنك يا أخي أكثرت من الأسئلة على صعيد واحد وكان الأفضل أن تكتفي بسؤال واحد فإذا أجبناك عليه فيمكن أن تتبعه بسؤال آخر لا أن ترسل سبعة أسئلة مجتمعة... ومع ذلك فإننا رأينا أن نجيب عليها لأنها متعلقة بكتبنا وثقافتنا... ولكن مستقبلاً لا تُرسل أسئلة عدة مرة واحدة، فخفف عنا يرحمك الله.
1- بالنسبة لسؤالك الأول حول تلك المواضع الثلاثة في كتاب #الشخصية_الإسلامية الجزء الثالث:
صحيح أننا أجرينا تعديلاً على كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في مبحث القياس بناء على ما جاء في جوابنا المؤرخ في 7 من ربيع الثاني 1435هـ الموافق 07/02/2014م... ولكننا حرصنا في التعديل على أن نجعل البحث ينقسم إلى قسمين:
- قسم أول يتعلق بأدلة إثبات القياس فقصرنا الأمر على الدليل القطعي ولم نضم إليه أدلة ظنية.
- وقسم ثان يتعلق بالإرشاد إلى القياس وبيان واقعه، وهذا القسم استدللنا فيه بأدلة من السنة والإجماع ولم نحصر الأمر فيه بالأدلة القطعية لأنه ليس سياق إثبات كون القياس دليلاً شرعياً حيث أثبتنا ذلك في القسم الأول من البحث...
ولا شك أن الأدلة التي سقناها في القسم الثاني من البحث من السنة والإجماع هي أدلة ظنية تُبيِّن واقع القياس، ولكنها ليست أدلة قطعية على حجية القياس، وهذا لا يضر لأننا لم نستدل بها في سياق إثبات حجية القياس كما ذكرت آنفاً بل في سياق آخر وهو الإرشاد إلى القياس وبيان واقعه... ولتوضيح الأمر أكثر أنقل لك الموضع اللازم من النص السابق من كتاب الشخصية الإسلامية الجزء الثالث قبل التعديل ثم الموضع الذي يقابله من النص الجديد بعد التعديل:
أ- النص قبل التعديل:
(والقياس دليل شرعي على الأحكام الشرعية، فهو حجة لإثبات أن الحكم #حكم_شرعي. وقد ثبت كون القياس دليلاً شرعياً بدليل قطعي وأدلة ظنية. أمّا الدليل القطعي فهو أن محل اعتبار القياس دليلاً شرعياً إنّما هو في الحالة التي يُرجع فيها القياس إلى نفس النص، ...
وأمّا الأدلة الظنية فإنها أدلة على القياس وأدلة كذلك على نوع القياس الذي يعتبر دليلاً شرعياً. وقد ثبت كون القياس حجة بالسنّة وإجماع الصحابة، فقد ثبت أن الرسول ﷺ أرشد إلى القياس وأقر القياس، فعن ابن عباس...) انتهى.
ب- النص #بعد_التعديل:
(والقياس دليل شرعي على الأحكام الشرعية، فهو حجة لإثبات أن الحكم حكم شرعي. وقد ثبت كون القياس دليلاً شرعياً بالدليل القطعي وهو أن محل اعتبار القياس دليلاً شرعياً إنما هو في الحالة التي يرجع فيها القياس إلى نفس النص؛ ...
وقد أرشد رسول الله ﷺ إلى القياس ، وأقر القياس. فعن ابن عباس ...) انتهى.
فكما هو واضح من التعديل فإننا في الفقرة الأولى عند إثبات كون القياس حجة أصولية اقتصرنا على #الدليل القطعي ولم نتطرق إلى الأدلة الظنية... وأما في بداية الفقرة الثانية التي كانت قبل التعديل بمثابة متابعة لأدلة إثبات القياس فقد أجرينا التعديل على نحو يجعلها موضوعاً آخر غير إثبات أن القياس أحد الأصول، بل جعلناها حول الإرشاد إلى القياس وحول بيان واقعه... وهذا تكفي فيه الأدلة الظنية التي سقناها من السنة والإجماع... ولذلك لا توجد حاجة لتعديل تلك المواضع الثلاثة التي أشرت إليها لأنها ليست في سياق إثبات القياس كأحد الأصول، بل في سياق آخر كما بيَّناه آنفاً (الإرشاد إلى القياس وبيان واقعه)...
ولعله أشكل عليك ما أوردناه من أحاديث بعد ذلك فيها دلالة على القياس وقلنا: (فهذه الأحاديث كلها دليل على أن القياس حجة، ووجه الاحتجاج بها أن الرسول ألحق دين الله بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه، وهو عين القياس.) ولا شيء في ذلك، فما دمنا أوردنا الدليل القطعي على القياس فلا يمنع هذا من ذكر أدلة أخرى ظنية فيها ما يحتج به على القياس... ونحن عندما أدخلنا ذلك التعديل كان من باب التركيز أولاً على قطعية الدليل على القياس وليس إنكاراً لوجود أدلة ظنية...
2- بالنسبة للسؤال الثاني حول كون الأدلة السمعية متواترة تواتراً معنوياً:
لا يبعد أن تكون الأدلة على القياس من السنة ومن إجماع الصحابة، لا يبعد أن تكون لكثرتها وتنوعها قد بلغت حد التواتر المعنوي كما نوَّه إلى ذلك الإمام الزركشي في البحر المحيط وفق نقلك عنه في سؤالك... لكننا لم نلجأ إلى هذا الاستدلال في إثبات حجية القياس لأن الأمر قد ينازع فيه المخالف... ولأن الدليل القطعي الذي سقناه في إثبات القياس هو دليل قطعي دامغ يكفي وحده لإثبات حجية القياس ويصعب على المخالف المنازعة فيه...
3- بالنسبة لسؤالك الثالث وسؤاليك السادس والسابع وكلها من الباب نفسه:
إن الرسول عليه الصلاة والسلام أرشد إلى القياس ولم يقم بالقياس لأن النبي ﷺ يعرف الحكم الشرعي من الوحي وليس باجتهاد منه فالنبي ﷺ لا يصح في حقه أن يكون مجتهداً كما هو مبين في مواضعه... والأمثلة التي أوردناها من السنة كلها فيها إرشاد من النبي ﷺ للقياس ولكيفية استعماله، وهذا من باب التعليم للمسلمين... ولكنها لا تعني أن النبي ﷺ قام بالقياس لأن ثمرة القياس هي الوصول إلى الحكم الشرعي الذي لا يعرفه المجتهد، والرسول ﷺ يعرف الحكم الشرعي من الوحي فلا يحتاج إلى قياس ولا اجتهاد لمعرفة الحكم الشرعي... وقد وضحت هذا الأمر في كتابي "تيسير الوصول إلى الأصول" بشكل تام عند الحديث عن حجية القياس كما يلي:
[وقد أرشد الرسول ﷺ إلى استعمال القياس، فهو ﷺ لما سئل عن قضاء الحج وعن قبلة الصائم لم يعطِ الحكم للسائل مباشرة، بل أجابه بعد أن أورد العلة الجامعة في قضاء دين الآدمي وفي المضمضة مرشداً المسلمين إلى استعمال القياس.
(روي عنه ﷺ أن رجلا من خثعم سأله فقال: إِنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْإِسْلَامُ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ رُكُوبَ الرَّحْلِ، وَالْحَجُّ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «أَنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ، أَكَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنْهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاحْجُجْ عَنْهُ»).
(عن عمر قال: هَشِشْتُ يَوْماً فَقَبَّلْتُ وَأَنا صائِمٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ: صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْراً عَظِيماً! قَبَّلْتُ وَأَنا صائِمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْتَ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صائِمٌ؟» قُلْتُ: لا بَأْسَ. فَقالَ ﷺ: «فَفِيمَ؟»).
غير أن هذا #الحكم لا يعني أن الرسول قاس بل إنه ﷺ أعطى الحكم وحيا من الله إليه، بصيغة ترشد إلى استعمال القياس، لأن كل ما ورد عن الرسول ﷺ من قول أو فعل أو تقرير هو وحي من الله كما بينا في بحث السنة السابق.) انتهى الاقتباس من كتاب التيسير.
4- بالنسبة لسؤالك الرابع حول قياس الصلاة على الدَّين:
إن القياس الذي أرشدت إليه الأحاديث في موضوع الحج فيه أمران:
أ- قياس دين الله سبحانه على دين الآدمي في وجوب #القضاء ونفعه، أي أن العبادة التي لم يقم المرء بأدائها هي دين في ذمته لا بد من قضائها وأن قضاءها يُسقط الدين الذي في ذمته تماماً كما يجب أداء دين الآدمي الذي في الذمة وأن قضاءه يُسقط هذا الدين الذي في الذمة...
ب- أن قضاء المرء الدين الذي لله في ذمته يسقط عنه هذا الدين، وكذلك قضاء الغير (الولد) الدين الذي لله في ذمة المرء يسقط الدين عن المرء مع أنه ليس هو الذي قام بقضائه وذلك قياساً على دين الآدمي الذي يسقط عن المرء بقضاء الغير عنه...
وبتطبيق ذلك على موضوع الصلاة يتبين ما يلي:
- أن #الصلاة التي في ذمة المرء مما لم يؤدها من غير عذر شرعي يجب عليه قضاؤها، وإذا قضاها المرء عن نفسه فإنها تسقط عنه بهذا القضاء وذلك قياساً على دين الآدمي الذي يجب قضاؤه وإذا قضاه فإنه يسقط عنه بهذا القضاء، وهذا القياس صحيح لأنه يسلم من معارض... وبطبيعة الحال فإن سقوط دين الله سبحانه بقضاء الصلاة لا يعني سقوط الإثم عن المرء بسبب تأخير الصلاة وعدم أدائها في وقتها بل يعني فقط سقوط الدين الذي في ذمته أي أنه لم يعد مطالباً بأداء تلك الصلاة التي في ذمته لأنه قضاها ... فموضوع الإثم بسبب تأخير الصلاة عن وقتها هو موضوع آخر...
- أما قياس دين الله على دين الآدمي في سقوط الدين بقضاء الغير (الولد) بالنسبة لقضاء الولد الصلاة عن أبيه، فهذا القياس لا يسلم من مُعارض فلا يستقيم، وذلك لأن من شروط الفرع المقيس (أن يكون خالياً من معارض راجح يقتضي نقيض ما اقتضته علة القياس، ليكون القياس مفيداً.)، والفرع هنا وهو الصلاة وردت أدلة في وجوب أن يؤديه المرء عن نفسه وأنه لا يسقط عن المرء بأداء الغير عنه ولا يقبل النيابة ولا الوكالة كسائر الواجبات العينية، قال تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾، وقد أوجب الشرع على المسلم الصلاة قاعداً إن لم يستطع القيام، وبالإيماء إن لم يستطع غيره ولم يجعل لأحد أن يقوم مقامه فيها... ومفهوم الأداء منه في هذه #الحالات_المَرَضية القاسية يعني أنها لا تجوز عنه من غيره، ولذلك فإن قياس الصلاة على دين الآدمي من ناحية سقوطها عن المرء بقضاء الغير عنه، هذا القياس غير صحيح ولا يستقيم لوجود الأدلة المعارضة التي تحصر القيام بهذا الواجب بالشخص نفسه دون غيره، فيعمل بتلك الأدلة المعارضة الراجحة ويُترك مقتضى القياس كما هو مقرر في علم الأصول...
ولا يقال إن دين الله سبحانه سقط في #الحج و #الصيام و #الزكاة ونحوها بقضاء الغير قياساً على دين الآدمي فيسقط كذلك بقضاء الصلاة من قبل الغير قياساً على دين الآدمي... لا يقال ذلك لأن سقوط الحج والصيام والزكاة... إلخ، بقضاء الغير لم يثبت بالقياس بل ثبت بالنص عليه في الأحاديث النبوية الشريفة التي أرشدت إلى القياس، فيقتصر على ما جاءت به النصوص... والقضاء عن الغير في الصلاة لم ترد به سنة عن رسول الله ﷺ فيبقى على أصله من وجوب أدائه وقضائه من قبل المرء نفسه ومن عدم جواز الإنابة والوكالة فيه... فالنصوص الواردة في قضاء الصلاة متعلقة بمن فاتته الصلاة وليس غيره، ومنها:
- أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال «مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: ﴿أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾»
- وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن أنس قال: قال النبي ﷺ: «من نسي صلاة أو نام عنها فكفارته أن يصليها إذا ذكرها».
- وأخرج الدارقطني في سننه عَنْ بِلاَلٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِىِّ ﷺ فِى سَفَرٍ «فَنَامَ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَأَمَرَ بِلاَلاً فَأَذَّنَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّوُا الْغَدَاةَ».
وواضح من النصوص أنها متعلقة بمن فاتته الصلاة ولم يرد نص في أنه يجوز لغيره أن يقضي الصلاة عنه كالولد عن أبيه، ولذلك يبقى القضاء متعلقاً بمن فاتته الصلاة عن وقتها.
5- بالنسبة لسؤالك: (ولماذا يسمى حج الولد عن والده غير المستطيع قضاء واعتبار الحج ديناً لله ومعلوم أن فرض الحج منوط بالاستطاعة؟) والجواب على ذلك أننا وضحنا في الشخصية الثالث في باب (عموم اللفظ في خصوص السبب) أن العموم هو في موضوع الحادثة والسؤال وليس عموماً في كل شيء، وقلنا: (إن عموم الخطاب في الحادثة وجواب السؤال إنما هو في موضوع السؤال وليس عاماً كل شيء، أي هو عام لذلك الموضوع في تلك الحادثة وغيرها... وعليه فإن العموم إنما هو في الموضوع، موضوع الحادثة والسؤال، فيكون خاصاً بها ولا يشمل غيرها، فلا يدخل الموضوع في قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأنه غير السبب، أي غير الحادثة وغير السؤال، ولأن الكلام وارد عليه لا على غيره فيكون خاصاً به؛ لأن لفظ الرسول معلق بموضوع السؤال وبموضوع الحادثة، فيكون الحكم معلقاً بذلك الموضوع. فالنص الذي يقال في حادثة معينة، والنص الذي هو جواب سؤال، يجب تخصيصه في موضوع السؤال أو الحادثة، ولا يصح أن يكون عاماً في كل شيء؛ لأن السؤال معاد في الجواب، ولأن الكلام في موضوع معين، فيجب أن يقتصر الحكم على ذلك الموضوع؛ لأن لفظ الرسول الذي بين فيه حكم السؤال أو الحادثة معلق بالسؤال وحده وبالحادثة وحدها، وليس معلقاً بغيرها مطلقاً، فيكون الحكم معلقاً بموضوع السؤال وبموضوع الحادثة، أي بالأمر المسؤول عنه أو الذي يجري الحديث عنه، وليس معلقاً بغيره، فلا يعم غير الموضوع، بل يكون خاصاً به... فعموم اللفظ في خصوص السبب ليس عموماً في كل شـيء، بل هو عموم في الموضوع الذي جرى الحديث عنه، أو جرى السؤال عنه.)، وهنا فإن الموضوع الذي سُئل عنه في الحديث هو (حج الولد المستطيع عن أبيه غير المستطيع) لا غير، فيبقى العموم في حج الولد عن أبيه إذا كان الولد مستطيعاً وكان الأب غير مستطيع، فيحج الولد عن أبيه، حتى لو لم يكن الحج واجباً على الأب غير المستطيع، وغير هذه المسألة يلزمها دليل آخر...
وقد سبق أن أجبنا عن مثل هذا السؤال في 04 رجب 1434هـ / 14 أيار/مايو 2013م، وجاء في الجواب ما يلي:
(... بالنسبة إلى الحديث الذي ذكرته: عَنْ يُوسُفَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ، لَا يَسْتَطِيعُ الرُّكُوبَ، وَأَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ فِي الْحَجِّ، فَهَلْ يُجْزِئُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «آنْتَ أَكْبَرُ وَلَدِهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَكُنْتَ تَقْضِيهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَحُجَّ عَنْهُ».
أخرجه النسائي، وتفرد يوسف بن الزبير في ذكر كلمة "أنت أكبر ولده"، ولذلك قال فيه بعض المحققين مقالاً بسبب هذا الأمر، وأما باقي الحديث فهو صحيح عند جمهور المحققين، وهناك من صححه حتى بلفظ "أكبر ولده". ومع ذلك فإن الحديث رويَ بدون ذكر "أكبر ولده" عن ابن عباس:
أخرج ابن حبان في صحيحه عن سُلَيْمَان بن يسار قال: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي دَخَلٍ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَإِنْ أَنَا شدته عَلَى رَاحِلَتِي، خَشِيتُ أَنْ أَقْتُلَهُ، وَإِنْ لَمْ أَشُدَّهُ، لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهَا، أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أرأيت لَوَ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ فَقَضَيْتَهُ عَنْهُ أَكَانَ يُجْزِئُ عَنْهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاحْجُجْ عن أبيك».
وقد تكلم الفقهاء في الحديث آخذين في الحسبان أن الله سبحانه جعل فرض الحج متوقفاً على الاستطاعة ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، فجعل بعض الفقهاء حديث الشيخ الكبير خاصاً لذلك السائل وليس لغيره حتى لا يتعارض الحديث مع الاستطاعة التي ذكرتها الآية، وأما في غير تلك الحالة فلا يجب على الابن الحج عن أبيه غير المستطيع إلا من باب بر الوالدين، على اعتبار أن ذلك الحكم خاص بذلك السائل، مثل الحكم الخاص بأبي بردة في الأضحية بالماعز الجذعة، الذي أخرجه البخاري عن البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ... فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ البَرَاءِ: قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ شَاتَيْنِ، أَفَتَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ». والجذعة من الماعز لا تجزئ في الأضحية ولكنها خاصة بأبي بردة.
والذي أرجحه هو الجمع بين الحديث والآية قبل الذهاب إلى الخصوص لأن الأصل أن الأحكام مخاطب بها الناس، ولا يُصرف أحدها إلى الخصوص إلا إذا ورد نص في ذلك مثل حالة أبي بردة، وقول الرسول ﷺ له «نَعَمْ وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»، وإلا إذا تعذر الجمع... وهنا لا يوجد نص على الخصوص، وكذلك لا يتعذر الجمع، فيمكن أن يجمع بين الآية والحديث بأن الحج لا يجب إلا عند الاستطاعة في المال والبدن، يستثنى من ذلك حالة الابن مع أبيه، فإن كان الابن مستطيعاً والأب غير مستطيع فيجب على الابن أداء الحج عن أبيه لأن الرسول ﷺ عدّ #الحج عن الوالد في هذه الحالة كالدين الذي يجب على الولد قضاؤه عن أبيه...) انتهى النقل من جواب السؤال السابق، أي أن الحديث ليس خاصاً بشخص السائل وحده بل هو عام ولكن في موضوع السؤال وحده أي في حالة (الابن المستطيع يحج عن الأب غير المستطيع)... هذا ما أرجحه في هذه المسألة، والله أعلم وأحكم .
آمل أن تكون #الإجابات التي في الأعلى قد أزالت أي التباس في الفهم بإذن الله.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
14 صفر الخير 1442هـ
الموافق 01/10/2020م
--------
#أمير_حزب_التحرير
https://www.facebook.com/HT.AtaabuAlrashtah..._rdc=1&_rdr