بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مقالات من بلاد الحرمين الشريفين حول "رؤية السعودية 2030"(7)
رؤية بن سلمان ورؤية صندوق النقد لاقتصاد آل سعود
أجرى صندوق النقد الدولي مناقشاته الثنائية السنوية مع السعودية نهاية شهر تموز/يوليو والمتعلقة بالمادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق التي تنص على إجراء مناقشات ثنائية مع البلدان الأعضاء، والتي تتم في العادة على أساس سنوي. ويقوم فريق من خبراء الصندوق بزيارة البلد العضو، وجمع المعلومات الاقتصادية والمالية اللازمة، وإجراء مناقشات مع المسئولين الرسميين حول التطورات والسياسات الاقتصادية وبعد العودة إلى مقر الصندوق، يُعِد الخبراء تقريرا يشكل أساسا لمناقشات المجلس التنفيذي في هذا الخصوص.
وفي ختام المناقشات، يقوم مدير عام الصندوق، بصفته رئيس المجلس التنفيذي، بتقديم ملخص لآراء المديرين التنفيذيين ثم يُرسَل هذا الملخص إلى السلطات في البلد العضو.
ووفقا للتقرير، يواجه اقتصاد السعودية تحديات مهمة بسبب هبوط أسعار النفط، لكنها تحركت في الوقت المناسب لمواجهة هذه التطورات من خلال ما طرحه ولي ولي العهد مما أسموه "رؤية 2030"، وهو ما حافظ على نمو واستقرار الاقتصاد الكلي، بدعم من الهوامش الوقائية الكبيرة في المالية العامة والنظام المالي القوي والمرن. ومع ذلك، فقد تحولت أرصدة المالية العامة والحساب الجاري إلى العجز وبدأ معدل النمو يتباطأ. لذلك، تبرز الحاجة - حسب التقرير - إلى استمرار التصحيح والإصلاح في المالية العامة؛ لإكساب الاقتصاد السعودي مزيدا من القوة وتحقيق التحول المنشود فيه؛ لكن هناك حاجة للمزيد من الوضوح في تحديد أولويات الإصلاحات المخططة وتسلسل خطواتها؛ لتقليل المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها التنفيذ وإتاحة الوقت الكافي للاقتصاد حتى يتكيف معها. كما تبرز أهمية تعظيم دور القطاع الخاص في الاقتصاد بالتركيز على الخصخصة والشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتحسين بيئة الأعمال، وتطوير أسواق رأس المال المحلية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما ينبغي مواصلة الإصلاحات في سوق العمل والنظام التعليمي؛ لتشجيع القطاع الخاص على توظيف السعوديين وزيادة مشاركة السعوديات في القوى العاملة.
وفي ضوء تحديات ما ينجم عن تراجع الإيرادات النفطية من آثار سلبية على المديين القصير والمتوسط، تبرز الحاجة كذلك لضبط أوضاع المالية العامة في إطار عملية تدريجية ولكنها كبيرة ومستمرة، والعمل على وضع خطة موثوقة متوسطة الأجل لتحقيق هذا الهدف. كذلك مواصلة إجراء إصلاحات في النفقات والإيرادات، بما في ذلك استمرار التعديل التدريجي لأسعار الطاقة مع تعويض الأسر محدودة الدخل، وتطبيق ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية على السلع، واحتواء فاتورة الأجور الحكومية، وتحسين إدارة الاستثمار العام، ورفع كفاءة الإنفاق.
وعلى الصعيد المالي كذلك، يدعو الصندوق لوضع إطار متوسط الأجل للمالية العامة وتعزيز عملية الموازنة السنوية، مع إدراج صندوق الاستثمارات العامة وشركة أرامكو في الموازنة بصورة أفضل. كما أن إصدار سندات دين حكومية من شأنه أن يساعد على إنشاء منحنى للعائد خال من المخاطر ودعم إقامة أسواق للدين المحلي.
والقطاع المصرفي السعودي في وضع جيد يمكنه من تجاوز انخفاض أسعار النفط وتباطؤ النمو، لكن الصندوق يدعو الجهات الرقابية للاستمرار في مراقبة جودة الائتمان عن كثب، وتعزيز الإطار الاحترازي الكلي، والانتهاء من وضع الإطار المطلوب لتسوية الأوضاع المصرفية وتوفير السيولة.
وأخيرا، يرى الصندوق أن نظام ربط سعر الصرف بالدولار الأمريكي هو الخيار الأفضل للمملكة نظرا لهيكل اقتصادها الحالي، مؤكدا على الحاجة إلى عملية تصحيح مستمرة لأوضاع المالية العامة بما يدعم هذا النظام. ومن المفيد إجراء مراجعة دورية لنظام سعر الصرف المربوط بالدولار لضمان استمرارية ملاءمته في ضوء التطور المنشود في الاقتصاد بعيدا عن اعتماده الحالي على النفط.
وكانت السعودية قد بدأت مباحثات مع مستثمرين محتملين لإطلاق طرح للسندات الدولية بالدولار في أوّل اقتراضٍ للمملكة من السوق الدولية تنفيذا لتوصيات الصندوق، فقد نقلت وكالة الأنباء الرسمية أن وزارة المالية أنجزت "إنشاء برنامج دولي لإصدار أدوات الدين" وقامت بتعيين عدد من البنوك الاستثمارية العالمية والمحلية لتنسيق سلسلة من الاجتماعات مع مستثمري أدوات الدين". وأن الوزارة "قامت بتكليف هذه البنوك الاستثمارية بإدارة وترتيب أول طرح للسندات الدولية المقومة بالدولار الأمريكي مندرجة تحت هذا البرنامج".
وكان المحلل لدى "أوكسفورد إيكونوميكس" باتريك دنيس، قال لوكالة فرانس برس في 15 أيلول/سبتمبر الماضي إن قيمة الإصدار السعودي قد تناهز 37 مليار دولار، بما يكفي لمواجهة المشاكل المالية التي تعانيها جراء تدهور أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 وانخفاض إيرادات المملكة - أكبر مصدر للنفط في العالم جراء ذلك. وأضاف أن السعودية سبق وأن اقترضت من السوق الداخلية إلا أن هذا الإصدار سيكون أول عملية اقتراض للحكومة من السوق الدولية.
وبحسب أرقام نشرتها صحيفة "الحياة" السعودية الثلاثاء نقلاً عن وزارة المالية، بلغ إجمالي الديون المباشرة على الحكومة مع نهاية آب/أغسطس، زهاء 273.8 مليار ريال (نحو 73 مليار دولار أمريكي). وأوضحت الصحيفة أن ديون الحكومة ارتفعت تدريجياً منذ العام 2014، إذ بلغت في نهايته 44,3 مليار ريال (11,8 مليار دولار)، بينما وصلت في نهاية 2015 إلى 142,2 مليار ريال (37,9 مليار دولار). ووفقاً للإحصاءات الرسمية، تراجع الاحتياطي السعودي من 732 مليار دولار في 2014، إلى 562 مليار دولار في آب/أغسطس 2016.
هذه هي نصائح صندوق النقد الدولي وهذه هي الاستجابة الفورية من نظام آل سعود الذين طرحوا ما أسموه بـ"رؤية 2030" وما هي إلا رؤية صندوق النقد الدولي الذي يفرض على الدولة القيام بما يسميه إصلاحات وما هي إلا إملاءات تدخل الدولة في دوامة الاستدانة وتضعها في مشاكل لا حصر لها تجعلها رهينة للدول الكبرى تملي عليها ما تريده من سياسات تحفظ بها مصالحها ونفوذها في طول البلاد وعرضها.
منذ أكثر من ثلاثين سنة، أصبح صندوق النقد الدولي هدفا لانتقادات لاذعة. فهو متهم بأنه أداة لفرض التبعية على دول العالم الثالث وتعطيل التقدم والنمو في هذه الدول وفرض اصطفافهم سياسيا واقتصاديا وراء الدول الغربية. وتعالت الأصوات وقتئذ لإعادة توجيه الصندوق في سياساته بعيدا عن "المنطق التجاري". كل هذه الانتقادات ناتجة في مجملها عن تخمينات ولكن نادرا ما تكون مبنية على تحليل عميق ومستنير. ومن هذه التخمينات الاعتقاد بأن صندوق النقد الدولي لا يتمثل ضرره في نشر النظام الاقتصادي الرأسمالي الغربي ولكنه بهذا التوجه يهدم أسس تطور النظام الرأسمالي وهذا لا يمكن أن يكون صحيحا لأن "المنطق التجاري" المنبثق عن العقيدة الرأسمالية حسب مقياس النفعية فرض ذلك التوجه في سياسات الصندوق وبالتالي يستحيل تغيير ذلك المسار، فلا فائدة من الحديث عن تحسين أداء الصندوق وتطويره. فالتبعية السياسية والاقتصادية لدول العالم الثالث ليست نتيجة للسياسة الخاطئة لصندوق النقد الدولي ولن تتحرر تلك الدول من التبعية بمجرد تغيير سياسة الصندوق. إن طبيعة الصندوق كمؤسسة نقدية هو السبب في كل هذا البلاء.
إليكم هذا المشهد المعبر عن السياسة الاقتصادية المتبعة بعد موجة التحرر من الاستعمار في ستينات القرن الماضي: ما إن تمسك الحكومات بمقاليد السلطة والإدارة التي تركها المستعمر، تبدأ في تنفيذ مشاريعها عن طريق الديون والتضخم وبدون أي محاولة لإقناع شعوبها بجدوى هذه المشاريع. ثم، وفي يوم ما، تنتبه إلى أن هذه المشاريع لم تحقق أهدافها المرجوة وأنها لن تستطيع المحافظة على بيروقراطيتها والامتيازات التي منحتها مقابل مساندة مؤيديها مع العلم إن سلطتها غير مبنية على قاعدة فكرية ولكن على المنافع التي وعدت بها شعوبها. فلا ترى إلا حلا واحدا حتى تثبت في الحكم: اللجوء إلى التمويل الخارجي في شكل إعانات تنموية وقروض طويلة الأجل وقروض قصيرة الأجل، وهي كذلك مستعدة لأن تقدم تنازلات سياسية واقتصادية: كاستعمال القروض في مشتريات من شركات غربية بعينها أو إعطاء الشركات الغربية امتيازات خاصة للانتفاع بمواردها الطبيعية وتطويع سياساتها الاقتصادية والمالية والاجتماعية لشروط خبراء صندوق النقد الدولي. وهذا بالضبط ما يحدث الآن، فمما لا شك فيه أن نظام آل سعود قدم ويقدم مثل تلك التنازلات لأمريكا وغيرها من دول الكفر الفاعلة في الصندوق، والشركات الغربية تسرح وتمرح بحجة تشجيع الاستثمار في طول البلاد وعرضها.
هذا إذاً هو السبب، وهذه هي حقيقة تبعية معظم دول العالم الثالث. وصندوق النقد الدولي ما هو إلا وسيلة مميزة تسهل جعل هذه الحكومات تابعة للطبقة السياسية الغربية، والاستعمار الجديد هو الثمرة الأبرز لهذا الصندوق.
فمنذ تأسيسه، لعب صندوق النقد الدولي هذا الدور لانبثاقه من طبيعته، فالإمبريالية المالية الممارسة من الصندوق لا علاقة لها البتة بسياسات الصندوق، بل قدرته على منح قروض كبيرة بدون أي أصول تجارية ترتب عليه التكلس السياسي في داخل الدول "المتمتعة" بالقروض وترسخ التبعية السياسية للغرب. وهذا هو الإطار الذي مكن صندوق النقد الدولي من الحصول على كل هذا الدعم المالي من أهم الحكومات الغربية.
والخلاصة أن صندوق النقد الدولي، المُنشأ أساسا لفرض الهيمنة على الدول الضعيفة التي تلجأ إليه كالمستجير من الرمضاء بالنار، هو ليس فقط غير قادر على حل مشاكلها، بل هو قادر فقط على زيادة تعقيدها ومضاعفتها. ولهذا السبب فإن لجوء آل سعود للصندوق والأخذ بنصائحه لن يقودهم إلا إلى المهالك كما أهلك غيرهم ولكنهم قوم لا يتعظون، وكان الواجب عليهم أن ينأوا بأنفسهم عن دخول جحر الضب هذا، ولكنهم أبوا إلا أكل الربا وقد نهوا عنه، وأبوا إلا أن يسلموا البلاد والعباد للغرب الكافر يفعل بهم ما يشاء، ولكي نوقف الإمبريالية وسياستها الضنوك ونقلص من استغلال السواد الأعظم من الشعوب ونقضي على التبعية السياسية للغرب في دول العالم الثالث، يجب وبكل بساطة إلغاء صندوق النقد الدولي.
قرار إلغائه في الحال سيكون كارثة بالتأكيد من وجهة نظر الأوساط السياسية، ولكنه سيكون في صالح الغالبية العظمى للشعوب بما فيها الشعوب الغربية التي بدأت تنتفض.
والأكيد هو أن الإلغاء سيكون بقرار من (الخليفة)؛ رئيس دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة قريبا بإذن الله.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله الشريف – بلاد الحرمين الشريفين
- See more at:
http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.ph...h.UvSU2IZA.dpuf