دعوة حزب التحرير ببساطة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق والمرسلين وبعد:
عندما نعرض حمل الدعوة على الناس ليحملوا الدعوة معنا لاستئناف الحياة الإسلامية نجد الكثير من عامة الناس وحتى من المثقفين من لا يفقه خطاب الأحكام الشرعية، فلا يميز بين الفرض والمندوب وبين الفرض العيني والفرض الكفائي وبين معنى الدليل الشرعي والدليل العقلي، ونجد الكثرة التي لا تفقه اللغة العربية جيدا لتفسير معنى "الأمة" مثلا في قوله تعالى : { ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} وهكذا من الضعف عند عامة الناس ما يوجد الصعوبة عندنا.
وهذه الأيام والثورات مشتعلة في بلاد المسلمين نحتاج إلى إيجاد رأي عام قوي لفكرة الخلافة وأنها الحل لمشاكل المسلمين وأنها الخلاص للظلم الذي يعانونه من ظلم هؤلاء الحكام بالسرعة الممكنة، وخاصة وان الغرب يشن علينا عن طريق عملائه والمضبوعين بثقافته حملة شعواء عن طريق أطروحات الديمقراطية والتعددية والدولة المدنية والحرية وغيرها من المصطلحات الكثير التي يحاولون عن طريقها احتواء هذه الثورات.
ولذلك أريد طرح فكرة الخلافة بطريقة تخاطب العقل ببساطة لعامة الناس ومحاولة ضرب الأفكار المعيقة لقيام الخلافة ببساطة، مبتعدا قدر الإمكان عن الاستدلالات الشرعية، وضرب أفكارهم كذلك الأمر بأبسط الطرق عل وعسى أن يكون هذا العام آخر عام بدون خلافة.
طبعا لا يفهم أني أريد جذب الناس للفكرة بهذه الأطروحات فقط، ولكن أريد تكوين رأي عام قوي للخلافة عند بسطاء الناس وعامتهم ومن يجدون صعوبة في فهم الاستدلال الشرعي، والمهم أن هذا البحث هو لمن يفتح قلبه وأذنيه يريد الفهم، وأيضا فان من يحمل الدعوة من السهل عندئذ تغذيته بطريقة التفكير السليمة والأدلة الشرعية على طريقة الحزب في التغيير.
دولة الخلافةدولة الخلافة هي التي نسعى لها، وهي عكس دول الضرار اليوم المفرقة المتشرذمة في أكثر من دولة لا تطبق شرع الله، وإن في فكرة الخلافة الكثير من المقارنات مع أنظمة اليوم ما يجعلنا نسعى إليها فعلا:
1- دولة الخلافة توحد بلاد المسلمين الممتدة من اندونيسيا شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، وهذا يعني مساحة جغرافية هائلة وثروات هائلة في هذه البلاد، وقوة لا يمكن لدول العالم اليوم أن تفكر بالاعتداء عليها مهما كانت الدول الغربية قوية.
عكس دول اليوم في العالم الإسلامي الكثيرة العدد، ضعيفة القوة، متناحرة فيما بينها، ثرواتها مبعثرة يستأثر بها الغرب والحكام الموجودون هم وأفراد عائلاتهم، ولشخص أن يتخيل دولا كلبنان والكويت والبحرين وقطر، على سبيل المثال ما القوة التي تمثلها هذه الدول منفردة.
2- إن الدافع للوحدة بين المسلمين موجود وهو الإسلام والعقيدة الإسلامية الجامع لجميع المسلمين، وطبعا جميع المسلمين بدافع كونهم مسلمين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم، ولذلك فالدستور الوحيد الذي لا يمكن لمسلمَيْن أن يختلفا عليه؛ مسلم من الشرق ومسلم من الغرب، هو دستور مأخوذ من الشريعة الإسلامية.
فلا يجوز أن يختلفا عليه بل يجب الدعوة إليه لصريح الكثير من آيات القران الكريم في الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
3- الكثير من دول العالم الإسلامي تتذرع بعدم القدرة على تحرير فلسطين بميزان القوى، ومع أن هذا ليس بذريعة، إلا أن التوحد في دولة واحدة وقوة واحدة سيزيل هذا الحاجز لمن يتوهمون عدم القدرة على تحرير فلسطين، وهذا ينتقل لتحرير بقية الأقاليم المحتلة مثل العراق وأفغانستان والشيشان وكشمير وغيرها من البلاد المحتلة.
4- الوحدة في قوة واحد مظهرها غريزي في الإنسان، حتى عند غير المسلمين، فها هو الاتحاد الأوروبي رغم اختلاف لغاته وعقائد بعض أهله إلا انه سعى للاتحاد في قوة واحدة لمواجهة هيمنة دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية، وأي محاولة عندهم للانفصال تقابل بالصد الشديد، عكس الدول عندنا التي يحتفل قادتها للأسف بتجزيء البلاد كالسودان، وفي قراءة قصة "أكلت يوم أكل الثور ابيض" العبرة لمن أراد التفكر.
5- القادة العظام الذين نستذكر قصصهم البطولية كعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد والمعتصم ومحمد الفاتح كلهم أبناء الخلافة، يوم كان نظام الخلافة مطبقا، وليسوا أبناء ما بعد هدم الخلافة، فأبناء ما بعد هدم الخلافة أبناء فسقة مجرمين معادين لكل من يقول لا اله إلا الله محمد رسول الله، كزين العابدين ومبارك والقذافي وعلي عبدالله صالح والأسد وغيرهم من المجرمين، فالخلافة أنتجت رجالا نعتز بهم وبعد هدمها وجد رجال ما زلنا نلعنهم.
وفي قصة عمر بن الخطاب العبرة فهو خاف أن يُسأل عن الدواب التي تتعثر في حكمه ولو في العراق، أما اليوم ورغم صغر المساحات التي يحكمونها بالحديد والنار فحكامنا يضعون العثرات والحجار والنار في الطرقات.
طريقة الوصول إلى الخلافةطريقة الوصول إلى الخلافة مهمة أيضا، وهناك الكثير من الأطروحات التي تطرح للوصول إلى الخلافة، وطبعا لن أتحدث عن إنسان لا يريد الخلافة أساسا، بل عن إنسان يريد تحكيم شرع الله.
1- الانتخابات
أما الانتخابات فلن أخوض في أدلة تحريمها، بل في الحوادث التي حصلت، فقد حصلت الانتخابات في الجزائر وفاز الإسلاميون وما كان من الجيش إلا أن انقلب على هذا الفوز فأطيح بالإسلاميين، وفي مصر وما حصل مع مرسي دليل على فشل تلك الطريقة، وكذلك الأمر بالنسبة للإسلاميين في فلسطين فيما يسمى زورا وبهتانا دولة فلسطينية، وما كان من عزلتها، والسبب عدم امتلاك الإسلاميين للقوة التي تحفظ وجودهم، فالقوة في الجزائر ومصر تدار من قبل الغرب الكافر، ولا يوجد قوة أصلا في فلسطين، فلا يوجد حكم بالإسلام.
وأما التجربة التركية فتختلف قليلا إذ ما يسمون بالإسلاميين لا يريدون تطبيق الإسلام، بل هم حرب على الإسلام ولا أدل على ذلك من اعتقالهم لشباب حزب التحرير وزجهم في السجون، وإعلان الحكومة الصريح بأنهم علمانيون، وليسوا إسلاميين، ولا يخفى على المتابع السياسي الدعم الأمريكي لحكومة تركيا والعلاقات القوية مع إسرائيل، ولهذا وان كان الجيش في جهة أخرى غير جهة الحكومة فهذه الحكومة تلقى دعما دوليا من جهات لها ثقلها على المسرح الدولي.
ولذلك فالذين يعولون على الانتخابات في الوصول إلى الحكم بالإسلام واهمون، فما لم يملكوا أهل القوة إلى جانبهم، فلن يستطيعوا تطبيق الإسلام، لان تطبيق الإسلام يعني العداء الظاهر من الغرب الكافر وهذا يحتاج دعم أهل القوة في البلد، ولذلك فكسب أهل القوة وإقناعهم بضرورة التغيير بالإسلام هو الطريق الشرعي الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم وليس المشاركة في انتخابات تقوم على أساس الكفر والتشريع من دون الله.
2- الاعتماد على الغرب
الاعتماد على الغرب وعلى الشرعية الدولية في الوصول إلى الحكم وارد وليس مستحيلا، ولكن إقامة حكم إسلامي حقيقي عن طريق دعم الغرب هذا من الأمور غير الواردة.
فالغرب عادة لا يدعم المسلمين بالذات لإقامة حكم إلا إذا كان هذا الحكم يخدم مصلحة الغرب، فالمقياس عند الغرب في الأعمال المصلحة وليس النواحي الإنسانية، ولا يختلف معي في هذا الأمر إلا من وضع نظارات الجهل والخنوع، حتى الغربيين أنفسهم يصرحون علنا بان إقدامهم على الأمور هو من باب المصلحة المرجوة من هذا الأمر.
وإقامة دولة إسلامية قوية تقف في وجه الغرب وتطبق الإسلام وتحرر فلسطين وتقطع أيادي الغرب من بلاد المسلمين، لا أظن الغربيين سيدعمونها، بل سيحاربونها.
ولذلك كان على المطالبين بتدخل غربي المعرفة أن هذه الخدمة المقدمة لهم من الغرب لها ثمن قاتل وهو العمالة للغرب، وهذا يعني استمرار الهيمنة الغربية.
3- الثورات
الثورات التي حصلت في العالم الإسلامي هذه الأيام تدلل على الخيرية في الأمة وان الأمة متى أرادت اقتلاع الظالمين من كراسي الحكم فهي قادرة بإذن الله تعالى، ولكن ماذا يعني نجاح الثورة؟
إن نجاح الثورات الحقيقي هو بوصول البرنامج السياسي الذي يخدم مصلحة الثوار، أما مجرد إسقاط الدكتاتور فقط فليس نجاحا للثورة، لان النظام الديكتاتوري لا يتمثل بشخص معين بل بالنظام بأكمله والقوانين التي يطبقها والتي تمثل بمجموعها نظام الحكم، ولذلك فالنجاح الحقيقي للثورة يكون بوصول البرنامج السياسي الصحيح للحكم، وهذا البرنامج السياسي لنا نحن المسلمين هو الخلافة، فان أقيمت الخلافة فقد نجحت الثورة، وان بقي النظام القديم وهو النظام الديمقراطي الغربي في الحكم فان هذا مدعاة لتفريخ المزيد من الديكتاتوريات مستقبلا.
وحتى يمكن وصول هذا البرنامج الصحيح للحكم لا بد من تأييد أهل القوة في البلد لهذا البرنامج السياسي، وإلا حصل الصدام بين الثوار وأهل القوة وتسفك حينها الدماء، حتى يتنازل احد الطرفين للآخر، وما حصل في ليبيا وما يحصل في سوريا لدليل على أن رفض أهل القوة لمطالب الثوار يعني سفك الدماء، وما حصل في تونس ومصر دليل على أن أهل القوة إن وقفوا على الحياد في مسالة ما ماذا يعني ذلك.
ولا أقول أن الثورات في مصر وتونس قد نجحت بل إن وقوف الجيش على الحياد أيام هروب بن علي وتنحية مبارك يجعل النظام الحاكم ضعيف أمام الناس.
4- المرحلية في التغيير
وهذه تطرح لتبرير الأعمال فالكثير يقولون ندخل الانتخابات ومن ثم بالتدريج نبدأ بالتغيير، أو نثور ونعدل الدستور بالتدريج، وهكذا من الأطروحات.
والحقيقة الظاهرة أن كثير من الحركات الإسلامية التي نوت الدخول في الانتخابات البرلمانية بدأت بالتنازل عن جميع أطروحاتها لترضي النظام ومن ورائه الغرب الكافر، ولم يحدث العكس، فالذي تنازل للأسف هم الحركات الإسلامية حتى أصبحوا بفعالهم لا يختلفون عن العلمانيين.
هذا فضلا عن تحريم العملية الديمقراطية وتحريم التصويت على الأفعال، لان الأفعال مقيدة بالشرع وليس برأي الأغلبية، والغاية لا تبرر الوسيلة أي لا يجوز لإقامة حكم الله في الأرض إتباع وسائل مخالفة للشرع.
ولا يظنن احد أن الحكام أغبياء نستطيع إدخال القوانين الشرعية على الحكم بطريقة التصويت، بل هم أذكياء ومن ورائهم أسيادهم، إذ لا يسمحون لأحد بدخول الانتخابات إلا بعد أن يتنازل ويصبح التنازل عنده أمرا مستساغا، ويصبح مجرد من كل ما يمكنه تهديد مصالح الغرب.
5- الوصول عن طريق قوة السلاح
كثير من الحركات والأفراد يعيبون على حملة الدعوة عدم اللجوء إلى القوة المادية، فأقول وبالله التوفيق إن استخدام السلاح للوصول إلى الحكم للحكم بالإسلام صعب ويكاد يكون مستحيلا، وذلك:
• الدولة في العادة أقوى من الحركات المسلحة وتمتلك الكثير من الأسلحة والجنود المدربين والأجهزة الأمنية وأجهزة الاستخبارات والدعم الإعلامي والدولي للقيام بمحاربة أي حركة تفكر في الانقضاض على الحكم، علاوة على حرمة قتل الجنود المسلمين وان كان الحاكم ظالما مجرما فهذا لا يسوغ قتل الجنود.
• ضعف التسليح للحركات المسلحة أو الأفراد وضعف التنظيم للحركة بالنسبة إلى الدولة وضعف التمويل للحركات.
• الفتن والحقد والتجييش وعمل الاستخبارات لكثير من الأعمال الدموية التي يمكن إلصاقها بهؤلاء القوم مما يسود صفحتهم أمام العامة من الناس.
يتبع......