جريدة الراية - كلمة العدد متى تنتهي معاناة مسلمي الإيغور؟! أحكي لكم اليوم عن إحدى المناطق المملوءة بأبشع الجرائم والمجازر، التي تتم فيها إبادة جماعية، ويعاني أهلها أشد أشكال التعذيب النفسي والجسدي التي لا يمكن أن يتصورها العقل، وقد أصبحت تماما سجنا مفتوحا رغم أنه يعيش فيها أكثر من عشرين مليون مسلم، بعبارة صحيحة منطقة فيها الإنسانية مدفونة. من مجرد هذه المعلومات القليلة يمكن أن تتصور أن ما نتحدث عنه هو تركستان الشرقية. نعم، لست مخطئا، هي تركستان الشرقية المعروفة بمأساة أهلها على يد السلطات الصينية الكافرة. حتى لو كان ما يجري فيها من المعاناة يُعرض عبر وسائل التواصل الإلكترونية حينا بعد حين، ولكن تعذيب المسلمين الإيغور الذين يعيشون هناك لم يتوقف على الإطلاق. حتى تنوعت الأساليب وتطورت بشكل يكاد لا يخطر على البال. ربما تسمع أن الأبناء في تركستان الشرقية يقتلون أو يؤخذون إلى معسكرات الأطفال باسم الروضات لمشروع "تصيينهم"، والنساء يغتصبن ويجبرن على القيام بأعمال سيئة وتنتزع منهن أرحامهن، وكل المسلمين هناك يحرمون من تأدية العبادات والشعائر الإسلامية، حتى من قول "السلام عليكم" عند اللقاء... باختصار هي منطقة يجري فيها قتل ممنهج بأساليب تكاد لا تحصى أنواعها ولا توصف بشاعتها.
تستغل الصين الشيوعية كل فرصة لتحقيق أهدافها، وفي هذه المرة أيضا تتبع إجراءات القتل البطيء للمسلمين الإيغور بحجة مكافحة مرض كورونا. فمنذ أكثر من أربعين يوما أصبح كل إقليم تركستان الشرقية منطقة مغلقة؛ مدخل القرية والزقاق وأبواب العمارات والمجمعات السكنية في المدينة ملحّمة بالحديد ولا يمكن فتحها إلا بواسطة حداد، فخروج أي إنسان من بيته مستحيل. عندما صدر قرار "الحجر الصحي على مدينة غولجا" مثلا، منعت الحكومة الصينية سكان المدينة من الذهاب إلى أي مكان، يعني يجب عليهم أن يبقوا حيثما كانوا؛ سواء في الطريق أو في المرعى أو في المنزل، ولا يجوز لهم أن ينتقلوا إلى أي مكان آخر، حتى العودة إلى منازلهم. ويهددون بأنهم إذا لم يتبعوا القواعد يعتقلون، وإذا حاولوا الخروج وعصوا أوامر الضباط أو توجيهاتهم يضربون بالرصاص فورا، وقد حرم سكانها من الأكل والشرب والأدوية والمستلزمات الضرورية منذ عشرين يوما. ومن جراء تلك التضييقات المبالغ فيها، بعبارة أخرى من مشروع القضاء على المسلمين الإيغور، يموت كثير من الأولاد والشيوخ والنساء، وحتى الأطفال الرضع يموتون من الجوع في بيوتهم، وأما بقيتهم فيتأوهون ويشتكون من آلام الجوع. صعدت الصرخات المبكية إلى السماء. تصرخ الأمهات بسبب عدم تحملهن بكاء أولادهن قائلات "أنا إنسان! يكاد يموت أولادي!"، يعطي الخادمون لبعضهم المأكولات التي لا تأكلها حتى الحيوانات! هذه فقط إحدى عمليات السلطات الصينية لإبادة مسلمي الإيغور!
هكذا هي كل الجرائم تتم أمام عيون ملياري مسلم ولا يرتعب الصينيون من غضبهم؛ لأنهم يستمدون جرأتهم من حكام المسلمين الخائنين الذين يؤيدون ممارسات الصين ضد مسلمي تركستان الشرقية أو يغضون الطرف عنها، فهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾.
كل ذلك يعكس مدى تخاذل حكام المسلمين، وكذلك يعكس مدى حقارة وإجرام قادة ما يسمى بالعالم الحر. هذا العالم الذي يقيم الدنيا لموت كلب ولكنه لا يحرك ساكناً إزاء موت آلاف الناس بسبب الجوع! والدول الغربية وأمريكا والأمم المتحدة التي تدعي الإنسانية دائما ويدعون أنهم حراس الحرية والإنسانية لم يفعلوا أي شيء لإيقاف جرائم الصين؛ لأنهم لا يتحركون إلا لمنفعتهم، وقد ثبت ذلك مرات عديدة!
لقد ذاقت الأمة آلام غياب الخلافة. فلو أن لهم خليفة كهارون الرشيد الذي كتب لإمبراطور بيزنظة قائلا: "الجواب ما تراه لا ما تسمعه يا ابن الكافرة"، وكالخليفة المعتصم الذي أجاب استغاثة امرأة مسلمة أسيرة مظلومة بجيش عرمرم، وفتح حينئذ عمورية، فهل تستطيع الصين الملحدة حينها أن تسحق إخواننا المسلمين في بلادهم؟! وهل تستطيع أن تجبر النساء المسلمات على القيام بالأعمال السيئة؟ لا، أبدا لن تجرؤ، ونحن لم ننس رد ملك الصين قديما على القائد قتيبة بن مسلم الباهلي. لقد كان المسلمون يعيشون في عزة في ظل دولتهم الإسلامية. واليوم أيضا فإن الطريق الوحيد للنجاة من ظلم الصين إنما هو بإقامة الخلافة الراشدة، وأي طريق غير ذلك لا يعيدنا إلى عزتنا.
إن الإيغور هم شعب متدين، يعتنقون الإسلام منذ قرون عديدة ويتمسكون بدينهم بنواجذهم رغم المعاناة والاعتقالات والتعذيب والاغتصاب من الكفار ولم يستسلموا أبدا. إنهم جزء من الأمة الإسلامية، وإن المعاناة التي تمارس عليهم الآن إنما هي بسبب انتمائهم إلى إسلامهم فقط، قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾.
أيها المسلمون الأعزاء: إن نبينا ﷺ قال في وصف المسلمين: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى».
فلذلك، أدعوكم جميعا إلى العمل لإعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؛ لأن ذلك هو الطريق الوحيد لنصرة إخواننا المظلومين في جميع أنحاء العالم، فالخلافة هي التي ستخلصهم من ظلم الكفار إلى عدل الإسلام، بعبارة أخرى إلى سعادة الدنيا والآخرة.
بقلم: الأستاذة آسية الإيغورية